سورة حم السجدة

مكية عدد آيها ثلاث وخمسون آية بسم الله الرحمن الرحيم.

(1) حم.

(2) تنزيل من الرحمن الرحيم.

(3) كتاب فصلت آياته القمي أي بين حلالها وحرامها وأحكامها وسننها قرآنا عربيا لقوم يعلمون.

(4) بشيرا ونذيرا القمي يبشر المؤمنين وينذر الظالمين فأعرض أكثرهم عن تدبره وقبوله فهم لا يسمعون سماع تأمل وطاعة.

(5) وقالوا قلوبنا في أكنة مما تدعونا إليه في أغطية وفى آذاننا وقر صمم وأصله الثقل ومن بيننا وبينك حجاب يمنعنا عن التواصل القمي أي تدعونا إلى ما لا نفهمه ولا نعقله قيل وهذه تمثيلات لنبو قلوبهم عن إدراك ما يدعوهم إليه واعتقادهم ومج أسماعهم له وامتناع مواصلتهم وموافقتهم للرسول صلى الله عليه وآله فاعمل على دينك إننا عاملون على ديننا.

(6) قل إنما أنا بشر مثلكم يوحى إلى إنما إلهكم إله واحد لست ملكا ولا جنيا لا يمكنكم التلقي منه ولا أدعوكم إلى ما ينبو عنه العقول والأسماع وإنما أدعوكم إلى التوحيد والاستقامة في العمل فاستقيموا في أفعالكم متوجهين إليه واستغفروه مما أنتم عليه وويل للمشركين من فرط جهالتهم واستخفافهم بالله.

(7) الذين لا يؤتون الزكاة لبخلهم وعدم اشفاقهم على الخلق وهم بالآخرة هم كافرون القمي عن الصادق عليه السلام أترى أن الله عز وجل طلب من المشركين زكاة أموالهم وهم يشركون به حيث يقول وويل للمشركين الذين لا يؤتون الزكاة وهم بالأخرة هم كافرون قيل جعلت فداك فسره لي فقال ويل للمشركين الذين أشركوا بالإمام الأول وهم بالأئمة الآخرين هم كافرون إنما دعا الله العباد إلى الأيمان به فإذا آمنوا بالله وبرسوله افترض عليهم الفرائض أقول: هذا الحديث يدل على ما هو التحقيق عندي من أن الكفار غير مكلفين بالأحكام الشرعية ما داموا باقين على الكفر وعن ابن عباس أي لا يطهرون أنفسهم من الشرك بالتوحيد ولعله إنما أول الزكاة بالتطهير لما ذكر.

(8) إن الذين آمنوا وعملوا الصالحات لهم أجر غير ممنون لا يمن به عليهم.

(9) قل أئنكم لتكفرون بالذي خلق الأرض في يومين وتجعلون له أندادا ذلك رب العالمين.

(10) وجعل فيها رواسي من فوقها وبارك فيها وأكثر خيرها وقدر فيها أقواتها في أربعة أيام سواء للسائلين القمي معنى يومين أي وقتين ابتداء الخلق وانقضائه قال وبارك فيها وقدر فيها أقواتها أي لا تزول وتبقى في أربعة أيام سواء يعني في أربعة أوقات وهي التي يخرج الله عز وجل فيها أقوات العالم من الناس والبهائم والطير وحشرات الأرض وما في البر والبحر من الخلق من الثمار والنبات والشجر وما يكون فيه معاش الحيوان كله وهو الربيع والصيف والخريف والشتاء ففي الشتاء يرسل الله الرياح والأمطار والأنداء والطلول من السماء فيلقح الأرض والشجرة وهو وقت بارد ثم يجئ بعد الربيع وهو وقت معتدل حار وبارد فيخرج الثمر من الشجر والأرض نباتها فيكون أخضر ضعيفا ثم يجئ وقت الصيف وهو حار فينضج الثمار ويصلب الحبوب التي هي أقوات العالم وجميع الحيوان ثم يجئ بعد وقت الخريف فيطيبه ويبرده ولو كان الوقت كله شيئا واحدا لم يخرج النبات من الأرض لأنه لو كان الوقت كله ربيعا لما ينضج الثمار ولم يبلغ الحبوب ولو كان كله صيفا لاحترق كل شئ في الأرض ولم يكن للحيوان معاش ولا قوت ولو كان الوقت كله خريفا ولم يتقدمه شئ من هذه الأوقات لم يكن شئ يتقوته العالم فجعل الله هذه الأقوات في أربعة أوقات في الشتاء والربيع والصيف والخريف وقام به العالم واستوى وبقى وسمى الله هذه الأوقات أياما للسائلين يعني المحتاجين لأن كل محتاج سائل وفي العالم من خلق الله من لا يسأل ولا يقدر عليه من الحيوان كثير فهم سائلون وإن لم يسألوا أقول: يعني أنهم سائلون بلسان الحال وهو أفصح وأبلغ من لسان المقال وقد سبق تفسير آخر الآية في سورة الأعراف وقرئ سواء بالجر.

