عمر بن الخطّاب

هو أبو حفص عمر بن الخطّاب بن نفيل بن عبد العزّى بن ربا بن عبدالله بن قرط بن رزاح بن عديّ القرشيّ، العدويّ، المدنيّ، وأمّه حنتمة بنت هاشم، وقيل: هشام المخزوميّة أُخت أبي جهل، وقيل: ابنة عمّ أبي جهل.

 

صحابيّ، وثاني الخلفاء الراشدين عند العامّة.

كان في الجاهليّة يتاجر الشام والحجاز، وقيل: كان مبرطشًا، أي ساعيًا بين البائع والمشتري.

 

كان في أوّل أمره من أشد الناس على النبيّ (ص)، ثم أسلم قبل الهجرة بأربع سنين، وهاجر إلى المدينة المنورة.

 

يقال: إنه شهد بعض الوقائع مع النبيّ (ص)، وتزوج النبيّ (ص) من ابنته حفصة.

روى أحاديث عن النبيّ (ص)، وروى عنه جماعة.

 

عندما طلب النبيّ ( ص) ممن حضر عنده -وهو في فراش الموت- دواة وكتفًا ليكتب لهم كتابًا لن يضلوا بعده أبدًا، قال المترجم له: أنّ النبيّ (ص) ليهجر.

 

بعد وفاة النبيّ (ص) قال: إنّ رسول الله (ص) لم يم ولكنّه صعق كما صعق موسى (ع)، ومنع الناس عن دفنه.

 

كان قطب سقيفة بني ساعدة في نصب أبي بكر بن أبي قحافة خليفة لرسول الله (ص).

وبعد موت أبي بكر تولّى حكومة المسلمين في الثاني والعشرين من شهر جمادى الثانية سنة 13هـ.

 

في أيّامه افتتحت الجيوش الإسلامية العراق والشام ومصر والجزيرة وديار بكر وإرمينية وآذربيجان وبلاد فارس وخوزستان وغيرها. وفي أيّام حكومته مصرّت البصرة والكوفة والجزيرة والشام ومصر والموصل، ودونّت الدواوين.

كان المحرّض الأوّل لأبي بكر في غصب فاطمة الزهراء (ع) فدكها.

 

قالت الزهراء (ع) في حقه وحقّ أبي بكر- عندما ادّعيا بأنهما سمعا من النبيّ (ص) قال: "نحن -معاشر الأنبياء- لا نورّث"، "هذه أول شهادة زور شهد بها في الإسلام".

 

ومن أعماله تحريمه المتعة التي حللها الله ورسوله (ص).

ومن فتاويه المعروفة: من لم يجد ماء فليست عليه صلاة.

 

ومن أعماله تهديده للإمام أمير المؤمنين (ع) بحرق داره إن لم يبايع أبا بكر.

ومن أقواله المعروفه: كلّ الناس أفقه من عمر واعلم من عمر.

 

وقال يومًا: يا ليتني كنت كبشًا لأهلي -سمّنوني ما بدا لهم، حتى إذا كنت أسمن ما أكون زارهم بعض من يحبون، فجعلوا بعضي شواء، وبعضي قديدًا، ثمّ أكلوني فأخرجوني عذرة- ولم أكن بشرًا.

 

ومن كلماته التي تدل على أفضليّة الإمام أمير المؤمنين (ع) عليه وعلى من هو في شاكلته قوله: لولا عليّ فافتضحنا، وقوله: لولا عليّ لهلك عمر، وقوله: أعوذ بالله من معضلة ليس لها أبو حسن.

 

وقال عند موته: أتوب إلى الله من ثلاث: اغتصابي الأمر أبا بكر من دون الناس، واستخلافي عليهم، وتفضيلي المسلمين بعضهم على بعض.

 

ولم يزل على حكومته حتى قتله أبو لؤلؤة فيروز غلام المغيرة بن شعبة في المدينة المنورة في السادس والعشرين من شهر ذي الحجة سنة23هـ، وعمره يومئذ 63 سنة؛ لأن ولادته كانت قبل عام الفيل بثلاث عشرة سنة، ومدّة حكمه عشر سنين وستّة أشهر، ودفن في المدينة إلى جنب قبر النبيّ (ص).

