سورة ق
مكية وهي خمس وأربعون آية بالاجماع
بسم الله الرحمن الرحيم
(1) ق والقرآن المجيد.
في المعاني عن الصادق (عليه السلام) وأما ق فهو الجبل المحيط بالأرض وخضرة السماء منه وبه يمسك الله الأرض أن تميد بأهلها.
والقمي قال ق جبل محيط بالدنيا من وراء يأجوج ومأجوج وهو قسم.
(2) بل عجبوا القمي يعني قريشا أن جائهم منذر منهم قال يعني رسول الله (صلى الله عليه وآله) فقال الكافرون هذا شئ عجيب (3) أئذا متنا وكنا ترابا أي أنرجع إذا متنا وصرنا ترابا ذلك رجع بعيد القمي قال نزلت في أبي بن خلف قال لأبي جهل تعال إلي لا عجبك من محمد (صلى الله عليه وآله) ثم أخذ عظما ففته ثم قال يا محمد تزعم أن هذا يحيى.
(4) قد علمنا ما تنقص الأرض منهم ما تأكل من أجساد موتاهم وعندنا كتب حفيظ حافظ لتفاصيل الأشياء كلها أو محفوظ عن التغيير.
(5) بل كذبوا بالحق لما جائهم فهم في أمر مريج مضطرب فتارة يقولون إنه شاعر وتارة إنه ساحر وتارة إنه كاهن إلى غير ذلك.
(6) أفلم ينظروا حين كفروا بالبعث إلى السماء فوقهم إلى اثار قدرة الله في خلق العالم كيف بنيناها رفعناها بلا عمد وزينها بالكواكب وما لها من فروج فتوق بأن خلقها ملساء متلاصقة الطباق.
(7) والأرض مددناها بسطناها وألقينا فيها رواسي جبالا ثوابت وأنبتنا فيها من كل زوج بهيج من كل صنف حسن.
(8) تبصرة وذكرى لكل عبد منيب راجع إلى ربه متفكر في بدائع صنعه.
(9) ونزلنا من السماء ماء مبركا كثير المنافع.
في الكافي عن الباقر (عليه السلام) قال رسول الله (صلى الله عليه وآله) في هذه الآية ليس من ماء في الأرض إلا وقد خالطه ماء السماء فأنبتنا به جنت أشجار أو ثمار وحب الحصيد وحب الزرع الذي من شأنه أن يحصد كالبر والشعير.
(10) والنخل باسقات طوالا أو حوامل وإفرادها بالذكر لفرط ارتفاعها وكثرة منافعها لها طلع نضيد منضود بعضه فوق بعض.
(11) رزقا للعباد وأحيينا به بذلك الماء بلدة ميتا أرضا جدبة لا نماء فيها كذلك الخروج كما أنزلنا الماء من السماء وأخرجنا به النبات من الأرض وأحيينا به البلدة الميت يكون خروجكم إحياء بعد موتكم وهو جواب لقولهم أئذا متنا وكنا ترابا ذلك رجع بعيد.
(12) كذبت قبلهم قوم نوح وأصحاب الرس الذين رسوا نبيهم في الأرض أي رسوه كما سبق قصتهم في سورة الفرقان.
(13) وثمود وعاد وفرعون أراد إياه وقومه ليلائم ما قبله وما بعده وإخوان لوط.
(14) وأصحاب الأيكة الغيضة وهم سورة الحجر وقوم تبع كما سبق ذكره في سورة الدخان كل كذب الرسل فحق وعيد فوجب وحل عليه وعيدي وفيه تسلية للرسول وتهديد لهم.
(15) أفعيينا بالخلق الأول أفعجزنا عن الابداء حتى نعجز عن الإعادة بل هم في لبس من خلق جديد أي هم لا ينكرون قدرتنا عن الخلق الأول بل هم في خلط وشبهة في خلق مستأنف لما فيه من مخالفة الإعادة والتنكير للتعظيم والاشعار بأنه على وجه غير متعارف ولا معتاد في التوحيد عن الباقر (عليه السلام) أنه سئل عن هذه الآية فقال تأويل ذلك أن الله تعالى إذا أفنى هذا الخلق وهذا العالم وسكن أهل الجنة الجنة وأهل النار النار جدد الله عالما غير هذا العالم وجدد خلقا من غير فحولة ولا إناث يعبدونه ويوحدونه وخلق لهم أرضا غير هذه الأرض تحملهم وسماء غير هذه السماء تظلهم لعلك ترى أن الله إنما خلق هذا العالم الواحد وترى أن الله لم يخلق بشرا غيركم بلى والله لقد خلق ألف ألف عالم وألف ألف آدم أنت في آخر تلك العوالم وأولئك الآدميين.