(11) ثم استوى إلى السماء قيل أي قصد نحوها من قولهم استوى إلى مكان كذا توجه توجها لا يلوي إلى غيره وثم لتفاوت ما بين الخلقين لا للتراخي في المدة إذ لا مدة قبل خلق السماء وهي دخان ظلماني فقال لها وللأرض ائتيا طوعا أو كرها شئتما ذلك أو أبيتما قالتا أتينا طائعين منقادين بالذات تمثيل لتأثير قدرته فيهما وتأثرهما بالذات عنها بأمر المطاع وإجابة المطيع الطائع كقوله كن فيكون أو هو نوع من الكلام باطنا من دون حرف ولا صوت القمي سئل الرضا عليه السلام عمن كلم الله لا من الجن ولا من الأنس فقال السماوات والأرض في قوله ائتيا طوعا أو كرها قالتا أتينا طائعين.

(12) فقضاهن سبع سماوات فخلقهن خلقا إبداعيا في يومين القمي يعني في وقتين إبداء وانقضاء وأوحى في كل سماء أمرها شأنها وما يتأتى منها بأن حملها عليه اختيار أو طبعا وقيل أوحى إلى أهلها بأوامره والقمي هذا وحي تقدير وتدبير وزينا السماء الدنيا بمصابيح بالنجوم وحفظا من الشيطان المسترق وسائر الآفات في الإكمال عن النبي صلى الله عليه وآله النجوم أمان لأهل السماء فإذا ذهبت النجوم ذهب أهل السماء وأهل بيتي أمان لأهل الأرض فإذا ذهب أهل بيتي ذهب أهل الأرض ذلك تقدير العزيز العليم البالغ في القدرة والعلم.

(13) فإن أعرضوا عن الأيمان بعد هذا البيان القمي وهم قريش وهو معطوف على قوله فأعرض أكثرهم فهم لا يسمعون فقل أنذرتكم صاعقة مثل صاعقة عاد وثمود.

(14) إذ جائتهم الرسل من بين أيديهم ومن خلفهم أي من جميع جوانبهم واجتهدوا بهم من كل جهة أو من جهة الدنيا بالإنذار بما جرى على الكفار فيها ومن جهة الآخرة بالتحذير عما أعد لهم فيها والذين أرسلوا إليهم والذين أرسلوا من قبل ألا تعبدوا إلا الله قالوا لو شاء ربنا إرسال الرسل لأنزل ملائكة برسالته فإنا بما أرسلتم به على زعمكم كافرون إذ أنتم بشر مثلنا لا فضل لكم علينا.

(15) فأما عاد فاستكبروا في الأرض بغير الحق فتعظموا فيها على أهلها بغير استحقاق وقالوا من أشد منا قوة اغتروا بقوتهم وشوكتهم قيل كان من قوتهم أن الرجل منهم ينزع الصخرة فيقلعها بيده أو لم يروا أن الله الذي خلقهم هو أشد منهم قوة قدرة وكانوا بآياتنا يجحدون يعرفون أنها حق وينكرونها.

