استعمال القرآن للطاغوت في المفرد والجمع

بسم الله الرحمن الرحيم

اللهمَّ صلِّ على محمد وآل محمد

 

المسألة:

 السلام عليكم

قوله تعالى: ﴿اللَّهُ وَلِيُّ الَّذِينَ آَمَنُوا يُخْرِجُهُمْ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ وَالَّذِينَ كَفَرُوا أَوْلِيَاؤُهُمُ الطَّاغُوتُ يُخْرِجُونَهُمْ مِنَ النُّورِ إِلَى الظُّلُمَاتِ﴾(1).

 

الطاغوت اسم مفرد فلماذا أُتبع بفعل للجمع وهو قوله: ﴿يُخْرِجُونَهُمْ﴾ فلماذا لم يقل يُخرجُهم؟

 

الجواب:

المعروف بين اللُّغويين(2) أنَّ كلمة الطاغوت اسم يوصف به المذكر والمؤنث والمفرد والجمع، فيقال مثلاً رجلٌ طاغوت وامرأةٌ طاغوت، ويُقال: الأوثان طاغوتٌ تُعبدُ من دون الله، ويقال هُبلٌ طاغوت تعبده بعض قبائل العرب في الجاهلية، فالطاغوت احتفظ بصيغة واحدة في المذكر والمؤنث والمفرد والجمع وقد استعمل القرآن كلمة الطاغوت في المفرد والجمع والمذكر والمؤنث

 

أما استعماله لكلمة الطاغوت في المفرد المذكر فكان في قوله تعالى: ﴿يُرِيدُونَ أَنْ يَتَحَاكَمُوا إِلَى الطَّاغُوتِ وَقَدْ أُمِرُوا أَنْ يَكْفُرُوا بِهِ(3) فالطاغوت استُعمل في هذه الآية في المفرد المذكر بقرينة ضمير المفرد العائد إليه في قوله تعالى: ﴿وَقَدْ أُمِرُوا أَنْ يَكْفُرُوا بِهِ﴾ أي أمروا أنْ يكفروا بالطاغوت.

 

 وأما استعماله في المؤنث فكان في قوله تعالى: ﴿وَالَّذِينَ اجْتَنَبُوا الطَّاغُوتَ أَنْ يَعْبُدُوهَا(4). فالطاغوت استعملته الآية في المؤنث بقرينة ضمير المؤنث العائد عليه في قوله: ﴿أَنْ يَعْبُدُوهَا﴾ أي أنْ يعبدوا الطاغوت.

 

وأمَّا استعماله في الجمع فكان في مثل قوله تعالى: ﴿وَالَّذِينَ كَفَرُوا أَوْلِيَاؤُهُمُ الطَّاغُوتُ يُخْرِجُونَهُم مِنَ النُّورِ إِلَى الظُّلُمَاتِ﴾(5) فالطاغوت استُعمل في الجمع بقرينة ضمير الجمع العائد عليه في قوله: ﴿يُخْرِجُونَهُم﴾ أي أنَّ الطاغوت وهم الشياطين يُخرجون الذين كفرون من النور إلى الظلمات.

 

فكلمة الطاغوت تُستعمل في المفرد المذكر والمؤنث وتستعمل في الجمع ويعرف ذلك من القرائن المُكتنفة بالكلام تماما كما هو الشأن في كلمة الفلك مثلاً فإنَّها تُستعمل في المفرد والجمع ويعرف ذلك من ملاحظة السياق والقرينة.

 

فمن موارد استعمالها في المفرد قوله تعالى: ﴿وَإِنَّ يُونُسَ لَمِنَ الْمُرْسَلِينَ إِذْ أَبَقَ إِلَى الْفُلْكِ الْمَشْحُونِ﴾(6) وقوله تعالى مخاطباً نبيَّه نوحاً (ع): ﴿وَاصْنَعِ الْفُلْكَ بِأَعْيُنِنَا وَوَحْيِنَا﴾(7).

