عُثمان بن عفان

هو أبو عبد الله، وقيل: أبو عمرو عثمان بن عفان بن أبي العاص بن أميّة بن عبد شمس بن عبد مناف القرشي، الأموي، وأمُه أروى بنت كريز.

أحد صحابة النبي (ص)، وثالث الخلفاء الراشدين عند العامّة، ويعدّونه من العشرة المبشّرة بالجنّة.

وُلد بمكّة قبل ولادة النبي (ص) بست سنوات.

كان تاجرًا يبيع القماش، ومن أثرياء زمانه، وصاحب ثروة طائلة وعمارات شامخة وحدائق باسقة وعيون جارية بالمدينة، واقتنى مجموعات من الخيل والإبل. كان يغدق على أقربائه وشيعته ومؤيديه أموالاً كثيرة بدون حساب.

أسلم وتزوج من رقيّة بنت رسول الله (ص)، وهاجر معها إلى الحبشة، وبعد رجوعه من الحبشة هاجر إلى المدينة المنورة، ومن بعد رُقية تزوج من أختها أُمّ كلثوم بنت النبي (ص).

بعد مقتل عمر بن الخطاب بويع له بالخلافة في شهر محرم سنة 24هـ، وقيل: سنة 23هـ، ولم يزل يحكم  الناس حتى قُتل بالمدينة المنورة في الثاني عشر، وقيل: في الثامن عشر، وقيل: في السابع عشر، وقيل: في الثامن من ذي الحجة سنة 35هـ، ودفن بالبقيع، وعمره يومئذ 82 سنة، وقيل: 86 سنة، وقيل: 90 سنة.

قبل مقتله حاصره الناس في بيته تسعة وأربعين يوما، ثم دخلوا عليه وقتلوه، ويُنقل أن الذين تولّوا قتله هم: كنانة بن بشر التجيبي، وسعد بن حمران المرادي، وعمرو بن الحمق الخزاعي، وعمير بن ضابي التميمي.

آخى النبي (ص) بينه وبين أوس بن ثابت.

روى عن النبي (ص) أحاديث وروى عنه جماعة.

كان من جملة العصابة التي هجمت على دار أمير المؤمنين (ع) وأخرجوه ملببًا ليُبايع أبا بكر بن أبي قُحافة.

في أيّام حكومته قسّم الولايات المهمّة والمناصب الحسّاسة بين أقاربه وذويه، أمثال: الحكم بن العاص وابنه مروان بن الحكم -طريد رسول الله (ص)- والوليد بن عقبة ومن على شاكلتهم من الرموز التي لم يكن لها من الإسلام أي نصيب، فجعلهم يتحكمون برقاب وأموال ومقدّرات المسلمين، ممّا دعا الناس الطعن فيه والإنصراف عنه.

أمّا تصرّفاته المشينة مع الصُلحاء من صحابة رسول الله (ص) أمثال: عمار بن ياسر وأبي ذر الغفاري وغيرهما أشهر من أن تُذكر.

يُنسب إليه جمع القرآن الكريم، واتخذ دارًا للقضاء بين الناس بدل المسجد، واستخدم الشرطة.

في أيّامه تمكنت الجيوش الإسلاميّة من فتح الريّ وبعض حصون الروم وجزيرة قبرص وشمال إفريقية واصطخروفسا وبلاد متعددة من خُراسان وكرمان وسجستان وغيرها من الأمصار والمدن.

القرآن المجيد وعُثمان بن عفان

نزلت فيه الآية 264 من سورة البقرة: ﴿لاَ تُبْطِلُواْ صَدَقَاتِكُم بِالْمَنِّ وَالأذَى كَالَّذِي يُنفِقُ مَالَهُ رِئَاء النَّاسِ وَلاَ يُؤْمِنُ بِاللّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ﴾.

كان هو والعباس بن عبد المطلب يتعاطيان الربا، وكانا قد أسلفا في التمر، فلما حضر الجداد قال صاحب التمر: لايبقى لي ما يكفي عيالي إذا أخذتما حظّكما كلّه، فهل لكما أن تأخذا النصف وأضف لكما؟ ففعلا، فلما حلّ الأجل طلبا الزيادة، فبلغ ذلك النبي (ص) فنهاهما، فنزلت فيهما الآية 278 من نفس السورة: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللّهَ وَذَرُواْ مَا بَقِيَ مِنَ الرِّبَا إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ﴾.

ويقال: إنهما بعد أن سمعا تلك الآية أطاعا وأخذا رؤوس أموالهما.

كان له عبد يمنعه من اعتناق الإسلام، فنزلت فيه الآية 76 من سورة النحل: ﴿هَلْ يَسْتَوِي هُوَ وَمَن يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَهُوَ عَلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ﴾.