(16) فأرسلنا عليهم ريحا صرصرا القمي عن الباقر عليه السلام الصرصر البارد في أيام نحسات قال مياشيم وقرئ بالسكون لنذيقهم عذاب الخزي في الحياة الدنيا ولعذاب الآخرة أخزى وهم لا ينصرون بدفع العذاب عنهم.

(17) وأما ثمود فهديناهم فذللناهم على الحق بنصب الحجج وارسال الرسل فاستحبوا العمى على الهدى فاختاروا الضلالة على الهدى في التوحيد عن الصادق عليه السلام وعرفناهم فاستحبوا العمى على الهدى وهم يعرفون وفي الإعتقادات عنه عليه السلام وجوب الطاعات وتحريم المعاصي وهم يعرفون فأخذتهم صاعقة العذاب الهون بما كانوا يكسبون.

(18) ونجينا الذين آمنوا وكانوا يتقون.

(19) ويوم يحشر أعداء الله إلى النار وقرئ بالنون وضم الشين فهم يوزعون القمي أي يجيئون من كل ناحية وعن الباقر عليه السلام يحبس أولهم على آخرهم يعني ليتلاحقوا.

(20) حتى إذا ما جاؤها إذا حضروها وما مزيدة لتأكيد اتصال الشهادة بالحضور شهد عليهم سمعهم وأبصارهم وجلودهم بما كانوا يعملون بأن ينطقها الله.

(21) وقالوا لجلودهم لم شهدتم علينا قالوا أنطقنا الله الذي أنطق كل شئ وهو خلقكم أول مرة وإليه ترجعون القمي نزلت في يوم تعرض عليهم أعمالهم فينكرونها فيقولون ما عملنا شيئا فتشهد عليهم الملائكة الذين كتبوا عليهم أعمالهم قال الصادق عليه السلام فيقولون لله يا رب هؤلاء ملائكتك يشهدون لك ثم يحلفون بالله ما فعلوا من ذلك شيئا وهو قول الله عز وجل يوم يبعثهم الله عز وجل جميعا فيحلفون له كما يحلفون لكم وهم الذين غصبوا أمير المؤمنين عليه السلام فعند ذلك يختم الله على ألسنتهم وينطق جوارحهم فيشهد السمع بما سمع مما حرم الله ويشهد البصر بما نظر به إلى ما حرم الله عز وجل وتشهد اليدان بما أخذتا وتشهد الرجلان بما سعتا فيما حرم الله عز وجل ويشهد الفرج بما ارتكب مما حرم الله ثم أنطق الله عز وجل ألسنتهم فيقولون هم لجلودهم لم شهدتم علينا الآية.

(22) وما كنتم تستترون قال أي من الله أن يشهد عليكم سمعكم ولا أبصاركم ولا جلودكم قال الجلود الفروج وفي الكافي عنه عليه السلام في هذه الآية قال يعني بالجلود الفروج والأفخاذ وفي الفقيه عن أمير المؤمنين عليه السلام فيها قال يعني بالجلود الفروج ولكن ظننتم أن الله لا يعلم كثيرا مما تعملون فلذلك اجترأتم على ما فعلتم وقيل معنى الآية كنتم تستترون الناس عند ارتكاب الفواحش مخافة الفضاحة وما ظننتم أن أعضاءكم تشهد عليكم فما استترتم عليها وقيل بل معناه وما كنتم تتركون المعاصي حذرا يشهد عليكم جوارحكم بها لأنكم ما تظنون ذلك ولكن ظننتم أن الله لا يعلم كثيرا مما تعملون لجهلكم بالله فهان عليكم ارتكاب المعاصي لذلك.

