معنى: ﴿يَوْمَ يُكْشَفُ عَنْ سَاقٍ﴾

بسم الله الرحمن الرحيم

اللهمَّ صلِّ على محمد وآل محمد

المسألة:

ما معنى قوله تعالى: ﴿يَوْمَ يُكْشَفُ عَنْ سَاقٍ وَيُدْعَوْنَ إِلَى السُّجُودِ فَلَا يَسْتَطِيعُونَ﴾(1).

الجواب:

المقصود من اليوم في الآية هو يوم القيامة ونصب على الظرفية فهو ظرف متعلِّق بمحذوف تقديره واذكر يوم يكشف عن ساق وهو يوم القيامة أو متعلِّق بقوله تعالى من الآية السابقة ﴿فَلْيَأْتُوا بِشُرَكَائِهِمْ ..﴾(2) يوم يكشف عن ساق يعني فليأتوا بشركائهم يوم القيامة يستعينوا بهم.

الساق هي الشدَّة ومنشأ التعبير عنه بذلك:

والساق من الإنسان هو ما بين الركبة والقدم إلا أنَّ المقصود منه في الآية هو شدَّة الأمر وخطورته، فلأنَّ الساق من الإنسان والحيوان وكذلك الشجر هي المُعتمد، وهي الحاملةُ للجسد والمعتمَدةُ في حمل الأثقال ولو انكسرت الساق سقط الجسدُ ولم يتهيأ له رفع الأحمال الثقيلة لذلك يكنى عن الشدَّة بالساق فيُقال لكلِّ شدَّة ساق، وهذا هو معنى قول العرب إذا اشتدت الحرب وحميَ وطيسها: قامت الحربُ على ساق.

ولعلَّ منشأ التعبير عن الشدَّة بالكشف عن الساق هو أنَّ الإنسان إذا دهمه أمرٌ خطير وأراد الهرب فأنَّه يكشفُ ثوبَه عن ساقِه ليسهل عليه الهرب، وكذلك إذا اشتغل بمعالجة أمرٍ شديد أو كان في حربٍ أو مصارعةٍ فإنَّه يرفع ثيابَه عن ساقِه حتى لا تعيقه لذلك تُكني العرب عن وقوع الشدَّة بالكشف عن الساق.

كما في قول الشاعر:

كَشَفَت لَهُم عن ساقِها ** وبَدَا من الشَّرِّ الصراحُ(3)

وتقول العرب: كشفت الحربُ عن ساقها للتعبير عن اشتداد الحرب وتعاظم خطرها، فالكشف عن الساق مثَلٌ يُضرب للتعبير عن الشدَّة وللتعبير عن الوقائع المهولة أو المذهِلة أو المُوجبة للدهشة والانبهار، وكذلك للتعبير عن الجدِّ في الأمر لخطورته أو أهميته، فهي من الكنايات التي لا يُراد منها حاقُّ ألفاظِها. 

معنى الآية المباركة:

وعليه فمعنى قوله تعالى: ﴿يَوْمَ يُكْشَفُ عَنْ سَاقٍ﴾ هو يوم القيامة يوم يشتدُّ فيه الأمر ويتفاقمُ خطره أو كما أفاد الشيخُ المفيد (رحمه الله)(4) يوم يُكشف فيه عن أمرٍ شديد مهولٍ وعسير وهو الحساب والمداقَّة على الأعمال والجزاء بالثواب أو العقاب كما قال تعالى: ﴿فَذَلِكَ يَوْمَئِذٍ يَوْمٌ عَسِيرٌ}(5) ويوم يكشفُ عن السرائر وتنكشفُ الحقائق كما قال تعالى: ﴿يَوْمَ تُبْلَى السَّرَائِرُ}(6) وقال تعالى: ﴿فَكَشَفْنَا عَنْكَ غِطَاءَكَ فَبَصَرُكَ الْيَوْمَ حَدِيدٌ﴾(7).