 

القرآن العظيم وعمر بن الخطاب:

شملته الآية 187 من سورة البقرة: ﴿أُحِلَّ لَكُمْ لَيْلَةَ الصِّيَامِ الرَّفَثُ إِلَى نِسَآئِكُمْ هُنَّ لِبَاسٌ لَّكُمْ وَأَنتُمْ لِبَاسٌ لَّهُنَّ عَلِمَ اللّهُ أَنَّكُمْ كُنتُمْ تَخْتانُونَ أَنفُسَكُمْ فَتَابَ عَلَيْكُمْ وَعَفَا عَنكُمْ فَالآنَ بَاشِرُوهُنَّ وَابْتَغُواْ مَا كَتَبَ اللّهُ لَكُمْ وَكُلُواْ وَاشْرَبُواْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ ثُمَّ أَتِمُّواْ الصِّيَامَ إِلَى الَّليْلِ وَلاَ تُبَاشِرُوهُنَّ وَأَنتُمْ عَاكِفُونَ فِي الْمَسَاجِدِ تِلْكَ حُدُودُ اللّهِ فَلاَ تَقْرَبُوهَا كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللّهُ آيَاتِهِ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ﴾.

 

جاء يومًا مع جماعة إلى النبيّ (ص)، فسألوه عن الخمر، فنزلت جوابًا لهم الآية 219 من نفس السورة: ﴿يَسْأَلُونَكَ عَنِ الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ قُلْ فِيهِمَا إِثْمٌ كَبِيرٌ وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ وَإِثْمُهُمَآ أَكْبَرُ مِن نَّفْعِهِمَا وَيَسْأَلُونَكَ مَاذَا يُنفِقُونَ قُلِ الْعَفْوَ كَذَلِكَ يُبيِّنُ اللّهُ لَكُمُ الآيَاتِ لَعَلَّكُمْ تَتَفَكَّرُونَ﴾.

 

وجاء يومًا إلى النبيّ (ص) وقال: أتيت زوجتي من دبرها، فما عليّ؟ فنزلت الآية 223 منه سورة البقرة: ﴿نِسَآؤُكُمْ حَرْثٌ لَّكُمْ فَأْتُواْ حَرْثَكُمْ أَنَّى شِئْتُمْ وَقَدِّمُواْ لأَنفُسِكُمْ وَاتَّقُواْ اللّهَ وَاعْلَمُواْ أَنَّكُم مُّلاَقُوهُ وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ﴾.

 

وفي واقعة أُحد نزلت فيه وفي جماعة آخرين الآية 154 من سورة آل عمران: ﴿ثُمَّ أَنزَلَ عَلَيْكُم مِّن بَعْدِ الْغَمِّ أَمَنَةً نُّعَاسًا يَغْشَى طَآئِفَةً مِّنكُمْ وَطَآئِفَةٌ قَدْ أَهَمَّتْهُمْ أَنفُسُهُمْ يَظُنُّونَ بِاللّهِ غَيْرَ الْحَقِّ ظَنَّ الْجَاهِلِيَّةِ يَقُولُونَ هَل لَّنَا مِنَ الأَمْرِ مِن شَيْءٍ قُلْ إِنَّ الأَمْرَ كُلَّهُ لِلَّهِ يُخْفُونَ فِي أَنفُسِهِم مَّا لاَ يُبْدُونَ لَكَ يَقُولُونَ لَوْ كَانَ لَنَا مِنَ الأَمْرِ شَيْءٌ مَّا قُتِلْنَا هَاهُنَا قُل لَّوْ كُنتُمْ فِي بُيُوتِكُمْ لَبَرَزَ الَّذِينَ كُتِبَ عَلَيْهِمُ الْقَتْلُ إِلَى مَضَاجِعِهِمْ وَلِيَبْتَلِيَ اللّهُ مَا فِي صُدُورِكُمْ وَلِيُمَحَّصَ مَا فِي قُلُوبِكُمْ وَاللّهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ﴾.

