سورة لقمان

مكية عن ابن عباس ثلاث آيات نزلن بالمدينة ولو أن ما في الأرض إلى آخرهن وعدد آيها ثلاث وثلاثون اية حجازي اربع في الباقين بسم الله الرحمن الرحيم.

(1) ألم.

(2) تلك آيات الكتاب الحكيم ذي الحكمة أو المحكم آياته.

(3) هدى ورحمة وقرئ بالرفع للمحسنين.

(4) الذين يقيمون الصلاة ويؤتون الزكاة وهم بالآخرة هم يوقنون بيان لاحسانهم أو تخصيص لهذه الثلاثة من شعبه لفضل اعتداد بها.

(5) أولئك على هدى من ربهم وأولئك هم المفلحون لاستجماعهم العقيدة الحقة والعمل الصالح.

(6) ومن الناس من يشترى لهو الحديث ما يلهي عما يعني كالأحاديث التي لا أصل لها والأساطير التي لا اعتبار فيها والمضاحيك وفضول الكلام القمي قال الغناء وشرب الخمر وجميع الملاهي ويأتي تمام القول فيه عن قريب ليضل وقرئ بفتح الياء عن سبيل الله القمي قال يحيدهم عن طريقه بغير علم بحال ما يشتريه ويتخذها وقرء بالنصب هزوا ويتخذ السبيل سخرية أولئك لهم عذاب مهين لإهانتهم الحق بايثار الباطل عليه.

(7) وإذا تتلى عليه آياتنا ولى مستكبرا متكبرا لا يعبؤ بها كان لم يسمعها كان في اذنيه وقرا ثقلا لا يقدر ان يسمع فبشره بعذاب اليم اعلمه به وإنما ذكر البشارة على التهكم القمي عن الباقر عليه السلام هو النضر بن الحارث بن علقمة بن كلدة من بني عبد الدار بن قصي وكان النضر ذا رواية لأحاديث الناس واشعارهم يقول الله تعالى وإذا تتلى عليه آياتنا الآية وفي المجمع عن الصادق عليه السلام قال هو الطعن في الحق والاستهزاء به وما كان أبو جهل وأصحابه يجيؤون به إذ قال يا معاشر قريش الا أطعمكم من الزقوم الذي يخوفكم به صاحبكم ثم ارسل إلى زبد وتمر فقال هو الزقوم الذي يخوفكم به قال ومنه الغناء وفي المعاني والكافي عنه عليه السلام قال منه الغناء وفي الكافي عن الباقر عليه السلام الغناء مما أوعد الله عليه النار وتلا هذه الآية وعنه عليه السلام انه سئل عن كسب المغنيات فقال التي يدخل عليها الرجال حرام والتي تدعى إلى الأعراس ليس به بأس وهو قول الله عز وجل ومن الناس الآية.

(8) ان الذين آمنوا وعملوا الصالحات لهم جنات النعيم اي لهم نعيم جنات فعكس للمبالغة.

(9) خالدين فيها وعد الله حقا وهو العزيز الذي لا يغلبه شئ فيمنعه عن انجاز وعده ووعيده الحكيم الذي لا يفعل الا ما يستدعيه حكمته.

(10) خلق السماوات بغير عمد ترونها صفة لعمد القمي عن الرضا عليه السلام ثم عمد ولكن لا ترونها والقى في الأرض رواسي جبالا شوامخ ان تميد بكم كراهة ان تميل بكم قيل إن بساطة اجزائها تقتضي تبدل احيازها وأوضاعها لامتناع اختصاص كل منها لذاته أو لشئ من لوازمه بحيز ووضع معينين وبث فيها من كل دابة وأنزلنا من السماء ماء فأنبتنا فيها من كل زوج كريم من كل صنف كثير المنفعة.

(11) هذا خلق الله مخلوقه فاروني ماذا خلق الذين من دونه حتى استحقوا مشاركته في الألوهية بل الظالمون في ضلال مبين اضراب عن تبكيتهم إلى التسجيل عليهم بالضلال.

