سورة ص
مكية عدد آيها ثمان وثمانون آية كوفي وست حجازي بصري شامي بسم الله الرحمن الرحيم.
(1) ص قد سبق تأويله وفي المعاني عن الصادق عليه السلام وأما ص فعين تنبع من تحت العرش وهي التي توضأ منها النبي صلى الله عليه وآله لما عرج به ويدخلها جبرئيل كل يوم دخلة فينغمس فيها ثم يخرج منها فينفض أجنحته فليس من قطرة تقطر من أجنحته إلا خلق الله تبارك وتعالى منها ملكا يسبح الله ويقدسه ويكبره ويحمده إلى يوم القيامة وفي الكافي عنه عليه السلام في حديث المعراج ثم أوحى الله إلي يا محمد ادن من صاد فاغسل مساجدك وطهرها وصل لربك فدنا رسول الله صلى الله عليه وآله من صاد وهو ماء يسيل من ساق العرش الأيمن الحديث وفي العلل عن الكاظم عليه السلام في حديث أنه سئل وما صاد الذي امر أن يغتسل منه يعني النبي صلى الله عليه وآله لما أسرى به فقال عين تتفجر من ركن من أركان العرش يقال لها ماء الحياة وهو ما قال الله عز وجل ص والقرآن ذي الذكر وفي المجمع عن الصادق عليه السلام أنه اسم من أسماء.
الله تعالى أقسم به والقرآن ذي الذكر مقسم به عطفا على صاد وجوابه محذوف أي أنه لحق يدل عليه قوله تعالى.
(2) بل الذين كفروا في عزة وشقاق أي ما كفر به من كفر لخلل وجد فيه بل الذين كفروا في استكبار عن الحق وخلاف لله ورسوله ولذلك كفروا به والقمي قال هو قسم وجوابه بل الذين كفروا وهو يرجع إلى ما قلناه.
(3) كم أهلكنا قبلهم من قرن وعيد لهم على كفرهم به استكبارا وشقاقا فنادوا استغاثة ولات حين مناص أي ليس الحين حين منجى ومفر زيدت التاء على لا للتأكيد.
(4) وعجبوا أن جائهم منذر منهم بشر مثلهم وقال الكافرون وضع فيه الظاهر موضع الضمير غضبا عليهم وذما لهم وإشعارا بأن كفرهم جسرهم على هذا القول هذا ساحر فيما يظهره معجزة كذاب فيما يقول على الله.
(5) أجعل الآلهة إلها وحدا إن هذا لشئ عجاب بليغ في العجب فإنه خلاف ما أطبق عليه آباؤنا.
(6) وانطلق الملأ منهم أن امشوا قائلين بعضهم لبعض امشوا واصبروا واثبتوا على آلهتكم على عبادتها فلا ينفعكم مكالمته إن هذا لشئ يراد قيل أي إن هذا لشئ من ريب الزمان يراد بنا فلا مرد له وقيل إن هذا الذي يدعيه من الرياسة والترفع على العرب لشئ يريده كل أحد.
(7) ما سمعنا بهذا بالذي يقوله في الملة الآخرة في الملة التي أدركنا عليها آبائنا إن هذا إلا اختلاق كذب اختلقه القمي قال نزلت بمكة لما أظهر رسول الله صلى الله عليه وآله الدعوة بمكة اجتمعت قريش إلى أبي طالب عليه السلام وقالوا يا أبا طالب إن ابن أخيك قد سفه أحلامنا وسب آلهتنا وأفسد شباننا وفرق جماعتنا فإن كان الذي يحمله على ذلك العدم جمعنا له مالا حتى يكون أغنى رجل في قريش ونملكه علينا فأخبر أبو طالب رسول الله صلى الله عليه وآله فقال لو وضعوا الشمس في يميني والقمر في يساري ما أردته ولكن يعطوني كلمة يملكون بها العرب ويدين لهم بها العجم ويكونون ملوكا في الجنة فقال لهم أبو طالب ذلك فقالوا نعم وعشر كلمات فقال لهم رسول الله صلى الله عليه وآله يشهدون أن لا إله إلا الله وأني رسول الله صلى الله عليه وآله فقالوا ندع ثلاثمائة وستين إلها ونعبد إلها واحدا فأنزل الله سبحانه بل عجبوا أن جائهم منذر منهم إلى قوله إلا اختلق أي تخليط أأنزل عليه الذكر إلى قوله من الأحزاب وفي الكافي عن الباقر عليه السلام قال أقبل أبو جهل بن هشام ومعه قوم من قريش فدخلوا على أبي طالب فقالوا إن ابن أخيك قد آذانا وآذى آلهتنا فادعه ومره فليكف عن آلهتنا ونكف عن إلهه قال فبعث أبو طالب إلى رسول الله صلى الله عليه وآله فدعاه فلما دخل النبي صلى الله عليه وآله لم ير في البيت إلا مشركا فقال السلام على من اتبع الهدى ثم جلس فخبره أبو طالب بما جاؤوا له فقال أو هل لهم في كلمة خير لهم من هذا يسودون بها العرب ويطأون أعناقهم فقال أبو جهل نعم وما هذه الكلمة قال تقولون لا إله إلا الله قال فوضعوا أصابعهم في آذانهم وخرجوا هرابا وهم يقولون ما سمعنا بهذا في الملة الآخرة إن هذا إلا اختلاق فأنزل الله في قولهم ص والقرآن إلى قوله إلا اختلاق.
(8) أأنزل عليه الذكر من بيننا انكار لاختصاصه بالوحي وهو مثلهم أو أدون منهم في الشرف والرياسة لقولهم لولا نزل هذا القرآن على رجل من القريتين عظيم وأمثال ذلك دليل على أن مبدأ تكذيبهم لم يكن إلا الحسد وقصور النظر على الحطام الدنيوي بل هم في شك من ذكرى من القرآن والوحي لميلهم إلى التقليد وإعراضهم عن الدليل بل لما يذوقوا عذاب بل لم يذوقوا عذابي بعد فإذا ذاقوه زال شكهم والمعنى أنهم لا يصدقون به حتى يمسهم العذاب فيلجئهم إلى تصديقه.
(9) أم عندهم خزائن رحمة ربك العزيز الوهاب بل أعندهم خزائن رحمته وفي تصرفهم حتى يصيبوا بها من شاؤوا ويصرفوها عمن شاؤوا فيتخيروا للنبوة بعض صناديدهم يعني أن النبوة عطية من الله يتفضل بها على من يشاء من عباده لا مانع له فإنه العزيز الغالب الذي لا يغلب الوهاب الذي له أن يهب كل ما يشاء لمن يشاء.
