زكا

 

أصل الزكاة: النمو الحاصل عن بركة الله تعالى، ويعتبر ذلك بالأمور الدنيوية والأخروية. يقال: زكا الزرع يزكو: إذا حصل منه نمو وبركة. وقوله: ﴿أَيُّهَا أَزْكَى طَعَامًا﴾ الكهف/19، إشارة إلى ما يكون حلالا لا يستوخم عقباه، ومنه الزكاة: لما يخرج الإنسان من حق الله تعالى إلى الفقراء، وتسميته بذلك لما يكون فيها من رجاء البركة، أو لتزكية النفس، أي: تنميتها بالخيرات والبركات، أو لهما جميعا، فإن الخيرين موجودان فيها. وقرن الله تعالى الزكاة بالصلاة في القرآن بقوله: ﴿وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ﴾ البقرة/43، وبزكاء النفس وطهارتها يصير الإنسان بحيث يستحق في الدنيا الأوصاف المحمودة، وفي الآخرة الأجر والمثوبة. هو أن يتحرى الإنسان ما فيه تطهيره، وذلك ينسب تارة إلى العبد لكونه مكتسبا لذلك، نحو: ﴿قَدْ أَفْلَحَ مَن زَكَّاهَا﴾ الشمس/9، وتارة ينسب إلى الله تعالى؛ لكونه فاعلا لذلك في الحقيقة نحو: ﴿بَلِ اللّهُ يُزَكِّي مَن يَشَاء﴾ النساء/49، وتارة إلى النبي لكونه واسطة في وصول ذلك إليهم، نحو: ﴿تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِم بِهَا﴾ التوبة/103، ﴿يَتْلُو عَلَيْكُمْ آيَاتِنَا وَيُزَكِّيكُمْ﴾ البقرة/151، وتارة إلى العبادة التي هي آلة في ذلك، نحو: ﴿وَحَنَانًا مِّن لَّدُنَّا وَزَكَاةً﴾ مريم/13، ﴿لِأَهَبَ لَكِ غُلَامًا زَكِيًّا﴾ مريم/19، أي: مزكى بالخلقة، وذلك على طريق ما ذكرنا من الاجتباء، وهو أن يجعل بعض عباده عالما وطاهر الخلق لا بالتعلم والممارسة بل بتوفيق إلهي، كما يكون لجل الأنبياء والرسل. ويجوز أن يكون تسميته بالمزكى لما يكون عليه في الاستقبال لا في الحال، والمعنى: سيتزكى، ﴿وَالَّذِينَ هُمْ لِلزَّكَاةِ فَاعِلُونَ﴾ المؤمنون/4، أي: يفعلون ما يفعلون من العبادة ليزكيهم الله، أو ليزكوا أنفسهم، والمعنيان واحد. وليس قوله: (للزكاة) مفعولا لقوله: (فاعلون)، بل اللام فيه للعلة والقصد. وتزكية الإنسان نفسه ضربان:

 

أحدهما: بالفعل، وهو محمود وإليه قصد بقوله: ﴿قَدْ أَفْلَحَ مَن زَكَّاهَا﴾ الشمس/9، وقوله: ﴿قَدْ أَفْلَحَ مَن تَزَكَّى﴾ الأعلى/14.

 

والثاني: بالقول، كتزكية العدل غيره، وذلك مذموم أن يفعل الإنسان بنفسه، وقد نهى الله تعالى عنه فقال: ﴿فَلَا تُزَكُّوا أَنفُسَكُمْ﴾ النجم/32، ونهيه عن ذلك تأديب لقبح مدح الإنسان نفسه عقلا وشرعا، ولهذا قيل لحكيم: ما الذي لا يحسن وإن كان حقا؟ فقال: مدح الرجل نفسه.