سبب نزول الآية رقم (4) من سورة الحجرات

 

* قوله تعالى: ﴿إن الذين ينادونك من وراء الحجرات أكثرهم لا يعقلون﴾ أخبرنا أحمد بن عبيد الله المخلدي قال: أخبرنا أبو محمد عبد الله بن محمد بن زياد الدقاق قال: حدثنا محمد بن إسحاق بن خزيمة قال: حدثنا محمد بن يحيى العتكى قال: حدثنا المعتمر بن سليمان قال: حدثنا داود الطفواى قال: حدثنا أبو مسلم البجلي قال: سمعت زيد بن أرقم يقول: أتى ناس النبي صلى الله عليه وسلم فجعلوا ينادونه وهو في الحجرة: يا محمد يا محمد، فأنزل الله تعالى - إن الذين ينادونك من وراء الحجرات أكثرهم لا يعقلون -.

 

وقال محمد بن إسحاق وغيره: نزلت في جفاة بني تميم، قدم وفد منهم على النبي صلى الله عليه وسلم فدخلوا المسجد، فنادوا النبي صلى الله عليه وسلم من وراء حجرته أن اخرج إلينا يا محمد، فإن مدحنا زين وإن ذمنا شين، فأذى ذلك من صياحهم النبي صلى الله عليه وسلم، فخرج إليهم، فقالوا: إنا جئناك يا محمد نفاخرك، ونزل فيهم - إن الذين ينادونك من وراء الحجرات أكثرهم لا يعقلون - وكان فيهم الاقرع بن حابس وعيينة ابن حصن والزبرقان بن بدر وقيس بن عاصم وكانت قصة هذه المفاخرة على ما أخبرناه أبو إسحاق أحمد بن محمد المقرئ قال: أخبرنا الحسن بن محمد بن الحسن السدوسى قال: حدثني محمد بن صالح بن هانئ قال: حدثنا الفضل بن محمد المسيب قال: حدثنا قاسم بن أبى شيبة قال: حدثنا معلى بن عبد الرحمن قال: حدثنا عبد الحميد ابن جعفر، عن عمر ابن الحكم عن جابر بن عبد الله قال: جاء بنو تميم إلى النبي صلى الله عليه وسلم، فنادوا على الباب يا محمد اخرج إلينا، فإن مدحنا زين وإن ذمنا شين، فسمعهم النبي صلى الله عليه وسلم، فخرج عليهم وهو يقول: إنما ذلكم الله الذي مدحه زين وذمه شين، فقالوا: نحن ناس من بني تميم جئنا بشاعرنا وخطيبنا نشاعرك ونفاخرك فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم ما بالشعر بعثت ولا بالفخار أمرت ولكن هاتوا، فقال الزبرقان بن بدر لشاب من شبابهم قم فاذكر فضلك وفضل قومك، فقام فقال: الحمد لله الذي جعلنا خير خلقه، وآتانا أموالا نفعل فيها ما نشاء، فنحن من خير أهل الارض ومن أكثرهم عدة، ومالا وسلاحا، فمن أنكر علينا قولنا فليأت بقول هو أحسن من قولنا، وفعال هي خير من فعالنا، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لثابت ابن قيس بن شماس قم فأجب فقام فقال: الحمد لله أحمده وأستعينه وأومن به، وأتوكل عليه وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله، دعا المهاجرين والانصار من بني عمه أحسن الناس وجوها وأعظمهم أحلاما فأجابوا، فالحمد لله الذي جعلنا أنصاره، ووزراء رسوله وعزا لدينه، فنحن نقاتل الناس حتى يشهدوا أن لا إله إلا الله، فمن قالها منع منا نفسه وماله، ومن أباها قتلناه، وكان رغمه من الله تعالى علينا هينا، أقول قولي هذا وأستغفر الله للمؤمنين والمؤمنات، فقال الزبرقان ابن بدر لشاب من شبانهم قم يا فلان فقل أبياتا تذكر فيها فضلك وفضل قومك، فقام الشاب فقال: نحن الكرام فلا حى يفاخرنا * فينا الرؤوس وفينا يقسم الربع ونطعم الناس عند القحط كلهم * من السديف إذا لم يؤنس القزع إذا أبينا فلا يأبى لنا أحد * إنا كذلك عند الفخر نرتفع قال: فأرسل رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى حسان بن ثابت، فانطلق إليه الرسول فقال: وما يريد مني وقد كنت عنده ؟ قال: جاءت بنو تميم بشاعرهم وخطيبهم، فأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم ثابت بن قيس فأجابهم وتكلم شاعرهم، فأرسل إليك تجيبه فجاء حسان فأمره رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يجيبه فقال حسان: نصرنا رسول الله والدين عفوة * على رغم سار من معد وحاضر ألسنا نخوض الموت في حومة الوغى * إذا طاب ورد الموت بين العساكر ونضرب هام الدارعين وننتمى * إلى حسب من جرم غسان قاهر فلولا حياء الله قلنا تكرما * على الناس بالحقين هل من منافر فأحياؤنا من خير من وطئ الحصى * وأمواتنا من خير أهل المقابر قال: فقام الاقرع بن حابس فقال: إني والله لقد جئت لامر ما جاء له هؤلاء، وقد قلت شعرا فاسمعه، فقال: هات، فقال: أتيناك كيما يعرف الناس فضلنا * إذا فاخرونا عند ذكر المكارم وإنا رءوس الناس من كل معشر * وأن ليس في أرض الحجاز كوارم وإن لنا المرباع في كل غارة * تكون بنجد أو بأرض التهائم فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: قم يا حسان فأجب، فقال: بنى دارم لا تفخروا إن فخركم * يعود وبالا عند ذكر المكارم هبلتم علينا تفخرون وأنتم * لنا خول من بين ظئر وخادم وأفضل ما نلتم من المجد والعلى * ردافتنا من بعد ذكر الاكارم فإن كنتم جئتم لحقن دمائكم * وأموالكم أن تقسموا في المقاسم فلا تجعلوا لله ندا وأسلموا * ولا تفخروا عند النبي بدارم وإلا ورب البيت مالت أكفنا * على هامكم بالمرهفات الصوارم قال: فقام الاقرع بن حابس فقال: إن محمدا المولى إنه والله ما أدرى ما هذا الامر، تكلم خطيبنا فكان خطيبهم أحسن قولا، وتكلم شاعرنا فكان شاعرهم أشعر، ثم دنا من النبي صلى الله عليه وسلم فقال: أشهد أن لا إله إلا الله وأنك رسول الله، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: ما نصرك ما كان قبل هذا، ثم أعطاهم رسول الله صلى الله عليه وسلم وكساهم وارتفعت الاصوات وكثر اللغط عند رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأنزل الله هذه الآية - لا ترفعوا أصواتكم فوق صوت النبي إلى قوله - وأجر عظيم.