(10) أم لهم ملك السماوات والأرض وما بينهما أم لهم مدخل في هذا العالم الذي هو جزء يسير من خزائنه فليرتقوا في الأسباب أي إن كان لهم ذلك فليصعدوا في المعارج التي يتوصل بها إلى العرش حتى يستووا عليه ويدبروا أمر العالم فينزلوا الوحي إلى من يستصوبون وهو غاية التهكم لهم وقيل أريد بالأسباب السماوات لأنها أسباب الحوادث السفلية.
(11) جند ما هنالك مهزوم من الأحزاب أي هم جند ما من الكفار المتحزبين على الرسل القمي يعني الذين تحزبوا عليك يوم الخندق وقيل مهزوم أي مكسور عما قريب فمن أين لهم التدابير الإلهية والتصرف في الأمور الربانية أو فلا تكترث لما يقولون وهنا لك إشارة إلى حيث وضعوا فيه أنفسهم من الابتداء لهذا القول.
(12) كذبت قبلهم قوم نوح وعاد وفرعون ذو الأوتاد في العلل عن الصادق عليه السلام أنه سئل عن قوله تعالى وفرعون ذو الأوتاد لأي شئ سمي ذا الأوتاد فقال لأنه كان إذا عذب رجلا بسطه على الأرض على وجهه ومد يديه ورجليه فأوتدها بأربعة أوتاد في الأرض وربما بسطه على خشب منبسط فوتد رجليه ويديه بأربعة أوتاد ثم تركه على حاله حتى يموت فسماه الله عز وجل فرعون ذا الأوتاد والقمي عمل الأوتاد التي أراد أن يصعد بها إلى السماء.
(13) وثمود وقوم لوط وأصحاب الأيكة وأصحاب الغيضة وهم قوم شعيب أولئك الأحزاب يعني المتحزبين على الرسل الذي جعل الجند المهزوم منهم.
(14) إن كل إلا كذب الرسل فحق عقاب.
(15) وما ينظر هؤلاء وما ينتظر قومك أو الأحزاب جميعا إلا صيحة واحدة هي النفخة ما لها من فواق قيل أي من توقف مقدار فواق وهو ما بين الحلبتين أو رجوع وترداد فإنه فيه يرجع اللبن إلى الضرع والقمي أي لا يفيقون من العذاب وقرء بضم الفاء وهما لغتان.
(16) وقالوا ربنا عجل لنا قطنا قسطنا من العذاب الذي توعدنا به في المعاني عن أمير المؤمنين عليه السلام في معناه قال نصيبهم من العذاب قبل يوم الحساب استعجلوا ذلك استهزاء.
(17) اصبر على ما يقولون واذكر عبدنا داود ذا الأيد في التوحيد عن الباقر عليه السلام اليد في كلام العرب القوة والنعمة ثم تلا هذه الآية إنه أواب قيل أي رجاع إلى مرضاة الله لقوته في الدين والقمي أي دعاء قيل كان يصوم يوما ويفطر يوما ويقوم نصف الليل.
(18) إنا سخرنا الجبال معه يسبحن قد سبق تفسيره في سورة الأنبياء وسبأ بالعشي والاشراق حين تشرق الشمس أي تضئ ويصفو شعاعها.
(19) والطير محشورة إليه من كل جانب كل له أواب كل من الجبال والطير لأجل تسبيحه رجاع التسبيح.
(20) وشددنا ملكه وقويناه بالهيبة والنصرة وكثرة الجنود وآتيناه الحكمة وفصل الخطاب قيل هو فصل الخصام يتميز الحق عن الباطل وقيل الكلام المفصول الذي لا يشتبه على السامع وفي العيون عن الرضا عليه السلام إنه معرفة اللغات وفي الجوامع عن علي عليه السلام هو قوله البينة على المدعي واليمين على المدعى عليه وقد ورد أخبار كثيرة بأن أئمتنا عليهم السلام أعطوا الحكمة وفصل الخطاب.
(21) وهل أتاك نبأ الخصم فيه تعجيب وتشويق إلى استماعه إذ تسوروا المحراب إذ تصعدوا سور الغرفة.
(22) إذ دخلوا على داود ففزع منهم لأنهم نزلوا عليه من فوق وفي يوم الاحتجاب والحرس على الباب قالوا لا تخف خصمان بغى بعضنا على بعض فاحكم بيننا بالحق ولا تشطط ولا تجر في الحكومة واهدنا إلى سواء الصراط إلى وسطه وهو العدل.
(23) إن هذا أخي له تسع وتسعون نعجة ولى نعجة واحدة هي الأنثى من الضأن وقد يكنى بها عن المرأة فقال أكفلنيها ملكنيها وأصله واجعلني أكفلها أو اجعلها كفلي أي نصيبي وعزني في الخطاب وغلبني في مخاطبته إياي.
(24) قال لقد ظلمك بسؤال نعجتك إلى نعاجه وإن كثيرا من الخلطاء الشركاء الذين خلطوا أموالهم جمع خليط ليبغي ليتعدى بعضهم على بعض إلا الذين آمنوا وعملوا الصالحات وقليل ما هم وهم قليل ما مزيدة للإبهام والتعجب من قلتهم وظن داود أنما فتناه امتحناه بتلك الحكومة هل تنبه بها فاستغفر ربه وخر راكعا ساجدا وأناب ورجع إلى الله بالتوبة.
(25) فغفرنا له ذلك أي ما استغفر عنه وإن له عندنا لزلفى لقربة بعد المغفرة وحسن مآب مرجع في الجنة.
