مناقشة ادعاء نسخ آية: (قل للذين آمنوا يغفروا للذين لا يرجون أيام الله)

 

" قل للذين آمنوا يغفروا للذين لا يرجون أيام الله"(1).

 

فذهبت جماعة إلى أن هذه الآية الكريمة منسوخة بآية السيف، وقالوا: إن هذه الآية مكية، وقد نزلت في عمر بن الخطاب حين شتمه رجل من المشركين بمكة قبل الهجرة، فأراد عمر أن يبطش به: فأنزل الله تعالى هذه الآية ثم نسخت بقوله تعالى:" فاقتلوا المشركين حيث وجدتموهم"(2).

 

واستندوا في ذلك إلى ما رواه عليل بن أحمد، عن محمد بن هشام عن عاصم ابن سليمان، عن جويبر، عن الضحاك، عن ابن عباس ولكن هذه الرواية ضعيفة جدا، ولا أقل من أن في سندها عاصم بن سليمان وهو كذاب وضاع مع أن الرواية ضعيفة المتن، فإن المسلمين - قبل الهجرة - كانوا ضعفاء، ولم يكن عمر مقداما في الحروب، ولم يعد من الشجعان المرهوبين، فكيف يسعه أن يبطش بالمشرك؟! على أن لفظ الغفران المذكور في الآية يدل على التمكن من الانتقام.

 

ومن المقطوع به أن ذلك لم يكن ميسورا لعمر قبل الهجرة، فلو أراد البطش بالمشرك لبطش به المشرك لا محالة.

 

والحق: أن الآية المباركة محكمة غير منسوخة، وأن معنى الآية: أن الله أمر المؤمنين بالعفو والاغضاء عما ينالهم من الايذاء والاهانة في شؤونهم الخاصة ممن لا يرجون أيام الله، ويدل عليه قوله تعالى بعد ذلك: " ليجزي قوما بما كانوا يكسبون"(3).

 

من عمل صالحا فلنفسه ومن أساء فعليها ثم إلى ربكم ترجعون"(4).

 

فإن الظاهر منه أن جزاء المسئ الذي لا يرجو أيام الله ولا يخاف المعاد، سواء أكان من المشركين، أم من الكتابيين، أم من المسلمين الذين لا يبالون بدينهم إنما هو موكول إلى الله الذي لا يفوته ظلم الظالمين وتفريط المفرطين، فلا ينبغي للمسلم المؤمن بالله أن يبادر إلى الانتقام منه، فإن الله أعظم منه نقمة وأشد أخذا، وهذا الحكم تهذيبي أخلاقي، وهو لا ينافي الامر بالقتال للدعوة إلى الاسلام أو لامر آخر، سواء أكان نزول هذه الآية قبل نزول آية السيف أم كان بعده.

 

المصدر:

البيان في تفسير القرآن، لزعيم الحوزة العلمية: سماحة آية الله العظمى السيد أبو القاسم الخوئي.

 


1- الجاثية /14

2- التوبة/5

3- الجاثية /14

4- الجاثية /15