قال المفسرون: كان غلام من اليهود يخدم رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأتت إليه اليهود ولم يزالوا به حتى أخذ مشاطة النبي صلى الله عليه وسلم وعدة أسنان من مشطه، فأعطاها اليهود فسحروه فيها، وكان الذي تولى ذلك لبيد بن أعصم اليهودي، ثم دسها في بئر لبني زريق يقال لها ذروان، فمرض رسول الله صلى الله عليه وسلم وانتثر شعر رأسه، ويرى أنه يأتي نساءه ولا يأتيهن، وجعل يدور ولا يدري ما عراه، فبينما هو نائم ذات يوم أتاه ملكان فقعد أحدهما عند رأسه والآخر عند رجليه، فقال الذي عند رأسه: ما بال الرجل ؟ قال: طب، قال: وما طب ؟ قال: سحر، قال: ومن سحره ؟ قال: لبيد بن أعصم اليهودي، قال: وبم طبه ؟ قال: بمشط ومشاطة، قال: وأين هو ؟ قال: في جف طلعة تحت راعوفة في بئر ذروان.

 

والجف: قشر الطلع، والراعوفة: حجر في أسفل البئر يقوم عليه المائح، فانتبه رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: يا عائشة ما شعرت أن الله أخبرني بدائي، ثم بعث عليا والزبير وعمار بن ياسر فنزحوا ماء تلك البئر كأنه نقاعة الحناء، ثم رفعوا الصخرة وأخرجوا الجف، فإذا هو مشاطة رأسه وأسنان مشطه، وإذا وتر معقد فيه أحد عشر عقدة مغروزة بالابر، فأنزل الله تعالى سورتي المعوذتين، فجعل كلما قرأ آية انحلت عقدة، ووجد رسول الله صلى الله عليه وسلم خفة حتى انحلت العقدة الاخيرة، فقام كأنما نشط من عقال، وجعل جبريل عليه السلام يقول: بسم الله أرقيك من كل شئ يؤذيك ومن حاسد وعين الله يشفيك، فقالوا: يا رسول الله أو لا نأخذ الخبيث فنقتله ؟ فقال: أما أنا فقد شفاني الله وأكره أن أثير على الناس شرا.

 

أخبرنا محمد بن عبد الرحمن بن محمد بن جعفر، أخبرنا أبو عمرو محمد بن أحمد الحيرى، أخبرنا أحمد بن علي الموصلي، أخبرنا مجاهد بن موسى، أخبرنا أبو أسامة عن هشام ابن عروة، عن أبيه، عن عائشة رضى الله عنها قالت: سحر النبي صلى الله عليه وسلم حتى أنه ليتخيل إليه أنه فعل الشئ وما فعل، حتى إذا كان ذات يوم وهو عندي دعا الله ودعا، ثم قال: أشعرت يا عائشة أن الله قد أفتاني فيما استفتيته فيه ؟ قلت: وما ذاك يا رسول الله ؟ قال: أتاني ملكان، وذكر القصة بطولها.

 

رواه البخاري، عن عبيد ابن إسماعيل، عن أبي أسامة، ولهذا الحديث طريق في الصحيحين تم كتاب أسباب نزول القرآن.

 

والحمد لله الواحد المنان وصلى الله على سيدنا محمد وآله والتابعين لهم بإحسان بسم الله الرحمن الرحيم خاتمة الحمد لله الذي أنزل الكتاب المبين، على رسوله الكريم، وختم به الانبياء والمرسلين، سيدنا محمد النبي الامين، وعلى آله وأصحابه الطيبين الطاهرين، وتابعيهم بإحسان إلى يوم الدين.

 

أما بعد: فقد تم بحمد الله تعالى طبع كتاب " أسباب النزول " لابي الحسن علي بن أحمد النيسابوري.

 

وكان الفراغ من طبعه يوم الاثنين 19 ربيع ثان سنة 1388 هـ الموافق 15 يولية سنة 1968 م.

 

نسأل الله تعالى بحق آياته وبأحاديث رسوله أن نكون من شفعائه يوم الدين.