(26) يا داود إنا جعلناك خليفة في الأرض فاحكم بين الناس بالحق ولا تتبع الهوى فيضلك عن سبيل الله إن الذين يضلون عن سبيل الله لهم عذاب شديد بما نسوا يوم الحساب قد سبق في سورة لقمان كلام في خلافة داود عليه السلام وفي العيون عن الرضا عليه السلام في حديث عصمة الأنبياء قال وأما داود فما يقول من قبلكم فيه فقيل يقولون إن داود عليه السلام كان يصلي في محرابه إذ تصور له إبليس على صورة طير أحسن ما يكون من الطيور فقطع داود (عليه السلام) صلاته وقام ليأخذ الطير فخرج الطير إلى الدار فخرج في أثره فطار الطير إلى السطح فصعد السطح في طلبه فسقط الطير في دار أوريا بن حيان فاطلع داود (عليه السلام) في أثر الطير فإذا بامرأة أوريا تغتسل فلما نظر إليها هواها وكان قد أخرج أوريا في بعض غزواته فكتب إلى صاحبه أن قدم أوريا أمام التابوت فقدم فظفر أوريا بالمشركين فصعب ذلك على داود (عليه السلام) فكتب إليه ثانية أن قدمه أمام التابوت فقدم فقتل أوريا فتزوج داود (عليه السلام) بامرأته قال فضرب الرضا عليه السلام يده على جبهته وقال إنا لله وإنا إليه راجعون لقد نسبتم نبيا من أنبياء الله إلى التهاون بصلاته حتى خرج في أثر الطير ثم بالفاحشة ثم بالقتل فقيل يا ابن رسول الله فما كانت خطيئته فقال ويحك إن داود (عليه السلام) إنما ظن أنه ما خلق الله عز وجل خلقا هو أعلم منه فبعث الله عز وجل إليه الملكين فتسورا المحراب فقالا له خصمان بغى بعضنا على بعض فاحكم بيننا بالحق ولا تشطط واهدنا إلى سواء الصراط إن هذا أخي له تسع وتسعون نعجة ولى نعجة واحدة فقال أكفلنيها وعزني في الخطاب فعجل داود (عليه السلام) على المدعى عليه فقال لقد ظلمك بسؤال نعجتك إلى نعاجه ولم يسأل المدعى البينة على ذلك ولم يقبل على المدعى عليه فيقول له ما تقول فكان هذا خطيئته رسم حكم لا ما ذهبتم إليه ألا تسمع الله تعالى يقول يا داود إنا جعلناك خليفة في الأرض فاحكم بين الناس بالحق إلى آخر الآية فقيل يا ابن رسول الله فما قصته مع أوريا قال الرضا عليه السلام إن المرأة في أيام داود (عليه السلام) كانت إذا مات بعلها أو قتل لا تتزوج بعده أبدا فأول من أباح الله تعالى أن يتزوج بامرأة قتل بعلها داود (عليه السلام) فتزوج بامرأة أوريا لما قتل وانقضت عدتها منه فذلك الذي شق على الناس من قبل أوريا والقمي عن الصادق عليه السلام ما يقرب مما روته العامة وكذبه الرضا عليه السلام كما مر مع زيادات وفيه ما فيه وعن الباقر عليه السلام في قوله وظن داود (عليه السلام) أي علم وأناب أي تاب وذكر أن داود (عليه السلام) كتب إلى صاحبه أن لا تقدم أوريا بين يدي التابوت ورده فقدم أوريا إلى أهله ومكث ثمانية أيام ثم مات وفي المجالس عن الصادق عليه السلام قال إن رضا الناس لا يملك وألسنتهم لا تضبط ألم ينسبوا إلى داود (عليه السلام) أنه تبع الطير حتى نظر إلى امرأة أوريا فهواها وأنه قدم زوجها أمام التابوت حتى قتل ثم تزوج بها وفي المجمع عن أمير المؤمنين عليه السلام أنه قال لا أوتي برجل يزعم أن داود (عليه السلام) تزوج امرأة أوريا إلا جلدته حدين حد للنبوة وحد للإسلام وروي أنه قال من حدث بحديث داود (عليه السلام) على ما يرويه القصاص جلدته مأة وستين.
(27) وما خلقنا السماء والأرض وما بينهما باطلا لا حكمة فيه ذلك ظن الذين كفروا فويل للذين كفروا من النار بسبب هذا الظن.
(28) أم نجعل الذين آمنوا وعملوا الصالحات كالمفسدين في الأرض إنكار للتسوية أم نجعل المتقين كالفجار قيل كأنه أنكر التسوية أو لا بين المؤمنين والكافرين ثم بين المتقين من المؤمنين والمجرمين منهم ويجوز أن يكون تكريرا للإنكار الأول باعتبار وصفين آخرين يمنعان التسوية من الحكيم الرحيم والقمي عن الصادق عليه السلام أنه سئل عن هذه الآية فقال الذين آمنوا وعملوا الصالحات أمير المؤمنين وأصحابه كالمفسدين في الأرض قال حبتر وزيق وأصحابهما أم نجعل المتقين أمير المؤمنين كالفجار حبتر وزلام وأصحابهما وهذه الألفاظ كنايات عن الثلاثة وفي الكافي عنه عليه السلام قال لا ينبغي لأهل الحق أن ينزلوا أنفسهم منزلة أهل الباطل لأن الله لم يجعل أهل الحق عنده بمنزلة أهل الباطل ألم يعرفوا وجه قول الله في كتابه إذ يقول أم نجعل الذين آمنوا الآية في الخصال عن أمير المؤمنين عليه السلام إن لأهل التقوى علامات يعرفون بها صدق الحديث وأداء الأمانة والوفاء بالعهد وقلة الفخر والتحمل وصلة الأرحام ورحمة الضعفاء وقلة المؤاتاة للنساء وبذل المعروف وحسن الخلق وسعة الحلم واتباع العلم فيما يقرب إلى الله تعالى وفي رواية أخرى عنه عليه السلام قال الفاجر إن ائتمنته خانك وإن صاحبته شأنك وإن وثقت به لم ينصحك.
(29) كتاب أنزلناه إليك مبارك نفاع ليدبروا آياته وليتذكر أولوا الألباب الثاقبة القمي عن الصادق عليه السلام ليدبروا آياته أمير المؤمنين والأئمة عليهم السلام فهم أولو الألباب قال وكان أمير المؤمنين عليه السلام يفتخر بها ويقول ما أعطي أحد قبلي ولا بعدي مثل ما أعطيت.
(30) ووهبنا لداود سليمان نعم العبد أي نعم العبد سليمان إنه أواب كثير الرجوع إلى الله بالتوبة والذكر.
(31) إذ عرض عليه بالعشي بعد الظهر الصافنات الجياد الصافن الخيل الذي يقوم على طرف سنبك يد أو رجل وهو من الصفات المحمودة في الخيل والجياد قيل جمع جواد أو جود وهو الذي يسرع في جريه وقيل الذي يجود بالركض وقيل جمع جيد.
(32) فقال إني أحببت حب الخير عن ذكر ربى قيل أصل أحببت أن يعدى بعلى لأنه بمعنى آثرت لكن لما أنيب مناب أنبت عدى تعديته بعن وقيل هو بمعنى تقاعدت وحب الخير مفعول له والخير المال الكثير والمراد به هنا الخيل التي شغلته عن الذكر وفي الحديث الخيل معقود بنواصيها الخير حتى توارت بالحجاب غربت الشمس شبه غروبها بتواري المخبأة بحجابها وإضمارها من غير ذكر لدلالة العشي عليه.