بعد انتصار النبي (ص) على بني النضير قام بتقسيم أراضيهم على المسلمين، فجاء عثمان إلى الإمام أمير المؤمنين (ع) وطلب منه أن يكلّم النبي (ص) في قطعة أرض لكليهما، فرفض الإمام (ع) وقال: أنت كلّم النبي (ص) في ذلك، فإن قبل فإنّي شريك معك في الأرض، فجاء عثمان إلى النبي (ص) وطلب أرضًا منه فأعطاه، فطالبه الإمام (ع) بما اتّفقا عليه، فرفض عثمان الاتّفاقية، فطلب الإمام (ع) منه أن يترافعا عند النبي (ص)، فرفض عثمان، وقال: إنّه سيُعطي الحقّ لابن عمّه، فنزلت فيه الآية 49 من سورة النور: ﴿وَإِن يَكُن لَّهُمُ الْحَقُّ يَأْتُوا إِلَيْهِ مُذْعِنِينَ﴾.

ولنفس السبب نزلت فيه الآية 50 من نفس السورة: ﴿أَفِي قُلُوبِهِم مَّرَضٌ أَمِ ارْتَابُوا أَمْ يَخَافُونَ أَن يَحِيفَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ وَرَسُولُهُ بَلْ أُوْلَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ﴾.

فلمّا سمع بتلك الآيتين رضي بمشاركة الإمام (ع) له في الأرض.

وكذلك جرى نزاع بينه وبين الإمام أمير المؤمنين (ع) على أرض، فطلب منه الإمام (ع) رفع القضيّة إلى النبي (ص) ليقضي بينهما، فرفض المترجم له قائلا: هو ابن عمّك ويحكم لصالحك، فنزلت فيه الآية51 من السورة نفسها: ﴿إِنَّمَا كَانَ قَوْلَ الْمُؤْمِنِينَ إِذَا دُعُوا إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ أَن يَقُولُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا وَأُوْلَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ﴾.

ونزلت فيه الآية 52 من نفس السورة: ﴿وَمَن يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَخْشَ اللَّهَ وَيَتَّقْهِ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْفَائِزُونَ﴾.

ويقال: شملته الآية 29 من سورة الفتح: ﴿مُّحَمَّدٌ رَّسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاء عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاء بَيْنَهُمْ تَرَاهُمْ رُكَّعًا سُجَّدًا يَبْتَغُونَ فَضْلًا مِّنَ اللَّهِ وَرِضْوَانًا سِيمَاهُمْ فِي وُجُوهِهِم مِّنْ أَثَرِ السُّجُودِ ذَلِكَ مَثَلُهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَمَثَلُهُمْ فِي الْإِنجِيلِ كَزَرْعٍ أَخْرَجَ شَطْأَهُ فَآزَرَهُ فَاسْتَغْلَظَ فَاسْتَوَى عَلَى سُوقِهِ يُعْجِبُ الزُّرَّاعَ لِيَغِيظَ بِهِمُ الْكُفَّارَ وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ مِنْهُم مَّغْفِرَةً وَأَجْرًا عَظِيمًا﴾.

في واقعة الخندق كان المسلمون منهمكين في حفر الخندق، فطلبوا منه أن يشترك معهم في الحفر، فقال وعلامات الانزعاج والتأثر بادية على وجهه: إتيان النبي (ص) بالإسلام لم يكفه، بل يتعبنا بحفر الخندق وغيره من المتاعب، فنزلت فيه الآية 17 من سورة الحجرات: ﴿يَمُنُّونَ عَلَيْكَ أَنْ أَسْلَمُوا قُل لَّا تَمُنُّوا عَلَيَّ إِسْلَامَكُم بَلِ اللَّهُ يَمُنُّ عَلَيْكُمْ أَنْ هَدَاكُمْ لِلْإِيمَانِ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ﴾.

ويقال في سبب نزول الآية المذكورة سابقًا هو: إن عثمان مر على عمار بن ياسر وهو منهمك مع المسلمين في حفر الخندق، فوضع عثمان كمه على أنفه؛ ليتقي الغبار المتصاعد من حفر الخندق، فقال عمار: لا يستوي من يبني المساجد فيصلي فيها راكعًا وساجدًا كمن يمر بالغبار حائداً، يعرض عنها جاحدًا معانداً، فالتفت إليه عثمان وقال: يا بن السوداء إياي تعني؟ ثم جاء النبي (ص) فقال له: لم ندخل معك لتسب أعراضنا، فقال له النبي (ص): قد أقلتك إسلامك، فاذهب إن كنت نادمًا على دخولك في الإسلام.

ويقال: لمّا وضع عثمان كُمّه على أنفه خاطبه عمّار ببيتين من الشعر، هما:

لا يستوي من يبني المساجدا ** يظل فيها راكعا وساجدا

كمن يمرّ بالغبار حائدا ** يعرض عنها جاحدا معاندا

ونزلت فيه الآية 33 من سورة النجم: ﴿أَفَرَأَيْتَ الَّذِي تَوَلَّى﴾.

والآية 34 من نفس السورة: ﴿وَأَعْطَى قَلِيلًا وَأَكْدَى﴾.

وفي أحد الأيّام مرّ عليه ابن أُمّ مكتوم الصحابيّ الأعمى، فلما رآه قطّب وجهه، فنزلت فيه الآية 1 من سورة عبس: ﴿عَبَسَ وَتَوَلَّى﴾.

والآية 2 من نفس السورة: ﴿أَن جَاءهُ الْأَعْمَى﴾.