جزئيةُ البسملة لسورتي الضحى والانشراح

 

بسم الله الرحمن الرحيم

اللهمَّ صلِّ على محمد وآل محمد

 

المسألة:

المشهور بين الأمامية هو أنَّ البسملة جزءٌ من كلِّ سورة، وفي نفس الوقت اشتهر بين الإماميَّة أنَّ الضحى والانشراح سورةٌ واحدة، وكذلك الفيل وقريش هما سورة واحدة لكن يُفتي المراجع بإتيان البسملة بين السورتين مع الجمع.

 

السؤال هنا: لو قلنا إنَّ البسملة جزءٌ من كلِّ سورة ألا يُعد وجودها بين السورتين تحريف؟ على القول أنَّ السورتين سورةٌ واحدة أو بحكم السورة الواحدة، ثم إنَّهُ لو قرأتُ السورتين في صلاة الظهر هل يُجهرُ بالبسملة بينهما؟ ثم إنَّه مَن فصل بين السورتين؟ في عهد الصحابة؟ هل ثبت تاريخيًا أنَّ مجموعة من الصحابة فصل بين السورتين أم هو اجتهاد من بعض التابعين؟

 

الجواب:

لو كان البناء على أنَّ سورتي الضحى والانشراح سورةٌ واحدة كما هو مسلك مشهور القدماء([1]) فإنَّ البسملة التي بينهما تكونُ جزءً منهما وليست زائدة، فمجموعُ السورتين سورةٌ واحدة مشتملة على بسملتين، ولا محذور في أنْ تتصدَّر وتتوسَّط البسملة سورةً واحدة أي أنَّه لا محذور مِن تكرُّر آيةٍ واحدة مرَّتين أو أكثر في سورةٍ واحدة كما في سورة الرحمن فإنَّ آية: ﴿فَبِأَيِّ آَلَاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ﴾([2]) قد تكرَّرت أكثر من ثلاثين مرَّة، وكذلك فإنَّ آية: ﴿وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِلْمُكَذِّبِينَ﴾([3]) قد تكرَّرت في سورة المرسلات أكثر مِن عشر مرَّات، وتكرَّرت آية البسملة في سورة النمل مرَّتين، فوجودُ البسملة بين الضحى والانشراح وبين الفيل وقريش لا يُعدُّ من التحريف حتى بناءً على أنَّهما سورةٌ واحد لأنَّ البسملة الثانية ستكونُ جزء من السورة، وتكرارُها في سورةٍ واحدة غير ضائرٍ كما تكرَّرت بعضُ الآيات في سورةٍ واحدة لغايةٍ اقتضتْ ذلك.

 

وفي مقابل مسلك مشهور القدماء ذهب مشهور المتأخرين من الإماميَّة([4]) إلى أنَّ سورة الضحى وسورة الانشراح سورتان مستقلَّتان، والبسملة جزءٌ من كلٍّ منهما، وكذلك سورة الفيل وسورة قريش فإنَّهما سورتان مستقلَّتان، غايته أنَّهما في صلاة الفريضة بحكم السورة الواحدة، بمعنى أنَّ مَن اختار قراءة سورة الضحى فإنَّ عليه أنْ يضمَّ إليها سورة الانشراح، ومَن اختار قراءة سورة الفيل لزِمه أنْ يضمَّ إليها سورة قريش، فهما بحكم السورة الواحدة بهذا المعنى أي بمعنى عدم صحَّة الاكتفاء بواحدة منهما، فكما لا يصحُّ -بنظر المشهور- الاكتفاء في الفريضة بقراءة جزءٍ من سورة بل يجبُ الاتيان بسورةٍ كاملة كذلك لا يصحُّ الاكتفاء بإحدى السورتين المذكورتين في قراءة الفريضة، فهما مُنزَّلتان منزلة السورة الواحدة تعبُّدًا لا أنَّهما سورةٌ واحدة واقعًا بل هما سورتان.

 

وعليه يكون الإتيان بالبسملة للسورة الثانية لازمًا لأنَّه مكلَّف بالجمع بين السورتين في قراءة الفريضة والبسملة جزءٌ من السورة الثانية كما هي جزءٌ من السورة الأولى وهو مكلَّفٌ بالإتيان بالسورتين معًا.