(33) ردوها على الضمير للشمس فطفق مسحا فأخذ يسمح مسحا بالسوق والأعناق في الفقيه عن الصادق عليه السلام قال إن سليمان بن داود (عليه السلام) عرض عليه ذات يوم بالعشي الخيل فاشتغل بالنظر إليها حتى توارث الشمس بالحجاب فقال للملائكة ردوا الشمس علي حتى أصلي صلاتي في وقتها فردوها فقام فمسح ساقيه وعنقه وأمر أصحابه الذين فأتتهم الصلاة معه بمثل ذلك وكان ذلك وضوءهم للصلاة ثم قام فصلى فلما فرغ غابت الشمس وطلعت النجوم وذلك قول الله عز وجل ووهبنا لداود سليمان إلى قوله والأعناق وفي المجمع عن أمير المؤمنين عليه السلام إن هذه الخيل كانت شغلته عن صلاة العصر حتى فات وقتها قال وفي روايات أصحابنا أنه فاته أول الوقت وفي الكافي والفقيه عن الباقر عليه السلام أنه سئل عن قول الله عز وجل إن الصلاة كانت على المؤمنين كتابا موقوتا قال يعني مفروضا وليس يعني وقت فوتها إذا جاز ذلك الوقت ثم صلاها لم يكن صلاته هذه مؤداة ولو كان ذلك كذلك لهلك سليمان بن داود (عليه السلام) حين صلاها لغير وقتها ولكنه متى ما ذكرها صلاها وفي العلل عنه عليه السلام ما يقرب منه وفي المجمع قال ابن عباس سألت عليا عليه السلام عن هذه الآية فقال ما بلغك فيها يا ابن عباس قلت بلى سمعت كعبا يقول اشتغل سليمان بعرض الأفراس حتى فاتته الصلاة فقال وردها علي يعني الأفراس وكانت أربعة عشر فأمر بضرب سوقها وأعناقها بالسيف قتلها فسلبه الله ملكه أربعة عشر يوما لأنه ظلم الخيل بقتلها فقال علي عليه السلام كذب كعب لكن اشتغل سليمان بعرض الأفراس ذات يوم لأنه أراد جهاد العدو حتى توارت الشمس بالحجاب فقال بأمر الله للملائكة الموكلين بالشمس ردوها علي فردت فصلى العصر في وقتها وأن أنبياء الله لا يظلمون ولا يأمرون بالظلم لأنهم معصومون مطهرون والقمي ذكر قريبا مما قاله كعب ثم روى قصة خاتمه عن الصادق عليه السلام وأنه ضل عنه أربعين يوما ما بسبب قتله الخيل سرقه شيطان وجلس مكانه في تلك المدة إلى آخر ما ذكره مما لا يليق بالأنبياء إلا إذا كان مرموزا وأريد به شئ آخر كما سبق مثله في قصة هاروت وماروت.
(34) ولقد فتنا سليمان وألقينا على كرسيه جسدا ثم أناب في المجمع عن النبي صلى الله عليه وآله أن سليمان قال يوما في مجلسه لأطوفن الليلة على سبعين امرأة تلد كل امرأة منهن غلاما يضرب بالسيف في سبيل الله ولم يقل إن شاء الله فطاف عليهن فلم تحمل منهن إلا امرأة واحدة جاءت بشق ولد قال ثم قال فوالذي نفس محمد صلى الله عليه وآله بيده لو قال إن شاء الله لجاهدوا في سبيل الله فرسانا والجسد الذي كان على كرسيه كان هذا وعن الصادق عليه السلام أن الجن والشياطين لما ولد لسليمان (عليه السلام) ابن قال بعضهم لبعض إن عاش له ولد لنلقين منه ما لقينا من أبيه من البلاء فأشفق منهم عليه فاسترضعه في المزن وهو السحاب فلم يشعر إلا وقد وضع على كرسيه ميتا تنبيها على أن الحذر لا ينفع من القدر وإنما عوتب على خوفه من الشياطين وقيل الجسد ذاك الشيطان الذي كان قد جلس مكانه على كرسيه سمي بالجسد الذي لا روح فيه لأنه كان متمثلا بما لم يكن كذلك وهذا قول العامة الراوين لتلك القصة التي فيها ذكر الخاتم إلا أنهم ذكروا في سبب ابتلائه بسلب ملكه أنه كانت امرأته تعبد في بيته صورة أربعين يوما وهو لم يشعر بذلك.
(35) قال رب اغفر لي وهب لي ملكا لا ينبغي لاحد من بعدي إنك أنت الوهاب.
(36) فسخرنا له الريح فذللناها لطاعته إجابة لدعوته تجرى بأمره رخاء لينة لا تزعزع حيث أصاب أراد.
(37) والشياطين كل بناء وغواص.
(38) وآخرين مقرنين في الأصفاد قرن بعضهم مع بعض في السلاسل ليكفوا عن الشر كذا قيل والقمي هم الذين عصوا سليمان حين سلبه الله ملكه وقد سبق بعض هذا القصة في سورة سبأ.
(39) هذا عطاؤنا أي هذا الذي أعطيناك من الملك والبسطة والتسلط على ما لم يسلط به غيرك عطاؤنا فامنن أو أمسك فاعط من شئت وامنع من شئت بغير حساب غير محاسب على منة وإمساكه لتفويض التصرف فيه إليك.
(40) وإن له عندنا لزلفى في الآخرة مع ماله من الملك العظيم في الدنيا وحسن مآب هو الجنة في العلل عن الكاظم عليه السلام انه سئل أيجوز أن يكون نبي الله بخيلا فقال لا فقيل فقول سليمان (عليه السلام) رب اغفر لي وهب لي ملكا لا ينبغي لاحد من بعدي ما وجهه وما معناه فقال الملك ملكان ملك مأخوذ بالغلبة والجور وإجبار الناس وملك مأخوذ من قبل الله تعالى ذكره كملك آل إبراهيم وملك طالوت وذي القرنين فقال سليمان هب لي ملكا لا ينبغي لاحد من بعدي أن يقول أنه مأخوذ بالغلبة والجور وإجبار الناس فسخر الله عز وجل له الريح تجرى بأمره رخاء حيث أصاب وجعل غدوها شهرا ورواحها شهرا وسخر الله عز وجل له الشياطين كل بناء وغواص وعلم منطو الطير ومكن له في الأرض فعلم الناس في وقته وبعده أن ملكه لا يشبه ملك الملوك الجبارين من الناس والمالكين بالغلبة والجور قيل فقول رسول الله صلى الله عليه وآله رحم الله أخي سليمان بن داود (عليه السلام) ما كان أبخله فقال لقوله وجهان أحدهما ما كان أبخله بعرضه وسوء القول فيه والوجه الاخر يقول ما كان أبخله إن كان أراد ما كان يذهب إليه الجهال وفي الكافي عن الصادق عليه السلام في قوله تعالى هذا عطاؤنا الآية قال أعطي سليمان (عليه السلام) ملكا عظيما ثم جرت هذه الآية في رسول الله صلى الله عليه وآله فكان له أن يعطي من شاء وما شاء ويمنع من شاء ما شاء وأعطاه أفضل مما أعطى سليمان (عليه السلام) لقوله ما آتاكم الرسول فخذوه وما نهاكم عنه فانتهوا وعن الرضا عليه السلام أنه قيل له حقا علينا أن نسألكم قال نعم قيل حقا عليكم أن تجيبونا قال لا ذاك إلينا إن شئنا فعلنا وإن شئنا لم نفعل أما تسمع قول الله تعالى هذا عطاؤنا فامنن أو أمسك بغير حساب.