 

ومن موارد استعمال كلمة الفلك في الجمع قوله تعالى: ﴿وَتَرَى الْفُلْكَ فِيهِ مَوَاخِرَ﴾(8) فكلمة الفلك استُعملت في هذه الآية في الجمع بقرينة الإخبار عنها بكلمة مواخر والمواخر جمع ماخرة من المَخر وهو شقُّ الماء من عن يمين وشمال يقال مخرت السفينة الماء تمخرُ مخرًا، فهي ماخرة والسفن مواخر، فالمواخر وصف للجمع فيقال سفينة ماخرة وسفنٌ مواخر، فوصف الآية الفلك بالمواخر معناه أنَّ الفلك استُعمل في الجمع. فالفلك اذن يُستعمل في المفرد ويُستعمل في الجمع، كذلك هي كلمة الطاغوت فإنَّها تُستعمل وصفاً للمفرد وتُستعمل وصفاً للجمع.

 

هذا هو ما عليه جمهورُ اللُّغويين، وفي المقابل ذهب بعضُهم إلى أنَّ الطاغوت اسم مفرد بمثابة اسم الجنس ولذلك فهو يقع على القليل والكثير وعلى المفرد والجمع يعني أنَّه إذا استعمل في المفرد فهو بلحاظ أنَّه اسم مفرد وإذا استعمل في الجمع فهو بلحاظ ما يصدق عليه عنوان اسم الجنس، ومثال ذلك مثل كلمة الإنسان فإنَّه اسم جنس لذلك قد يستعمل في المفرد باعتبار أنَّه اسم مفرد كقوله تعالى: ﴿وَلَئِنْ أَذَقْنَا الْإِنْسَانَ مِنَّا رَحْمَةً ثُمَّ نَزَعْنَاهَا مِنْهُ إِنَّهُ لَيَئُوسٌ كَفُورٌ﴾(9) فالإنسان اسم جنس استُعمل في هذه الآية وأريد منه طبيعة الإنسان بما هو بقطع النظر عن أفراده، وقد يستعمل لفظ الإنسان للإشارة إلى جميع ما يصدق عليه هذا العنوان مثل قوله تعالى: ﴿إِنَّ الْإِنْسَانَ لَفِي خُسْرٍ/ إِلَّا الَّذِينَ آَمَنُوا﴾(10) فإنَّ كلمة إنسان في الآية رغم أنَّه اسم مفرد إلا أنَّه استُعمل للإشارة إلى مجموع ما يصدق عليه هذا العنوان بقرينة الاستثناء فإنَّ استثناء الجمع وهم الذين آمنوا من الإنسان يدلُّ على أنَّ المراد من الإنسان في الآية هو الإشارة إلى مجموع ما يصدقُ عليه عنوان الإنسان، وهكذا هو الشأن في قوله تعالى: ﴿وَإِنَّا إِذَا أَذَقْنَا الْإِنْسَانَ مِنَّا رَحْمَةً فَرِحَ بِهَا وَإِنْ تُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌ﴾(11) فإنَّ قوله: ﴿وَإِنْ تُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌ﴾ يرجع إلى الإنسان وذلك لأنَّه أريد منه مجموع ما يصدق جنس الإنسان من أفراد.

 

كذلك هي كلمة الطاغوت فإنَّها اسم جنس يُشار بها تارة يُستعمل في المفرد باعتبار أنَّه اسم مفرد ويراد به في هذا الفرض الطبيعة بما هي بقطع النظر عما تصدق عليه من أفراد، ويُستعمل تارة أخرى في مجموع ما يصدق عليه عنوان الطاغوت، فكلمة الطاغوت في هذا الفرض استُعمل كعنوان مشيرٍ إلى أفراده.

 

والحمد لله ربِّ العالمين

الشيخ محمد صنقور

11 / جمادى الآخرة / 1444ه

4 / يناير / 2023م

-----------------------------------

1- سورة البقرة / 257.

2- الصحاح -الجوهري- ج6 / ص2413، المخصص -ابن سيده- ج5 / ص28، تاج العروس -الزبيدي- ج19 / ص636، تفسير مجمع البيان -الطبرسي- ج2 / ص165، زاد المسير -ابن الجوزي- ج1 / ص267.

3- سورة النساء / 60.

4- سورة الزمر / 17.

5- سورة البقرة / 257.

6- سورة الصافات / 139-140.

7- سورة هود / 37.

8- سورة فاطر / 12.

9- سورة هود / 9.

10- سورة العصر / 2-3.

11- سورة الشورى / 48.