سبب نزول الآية رقم (100) من سورة آل عمران

 

* قوله: ﴿يا أيها الذين آمنوا إن تطيعوا فريقا﴾ الآية.

 

أخبرنا أبو عمر العسكري فيما أذن لي في روايته قال: أخبرني محمد بن الحسين الحداد قال: أخبرنا محمد ابن يحيى بن خالد قال: أخبرنا إسحاق بن إبراهيم قال: أخبرنا المؤمل بن إسماعيل قال: حدثنا حماد بن زيد، حدثنا أيوب، عن عكرمة قال: كان بين هذين الحيين من الاوس والخزرج قتال في الجاهلية، فلما جاء الاسلام اصطلحوا وألف الله بين قلوبهم، وجلس يهودي في مجلس فيه نفر من الاوس والخزرج، فأنشد شعرا قاله أحد الحيين في حربهم، فكأنهم دخلهم من ذلك، فقال الحي الاخرون: وقد قال شاعرنا في يوم كذا كذا وكذا، فقال الاخرون: وقد قال شاعرنا في يوم كذا كذا وكذا، فقالوا: تعالى نرد الحرب جذعا كما كانت، فنادى هؤلاء يا آل أوس، ونادى هؤلاء يا آل خزرج، فاجتمعوا وأخذوا السلاح واصطفوا للقتال، فنزلت هذه الآية، فجاء النبي صلى الله عليه وسلم حتى قام بين الصفين فقرأها ورفع صوته، فلما سمعوا صوته أنصتوا وجعلوا يستمعون، فلما فرغ ألقوا السلاح وعانق بعضهم بعضا وجعلوا يبكون.

 

وقال زيد بن أسلم: مر شاس بن قيس اليهودي وكان شيخا قد غبر في الجاهلية عظيم الكفر شديد الضغن على المسلمين شديد الحسد لهم، فمر على نفر من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم من الاوس والخزرج في مجلس جمعهم يتحدثون فيه، فغاظه ما رأى من جماعتهم وألفتهم وصلاح ذات بينهم في الاسلام بعد الذي كان بينهم في الجاهلية من العداوة، فقال: قد اجتمع ملا بني قيلة بهذه البلاد، لا والله مالنا معهم إذا اجتمعوا بها من قرار، فأمر شابا من اليهود كان معه، فقال: اعمد إليهم فاجلس معهم، ثم ذكرهم بعاث وما كان فيه وأنشدهم بعض ما كانوا تقاولوا فيه من الاشعار، وكان بعاث يوم اقتتلت فيه الاوس والخزرج، وكان الظفر فيه للاوس على الخزرج، ففعل فتكلم القوم عند ذلك، فتنازعوا وتفاخروا حتى تواثب رجلان من الحيين أوس ابن قيظى 7 أحد بني حارثة من الاوس، وجابر بن صخر أحد بني سلمة من الخزرج فتقاولا وقال أحدهما لصاحبه إن شئت رددتها جذعا، وغضب الفريقان جميعا وقالا: ارجعا، السلاح السلاح، موعدكم الظاهرة وهي حرة، فخرجوا إليها فانضمت الاوس والخزرج بعضها إلى بعض على دعواهم التي كانوا عليها في الجاهلية، فبلغ ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم، فخرج إليهم فيمن معه من المهاجرين حتى جاءهم فقال: يا معشر المسلمين، أتدعون الجاهلية وأنا بين أظهركم بعد أن أكرمكم الله بالاسلام وقطع به عنكم أمر الجاهلية وألف بينكم، فترجعون إلى ما كنتم عليه كفارا، ألله ألله فعرف القوم أنها نزعة من الشيطان وكيد من عدوهم فألقوا السلاح من أيديهم وبكوا، وعانق بعضهم بعضا، ثم انصرفوا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم سامعين مطيعين، فأنزل الله عز وجل - يا أيها الذين آمنوا - يعني الاوس والخزرج - إن تطيعوا فريقا من الذين أوتوا الكتاب - يعني شاسا وأصحابه - يردوكم بعد إيمانكم كافرين - قال جابر بن عبد الله: ما كان طالع أكره إلينا من رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأومأ إلينا بيده، فكففنا وأصلح الله تعالى ما بيننا، فما كان شخص أحب إلينا من رسول الله صلى الله عليه وسلم فما رأيت يوما أقبح ولا أوحش أولا وأحسن آخرا من ذلك اليوم.