مناقشة ادعاء نسخ آية: (يا أيها الذين آمنوا إذا لقيتم الذين كفروا زحفا فلا تولوهم الادبار)

 

﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ إِذَا لَقِيتُمُ الَّذِينَ كَفَرُواْ زَحْفاً فَلاَ تُوَلُّوهُمُ الأَدْبَارَ﴾(1).

﴿وَمَن يُوَلِّهِمْ يَوْمَئِذٍ دُبُرَهُ إِلاَّ مُتَحَرِّفاً لِّقِتَالٍ أَوْ مُتَحَيِّزاً إِلَى فِئَةٍ فَقَدْ بَاء بِغَضَبٍ مِّنَ اللّهِ وَمَأْوَاهُ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ﴾(2).

 

فقد ذهب بعضهم إلى أن هذا الحكم منسوخ بقوله تعالى: ﴿الآنَ خَفَّفَ اللّهُ عَنكُمْ وَعَلِمَ أَنَّ فِيكُمْ ضَعْفًا فَإِن يَكُن مِّنكُم مِّئَةٌ صَابِرَةٌ يَغْلِبُواْ مِئَتَيْنِ وَإِن يَكُن مِّنكُمْ أَلْفٌ يَغْلِبُواْ أَلْفَيْنِ بِإِذْنِ اللّهِ وَاللّهُ مَعَ الصَّابِرِينَ﴾(3).

 

فإن المسلمين إذا قل عددهم عن نصف عدد الكفار جاز لهم ترك القتال، والفرار من الزحف.

ومن القائلين بهذا القول: عطاء بن أبي رياح.

 

والجواب عن ذلك: أن تقييد إطلاق هذه الاية بآية التخفيف المذكورة مؤكد لبقاء حكمها ومعنى ذلك: أن الفرار من الزحف محرم في الشريعة الاسلامية إذا لم يكن عدد المسلمين أقل من نصف عدد الكفار، وأما إذا كان المسلمون أقل عددا من ذلك فلا يحرم عليهم الفرار، وهذا ليس من النسخ في شئ.

 

وروي عن عمرو بن عمر، وأبي هريرة، وأبي سعيد، وأبي نضرة، ونافع مولى ابن عمر، والحسن البصري، وعكرمة، وقتادة، وزيد بن أبي حبيب، والضحاك: أن الحكم مخصوص بأهل بدر، ولا يحرم الفرار من الزحف على غيرهم.

 

وبه قال أبو حنيفة وهذا القول أيضا باطل: فإن مورد الاية وإن كان يوم بدر، إلا أن ذلك لا يوجب اختصاص الحكم به، بعد أن كان اللفظ عاما، وكان الخطاب شاملا لجميع المسلمين ولا سيما إذا كان نزول الاية المباركة بعد انقضاء الحرب من يوم بدر.

 

وذهب ابن عباس وجميع الشيعة الامامية، وكثير من علماء أهل السنة إلى أن الاية محكمة، وحكمها مستمر إلى يوم القيامة، وهذا هو القول الصحيح وقد عرفت الدليل عليه، والروايات في ذلك متظافرة من الطريقين.

 

روى الكليني بإسناده عن محمد عن أبي عبد الله عليه السلام قال: " سمعته يقول الكبائر سبع: قتل المؤمن متعمدا، وقذف المحصنة، والفرار من الزحف، والتعرب بعد الهجرة، وأكل مال اليتيم ظلما، وأكل الربا بعد البينة وكل ما أوجب الله عليه النار ".

 

وروى أبو هريرة قال: قال رسول الله: " واجتنبوا السبع الموبقات، قالوا: يا رسول الله وما هن؟ قال صلى الله عليه وآله وسلم الشرك بالله، والسحر، وقتل النفس التي حرم الله إلا بالحق، وأكل الربا، وأكل مال اليتيم، والتولي يوم الزحف، وقذف المحصنات المؤمنات الفافلات.

 

المصدر:

البيان في تفسير القرآن، لزعيم الحوزة العلمية: سماحة آية الله العظمى السيد أبو القاسم الخوئي.


1-الأنفال/15.

2-الأنفال/16.

3-الأنفال/66.