سبب نزول الآية رقم (60) من سورة النساء

 

* قوله تعالى: ﴿ألم تر إلى الذين يزعمون أنهم آمنوا بما أنزل إليك وما أنزل من قبلك يريدون أن يتحاكموا إلى الطاغوت﴾ الآية.

 

أخبرنا سعيد ابن محمد العدل قال: أخبرنا أبو عمرو بن حمدان قال: أخبرنا الحسن بن سفيان قال: حدثنا إبراهيم بن سعيد الجوهري قال: حدثنا أبو اليمان قال: حدثنا صفوان بن عمرو، عن عكرمة، عن ابن عباس قال: كان أبو بردة الاسلمي كاهنا يقضى بين اليهود فيما يتنافرون إليه، فتنافر إليه أناس من أسلم فأنزل الله تعالى - ألم تر إلى الذين يزعمون - إلى قوله - رفيقا -.

 

أخبرنا أحمد بن محمد بن إبراهيم قال: حدثنا أبو صالح بن شعيب بن محمد قال: حدثنا أبو حامد التميمي قال: حدثنا أبو الازهر قال: حدثنا رويم قال: حدثنا سعيد، عن قتادة قال: ذكر لنا أن هذه الآية أنزلت في رجل من الانصار يقول له قيس، وفي رجل من اليهود في مماراة كانت بينهما في حق تدارءا فيه، فتنافرا إلى كاهن بالمدينة ليحكم بينهما، وتركا نبي الله صلى الله عليه وسلم، فعاب الله تعالى ذلك عليهما، وكان اليهودي يدعوه إلى نبي الله، وقد علم أنه لن يجوز عليه، وجعل الانصاري يأبى عليه وهو يزعم أنه مسلم ويدعوه إلى الكاهن، فأنزل الله تعالى ما تسمعون، وعاب على الذي يزعم أنه مسلم، وعلى اليهودي الذي هو من أهل الكتاب، فقال - ألم تر إلى الذين يزعمون أنهم آمنوا بما أنزل إليك - إلى قوله - يصدوه عنك صدودا -.

 

أخبرني محمد بن عبد العزيز المروزى في كتابه قال: أخبرنا محمد بن الحسين قال: أخبرنا محمد بن يحيى قال: أخبرنا إسحاق الحنظلي قال: أخبرنا المؤملى قال: حدثنا يزيد ابن زريع، عن داود، عن الشعبي قال: كان بين رجل من المنافقين ورجل من اليهود خصومة، فدعا اليهودي المنافق إلى النبي صلى الله عليه وسلم لانه علم أنه لا يقبل الرشوة، ودعا المنافق اليهودي إلى حاكمهم لانه علم أنهم يأخذون الرشوة في أحكامهم، فلما اختلفا اجتمعا على أن يحكما كاهنا في جهينة، فأنزل الله تعالى في ذلك - ألم تر إلى الذين يزعمون أنهم آمنوا بما أنزل إليك - يعني المنافق - وما أنزل من قبلك - يعني اليهودي، يريدون أن يتحاكموا إلى الطاغوت - إلى قوله - ويسلموا تسليما -.

 

وقال الكلبي عن أبي صالح عن ابن عباس نزلت في رجل من المنافقين كان بينه بينه وبين يهودي خصومة، فقال اليهودي: انطلق بنا إلى محمد، وقال المنافق: بل نأتي كعب بن الاشرف وهو الذى سماه الله تعالى الطاغوت، فأبى اليهودي إلا أن يخاصمه إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فلما رأى المنافق ذلك أتى معه إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فاختصما إليه، فقضى رسول الله صلى الله عليه وسلم لليهودي، فلما خرجا من عنده لزمه المنافق وقال: ننطلق إلى عمر بن الخطاب، فأقبلا إلى عمر، فقال اليهودي: اختصمنا أنا وهذا إلى محمد فقضى لي عليه فلم يرض بقضائه، وزعم أنه مخاصم إليك وتعلق بي فجئت إليك معه، فقال عمر للمنافق، أكذلك ؟ قال: نعم، فقال لهما: رويدا حتى أخرج إليكما، فدخل عمر وأخذ السيف فاشتمل عليه، ثم خرج إليهما وضرب به المنافق حتى برد، وقال: هكذا أقضى لمن لم يرض بقضاء الله وقضاء رسوله، وهرب اليهودي، ونزلت هذه الآية، وقال جبريل عليه السلام: إن عمر فرق بين الحق والباطل، فسمى الفاروق.

 

وقال السدى: كان ناس من اليهود أسلموا ونافق بعضهم، وكانت قريظة والنضير في الجاهلية إذا قتل رجل من بني قريظة رجلا من بني النضير قتل به وأخذ ديته مائة وسق من تمر، وإذا قتل رجل من بني النضير رجلا من قريظة لم يقتل به وأعطى ديته ستين وسقا من تمر، وكانت النضير حلفاء الاوس وكانوا أكبر وأشرف من قريظة وهم حلفاء الخزرج، فقتل رجل من النضير رجلا من قريظة واختصموا في ذلك، فقالت بنو النضير: إنا وأنتم اصطلحنا في الجاهلية على أن يقتل منكم ولا تقتلوا منا، وعلى أن ديتكم ستون وسقا والوسق ستون صاعا وديتنا مائة وسق، فنحن نعطيكم ذلك، فقالت الخزرج: هذا شئ كنتم فعلتموه في الجاهلية لانكم كثرتم وقللنا فقهرتمونا، ونحن وأنتم اليوم إخوة وديننا ودينكم واحد، وليس لكم علينا فضل، فقال المنافقون: انطلقوا إلى أبي بردة الكاهن الاسلمي، وقال المسلمون: لا بل إلى النبي صلى الله عليه وسلم، فأبى المنافقون وانطلقوا إلى أبى بردة ليحكم بينهم، فقال: أعظموا اللقمة: يعني الرشوة، فقالوا: لك عشرة أوسق، قال: لا، بل مائة وسق ديتي، فإني أخاف إن نفرت النضيرى قتلتني قريظة، وإن نفرت القريظى قتلتني النضير، فأبوا أن يعطوه فوق عشرة أوسق وأبى أن يحكم بينهم، فأنزل الله تعالى هذه الآية، فدعا النبي صلى الله عليه وسلم كاهن أسلم إلى الاسلام، فأبى فانصرف، فقال النبي صلى الله عليه وسلم لابنيه: أدركا أباكما، فإنه إن جاوز عقبة كذا لم يسلم أبدا، فأدركاه فلم يزالا به حتى انصرف وأسلم، وأمر النبي صلى الله عليه وسلم مناديا فنادى: ألا إن كاهن أسلم قد أسلم.