(41) واذكر عبدنا أيوب إذ نادى ربه أنى مسني الشيطان بنصب وقرئ بفتح النون وبفتحتين وعذاب ألم وهو حكاية لكلامه.
(42) اركض برجلك حكاية لما أجيب به أي اضرب برجلك إلى الأرض هذا مغتسل بارد وشراب أي فضربها فنبعت عين فقيل هذا مغتسل أي تغتسل به وتشرب منه فيبرئ باطنك وظاهرك.
(43) ووهبنا له أهله ومثلهم معهم بأن أحييناهم بعد موتهم وفي الكافي عن الصادق عليه السلام إنه سئل كيف أوتي مثلهم معهم قال أحيى لهم من ولده الذين كانوا ماتوا قبل ذلك بآجالهم مثل الذين هلكوا يومئذ والقمي عنه عليه السلام قال أحيى الله له أهله الذين كانوا قبل البلية وأحيى له الذين ماتوا وهو في البلية رحمة منا وذكرى لأولي الألباب لينتظروا الفرج بالصبر واللجأ إلى الله فيما يحيق بهم.
(44) وخذ بيدك ضغثا حزمة صغيرة من خشب فاضرب به ولا تحنث وذلك أنه حلف أن يضرب زوجته في أمر ثم ندم عليه فحل الله يمينه بذلك وهي رخصة باقية في الحدود كما ورد عنهم عليهم السلام إنا وجدناه صابرا فيما أصابه في النفس والأهل والمال نعم العبد أيوب (ع) إنه أواب مقبل بشراشره على الله في العلل عن الصادق عليه السلام قال إنما كانت بلية أيوب (عليه السلام) التي ابتلى بها في الدنيا لنعمة أنعم الله بها عليه فأدى شكرها وكان إبليس في ذلك الزمان لا يحجب دون العرش فلما صعد عمل أيوب (عليه السلام) بأداء شكر النعمة حسده إبليس فقال يا رب إن أيوب (عليه السلام) لم يؤد شكر هذه النعمة إلا بما أعطيته فلو حلت بينه وبين دنياه ما أدى إليك شكر نعمة فسلطني على دنياه حتى تعلم أنه لا يؤدي شكر نعمة فقال قد سلطتك على دنياه فلم يدع له دنيا ولا ولدا إلا أهلك كل ذلك وهو يحمد الله عز وجل ثم رجع إليه فقال يا رب أن أيوب يعلم إنك سترد إليه دنياه التي أخذتها منه فسلطني على بدنه تعلم أنه لا يؤدي شكر نعمة قال عز وجل قد سلطتك على بدنه ما عدا عينيه وقلبه ولسانه وسمعه قال فانقض مبادرا خشية أن تدركه رحمة الله عز وجل فيحول بينه وبينه فنفخ في منخريه من نار السموم فصار جسده نقطا نقطا وعن الكاظم عليه السلام مثله وزاد قلما اشتدت به البلاء وكان في آخر بلية جاء أصحابه فقالوا يا أيوب ما نعلم أحدا ابتلي بمثل هذه البلية إلا لسريرة شر فلعلك أسررت سوء في الذي تبدي لنا قال فعند ذلك ناجى أيوب (عليه السلام) ربه عز وجل فقال رب ابتليتني بهذه البلية وأنت تعلم أنه لم يعرض لي أمران قط إلا التزمت أخشنهما على بدني ولم آكل أكلة قط إلا وعلى خواني يتيم فلو أن لي منك مقعد الخصم لأدليت بحجتي قال فعرضت له سحابة فنطق فيها ناطق فقال يا أيوب أدل بحجتك قال فشد عليه ميزره وجثا على ركبتيه فقال ابتليتني بهذه البلية وأنت تعلم أنه لم يعرض لي أمران قط إلا التزمت أخشنهما على بدني ولم آكل أكلة من طعام إلا وعلى خواني يتيم قال فقيل له يا أيوب من حبب إليك الطاعة قال فأخذ كفا من تراب فوضعه في فيه ثم قال أنت يا رب وعن الصادق عليه السلام إن الله تبارك وتعالى ابتلى أيوب (ع) بلا ذنب فصبر حتى عير وإن الأنبياء لا يصبرون على التعيير وفي الكافي عنه عليه السلام إن الله تعالى يبتلي المؤمن بكل بلية ويميته بكل ميتة ولا يبتليه بذهاب عقله أما ترى أيوب (ع) كيف سلط إبليس على ماله وعلى أهله وعلى كل شئ منه ولم يسلطه على عقله ترك له يوحد الله عز وجل وفي رواية فسلط على أيوب (ع) فشوه خلقه ولم يسلطه على دينه وفي الخصال والعلل عنه عليه السلام ابتلى أيوب سبع سنين بلا ذنب وفي الخصال عنه عن أبيه عليهما السلام قال إن أيوب عليه السلام ابتلي بغير ذنب سبع سنين وأن الأنبياء معصومون لا يذنبون ولا يزيغون ولا يرتكبون ذنبا صغيرا ولا كبيرا وقال إن أيوب مع جميع ما ابتلي به لم تنتن له رائحة ولا قبحت له صورة ولا خرجت منه مدة (1) من دم ولا قيح ولا استقذره أحد رآه ولا استوحش منه أحد شاهده ولا تدود شئ من جسده وهكذا يصنع الله عز وجل بجميع من يبتليه من أنبيائه وأوليائه المكرمين عليه وإنما اجتنبه الناس لفقره وضعفه في ظاهر أمره لجهلهم بماله عند ربه تعالى ذكره من التأييد والفرج وقد قال النبي صلى الله عليه وآله أعظم الناس بلاء الأنبياء ثم الأولياء ثم الأمثل فالأمثل وإنما ابتلاه الله بالبلاء العظيم الذي يهون معه على جميع الناس لئلا يدعوا له معه الربوبية إذا شاهدوا ما أراد الله تعالى ذكره أن يوصله إليه من عظائم نعمه متى شاهدوه ليستدلوا بذلك على أن الثواب من الله تعالى على ضربين استحقاق واختصاص ولئلا يحقروا ضعيفا لضعفه ولا فقيرا لفقره ولا مريضا لمرضه وليعلموا أنه يسقم من يشاء متى شاء كيف شاء بأي شئ شاء ويجعل ذلك عبرة لمن يشاء وشقاوة لمن يشاء وسعادة لمن يشاء وهو عز وجل في جميع ذلك عدل في قضائه وحكيم في أفعاله لا يفعل بعباده إلا الأصلح لهم ولا قوة إلا بالله والقمي عن الصادق عليه السلام إنه سئل عن بلية أيوب (ع) التي ابتلي بها في الدنيا لأي علة كانت قال لنعمة أنعم الله عز وجل عليه بها في الدنيا