(12) ولقد اتينا لقمان الحكمة في الكافي عن الكاظم عليه السلام قال الفهم والعقل والقمي عن الصادق عليه السلام قال اوتى معرفة امام زمانه ان اشكر لله ومن يشكر فإنما يشكر لنفسه لأن نفعه عائد إليها وهو دوام النعمة واستحقاق مزيدها ومن كفر فان الله غنى لا يحتاج إلى الشكر حميد حقيق بالحمد حمد أو لم يحمد أو محمود ينطق بحمده جميع مخلوقاته في الكافي عن الصادق عليه السلام شكر كل نعمة وان عظمت ان يحمد الله عز وجل عليها وفي رواية وإن كان فيما أنعم عليه حق أداه وفي أخرى عنه عليه السلام من أنعم الله عليه بنعمة فعرفها بقلبه فقد أدى شكرها وعنه عليه السلام أوحى الله عز وجل إلى موسى (عليه السلام) يا موسى اشكرني حق شكري فقال يا رب وكيف أشكرك حق شكرك وليس من شكر أشكرك به الا وأنت أنعمت به علي قال يا موسى الآن شكرتني حين علمت أن ذلك مني وفي المجمع عن النبي صلى الله عليه وآله أنه قال حقا أقول لم يكن لقمان نبيا ولكن كان عبدا كثير التفكر حسن اليقين أحب الله فأحبه ومن عليه بالحكمة كان نائما نصف النهار إذ جاءه نداء يا لقمان هل لك ان يجعلك الله خليفة في الأرض تحكم بين الناس بالحق فأجاب الصوت ان خيرني ربي قبلت العافية ولم اقبل البلا وان هو عزم علي فسمعا وطاعة فاني اعلم أنه ان فعل بي ذلك أعانني وعصمني فقالت الملائكة بصوت لا يريهم لم يا لقمان قال لأن الحكم أشد المنازل وأكدها يغشاه الظلم من كل مكان ان وفى فبالحري ان ينجو وان أخطأ أخطأ طريق الجنة ومن يكن في الدنيا ذليلا وفي الآخرة شريفا خير من أن يكون في الدنيا شريفا وفي الآخرة ذليلا ومن تختر الدنيا على الآخرة تفته الدنيا ولا يصيب الآخرة فعجبت الملائكة من حسن منطقة فنام نومة فاعطي الحكمة فانتبه يتكلم بها ثم كان يوازر داود (عليه السلام) بحكمته فقال له داود طوبى لك يا لقمان أعطيت الحكمة وصرفت عنك البلوى والقمي عن الصادق عليه السلام انه سئل عن لقمان وحكمته التي ذكرها الله عز وجل فقال اما والله ما أوتي لقمان الحكمة بحسب ولا مال ولا أهل ولا بسط في جسم ولا جمال ولكنه كان رجلا قويا في امر الله متورعا في الله ساكتا سكيتا عميق النظر طويل الفكر حديد النظر مستغن بالعبر لم ينم نهارا قط ولم يتك في مجلس قط ولم يتفل في مجلس قط ولم يعبث بشئ قط ولم يره أحد من الناس على بول ولا غائط ولا اغتسال لشدة تستره وعموق نظره وتحفظه في امره ولم يضحك من شئ قط مخافة الاثم في دينه ولم يغضب قط ولم يمازح انسانا قط ولم يفرح بشئ بما أوتيه من الدنيا ان اتاه من امر الدنيا ولا حزن منها على شئ قط وقد نكح من النساء وولد له الأولاد الكثيرة وقدم أكثرهم افراطا فما بكى على موت أحد منهم ولم يمر برجلين يختصمان أو يقتتلان الا أصلح بينهما ولم يمض عنهما حتى تحابا ولم يسمع قولا قط من أحد استحسنه الا سأله عن تفسيره وعمن اخذه فكان يكثر مجالسة الفقهاء والحكماء وكان يغشي القضاة والملوك والسلاطين فيرثي للقضاة مما ابتلوا به ويرحم الملوك والسلاطين لعزتهم بالله وطمأنينتهم في ذلك ويعتبر ويتعلم ما يغلب به نفسه ويجاهد به هواه ويحترز به من الشيطان وكان يداوي قلبه بالتفكر ويداوي نفسه بالعبر وكان لا يظعن الا فيما ينفعه ولا ينظر الا فيما يعنيه فبذلك أوتي الحكمة ومنح العصمة وان الله تبارك وتعالى امر طوائف من الملائكة حين انتصف النهار وهدأت العيون بالقائلة فنادوا لقمان حيث يسمع ولا يراهم فقالوا يا لقمان هل لك ان يجعلك الله خليفة في الأرض تحكم بين الناس فقال لقمان ان امرني ربي بذلك فالسمع والطاعة لأنه ان فعل بي ذلك أعانني عليه وعلمني وعصمني وان هو خيرني قبلت العافية فقالت الملائكة يا لقمان لم قلت ذلك قال لأن الحكم بين الناس بأشد المنازل من الدين وأكثر فتنا وبلاء ما يخذل ولا يعان ويغشاه الظلم من كل مكان وصاحبه منه بين أمرين ان أصاب فيه الحق فبالحري ان يسلم وان أخطأ أخطأ طريق الجنة ومن يكن في الدنيا ذليلا ضعيفا كان أهون عليه في المعاد من أن يكون فيه حكما سريا شريفا ومن اختار الدنيا على الآخرة يخسرهما كلتاهما تزول هذه ولا يدرك تلك قال فعجبت الملائكة من حكمته واستحسن الرحمن منطقه فلما امسى واخذ مضجعه من الليل انزل الله عليه الحكمة فغشاه بها من قرنه إلى قدمه وهو نائم وغطاه بالحكمة غطاء فاستيقظ وهو احكم الناس في زمانه وخرج على الناس فنطق بالحكمة ويبثها فيها قال فلما أوتي الحكم بالخلافة ولم يقبلها امر الله عز وجل الملائكة فنادت داود (عليه السلام) بالخلافة فقبلها ولم يشترط فيها بشرط لقمان فأعطاه الله عز وجل الخلافة في الأرض وابتلى فيها غير مرة وكل ذلك يهوى في الخطأ يقبله الله تعالى ويغفر له وكان لقمان يكثر زيارة داود (عليه السلام) ويعظه بمواعظه وحكمته وفضل علمه وكان داود (عليه السلام) يقول له طوبى لك يا لقمان أوتيت الحكمة وصرفت عنك البلية وأعطي داود الخلافة وابتلى بالحكم والفتنة.