وفي الخصال والعياشي عنه (عليه السلام) ما يقرب منه وقد مضى في سورة إبراهيم (عليه السلام).
(16) ولقد خلقنا الانسان ونعلم ما توسوس به نفسه ما تحدث به نفسه وهو ما يخطر بالبال والوسوسة الصوت الخفي ونحن أقرب إليه من حبل الوريد الحبل العرق وإضافته للبيان والوريدان عرقان مكتنفان بصفحتي العنق في مقدمها متصلان بالوتين يردان إليه من الرأس وحبل الوريد مثل في القرب.
(17) إذ يتلقى المتلقيان إذ يتلقى الحفيظان ما يتلفظ به وفيه إشعار بأنه غني عن استحفاظ الملكين فإنه أعلم منهما ومطلع على ما يخفى عليهما لأنه أقرب إليه منهما ولكنه لحكمة اقتضته من تشديد في تثبط العبد عن المعصية وتأكيد في اعتبار الاعمال وضبطها للجزاء وإلزام الحجة يوم يقوم الاشهاد عن اليمين وعن الشمال قعيد.
(18) يلفظ من قول إلا لديه رقيب ملك يرقب عمله عتيد معد حاضر.
في الكافي عن الصادق (عليه السلام) قال ما من قلب إلا وله اذنان على إحداهما ملك مرشد وعلى الأخرى شيطان مفتن هذا يأمره وهذا يزجره الشيطان يأمره بالمعاصي والملك يزجره عنها وقوله تعالى عن اليمين وعن الشمال قعيد ما يلفظ من قول إلا لديه رقيب عتيد.
وفي الجوامع عن النبي (صلى الله عليه وآله) قال كاتب الحسنات على يمين الرجل وكاتب السيئات على شماله وصاحب اليمين أمير على صاحب الشمال فإذا عمل حسنة كتبها ملك اليمين عشرا وإذا عمل سيئة قال صاحب اليمين لصاحب الشمال دعه سبع ساعات لعله يسبح أو يستغفر.
وفي الكافي عن الصادق (عليه السلام) عنه (صلى الله عليه وآله) ما يقرب منه ويستفاد منه إن كليهما ملكان كاتبان.
فلعل الكتابين غير الامر والزاجر.
(19) وجائت سكرة الموت بالحق لما ذكر استبعادهم البعث وأزاح ذلك بتحقيق قدرته وعلمه أعلمهم بأنهم يلاقون ذلك عن قريب عند الموت وقيام الساعة ونبه على اقترابه بأن عبر عنه بلفظ الماضي وسكرة الموت شدته الذاهبة بالعقل.
وفي المجمع في الشواذ وجاءت سكرة الحق بالموت قال ورواها أصحابنا عن أئمة الهدى (عليهم السلام) والقمي قال نزلت وجاءت سكرة الحق بالموت ذلك ما كنت منه تحيد تميل وتفر عنه والخطاب للانسان القمي قال نزلت في الأول.
(20) ونفخ في الصور يعني نفخة البعث ذلك يوم الوعيد يوم تحقق الوعيد وانجازه.
(21) وجائت كل نفس معها سائق وشهيد.
في نهج البلاغة سائق يسوقها إلى محشرها وشاهد يشهد عليها بعملها.
(22) لقد كنت في غفلة من هذا على إضمار القول فكشفنا عنك غطائك الغطاء الحاجب لأمور المعاد وهو الغفلة والانهماك في المحسوسات والألف بها وقصور النظر عليها فبصرك اليوم حديد نافذ لزوال المانع للابصار.
(23) وقال قرينه قيل الملك الموكل عليه أو الشيطان الذي قيض له والقمي أي شيطانه وهو الثاني.
وفي المجمع عنهما (عليهما السلام) يعني الملك الشهيد عليه هذا ما لدى عتيد هذا ما هو مكتوب عندي حاضر لدي أو هذا ما عندي وفي ملكتي هيأته لجهنم بإغوائي وإضلالي.
(24) ألقيا في جهنم كل كفار عنيد قيل خطاب من الله للسائق والشهيد.
والقمي مخاطبة للنبي (صلى الله عليه وآله) وعلي (عليه السلام) وذلك قول الصادق (عليه السلام) علي قسيم الجنة والنار.