 

ولسبب انهزامه يوم معركة أُحد نزلت فيه الآية 155 من سورة آل عمران: ﴿إِنَّ الَّذِينَ تَوَلَّوْاْ مِنكُمْ يَوْمَ الْتَقَى الْجَمْعَانِ إِنَّمَا اسْتَزَلَّهُمُ الشَّيْطَانُ بِبَعْضِ مَا كَسَبُواْ وَلَقَدْ عَفَا اللّهُ عَنْهُمْ إِنَّ اللّهَ غَفُورٌ حَلِيمٌ﴾.

 

جاء إلى النبيّ (ص) وسأله عن الكلالة، فنزلت الآية 176 من سورة النساء: ﴿يَسْتَفْتُونَكَ قُلِ اللّهُ يُفْتِيكُمْ فِي الْكَلاَلَةِ إِنِ امْرُؤٌ هَلَكَ لَيْسَ لَهُ وَلَدٌ وَلَهُ أُخْتٌ فَلَهَا نِصْفُ مَا تَرَكَ وَهُوَ يَرِثُهَآ إِن لَّمْ يَكُن لَّهَا وَلَدٌ فَإِن كَانَتَا اثْنَتَيْنِ فَلَهُمَا الثُّلُثَانِ مِمَّا تَرَكَ وَإِن كَانُواْ إِخْوَةً رِّجَالاً وَنِسَاء فَلِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الأُنثَيَيْنِ يُبَيِّنُ اللّهُ لَكُمْ أَن تَضِلُّواْ وَاللّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ﴾.

 

شرب مرّة الخمر حتى سكر، فضرب رأس عبد الرحمن بن عوف بعظم وجرحها، فنزلت فيه الآية 91 من سورة المائدة: ﴿إِنَّمَا يُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَن يُوقِعَ بَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاء فِي الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ وَيَصُدَّكُمْ عَن ذِكْرِ اللّهِ وَعَنِ الصَّلاَةِ فَهَلْ أَنتُم مُّنتَهُونَ﴾.

 

في أحد الأيام مرّت به صفيّة بنت عبد المطلب، فقال لها: غطّي قرطك، فإنّ قرابتك من رسول الله (ص) لا تنفعك شيئًا، فقالت له: هل رأيت لي قرطًا يا ابن اللخناء؟ ثمّ دخلت على النبيّ (ص) فأخبرته بذلك وبكت، فنزلت في عمر الآية 101 من سورة المائدة: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَسْأَلُواْ عَنْ أَشْيَاء إِن تُبْدَ لَكُمْ تَسُؤْكُمْ وَإِن تَسْأَلُواْ عَنْهَا حِينَ يُنَزَّلُ الْقُرْآنُ تُبْدَ لَكُمْ عَفَا اللّهُ عَنْهَا وَاللّهُ غَفُورٌ حَلِيمٌ﴾.

 

نزلت فيه الآية 122 من سورة الأنعام: ﴿أَوَ مَن كَانَ مَيْتًا فَأَحْيَيْنَاهُ وَجَعَلْنَا لَهُ نُورًا يَمْشِي بِهِ فِي النَّاسِ كَمَن مَّثَلُهُ فِي الظُّلُمَاتِ لَيْسَ بِخَارِجٍ مِّنْهَا كَذَلِكَ زُيِّنَ لِلْكَافِرِينَ مَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ﴾.

 

ونزلت فيه وفي أبي قحافة الآية 47 من سورة الحجر: ﴿وَنَزَعْنَا مَا فِي صُدُورِهِم مِّنْ غِلٍّ تَجْرِي مِن تَحْتِهِمُ الأَنْهَارُ وَقَالُواْ الْحَمْدُ لِلّهِ الَّذِي هَدَانَا لِهَذَا وَمَا كُنَّا لِنَهْتَدِيَ لَوْلا أَنْ هَدَانَا اللّهُ لَقَدْ جَاءتْ رُسُلُ رَبِّنَا بِالْحَقِّ وَنُودُواْ أَن تِلْكُمُ الْجَنَّةُ أُورِثْتُمُوهَا بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ﴾.

 

تسلّم يومًا من يهودي، فجاء بالكتاب إلى النبيّ (ص) وأخذ بقراءة الكتاب عليه، فتأثر النبيّ (ص) كثيرًا وتغير لونهن فنزلت فيه الآية 51 من سورة العنكبوت: ﴿أَوَلَمْ يَكْفِهِمْ أَنَّا أَنزَلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ يُتْلَى عَلَيْهِمْ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَرَحْمَةً وَذِكْرَى لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ﴾.