وأدى شكرها وكان في ذلك الزمان لا يحجب إبليس عن دون العرش فلما صعد ورأي شكر نعمة أيوب (ع) حسده إبليس فقال يا رب إن أيوب لم يؤد إليك شكر هذه النعمة إلا بما أعطيته من الدنيا ولو حرمته دنياه ما أدى إليك شكر نعمة أبدا فسلطني على دنياه حتى تعلم أنه لا يؤدي إليك شكر نعمة أبدا فقيل له قد سلطتك على ما له وولده قال فانحدر إبليس فلم يبق له مالا ولا ولدا إلا أعطبه فازداد أيوب لله شكرا وحمدا قال فسلطني على زرعه قال قد فعلت فجمع شياطينه فنفخ فيه فاحترق فازداد أيوب (ع) لله شكرا وحمدا فقال يا رب فسلطني على غنمه فسلطه على غنمه فأهلكها فازداد أيوب (ع) لله شكرا وحمدا فقال يا رب سلطني على بدنه فسلطه على بدنه ما خلا عقله وعينيه فنفخ فيه إبليس فصار قرحة واحدة من قرنه إلى قدمه فبقي في ذلك دهرا طويلا يحمد الله ويشكره حتى وقع في بدنه الدود فكانت تخرج من بدنه فيردها فيقول لها ارجعي إلى موضعك الذي خلقك الله منه ونتن حتى أخرجوه أهل القرية من القرية وألقوه في المزبلة خارج القرية وكانت امرأته رحمة بنت يوسف بن يعقوب ابن إسحاق بن إبراهيم (ع) تتصدق من الناس وتأتيه بما تجده قال فلما طال عليه البلاء ورأي إبليس صبره أتى أصحابا لأيوب (ع) كانوا رهبانا في الجبال وقال لهم مروا بنا إلى هذا العبد المبتلى فنسأله عن بليته فركبوا بغالا شهباء فجاؤوا فلما دنوا منه نفرت بغالهم من نتن ريحه فنظر بعضهم إلى بعض ثم مشوا إليه وكان فيهم شاب حدث السن فقعدوا إليه فقالوا يا أيوب لو أخبرتنا بذنبك لعل الله كان يملكنا إذا سألناه وما نرى ابتلائك بهذا البلاء الذي لم يبتل به أحدا إلا من أمر كنت تستره فقال أيوب وعزة ربي أنه ليعلم إني ما أكلت طعاما إلا ويتيم أو ضعيف يأكل معي وما عرض لي أمر ان كلاهما طاعة لله إلا أخذت بأشدهما على بدني فقال الشاب سوءة لكم عيرتم نبي الله حتى أظهر من عبادة ربه ما كان يسترها فقال أيوب يا رب لو جلست مجلس الحكم منك لأدليت بحجتي بعث الله عز وجل إليه غمامة فقال يا أيوب أدل بحجتك فقد أقعدت مقعد الحكم وها أنا ذا قريب ولم أزل فقال يا رب إنك لتعلم أنه لم يعرض لي أمر ان قط كلاهما لك طاعة إلا أخذت بأشدهما على نفسي ألم أحمدك ألم أشكرك ألم أسبحك قال فنودي من الغمامة بعشرة آلاف لسان يا أيوب من صيرك تعبد الله والناس عنه غافلون وتحمده وتسبحه وتكبره والناس عنه غافلون أتمن على الله بما لله فيه المنة عليك قال فأخذ التراب فوضعه في فيه ثم قال لك العتبى يا رب أنت فعلت ذلك بي فأنزل الله عليه ملكا فركض برجله فخرج الماء فغسله بذلك الماء فعاد أحسن ما كان وأطرا وأنبت الله عليه روضة خضراء ورد عليه أهله وماله وولده وزرعه وقعد معه الملك يحدثه ويؤنسه فأقبلت امرأته معها الكسرة فلما انتهت إلى الموضع إذ الموضع متغير وإذا رجلان جالسان فبكت وصاحت وقالت يا أيوب ما دهاك فناداها أيوب فأقبلت فلما رأته وقد رد الله عليه بدنه ونعمته سجدت لله عز وجل شكرا فرأى ذؤابتها مقطوعة وذلك أنها سألت قوما أن يعطوها ما تحمله إلى أيوب من الطعام وكانت حسنة الذوائب فقالوا لها بيعينا ذؤابتك هذه حتى نعطيك فقطعتها ودفعتها إليهم وأخذت منهم طعاما لأيوب فلما رآها مقطوعة الشعر غضب وحلف عليها أن يضربها مأة فأخبرته أنه كان سببه كيت وكيت فاغتم أيوب من ذلك فأوحى الله عز وجل إليه خذ بيدك ضغثا فاضربه ولا تحنث فأخذ عذقا مشتملا على مأة شمراخ فضربها ضربة واحدة فخرج من يمينه قال فرد الله عليه أهله الذين ماتوا قبل البلاء ورد عليه أهله الذين ماتوا بعد ما أصابهم البلاء كلهم أحياهم الله له فعاشوا معه وسئل أيوب (ع) بعد ما عافاه الله أي شئ كان أشد عليك مما مر عليك فقال شماتة الأعداء قال فأمطر الله عليه في داره جرادة الذهب وكان يجمعه فكان إذا ذهبت الريح منه بشئ عدا خلفه فرده فقال له جبرئيل أما تشبع يا أيوب قال ومن يشبع من رزق ربه عز وجل أقول: لعل المراد ببدنه الذي قيل في الرواية الأولى أنه لم ينتن رائحته ولم يتدود بدنه الأصلي الذي يرفع من الأنبياء والأوصياء إلى السماء الذي خلق من طينته خلقت منها أرواح المؤمنين وببدنه الذي قيل في هذه الرواية أنه أنتن وتدود بدنه العنصري الذي هو كالغلاف لذلك ولا مبالاة للخواص به فلا تنافي بين الروايتين.
(45) واذكر عبادنا إبراهيم وإسحق ويعقوب أولى الأيدي والابصار القمي عن الباقر عليه السلام قال أولوا القوة في العبادة والبصر فيها.
(46) إنا أخلصناهم بخالصة جعلناهم خالصين لنا بخصلة خالصة لا شوب فيها هي ذكرى الدار أي تذكرهم للآخرة دائما فإن خلوصهم في الطاعة بسببها وذلك لأنه كان مطمح نظرهم فيما يأتون ويذرون جوار الله والفوز بلقائه واطلاق الدار للأشعار بأنها الدار الحقيقية والدنيا معبر.
(47) وإنهم عندنا لمن المصطفين الأخيار.
(48) واذكر إسماعيل واليسع قيل هو ابن أخطوب استخلفه إلياس على بني إسرائيل ثم استنبأ وذا الكفل هو يوشع بن نون كما مر في سورة الأنبياء وكل من الأخيار.