(23) وذلكم ظنكم الذي ظننتم بربكم أرديكم فأصبحتم من الخاسرين إذ صار ما منحوا للاستسعاد به في الدارين سببا لشقاء المنزلين القمي عن الصادق عليه السلام قال قال رسول الله صلى الله عليه وآله إن آخر عبد يؤمر به إلى النار فإذا امر به التفت فيقول الجبار جل جلاله ردوه فيردونه فيقول له لم التفت إلي فيقول يا رب لم يكن ظني بك هذا فيقول وما كان ظنك بي فيقول يا رب كان ظني بك أن تغفر لي خطيئتي وتسكنني جنتك قال فيقول الجبار يا ملائكتي لا وعزتي وجلالي وآلائي وعلوي وارتفاع مكاني ما ظن بي عبدي هذا ساعة من خير قط ولو ظن بي ساعة من خير ما روعته بالنار أجيزوا له كذبه وأدخلوه الجنة ثم قال رسول الله صلى الله عليه وآله ليس من عبد يظن بالله عز وجل خيرا إلا كان عند ظنه به وذلك قوله عز وجل وذلكم ظنكم الذي ظننتم بربكم أرديكم فأصبحتم من الخاسرين.

(24) فإن يصبروا فالنار مثوى لهم لا خلاص لهم عنها وإن يستعتبوا يسئلوا العتبى وهي الرجوع إلى ما يحبون فما هم من المعتبين أي لا يجابوا إلى ذلك ونظيره قوله تعالى حكاية أجزعنا أم صبرنا ما لنا من محيص.

(25) وقيضنا وقدرنا لهم قرناء القمي يعني الشياطين من الجن والأنس فزينوا لهم ما بين أيديهم من أمر الدنيا واتباع الشهوات وما خلفهم من أمر الآخرة وإنكاره وحق عليهم القول أي كلمة العذاب في أمم في جملة أمم قد خلت من قبلهم من الجن والإنس وقد عملوا مثل أعمالهم إنهم كانوا خاسرين.

(26) وقال الذين كفروا لا تسمعوا لهذا القرآن والغوا فيه وعارضوه بالخرافات القمي وصيروه سخرية ولغوا لعلكم تغلبون تغلبونه على قراءته.

(27) فلنذيقن الذين كفروا عذابا شديدا ولنجزينهم أسوء الذي كانوا يعملون سيئات أعمالهم وقد سبق مثله.

(28) ذلك جزاء أعداء الله النار لهم فيها دار الخلد جزاء بما كانوا يجحدون ينكرون الحق.

(29) وقال الذين كفروا ربنا أرنا الذين أضلانا من الجن والإنس شيطاني النوعين الحاملين على الظلالة والعصيان في المجمع عن أمير المؤمنين عليه السلام يعنون إبليس الأبالسة وقابيل ابن آدم أول من أبدع المعصية والقمي قال العالم عليه السلام من الجن إبليس الذي رد عليه قتل رسول الله صلى الله عليه وآله وأضل الناس بالمعاصي وجاء بعد وفاة رسول الله صلى الله عليه وآله إلى أبي بكر فبايعه ومن الأنس فلان وفي الكافي عن الصادق عليه السلام قال هما ثم قال وكان فلان شيطانا أقول: لعل ذلك لأن ولد الزنا يخلق من مائي الزاني والشيطان معا وفي رواية هما والله هما ثلاثا وقرئ أرنا بالتخفيف نجعلهما تحت أقدامنا ندسهما انتقاما منهما ليكونا من الأسفلين ذلا ومكانا.

(30) إن الذين قالوا ربنا الله اعترافا بربوبيته وإقرارا بوحدانيته ثم استقاموا على مقتضاه القمي قال على ولاية أمير المؤمنين عليه السلام ويأتي ما في معناه وفي نهج البلاغة إني متكلم بعدة الله وحجته قال الله تعالى إن الذين قالوا ربنا الله ثم استقاموا الآية وقد قلتم ربنا الله فاستقيموا على كتابه وعلى منهاج أمره وعلى الطريقة الصالحة من عبادته ثم لا تمرقوا منها ولا تبتدعوا فيها ولا تخالفوا عنها فإن أهل المروق منقطع بهم عند الله يوم القيامة تتنزل عليهم الملائكة في المجمع عن الصادق عليه السلام والقمي قال عند الموت ألا تخافوا تقدمون عليه ولا تحزنوا على ما خلفتم وأبشروا بالجنة التي كنتم توعدون في الدنيا.

