اختلاف الكتب السماوية


المسألة:

ما هي العلة من اختلاف الكتب السماوية؟


الجواب:

الكتب السماوية غير المحرَّفة لا تختلف في الأصول الإعتقادية والقيم الدينية العامة بل يُصدِّق المتأخر منها المتقدِّم كما يشهد لذلك مثل قوله تعالى: ﴿وَآتَيْنَاهُ الإِنجِيلَ فِيهِ هُدًى وَنُورٌ وَمُصَدِّقًا لِّمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ التَّوْرَاةِ وَهُدًى وَمَوْعِظَةً لِّلْمُتَّقِينَ﴾(1) وقوله تعالى واصفاً القرآن الكريم: ﴿نَزَّلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ مُصَدِّقاً لِّمَا بَيْنَ يَدَيْهِ وَأَنزَلَ التَّوْرَاةَ وَالإِنجِيلَ ..﴾(2) وقوله تعالى: ﴿وَأَنزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ مُصَدِّقًا لِّمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ الْكِتَابِ وَمُهَيْمِنًا عَلَيْهِ﴾(3)

 

فالكتب السماوية يصدِّق المتأخر منها المتقدم ويؤكده، نعم هي تختلف من حيث السعة والضيق، فقد يشتمل المتأخر منها على مضامين لم ترد في الكتاب السماوي المتقدم نظراً لعدم الحاجة إليها في ظرف نزول الكتاب المتقدم أو عدم قدرة مَن نزل عليهم الكتاب على استيعابها أو لمنشأٍ آخر اقتضته الحكمة الإلهية.

 

فالقرآن الكريم يتحد مع سائر الكتب السماوية في أصوله العامة ويختلف عنها من جهة استعابه لتمام ما أراده الله لعباده أن يتعرَّفوا عليه إلى آخر الدهر.

 

قال تعالى: ﴿وَنَزَّلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ تِبْيَانًا لِّكُلِّ شَيْءٍ﴾(4)

 

وثمة جهة أخرى قد تختلف فيها الكتب السماوية وهي بعض التشريعات، فقد يكون شيءٌ محرَّماً في شريعة موسى (ع) ولكنَّه مباح في شريعة الإسلام وقد ينعكس الأمر أو يكون ثمة فعل واجباً في شريعة موسى (ع) ولكنه ليس واجباً في شريعة الإسلام.

 

والإختلاف في بعض التشريعات ينشأ عن وجود ملاكات اقتضت تلك التشريعات ثم انتفى موضوعها فينتفى معها ذلك التشريع أو يقتضي الملاك الفعلي تشريعاً آخر لذلك يكون المتأخر ناسخاً للتشريع المتقدم.

 

لذلك فإنَّ كلَّ حكم اشتملت عليه الكتب السماوية السابقة يكون منسوخاً إذا أورد في القرآن ما يُخالفه وهذا هو معنى قوله تعالى: ﴿وَأَنزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ مُصَدِّقًا لِّمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ الْكِتَابِ وَمُهَيْمِنًا عَلَيْهِ﴾(5)

 

فمعنى أنَّ القرآن مهيمن على ما سبقه من الكتب السماوية هو أنَّ التشريعات التي تضمَّنها تكون ناسخة للتشريعات الواردة في الكتب السماوية السابقة إذا كانت على خلاف ما ورد في القرآن الكريم.

 

والحمد لله رب العالمين

 

الشيخ محمد صنقور

 

1- سورة المائدة / 46.

2- سورة آل عمران / 3.

3- سورة المائدة / 48.

4- سورة النحل / 89.

5- سورة المائدة / 48.