(49) هذا ذكر وإن للمتقين لحسن مآب مرجع.
(50) جنات عدن مفتحة لهم الأبواب.
(51) متكئين فيها يدعون فيها بفاكهة كثيرة وشراب قيل الاقتصار على الفاكهة للأشعار بأن مطاعمهم لمحض التلذذ فإن التغذي للتحلل ولا تحلل ثمة.
(52) وعندهم قاصرات الطرف لا ينظرن إلى غير أزواجهن أتراب لذات بعضهن لبعض لا عجوز فيهن ولا صبية.
(53) هذا ما توعدون ليوم الحساب لأجله وقرئ بالياء.
(54) إن هذا لرزقنا ماله من نفاد انقطاع.
(55) هذا الأمر هذا وإن للطاغين لشر مآب.
(56) جهنم يصلونها فبئس المهاد القمي وهم الأول والثاني وبنو أمية.
(57) هذا فليذوقوه حميم وغساق وقرئ بالتخفيف هو ما يغسق أي يسيل من صديد أهل النار والقمي قال الغساق واد في جهنم فيه ثلاثمائة وثلاثون قصرا في كل قصر ثلاثمائة بيت في كل بيت أربعون زاوية في كل زاوية شجاع في كل شجاع ثلاثمائة وثلاثون عقربا في حمة كل عقرب ثلاثمائة وثلاثون قلة من سم لو أن عقربا نضحت سمها على أهل جهنم لوسعهم سمها.
(58) وآخر وقرئ واخر على الجمع من شكله قيل من مثل المذوق أو العذاب في الشدة أو مثل الذائق أزواج أصناف والقمي وهم بنو العباس.
(59) هذا فوج مقتحم معكم حكاية ما يقال لرؤساء الطاغين إذا دخلوا النار ودخل معهم فوج تبعهم في الضلال والاقتحام ركوب الشدة والدخول فيها في المجمع والقمي عن النبي صلى الله عليه وآله أن النار تضيق عليهم كضيق الزج بالرمح لا مرحبا بهم دعاء من المتبوعين على اتباعهم إنهم صالوا النار القمي فيقول بنو أمية لا مرحبا بهم.
(60) قالوا أي الأتباع للرؤساء بل أنتم لا مرحبا بكم بل أنتم أحق بما قلتم لضلالكم وإضلالكم أنتم قدمتموه لنا القمي فيقول بنو فلان بل أنتم لا مرحبا بكم أنتم قدمتموه لنا بدأتم بظلم آل محمد صلوات الله عليهم فبئس القرار فبئس المقر جهنم.
(61) قالوا القمي ثم يقول بنو أمية ربنا من قدم لنا هذا فزده عذابا ضعفا في النار وذلك أن تزيد على عذابه مثله فيصير ضعفين من العذاب قال يعنون الأول والثاني.
(62) وقالوا ما لنا لا نرى رجالا كنا نعدهم من الأشرار القمي ثم يقول أعداء آل محمد صلوات الله عليهم في النار ما لنا لا نرى رجالا كنا نعدهم من الأشرار في الدنيا وهم شيعة أمير المؤمنين عليه السلام.
(63) اتخذناهم سخريا هزوا صفة أخرى لرجالا وقرئ بالضم وبهمزة الاستفهام على أنه إنكار لأنفسهم وتأنيب لها في الاستسخار منهم أم زاغت عنهم الابصار مالت فلا نريهم وأم معادلة لما لنا لا نرى على أن المراد نفي رؤيتهم لغيبتهم كأنهم قالوا ليسوا ههنا أم زاغت عنهم أبصارنا.
(64) إن ذلك لحق تخاصم أهل النار فيما بينهم القمي وذلك قول الصادق عليه السلام إنكم لفي الجنة تحبرون وفي النار تطلبون وزاد في البصائر فلا توجدون وفي الكافي عنه عليه السلام قال لقد ذكركم الله إذ حكى عن عدوكم في النار بقوله وقالوا ما لنا لا نرى الآية قال والله ما عنى الله ولا أراد بهذا غيركم صرتم عند أهل هذا العالم من أشرار الناس وأنتم والله في الجنة تحبرون وفي النار تطلبون وفي رواية أما والله لا يدخل النار منكم اثنان لا والله ولا واحد والله أنكم الذين قال الله تعالى وقالوا ما لنا الآية ثم قال طلبوكم والله في النار فما وجدوا منكم أحدا وفي أخرى إذا استقر أهل النار في النار يتفقدونكم فلا يرون منكم أحدا فيقول بعضهم لبعض ما لنا الآية قال وذلك قول الله تعالى إن ذلك لحق تخاصم أهل النار يتخاصمون فيكم كما كانوا يقولون في الدنيا وفي المجمع والجوامع ما يقرب منه.
(65) قل يا محمد للمشركين إنما أنا منذر أنذركم عذاب الله وما من إله إلا الله الواحد الذي لا شريك له ولا يتبعض القهار لكل شئ.
(66) رب السماوات والأرض وما بينهما منه خلقها وإليه أمرها العزيز الذي لا يغلب إذا عاقب الغفار الذي يغفر ما يشاء من الذنوب لمن يشاء وفي هذه الأوصاف تقرير للتوحيد ووعد ووعيد للموحدين والمشركين وتكرير ما يشعر بالوعيد وتقديمه لأن المدعى هو الأنذار.
(67) قل هو نبا عظيم.
(68) أنتم عنه معرضون قيل أي ما أنبأكم به وقيل ما بعده من نبأ آدم والقمي يعني أمير المؤمنين عليه السلام وفي البصائر عن الباقر عليه السلام هو والله أمير المؤمنين عليه السلام وعن الصادق عليه السلام النبأ الإمامة.
(69) ما كان لي من علم بالملأ الاعلى إذ يختصمون إذا لاطلاع على كلام الملائكة وتقاولهم لا يحصل إلا بالوحي.