(31) نحن أولياؤكم في الحياة الدنيا القمي قال كنا نحرسكم من الشياطين وفى الآخرة قال أي عند الموت ولكم فيها ما تشتهى أنفسكم ولكم فيها ما تدعون ما تتمنون من الدعاء بمعنى الطلب.

(32) نزلا من غفور رحيم في الكافي عن الصادق عليه السلام قال استقاموا على الأئمة واحدا بعد واحد وفي المجمع عن الرضا عليه السلام أنه سئل ما الاستقامة قال هي والله ما أنتم عليه وعن الباقر عليه السلام نحن أولياؤكم في الحياة الدنيا أي نحرسكم في الدنيا وعند الموت في الآخرة والقمي عن الصادق عليه السلام قال ما يموت موال لنا مبغض لأعدائنا إلا ويحضره رسول الله صلى الله عليه وآله وأمير المؤمنين والحسن والحسين عليهم السلام فيرونه ويبشرونه وإن كان غير موال يراهم بحيث يسوء والدليل على ذلك قول أمير المؤمنين عليه السلام لحارث الهمداني (يا حار همدان من يمت يرني) من مؤمن أو منافق قبلا وفي تفسير الإمام عليه السلام عند قوله تعالى ويظنون أنهم ملاقوا ربهم من سورة البقرة قال رسول الله صلى الله عليه وآله لا يزال المؤمن خائفا من سوء العاقبة ولا يتيقن الوصول إلى رضوان الله حتى يكون وقت نزع روحه وظهور ملك الموت له وذلك أن ملك الموت يرد على المؤمن وهو في شدة علته وعظيم ضيق صدره بما يخلفه من أمواله وبما هو عليه من اضطراب أحواله من معامليه وعياله وقد بقيت في نفسه حسراتها واقتطع دون أمانيه فلم ينلها فيقول له ملك الموت ما لك تتجرع غصصك قال لاضطراب أحوالي واقتطاعك لي دون آمالي فيقول له ملك الموت وهل يحزن عاقل من فقد درهم زايف واعتياض ألف ألف ضعف الدنيا فيقول لا فيقول ملك الموت فانظر فوقك فينظر فيرى درجات الجنان وقصورها التي يقصر دونها الأماني فيقول ملك الموت تلك منازلك ونعمك وأموالك وأهلك وعيالك ومن كان من أهلك ههنا وذريتك صالحا فهم هنالك معك أفترضي بدلا مما ههنا فيقول بلى والله ثم يقول انظر فينظر فيرى محمدا وعليا والطيبين من آلهما عليهم السلام في أعلى عليين فيقول أو تريهم هؤلاء ساداتك وأئمتك هم هناك جلاسك واناسك أفما ترضى بهم بدلا مما تفارق هنا فيقول بلى وربي فذلك ما قال الله عز وجل إن الذين قالوا ربنا الله ثم استقاموا تتنزل عليهم الملائكة ألا تخافوا ولا تحزنوا فما أمامكم من الأهوال فقد كفيتموها ولا تحزنوا على ما تخلفونه من الذراري والعيال فهذا الذي شاهدتموه في الجنان بدلا منهم وأبشروا بالجنة التي كنتم توعدون هؤلاء أولياؤكم وهؤلاء ساداتكم أناسكم وجلاسكم وفي البصائر عن الباقر عليه السلام أنه قيل له يبلغنا أن الملائكة تتنزل عليكم قال أي والله لتنزل علينا فتطأ فرشنا أما تقرأ كتاب الله تعالى إن الذين قالوا ربنا الله الآية وفي الخرايج عن الصادق عليه السلام في هذه الآية قال أما والله لربما وسدنا لهم الوسايد في منزلنا وقال هم ألطف بصبياننا منا بهم وربما التقطنا من زغبها وفي الكافي عنه عن أبيه عن جده عليهما السلام في حديث ليلة القدر قال زعم ابن عباس أنه من الذين قالوا ربنا الله ثم استقاموا فقلت له هل رأيت الملائكة تخبرك بولايتها لك في الدنيا والآخرة مع الأمن من الخوف والحزن قال فقال إن الله تبارك وتعالى يقول إنما المؤمنون إخوة وقد دخل في هذا جميع الأمة فاستضحكت ثم قلت صدقت يا ابن عباس.