ومن ذلك يتَّضح معنى ما روي عن الإمام الرضا (ع) عندما سُئل عن معنى قوله تعالى: ﴿يَوْمَ يُكْشَفُ عَنْ سَاقٍ وَيُدْعَوْنَ إِلَى السُّجُودِ فَلَا يَسْتَطِيعُونَ﴾ قال (ع): "حجابٌ من نور يُكشفُ فيقع المؤمنون سجَّدا وتُدمج أصلاب المنافقين فلا يستطيعون السجود"(8) فثمة حقائقُ مهولة ومُبهرة يرفعُ الله تعالى عنها الحجاب فتذهلُ لها ألباب الخلائق فيخرُّ المؤمنون من فورهم لله ساجدين، وأمَّا الكفَّار والمنافقون فيتعذَّر عليهم السجود لله جلَّ وعلا، وهذا هو معنى قوله تعالى: ﴿وَيُدْعَوْنَ إِلَى السُّجُودِ فَلَا يَسْتَطِيعُونَ﴾.

تفسير المشبِّهة للآية:

هذا وقد حمل المشبَّهة الساق في الآية على معناه المعهود، وذكروا أنَّ معنى قوله تعالى: ﴿يَوْمَ يُكْشَفُ عَنْ سَاقٍ} هو أنَّ الله -تعالى عمَّا يقولون- يكشف يوم القيامة عن ساقِه، فرووا عن ابن مسعود أنَه قال: "إنَّ الله تعالى يتمثَّل للخلق يوم القيامة حين يمرُّ المسلمون، فيقول: مَن تعبدون؟ فيقولون: نعبدُ الله فيشهدهم مرَّتين أو ثلاثاً ثم يقول: هل تعرفون ربَّكم، فيقولون: سبحانه إذا عرَّفنا نفسَه عرفناه، فعند ذلك يكشف عن ساق، فلا يبقى مؤمن إلا خرَّ ساجداً، ويبقى المنافقون ظهورهم كالطبق الواحد كأنَّما فيها السفافيد"(9).

أخرج البخاري وابن المنذر وابن مردويه عن أبي سعيد سمعت النبي صلى الله عليه وآله وسلم يقول: يكشف ربُّنا عن ساقَه فيسجد له كلُّ مؤمنٍ ومؤمنة، ويبقى مَن كان يسجد في الدنيا رياء وسمعة فيذهب ليسجد فيعود ظهره طبقا واحدا"(10).

وأخرج ابن منده عن أبي هريرة قال قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: ﴿يَوْمَ يُكْشَفُ عَنْ سَاقٍ﴾ قال: يكشف الله عز وجل عن ساقه"(11).

وأخرج عبد الرزاق وعبد بن حميد وابن المنذر وابن منده عن ابن مسعود في قوله: ﴿يَوْمَ يُكْشَفُ عَنْ سَاقٍ﴾ قال: عن ساقيه تبارك وتعالى"(12).

ووضوح فساد هذا القول يغني عن التصدي لتفنيده فإنَّه مستلزم للتشبيه والتجسيم لله جلَّ وعلا المنزَّه عن ذلك الذي ليس كمثله شيء والذي لا تُدركه الأبصار.

والحمد لله ربِّ العالمين

الشيخ محمد صنقور

17 / ربيع الثاني / 1446ه

21 / أكتوبر / 2024م


1- سورة القلم / 42.

2- سورة القلم / 41.

3- تفسير مجمع البيان -الطبرسي- ج10 / ص95.

4- تصحيح اعتقادات الإمامية -الشيخ المفيد- ص28.

5- سورة المدثر / 9.

6- سورة الطارق / 9.

7- سورة ق / 22.

8- التوحيد -الصدوق- ص154، عيون أخبار الرضا (ع) -الصدوق- ج1 / ص111.

9- المستدرك على الصحيحين -الحاكم النيسابوري- ج4 / ص497.

10- الدر المنثور في التفسير بالمأثور -السيوطي- ج6 / ص254.

11- الدر المنثور في التفسير بالمأثور -السيوطي- ج6 / ص254.

12- الدر المنثورفي التفسير بالمأثور -السيوطي- ج6 / ص254.