(70) إن يوحى إلى إلا إنما أنا نذير مبين أي إلا لأنما وقرئ إنما بالكسر على الحكاية القمي عن الباقر عليه السلام في حديث المعراج وقد مر صدره في أول سورة بني إسرائيل (ع) قال فلما انتهى به إلى سدرة المنتهى تخلف عنه جبرئيل فقال رسول الله صلى الله عليه وآله يا جبرئيل أفي هذا الموضع تخذلني فقال تقدم أمامك فوالله لقد بلغت مبلغا لم يبلغه أحد من خلق الله قبلك فرأيت من نور ربي وحال بيني وبينه السبحة سئل الإمام عليه السلام وما السبحة فأومى بوجهه إلى الأرض وبيده إلى السماء وهو يقول جلال ربي ثلاث مرات قال يا محمد قلت لبيك يا رب قال فيم اختصم الملأ الأعلى قال قلت سبحانك لا علم لي إلا ما علمتني قال فوضع يده أي يد القدرة بين كتفي فوجت بردها بين ثديي قال فلم يسألني عما مضى ولا عما بقي إلا علمته فقال يا محمد فيم اختصم الملأ الأعلى قال قلت في الكفارات والدرجات والحسنات فقال لي يا محمد قد انقطع أكلك وانقضت نبوتك فمن وصيك فقلت يا رب قد بلوت خلقك فلم أر أحدا من خلقك أطوع لي من علي فقال ولي يا محمد فقلت يا رب إني قد بلوت خلقك فلم أر في خلقك أحدا أشد حبا لي من علي بن أبي طالب عليه السلام قال ولي يا محمد فبشره بأنه راية الهدى وإمام أوليائي ونور لمن أطاعني والكلمة التي ألزمتها المتقين من أحبه فقد أحبني ومن أبغضه فقد أبغضني مع ما أني أخصه بما لم أخص به أحدا فقلت يا رب أخي وصاحبي ووزيري ووارثي فقال إنه أمر قد سبق إنه مبتلى ومبتلى به مع ما أني قد نحلته ونحلته ونحلته ونحلته أربعة أشياء عقدها بيده ولا يفصح بها عقدها وفي المجمع عن النبي صلى الله عليه وآله قال قال لي ربي أتدري فيم يختصم الملأ الأعلى فقلت لا قال اختصموا في الكفارات والدرجات فأما الكفارات فإسباغ الوضوء في السبرات ونقل الأقدام إلى الجماعات وانتظار الصلاة بعد الصلاة وأما الدرجات فافشاء السلام وإطعام الطعام والصلاة بالليل والناس نيام وفي الخصال بنحو آخر قريب منه.
(71) إذ قال ربك للملائكة إني خالق بشرا من طين.
(72) فإذا سويته عدلت خلقته ونفخت فيه من روحي وأحييته بنفخ الروح فيه وإضافته إلى نفسه لشرفه وطهارته فقعوا له ساجدين فخروا له ساجدين تكرمة وتبجيلا له وقد مر الكلام فيه في سورة البقرة.
(73) فسجد الملائكة كلهم أجمعون.
(74) إلا إبليس استكبر تعظم وكان من الكافرين في علم الله.
(75) قال يا إبليس ما منعك أن تسجد لما خلقت بيدي في العيون والتوحيد عن الرضا عليه السلام قال يعني بقدرتي وقوتي والقمي عن الصادق عليه السلام لو أن الله تعالى خلق الخلق كلهم بيده لم يحتج في خلق آدم أنه خلقه بيده فيقول ما منعك أن تسجد لما خلقت بيدي أفترى الله يبعث الأشياء بيده استكبرت أم كنت من العالين تكبرت من غير استحقاق أو كنت ممن علا واستحق التفوق.
(76) قال أنا خير منه خلقتني من نار وخلقته من طين مر بيانه في سورة الأعراف.
(77) قال فاخرج منها فإنك رجيم.
(78) وإن عليك لعنتي إلى يوم الدين.
(79) قال رب فأنظرني إلى يوم يبعثون.
(80) قال فإنك من المنظرين.
(81) إلى يوم الوقت المعلوم مر بيانه في سورة الحجر.
(82) قال فبعزتك فبسلطانك وقهرك لأغوينهم أجمعين.
(83) إلا عبادك منهم المخلصين الذين أخلصهم الله أو أخلصوا قلوبهم لله على اختلاف القراءتين.
(84) قال فالحق والحق أقول أي فاحق الحق وأقوله والقمي فقال الله الحق أي إنك تفعل ذلك والحق أقوله وقرئ برفع الأول على الابتداء أي الحق يميني أو الخبر أي أنا الحق.
(85) لأملأن جهنم منك وممن تبعك منهم أجمعين.
(86) قل ما أسئلكم عليه من أجر على التبليغ وما أنا من المتكلفين المتصنعين في الكافي عن الباقر عليه السلام قال لأعداء الله أولياء الشيطان أهل التكذيب والإنكار قل ما أسئلكم عليه من أجر وما أنا من المتكلفين يقول متكلفا أن أسألكم ما لستم بأهله فقال المنافقون عند ذلك بعضهم لبعض أما يكفي محمدا صلى الله عليه وآله أن يكون قهرنا عشرين سنة حتى يريد أن يحمل أهل بيته على رقابنا فقالوا ما أنزل الله هذا وما هو إلا شئ يتقوله يريد ان يرفع أهل بيته على رقابنا ولئن قتل محمد صلى الله عليه وآله أو مات لننزعنها من أهل بيته ثم لا نعيدها فيهم أبدا وفي التوحيد عن الرضا عن أمير المؤمنين عليهما السلام إن المسلمين قالوا لرسول الله صلى الله عليه وآله لو أكرهت يا رسول الله من قدرت عليه من الناس على الإسلام لكثر عددنا وقوينا على عدونا فقال رسول الله صلى الله عليه وآله ما كنت لألقى الله تعالى ببدعة لم يحدث إلي فيها شيئا وما أنا من المتكلفين في الجوامع عن النبي صلى الله عليه وآله قال للمتكلف ثلاث علامات ينازع من فوقه ويتعاطى ما لا ينال ويقول ما لا يعلم وفي الخصال عن الصادق عليه السلام عن لقمان مثله وعنه عليه السلام ومن العلماء من يضع نفسه للفتاوي ويقول سلوني ولعله لا يصيب حرفا واحدا والله لا يحب المتكلفين فذاك في الدرك السادس من النار وفي مصباح الشريعة عنه عليه السلام قال المتكلف مخطئ وإن أصاب المتكلف لا يستجلب في عاقبة أمره إلا الهوان وفي الوقت إلا التعب والعناء والشقاء والمتكلف ظاهره وباطنه نفاق وهما جناحان بهما يطير المتكلف وليس في الجملة من أخلاق الصالحين ولا من اشعار المتقين التكلف في أي باب كان قال الله تعالى لنبيه صلى الله عليه وآله قل ما أسئلكم من اجر وما انا من المتكلفين.
(87) إن هو إلا ذكر عظة للعالمين.
(88) ولتعلمن نبأه من الوعد والوعيد بعد حين في الكافي عن أمير المؤمنين عليه السلام قال عند خروج القائم عليه السلام في ثواب الأعمال والمجمع عن العياشي عن الباقر عليه السلام من قرأ سورة ص في ليلة الجمعة أعطي من خير الدنيا والآخرة ما لم يعط أحدا من الناس إلا نبي مرسل أو ملك مقرب وأدخله الله الجنة وكل من أحب من أهل بيته حتى خادمه الذي يخدمه وإن لم يكن في حد عياله ولا حد من يشفع فيه سورة الزمر وتسمى أيضا
1. المدة بالكسر وتشديد المهملة: ما يجتمع في الجرح من التقيح الغليظ. .