وعن السجاد عن أبيه عن جده أمير المؤمنين (عليهم السلام) قال قال رسول الله (صلى الله عليه وآله) إن الله تبارك وتعالى إذا جمع الناس يوم القيامة في صعيد واحد كنت أنا وأنت يومئذ عن يمين العرش ثم يقول الله تبارك وتعالى لي ولك قوما فألقيا من أبغضكما وكذبكما في النار.
وفي المجمع والا مالي من طريق العامة مثله وزادا وأدخلا الجنة من أحبكما وذلك قوله تعالى ألقيا في جهنم كل كفار عنيد.
وفي رواية أخرى في الا مالي قال نزلت في وفيك يا بن أبي طالب الحديث.
(25) مناع للخير كثير المنع للمال عن حقوقه المفروضة معتد متعد مريب شاك في الله وفي دينه.
(26) الذي جعل مع الله إلها آخر فألقياه في العذاب الشديد.
(27) قال قرينه أي الشيطان المقيض له ربنا ما أطغيته كأن الكافر قال هو أطغاني فقال قرينه ما أطغيته ولكن كان في ضلال بعيد فأعنته عليه فإن اغواء الشيطان إنما يؤثر فيمن كان مختل الرأي مائلا إلى الفجور كما قال وما كان لي عليكم من سلطان إلا أن دعوتكم فاستجبتم لي القمي قال المناع الثاني والخير ولاية علي (عليه السلام) وحقوق آل محمد صلوات الله عليهم ولما كتب الأول كتاب فدك بردها على فاطمة (عليها السلام) منعه الثاني فهو معتد مريب الذي جعل مع الله إلها آخر قال هو ما قال نحن كافرون بمن جعل لكم الإمامة والخمس وأما قوله قال قرينه أي شيطانه وهو الثاني ربنا ما أطغيته يعني الأول.
(28) قال أي الله لا تختصموا لدى أي في موقف الحساب فإنه لا فائدة فيه وقد قدمت إليكم بالوعيد على الطغيان في كتبي وعلى ألسنة رسلي فلم تبق لكم حجة.
(29) ما يبدل القول لدى بوقوع الخلف فيه وعفو بعض المذنبين لبعض الأسباب ليس من التبديل لأنه إنما يكون عمن قضى بالعفو عنه فهو أيضا مما لا يبدل لديه وما أنا بظلام للعبيد فاعذب من ليس لي تعذيبه.
(30) يوم نقول لجهنم وقرئ بالياء هل امتلأت وتقول هل من مزيد قيل سؤال وجواب جئ فوجا فوجا حتى تمتلي لقوله لأملأن جهنم أو أنها من السعة بحيث يدخلها من يدخلها وفيها بعد فراغ أو أنها من شدة زفيرها وحدتها وتشبثها بالعصاة كالمستكثر لهم والطالب لزيادتهم والقمي قال هو استفهام لان الله وعد النار أن يملاها فتمتلي النار ثم يقول لها هل امتلأت وتقول هل من مزيد على حد الاستفهام أي ليس في مزيد قال فتقول الجنة يا رب وعدت النار ان تملأها ووعدتني أن تملأني فلم تملأني وقد ملأت النار قال فيخلق الله يومئذ خلقا فيملا بهم الجنة فقال أبو عبد الله (عليه السلام) طوبى لهم لم يروا غموم الدنيا وهمومها.
(31) وأزلفت الجنة للمتقين قربت لهم غير بعيد مكانا غير بعيد القمي أزلفت أي زينت غير بعيد قال بسرعة.
(32) هذا ما توعدون على إضمار القول وقرئ بالياء لكل أواب رجاع إلى الله بدل من المتقين بإعادة الجار حفيظ حافظ لحدوده.
(33) من خشي الرحمن بالغيب وجاء بقلب منيب.
(34) ادخلوها يقال لهم ادخلوها بسلام سالمين من العذاب وزوال النعم أو مسلما عليكم من الله وملائكته ذلك يوم الخلود.
(35) لهم ما يشاءون فيها ولدينا مزيد وهو ما لا يخطر ببالهم مما لا عين رأت ولا اذن القمي قال النظر إلى رحمة الله وقد مضى في سورة السجدة ولقمان (عليه السلام) حديث في معنى هذه الآية.