 

كان النبيّ (ص) وعائشة يأكلان طعامًا، إذ مرّ عليهما عمر، فطلب النبيّ (ص) منه أن يأكل معه، فعندما ناولته عائشة الطعام لامست أصابعه أصابعها، فقال النبيّ (ص): (أتمنى أن لا يراك أيّ أجنبيّ)، فنزلت الآية 53 من سورة الأحزاب: ﴿وَإِذَا سَأَلْتُمُوهُنَّ مَتَاعًا فَاسْأَلُوهُنَّ مِن وَرَاء حِجَابٍ ذَلِكُمْ أَطْهَرُ لِقُلُوبِكُمْ وَقُلُوبِهِنَّ وَمَا كَانَ لَكُمْ أَن تُؤْذُوا رَسُولَ اللَّهِ وَلَا أَن تَنكِحُوا أَزْوَاجَهُ مِن بَعْدِهِ أَبَدًا إِنَّ ذَلِكُمْ كَانَ عِندَ اللَّهِ عَظِيمًا﴾.

 

وفي احد الأيام جاء ليزور النبيّ (ص)، فردّه الإمام أمير المؤمنين (ع) ثلاث مرّات قائلاً له: "إن النبيّ (ص) محتجب وعنده زواره من الملائكة وعدتهم كذا وكذا، ولمّا أذن له الإمام (ع) بالدخول على النبيّ (ص) دخل وقال: يارسول الله! إني قد جئتك غير مرّه وعلىّ يردّني ويقول: إنّ رسول الله (ص) محتجب وعنده زوار من الملائكة وعدتهم كذا وكذا، فكيف علم بالعدّة أعاينهم؟ فقال النبيّ (ص): يا عليّ كيف علمت بعدّتهم؟".

 

فقال (ع): "اختلفت عليّ التحيّات، وسمعت الأصوات، فأحصيت العدد" فقال النبيّ (ص): "صدقت، فإن فيك سنّة من أخي عيسى (ع)" فخرج عمر وهو يقول: ضربه لابن مريم مثلاً، فانزل الله تعالى فيه الآية 57 من سورة الزخرف: ﴿وَلَمَّا ضُرِبَ ابْنُ مَرْيَمَ مَثَلًا إِذَا قَوْمُكَ مِنْهُ يَصِدُّونَ﴾.

 

كانت لديه جارية تدعى زنين أسلمت فلمّا علم عمر بإسلامها اخذ يضربها ضربًا مبرّحًا، وكانت قريش تقول: لو أنّ دين محمّد (ص) فيه الخير لما سبقتنا هذه الجارية إلى ذلك الدين، فنزلت الآية 11 من سورة الأحقاف: ﴿وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِلَّذِينَ آمَنُوا لَوْ كَانَ خَيْرًا مَّا سَبَقُونَا إِلَيْهِ وَإِذْ لَمْ يَهْتَدُوا بِهِ فَسَيَقُولُونَ هَذَا إِفْكٌ قَدِيمٌ﴾.

 

وفي إحدى المرّات تشاجر مع أبي قحافة في حضرة النبيّ (ص)، فارتفعت اصواتهما، فنزلت فيهما الآية 2 من سورة الحجرات: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَرْفَعُوا أَصْوَاتَكُمْ فَوْقَ صَوْتِ النَّبِيِّ وَلَا تَجْهَرُوا لَهُ بِالْقَوْلِ كَجَهْرِ بَعْضِكُمْ لِبَعْضٍ أَن تَحْبَطَ أَعْمَالُكُمْ وَأَنتُمْ لَا تَشْعُرُونَ﴾.

 

ولمجاراته الكفّار والمشركين نزلت فيه الآية 14 من سورة المجادلة: ﴿أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ تَوَلَّوْا قَوْمًا غَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِم مَّا هُم مِّنكُمْ وَلَا مِنْهُمْ وَيَحْلِفُونَ عَلَى الْكَذِبِ وَهُمْ يَعْلَمُونَ﴾.