(33) ومن أحسن قولا (1) ممن دعا إلى الله إلى عبادته وعمل صالحا فيما بينه وبين ربه وقال إنني من المسلمين العياشي إنها في علي عليه السلام.

(34) ولا تستوى الحسنة ولا السيئة في الجزاء وحسن العاقبة ولا الثانية مزيدة لتأكيد النفي ادفع بالتي هي أحسن ادفع السيئة حيث اعترضتك بالتي هي أحسن منها وهي الحسنة على أن المراد بالأحسن الزائد مطلقا أو بأحسن ما يمكن دفعها به من الحسنات فإذا الذي بينك وبينه عداوة كأنه ولى حميم أي إذا فعلت ذلك صار عدوك المشاق مثل الولي الشفيق القمي قال ادفع سيئة من أساء إليك بحسنتك حتى يكون الذي بينك وبينه عداوة كأنه ولى حميم وفي الكافي عن الصادق عليه السلام في قوله تعالى ولا تستوى الحسنة ولا السيئة قال الحسنة التقية والسيئة الإذاعة وقال التي هي أحسن التقية.

(35) وما يلقها وما يلقى هذه السجية وهي مقابلة الإساءة بالإحسان إلا الذين صبروا فإنها تحبس النفس عن الانتقام في المجمع عن الصادق عليه السلام إلا الذين صبروا في الدنيا على الأذى وما يلقها إلا ذو حظ عظيم من الخير وكمال النفس في المجمع عن الصادق عليه السلام وما يلقيها إلا كل ذي حظ عظيم.

(36) وإما ينزغنك من الشيطان نزغ نخس شبه به وسوسته فاستعذ بالله من شره ولا تطعه إنه هو السميع لاستعاذتك العليم بنيتك القمي المخاطبة لرسول الله صلى الله عليه وآله والمعنى للناس.

(37) ومن آياته الليل والنهار والشمس والقمر لا تسجدوا للشمس ولا للقمر لأنهما مخلوقان مأموران مثلكم واسجدوا لله الذي خلقهن إن كنتم إياه تعبدون فإن السجود أخص العبادات هنا موضع السجود كما رواه.

(38) في المجمع عنهم عليهم السلام فإن استكبروا عن الامتثال فالذين عند ربك من الملائكة يسبحون له بالليل والنهار أي دائما وهم لا يسئمون ولا يملون.

(39) ومن آياته أنك ترى الأرض خاشعة يابسة متطامنة مستعار من الخشوع بمعنى التذلل فإذا أنزلنا عليها الماء اهتزت وربت انتفخت بالنبات إن الذي أحياها بعد موتها لمحيي الموتى إنه على كل شئ قدير.

(40) إن الذين يلحدون يميلون عن الاستقامة في آياتنا بالطعن والتحريف والتأويل بالباطل والإلغاء فيها لا يخفون علينا فنجازيهم على إلحادهم وقد مضى في هذا كلام في المقدمة السادسة من هذا الكتاب عن أمير المؤمنين عليه السلام أفمن يلقى في النار خير أم من يأتي آمنا يوم القيمة اعملوا ما شئتم تهديد شديد إنه بما تعملون بصير وعيد بالمجازاة.

(41) إن الذين كفروا بالذكر لما جائهم بدل من إن الذين يلحدون أو مستأنف وخبر إن محذوف أو خبره أولئك ينادون كذا قيل والقمي عن الباقر عليه السلام بالذكر يعني بالقرآن وإنه لكتاب عزيز.

(42) لا يأتيه الباطل من بين يديه قال لا يأتيه الباطل من قبل التوراة ولا من قبل الإنجيل والزبور ولا من خلفه أي لا يأتيه مبعده كتاب يبطله وفي المجمع عنهما عليهما السلام ليس في إخباره عما مضى باطل ولا في إخباره عما يكون في المستقبل باطل بل إخباره كلها موافقة لمخبراتها تنزيل من حكيم أي حكيم حميد يحمده كل مخلوق بما ظهر عليه من نعمه.

