جابر الأنصاري

هو أبو عبد الله، وقيل: أبو عتيق، وقيل: أبو عبد الرحمن جابر بن عبد الله بن عمرو بن حرام، وقيل: حزام بن كعب بن غنم بن كعب بن سلمة الأنصاري، السلمي الخزرجي، وأمّه نسيبة بنت عقبة بن عدي.

 

صحابيّ جليل ومن أعاظمهم وثقاتهم، وكان عالمًا فاضلاً، مفتيًا، عارفًا بتفسير القرآن، محدّثًا مكثرًا منه، حافظًا للسنن، ومناقبه أكثر من أن تعد.

كان حسن العقيدة، مواليًا مخلصًا للإمام أمير المؤمنين (ع) وأهل بيت النبوة (ع)، ومن المنقطعين إليهم.

 

روى عن النبي (ص) جملة من الأحاديث، وروى عنه فريق من الصحابة والتابعين. في صباه شهد العقبة الثانية مع أبيه، ثم شهد واقعة بدر، قيل: لم يشهدها، وشهد مع النبي (ص) ثماني عشرة غزوة، وشهد مع الإمام أمير المؤمنين (ع) واقعة صفّين.

 

صحب بالإضافة إلى النبي (ص) والإمام أمير المؤمنين (ع) كلاً من الأئمة الحسن والحسين والسجاد والباقر(ع).

 

قال له النبي (ص): "إنك تلقى الباقر (ع) من ولدي فقل له كذا وكذا".

قال الإمام الصادق (ع) عنه: "إنه كان آخر من بقي من أصحاب رسول الله (ص)، وكان منقطعًا إلينا أهل البيت (ع)".

 

سألوه يومًا عن الإمام أمير المؤمنين (ع)، فقال -بعد أن رفع حاجبيه، وهو طاعن في السن-: علي (ع) خير البشر، أما والله! كنّا نعرف المنافقين على عهد رسول الله (ص) ببغضهم إيّاه.

 

روى صحيفة فاطمة الزهراء (ع) التي فيها النص على أسماء الأئمة الاثني عشر. يُعدّ أوّل من شدّ الرحال من المدينة لزيارة قبر الحسين (ع) بكربلاء، فوصلها في العشرين من شهر صفر سنة 61هـ، أي بعد استشهاد الإمام الحسين (ع) بأربعين يومًا.

 

قدم على معاوية بن أبي سفيان بدمشق سنة فلم يأذن له أيامًا، فلما أذن له قال جابر: يا معاوية! أما سمعت رسول الله (ص) يقول: من حجب ذافاقة وحاجة حجبه الله يوم القيامة فاقته وحاجته؟ فغضب معاوية، وقال له: لقد سمعته يقول: إنكم ستلقون بعدي أثرة، فاصبروا حتى تردوا عليَّ الحوض، أفلا صبرت؟ قال جابر: ذكّرتني ما نسيت، ثم خرج من عنده وركب راحلته ومضى.

 

فوجّه إليه معاوية ستمائة دينار، فردّها جابر وكتب إليه أبياتًا، منها:

وإني لأختار القنوع على الغنى ** إذا اجتمعا والماء بالبارد المحض

 

ثم قال لرسول معاوية: قل له: والله! يا بن آكلة الأكباد! لا وجدت في صحيفتك حسنة أبدًا.

 

فقد بصره في أواخر أيّام حياته، ولم يزل حتى توفّي بالمدينة المنورة سنة 74هـ، وقيل: سنة 72هـ، وقيل: سنة 77هـ، وقيل: سنة 78هـ، وقيل: سنة 79هـ، وقيل: سنة 94هـ، وقيل: سنة 73هـ، وقيل: سنة68هـ، بعد أن عمّر أربعًا وتسعين سنة، وكان آخر من توفي بالمدينة من أصحاب النبي (ص) الذين شهدوا العقبة، وله مسند.

 

القرآن المجيد وجابر

كانت له ابنة عم فطلقها زوجها تطليقة فانقضت عدتها، فرجع الزوج يريد رجعتها، فأبى جابر وقال له: طلّقت ابنة عمنا وتريد أن تنكحها، وكانت الزوجة تريد زوجها وقد رضيت به، فنزلت فيه الآية 232 من سورة البقرة: ﴿وَإِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاء فَبَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَلاَ تَعْضُلُوهُنَّ أَن يَنكِحْنَ أَزْوَاجَهُنَّ إِذَا تَرَاضَوْاْ بَيْنَهُم بِالْمَعْرُوفِ ذَلِكَ يُوعَظُ بِهِ مَن كَانَ مِنكُمْ يُؤْمِنُ بِاللّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ ذَلِكُمْ أَزْكَى لَكُمْ وَأَطْهَرُ وَاللّهُ يَعْلَمُ وَأَنتُمْ لاَ تَعْلَمُونَ﴾.

 

وروي عنه أنه قال: كنت مريضًا فزارني النبي (ص)، فقلت له: يا رسول الله! مذا أعمل بأموالي؟ فنزلت على النبي (ص) جوابًا لسؤالي الآية 11 من سورة النساء: ﴿يُوصِيكُمُ اللّهُ فِي أَوْلاَدِكُمْ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الأُنثَيَيْنِ ..﴾.

 

كانت ابنة عم عمياء، مات أبوها وخلّف لها أموالاً، وكان جابر يرغب في زواجها، ولم يزوّجها من شخص آخر؛ خوفًا من انتقال أموالها إليه، فجاء إلى النبي (ص) وعرض عليه أمر ابنة عمه، فنزلت فيه الآية 127 من سورة النساء: ﴿وَيَسْتَفْتُونَكَ فِي النِّسَاء قُلِ اللّهُ يُفْتِيكُمْ فِيهِنَّ وَمَا يُتْلَى عَلَيْكُمْ فِي الْكِتَابِ فِي يَتَامَى النِّسَاء الَّلاتِي لاَ تُؤْتُونَهُنَّ مَا كُتِبَ لَهُنَّ وَتَرْغَبُونَ أَن تَنكِحُوهُنَّ وَالْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الْوِلْدَانِ وَأَن تَقُومُواْ لِلْيَتَامَى بِالْقِسْطِ وَمَا تَفْعَلُواْ مِنْ خَيْرٍ فَإِنَّ اللّهَ كَانَ بِهِ عَلِيمًا﴾.

 

كان جابر مريضًا فزاره النبي (ص) فقال جابر: يا رسول الله! إنّ لي تسع أو سبع أخوات، فهل لي أن أوصي يثلث تركتي لأخواتي؟ فنزلت فيه الآية 176 من نفس السورة: ﴿يَسْتَفْتُونَكَ قُلِ اللّهُ يُفْتِيكُمْ فِي الْكَلاَلَةِ إِنِ امْرُؤٌ هَلَكَ لَيْسَ لَهُ وَلَدٌ وَلَهُ أُخْتٌ فَلَهَا نِصْفُ مَا تَرَكَ وَهُوَ يَرِثُهَآ إِن لَّمْ يَكُن لَّهَا وَلَدٌ فَإِن كَانَتَا اثْنَتَيْنِ فَلَهُمَا الثُّلُثَانِ مِمَّا تَرَكَ وَإِن كَانُواْ إِخْوَةً رِّجَالاً وَنِسَاء فَلِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الأُنثَيَيْنِ يُبَيِّنُ اللّهُ لَكُمْ أَن تَضِلُّواْ وَاللّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ﴾.