 

وبتعبير آخر: إنَّ المكلَّف -بنظر المشهور- مُلزَمٌ بقراءة سورةٍ واحدة كاملة في قراءة الفريضة إلا في موردين، الأول: إذا قرأ سورة الضحى فإنَّه يكون مُلزمًا بأنْ يضمَّ إليها سورة الانشراح، والمورد الثاني إذا قرأ سورة الفيل فهو ملزَمٌ بأنْ يضمَّ إليها سورة قريش، ومعنى لزوم ضمِّ سورة قريش أنْ يقرأها كاملة بما فيها البسملة.

 

وأمَّا منشأ مشروعيَّة الجمع -الأعم من اللزوم- في قراءة الفريضة بين الضحى والانشراح وبين الفيل وقريش -سواءً استُظهر من ذلك أنَّهما سورةٌ واحدة أو أنَّهما بحكم السورة الواحدة- فهو مضافًا إلى الإجماعات الرواياتُ الواردة عن أهل البيت (ع) وإذا تمَّت هذه الروايات فهو متلقَّى عن الرسول (ص) لأنَّ أهل البيت (ع) لا يفعلون ولا يُفتون عن اجتهاد، فكلُّ ما يصدرُ عنهم فهو مأثورٌ عندهم عن الرسول الكريم (ص) ودورُهم يتمحَّض في تبليغ ما ثبتَ عن الرسول (ص).

 

فمِن الروايات التي يُتمسَّك بها لإثبات مشروعيَّة الجمع هو ما أورده الشيخ الطوسي في الاستبصار بسندٍ صحيح عن زيد الشحام قال: صلَّى بنا أبو عبد الله (عليه السلام) الفجر فقرأ الضحى وألم نشرح في ركعة"([5]).

 

ومنها: ما رواه العياشي عن المفضل بن صالح عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال سمعتُه يقول: لا تجمع بين سورتين في ركعةٍ واحدة إلا الضحى وألم نشرح، وألم تر كيف ولإيلاف قريش"

 

ورواه المحقِّق في (المعتبر) نقلا من كتاب الجامع لأحمد بن محمد بن أبي نصر عن المفضَّل مثله"([6]).

 

وهذه الرواية وإنْ لم تكن ظاهرة في أنَّ الضحى والانشراح سورةٌ واحدة، وكذلك الفيل وقريش ولكنَّها ظاهرةٌ في مشروعيَّة الجمع بينهما في قراءة الفريضة، وكذلك هو الشأن في صحيحة زيد الشحام.

 

ومنها: ما أورده الفضل بن الحسن الطبرسي في (مجمع البيان) قال: روى أصحابنا أنَّ الضحى وألم نشرح سورةٌ واحدة وكذا سورة ألم تر كيف ولإيلاف قريش"([7]).

 

وهذه الرواية ظاهرة في أنَّهما سورة واحدة ولكنَّها مرسلة وتصلح لتأييد مشروعيَّة الجمع بل تدلُّ -لو تمَّت سندًا- على لزوم الجمع بناءً على لزوم القراءة لسورةٍ كاملة في الفريضة.

 

وخلاصة القول: سواءً قلنا إنَّهما سورةٌ واحدة أو قلنا إنَّهما سورتان مستقلَّتان ولكنَّهما بحكم السورة في قراءة الفريضة فإنَّ وجود البسملة بينهما ليس من التحريف، لأنَّه بناءً على القول الأول يُلتزَم بأنَّ البسملة تكرَّرت في السورة الواحدة مرَّتين، وبناءً على القول الثاني فإنَّ البسملة الثانية جزءٌ من السورة الثانية، غايته أنَّ المكلَّف ملزمٌ بقراءة سورتين كاملتين في الموردين المذكورين.

 

 وأمَّا الجهر بالبسملة الثانية في صلاة الظهر فهو غير لازم فيجوز للمكلَّف أن يُخفت بالبسملتين وله أنْ يجهر بهما استحبابًا.

 

والحمد لله ربِّ العالمين

 

الشيخ محمّد صنقور

27 / شهر رمضان المبارك / 1442هـ

10 / مايو / 2021م


[1]- شرح العروة الوثقى -السيد الخوئي- ج14 / ص328.

[2]- سورة الرحمن / 13.

[3]- سورة الطور / 11.

[4]- شرح العروة الوثقى -السيد الخوئي- ج14 / ص328.

[5]- الاستبصار -الطوسي- ج1 / ص317، وسائل الشيعة -الحر العاملي- ج6 / ص54.

[6]- وسائل الشيعة -الحر العاملي- ج6 / ص55.

[7]- وسائل الشيعة -الحر العاملي- ج6 / ص55.