(43) ما يقال لك إلا ما قد قيل للرسل من قبلك إن ربك لذو مغفرة لأنبيائه وذو عقاب أليم لأعدائهم.

(44) ولو جعلناه قرآنا أعجميا قيل جواب لقولهم هلا نزل هذا القرآن بلغة العجم لقالوا لولا فصلت آياته بينت بلسان نفقهه أأعجمي وعربي أكلام أعجمي ومخاطب عربي القمي لو كان هذا القرآن أعجميا لقالوا كيف نتعلمه ولساننا عربي وأتانا بقرآن أعجمي فأحب أن ينزل بلسانهم وفيه قال الله وما أرسلنا من رسول إلا بلسان قومه والأعجمي يقال للذي لا يفهم كلامه ويقال لكلامه وقرئ أعجمي بفتح العين وتوحيد الهمزة على أن يكون منسوبا إلى العجم قل هو للذين آمنوا هدى إلى الحق وشفاء من الشك والشبهة والذين لا يؤمنون في آذانهم وقر وهو عليهم عمى لتصامهم عن سماعه وتعاميهم من الآيات أولئك ينادون من مكان بعيد تمثيل لعدم قبولهم واستماعهم له بمن يصاح به من مسافة بعيدة.

(45) ولقد آتينا موسى الكتاب فاختلف فيه كما اختلف في القرآن وهو تسلية للنبي صلى الله عليه وآله في الكافي عن الباقر عليه السلام قال اختلفوا كما اختلفت هذه الأمة في الكتاب وسيختلفون في الكتاب الذي مع القائم الذي يأتيهم به حتى ينكره ناس كثير فيقدمهم فيضرب أعناقهم ولولا كلمة سبقت من ربك بالإمهال لقضى بينهم باستيصال المكذبين وإنهم لفي شك منه من القرآن مريب موجب للاضطراب.

(46) من عمل صالحا فلنفسه نفعه ومن أساء فعليها ضره وما ربك بظلام للعبيد فيفعل بهم ما ليس له أن يفعله.

(47) إليه يرد علم الساعة إذا سئل عنها إذ لا يعلمها إلا هو وما تخرج من ثمرة من أكمامها من أوعيتها جمع كم بالكسر وقرئ من ثمرات بالجمع لاختلاف الأنواع وما تحمل من أنثى ولا تضع إلا بعلمه إلا مقرونا بعلمه واقعا حسب تعلقه به ويوم يناديهم أين شركائي بزعمكم القمي يعني ما كانوا يعبدون من دون الله قالوا آذناك أعلمناك ما منا من شهيد من أحد منا يشهد لهم بالشركة إذ تبرأنا منهم لما عاينا الحال والسؤال للتوبيخ أو ما من أحد منا يشاهدهم لأنهم ضلوا عنا.

(48) وضل عنهم ما كانوا يدعون يعبدون من قبل وظنوا أو أيقنوا ما لهم من محيص مهرب.

(49) لا يسئم الانسان من دعاء الخير القمي أي لا يمل ولا يعي من أن يدعو لنفسه بالخير وإن مسه الشر فيؤس قنوط قيل أي يائس من روح الله وفرجه.

(50) ولئن أذقناه رحمة منا من بعد ضراء مسته بتفريجها عنه ليقولن هذا لي حقي أستحقه لما لي من الفضل والعمل أولي دائما لا يزول وما أظن الساعة قائمة تقوم ولئن رجعت إلى ربى إن لي عنده للحسنى أي ولئن قامت على التوهم كان لي عند الله الحالة الحسنى من الكرامة وذلك لاعتقاده أن ما أصابه من نعم الدنيا فلاستحقاق لا ينفك عنه فلننبئن الذين كفروا بما عملوا فلنجزينهم بحقيقة أعمالهم ولينصرنهم خلاف ما اعتقدوا فيها ولنذيقنهم من عذاب غليظ لا يمكنهم التفصي عنه.