(13) وإذ قال لقمان لابنه وهو يعظه يا بنى تصغير اشفاق وقرئ بكسر الياء وباسكانها لا تشرك بالله ان الشرك لظلم عظيم لأنه تسوية بين من لا نعمة الا منه ومن لا نعمة منه وفي الكافي عن الباقر عليه السلام الظلم ثلاثة ظلم يغفره الله وظلم لا يغفره الله وظلم لا يدعه الله فاما الظلم الذي لا يغفره الله فالشرك واما الظلم الذي يغفره فظلم الرجل نفسه فيما بينه وبين الله واما الظلم الذي لا يدعه الله فالمداينة بين العباد.

(14) ووصينا الانسان بوالديه حملته أمه وهنا على وهن تضعف ضعفا فوق ضعف فإنها لا يزال يتضاعف ضعفها وقرئ بفتح الهاء وفصاله في عامين وفطامه في انقضاء عامين وكانت ترضعه في تلك المدة والجملتان اعتراض مؤكد للتوصية في حقها ان اشكر لي ولوالديك إلى المصير فأحاسبك على شكرك وكفرك في العيون عن الرضا عليه السلام في حديث وأمرنا بالشكر له وللوالدين فمن لم يشكر والديه لم يشكر الله وعنه عليه السلام من لم يشكر المنعم من المخلوقين لم يشكر الله عز وجل.