(36) وكم أهلكنا قبلهم قبل قومك من قرن هم أشد منهم بطشا قوة كعاد وثمود فنقبوا في البلاد فخرقوا البلاد وتصرفوا فيها أو جالوا في الأرض كل مجال وأصل التنقيب التنقير عن الشئ والبحث عنه هل من محيص لهم من الله أو من الموت.
(37) إن في ذلك لذكرى لمن كان له قلب: أي قلب واع يتفكر في حقائقه.
في الكافي عن الكاظم (عليه السلام) في حديث هشام يعني عقل أو ألقى السمع أو اصغي لاستماعه وهو شهيد حاضر بذهنه ليفهم معانيه وفي تنكير القلب وإبهامه تفخيم وإشعار بأن كل قلب لا يتفكر ولا يتدبر كلا قلب.
في المعاني عن أمير المؤمنين (عليه السلام) أنا ذو القلب ثم تلا هذه الآية في حديث له.
(38) ولقد خلقنا السماوات والأرض وما بينهما في ستة أيام مر تفسيره مرارا وما مسنا من لغوب من تعب واعياء وهو رد لما زعمت اليهود من أنه تعالى بدأ خلق العالم يوم الأحد وفرغ منه يوم الجمعة واستراح يوم السبت واستلقى على العرش.
وفي روضة الواعظين روي أن اليهود أتت النبي (صلى الله عليه وآله) فسألته عن خلق السماوات والأرض فقال خلق الله الأرض يوم الأحد والاثنين وخلق الجبال وما فيهن يوم الثلاثاء وخلق يوم الأربعاء الشجر والماء والمدائن والعمران والخراب وخلق يوم الخميس السماء وخلق يوم الجمعة النجوم والشمس والقمر والملائكة قالت اليهود ثم ماذا يا محمد قال ثم استوى على العرش قالوا قد أصبت لو أتممت قالوا ثم استراح فغضب النبي (صلى الله عليه وآله) غضبا شديدا فنزلت ولقد خلقنا السماوات الآية.
(39) فاصبر على ما يقولون ما يقول المشركون من وصف الحق بما لا يليق بجنابه وسبح بحمد ربك ونزهه عن الوصف بما يوجب التشبيه حامدا له على ما أنعم عليك من إصابة الحق وغيرها قبل طلوع الشمس وقبل الغروب يعني الفجر والعصر وقد مضى فضيلة الوقتين.
(40) ومن الليل فسبحه وسبحه بعض الليل وأدبار السجود وأعقاب الصلاة وقرئ بالكسر من أدبرت الصلاة إذا انقضت.
في المجمع عن الصادق (عليه السلام) أنه سئل عن هذه الآية فقال تقول حين تصبح وحين تمسي عشر مرات لا إله إلا الله وحده لا شريك له له الملك وله الحمد يحيي ويميت وهو على كل شئ قدير.
وفي الكافي عن الباقر (عليه السلام) أنه سئل عن قوله تعالى وأدبار السجود فقال ركعتان بعد المغرب.
ومثله في المجمع عن النبي وأمير المؤمنين صلوات الله عليهما والحسن المجتبى (عليه السلام) والقمي عن الرضا (عليه السلام) قال أربع ركعات بعد المغرب.
وفي المجمع عن الصادق (عليه السلام) إنه الوتر من آخر الليل.
(41) واستمع يوم يناد المناد قيل للبعث وفصل القضاء والقمي قال يناد المنادي باسم القائم واسم أبيه (عليهما السلام) من مكان قريب بحيث يصل نداؤه إلى الكل على سواء.
(42) يوم يسمعون الصيحة بالحق القمي قال صيحة القائم من السماء ذلك يوم الخروج.
القمي عن الصادق (عليه السلام) قال هي الرجعة.
(43) إنا نحن نحيى ونميت وإلينا المصير في الآخرة.
(44) يوم تشقق تتشقق وقرئ بالتخفيف الأرض عنهم سراعا مسرعين ذلك حشر بعث وجمع علينا يسير هين القمي قال في الرجعة.
(45) نحن أعلم بما يقولون تسلية للنبي (صلى الله عليه وآله) وتهديد لهم وما أنت عليهم بجبار بمسلط تقهرهم على الايمان أو تفعل بهم ما تريد وإنما أنت داع فذكر بالقرآن من يخاف وعيد فإنه لا ينتفع به غيره.
في ثواب الأعمال والمجمع عن الباقر (عليه السلام) من أدمن في فرائضه ونوافله سورة ق وسع الله عليه في رزقه وأعطاه كتابه بيمينه وحاسبه حسابا يسيرا.