(51) وإذا أنعمنا على الانسان أعرض عن الشكر ونا بجانبه وانحرف عنه وذهب بنفسه وتباعد عنه بكليته تكبرا والجانب مجاز عن النفس كالجنب في قوله في جنب الله وإذا مسه الشر كالفقر والمرض والشدة فذو دعاء عريض كثير.

(52) قل أرأيتم أخبروني إن كان من عند الله أي القرآن ثم كفرتم به من غير نظر واتباع دليل من أضل ممن هو في شقاق بعيد من أضل منكم فوضع الموصول موضع الضمير شرحا لحالهم وتعليلا لمزيد ضلالهم.

(53) سنريهم آياتنا في الآفاق وفي أنفسهم حتى يتبين لهم أنه الحق قيل يعني سنريهم حججنا ودلائلنا على ما ندعوهم إليه من التوحيد وما يتبعه في آفاق العالم وأقطار السماء والأرض والشمس والقمر والنجوم والجبال والبحار والأشجار والدواب وفى أنفسهم وما فيها من لطايف الصنعة وودايع الحكمة حتى يظهر لهم أنه الحق أقول: هؤلاء القوم يستشهدون بالصنايع على الصانع كما هو دأب المتوسطين من الناس الذين لا يرضون بمحض التقليد ويرون أنفسهم فوق ذلك القمي في الآفاق الكسوف والزلازل وما يعرض في السماء من الآيات وأما في أنفسهم فمرة بالجوع ومرة بالعطش ومرة يشبع ومرة يروى ومرة يمرض ومرة يصح ومرة يستغني ومرة يفتقر ومرة يرضى ومرة يغضب ومرة يخاف ومرة يأمن فهذا من عظم دلالة الله على التوحيد قال الشاعر وفي كل شئ له آية تدل على أنه واحد أقول: وهذا تخصيص للآيات ببعضها مما يناسب أفهام العوام وفي الكافي عن الصادق عليه السلام قال نريهم في أنفسهم المسخ ونريهم في الآفاق انتقاض الآفاق عليهم فيرون قدرة الله عز وجل في أنفسهم وفي الآفاق قيل حتى يتبين لهم أنه الحق قال خروج القائم عليه السلام هو الحق من عند الله عز وجل يراه الخلق لابد منه وفي رواية خسف ومسخ وقذف سئل حتى يتبين قال دع ذا ذاك قيام القائم عليه السلام وفي إرشاد المفيد عن الكاظم عليه السلام قال الفتن في آفاق الأرض والمسخ في أعداء الحق أقول: كأنه عليه السلام أراد أن ذلك إنما يكون في الرجعة وعند ظهور القائم عليه السلام حيث يرون من العجائب والغرائب في الآفاق وفي الأنفس ما يتبين لهم به أن الإمامة والولاية وظهور الأمام حق فهذا للجاحدين أو لم يكف بربك أنه على كل شئ شهيد يعني أو لم يكفك شهادة ربك على كل شئ دليلا عليه أقول: هذا للخواص الذين يستشهدون بالله على الله ولهذا خصه به في الخطاب وفي مصباح الشريعة قال الصادق عليه السلام العبودية جوهرة كنهها الربوبية فما فقد من العبودية وجد في الربوبية وما خفى عن الربوبية أصيب في العبودية قال الله تعالى سنريهم آياتنا في الآفاق إلى قوله شهيد أي موجود في غيبتك وحضرتك.

(54) ألا إنهم في مرية شك من لقاء ربهم بالبعث والجزاء ألا إنه بكل شئ محيط عالم به مقتدر عليه لا يفوته شئ وتأويله يستفاد مما في المصباح في ثواب الأعمال والمجمع عن الصادق عليه السلام من قرأ حم السجدة كانت له نورا يوم القيامة مد بصره وسرورا وعاش في الدنيا محمودا مغبوطا وفي الخصال عنه عليه السلام أن العزائم أربع وعد منها هذه السورة كما مر في آلم السجدة


1. صورته صورة الاستفهام والمراد به النفي، تقديره وليس أحد أمس قولا ممن دعى إلى طاعة الله. .