مناقشة ادعاء نسخ آيتي: (وفي أموالهم حق للسائل والمحروم) و (والذين في أموالهم حق معلوم)

 

﴿وَفِي أَمْوَالِهِمْ حَقٌّ لِّلسَّائِلِ وَالْمَحْرُومِ﴾(1).

﴿وَالَّذِينَ فِي أَمْوَالِهِمْ حَقٌّ مَّعْلُومٌ﴾(2).

﴿لِّلسَّائِلِ وَالْمَحْرُومِ﴾(3).

فقد وقع الاختلاف في نسخ الآيتين وإحكامهما.

 

ووجه الاختلاف في ذلك: أن الحق المعلوم الذي أمرت الآيتان به قد يكون هو الزكاة المفروضة، وقد يكون فرضا ماليا آخر غيرها، وقد يكون حقا غير الزكاة ولكنه مندوب وليس بمفروض.

 

فإن كان الحق واجبا ماليا غير الزكاة فالآيتان الكريمتان منسوختان لا محالة، من حيث إن الزكاة نسخت كل صدقة واجبة في القرآن وقد اختار هذا الوجه جماعة من العلماء.

 

وإن كان الحق المعلوم هو الزكاة نفسها، أو كان حقا مستحبا غير مفروض، فالآيتان محكمتان بلا ريب.

والتحقيق: يقتضي اختيار الوجه الاخير، وأن الحق المعلوم شئ غير الزكاة، وهو أمر قد ندب إليه الشرع.

 

فقد استفاضت النصوص من الطريقين بأن الصدقة الواجبة منحصرة بالزكاة، وقد ورد عن أهل البيت عليهم السلام بيان المراد من هذا الحق المعلوم.

 

روى الشيخ الكليني بإسناده عن أبي بصير قال: " كنا عند أبي عبد الله عليه السلام ومعنا بعض أصحاب الاموال فذكروا الزكاة فقال أبو عبد الله عليه السلام: إن الزكاة ليس يحمد بها صاحبها، وإنما هو شئ ظاهر إنما حقن بهادمه وسمي بها مسلما، ولو لم يؤدها لم تقبل صلاته، وإن عليكم في أموالكم غير الزكاة.

 

فقلت: أصلحك الله وما علينا في أموالنا غير الزكاة؟ فقال: سبحان الله! أما تسمع الله يقول في كتابه: والذين في أموالهم؟ قال: قلت: فماذا الحق المعلوم الذي علينا؟ قال: هو والله الشئ يعلمه الرجل في ماله يعطيه في اليوم، أو في الجمعة، أو الشهر قل أو كثر غير أنه يدوم عليه ".

 

وروى أيضا بإسناده عن اسماعيل بن جابر عن أبي عبد الله عليه السلام في قول الله تعالى: والذين في أموالهم...

 

أهو سوى الزكاة؟ فقال: هو الرجل يؤتيه الله الثروة من المال فيخرج منه الالف، والالفين، والثلاثة آلاف، والاقل والاكثر فيصل به رحمه، ويحتمل به الكل عن قومه ".

 

وغير ذلك من الروايات عن الصادقين عليهما السلام.

 

وروى البيهقي في شعب الايمان، بإسناده عن غزوان بن أبي حاتم قال: " بينا أبو ذر عند باب عثمان لم يؤذن له إذ مر به رجل من قريش فقال: يا أبا ذر ما يجلسك ههنا؟ فقال: يأبى هؤلاء أن يأذنوا لي، فدخل الرجل فقال: يا أمير المؤمنين ما بال أبي ذر على الباب لا يؤذن له؟ فأمر فاذن له فجاء حتى جلس ناحية القوم.

 

. فقال عثمان لكعب: يا أبا إسحق أرأيت المال إذا أدي زكاته هل يخشى على صاحبه فيه تبعة؟ قال: لا، فقام أبو ذر ومعه عصا فضرب بها بين اذني كعب، ثم قال: يا ابن اليهودية، أنت تزعم أنه ليس حق في ماله إذا أدى الزكاة.

 

والله تعالى يقول: ﴿وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ﴾(4).

والله تعالى يقول: ﴿وَيُطْعِمُونَ الطَّعَامَ عَلَى حُبِّهِ مِسْكِينًا وَيَتِيمًا وَأَسِيرًا﴾(5).

والله تعالى يقول: ﴿وَالَّذِينَ فِي أَمْوَالِهِمْ حَقٌّ مَّعْلُومٌ﴾ (6).

﴿لِّلسَّائِلِ وَالْمَحْرُومِ﴾(7).

 

فجعل يذكر نحو هذا من القرآن.. ".

 

 

وروى ابن جرير بإسناده عن ابن عباس: " أن الحق المعلوم سوى الصدقة يصل بها رحما، أن يقري بها ضيفا أو يحمل بها كلا، أو يعين بها محروما ".

 

وتبع ابن عباس على ذلك جملة من المفسرين، وعلى هذا فلا نسخ في الآية المباركة.

 

المصدر:

البيان في تفسير القرآن، لزعيم الحوزة العلمية: سماحة آية الله العظمى السيد أبو القاسم الخوئي.


1- الذاريات/19

2- المعارج/24

3- المعارج/5

4- الحشر/9

5- الإنسان/8

6- المعارج/24

7- المعارج/5