(15) وان جاهداك على أن تشرك بي ما ليس لك به علم باستحقاقه الاشتراك تقليدا لهما يعني ما ليس فلا تطعهما في ذلك وصاحبهما في الدنيا معروفا صحابا معروفا يرتضيه الشرع ويقتضيه الكرم في الكافي عن الصادق عليه السلام ان رجلا اتى النبي صلى الله عليه وآله فقال يا رسول الله أوصني فقال لا تشرك بالله شيئا وان حرقت بالنار وعذبت الا وقلبك مطمئن بالإيمان ووالديك فأطعهما وبرهما حيين كانا أو ميتين وان أمراك ان تخرج من أهلك ومالك فافعل فان ذلك من الإيمان وعنه عليه السلام جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وآله فقال يا رسول الله من ابر قال أمك قال ثم من قال أمك قال ثم من قال أمك قال ثم من قال أباك وعن الرضا عليه السلام قيل له ادعو لوالدي ان كانا لا يعرفان الحق قال ادع لهما وتصدق عنهما وان كانا حيين لا يعرفان الحق فدارهما فان رسول الله صلى الله عليه وآله قال إن الله بعثني بالرحمة لا بالعقوق وفي العيون عنه عليه السلام وبر الوالدين واجب وان كانا مشركين ولا طاعة لهما في معصية الخالق ولا لغيرهما فإنه لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق وفي مصباح الشريعة قال الصادق عليه السلام بر الوالدين من حسن معرفة العبد بالله إذ لا عبادة أسرع بلوغا بصاحبها إلى رضاء الله تعالى من حرمة الوالدين المسلمين لوجه الله تعالى لأن حق الوالدين مشتق من حق الله تعالى إذا كانا على منهاج الدين والسنة ولا يكونان يمنعان الولد من طاعة الله إلى معصيته ومن اليقين إلى الشك ومن الزهد إلى الدنيا ولا يدعوانه إلى خلاف ذلك فإذا كانا كذلك فمعصيتهما طاعة وطاعتهما معصية قال الله تعالى وان جاهداك على أن تشرك بي ما ليس لك به علم فلا تطعهما واما في باب العشرة فدارهما وارفق بهما واحتمل اذاهما نحو ما احتملا عنك في حال صغرك ولا تضيق عليهما بما قد وسع الله عليك من المأكول والملبوس ولا تحول بوجهك عنهما ولا ترفع صوتك فوق أصواتهم فان تعظيمهما من الله تعالى وقل لهما بأحسن القول والطفه فان الله لا يضيع اجر المحسنين واتبع سبيل من أناب إلى بالتوحيد والاخلاص والطاعة والقمي عن الباقر عليه السلام يقول اتبع سبيل محمد صلى الله عليه وآله ثم إلى مرجعكم جميعا فأنبئكم بما كنتم تعملون الآيتان معترضتان في تضاعيف وصية لقمان تأكيدا لما فيها من النهي عن الشرك كأنه قال وقد وصينا بمثل ما وصى به وذكر الوالدين للمبالغة في ذلك فإنهما مع أنهما تلوا الباري في استحقاق التعظيم والطاعة لا يجوز ان يستحقا في الاشراك فما ظنك بغيرهما.

(16) يا بنى وقرئ بكسر الياء انها ان تك مثقال حبة من خردل اي الخصلة من الإساءة أو الاحسان تك مثلا في الصغر كحبة الخردل وقرئ مثقال بالرفع فالهاء للقصة والكون تامة فتكن في صخرة أو في السماوات أو في الأرض في اخفى مكان واحرزه وأعلاه وأسفله يأت بها الله يحضرها ويحاسب عليها والقمي قال من الرزق يأتيك به الله ان الله لطيف يصل علمه إلى كل خفي خبير عالم بكنهه العياشي عن الصادق عليه السلام اتقوا المحقرات من الذنوب فان لها طالبا لا يقولن أحدكم أذنب واستغفر الله ان الله يقول إن تك مثقال حبة من خردل الآية رواه في المجمع عنه عليه السلام وفي الكافي عن الباقر عليه السلام مثله.

(17) يا بنى وقرئ بكسر الياء واسكانها أقم الصلاة وامر بالمعروف وانه عن المنكر واصبر على ما أصابك من الشدائد في المجمع عن علي عليه السلام من المشقة والأذى في الامر بالمعروف والنهي عن المنكر ان ذلك من عزم الأمور قطعه قطع ايجاب والزام ومنه الحديث ان الله يحب ان يؤخذ برخصه كما يحب ان يؤخذ بعزائمه.

(18) ولا تصعر خدك للناس ولا تمل وجهك من الناس تكبرا ولا تعرض عمن يكلمك استخفافا به كذا في المجمع عن الصادق عليه السلام قيل هو من الصعر وهو داء يعتري البعير فيلوي عنقه والقمي اي لا تذل للناس طمعا فيما عندهم وقرئ لا تصاعر ولا تمش في الأرض مرحا فرحا وهو البطر والقمي عن الباقر عليه السلام يقول بالعظمة ان الله لا يحب كل مختال فخور علة النهي في المجالس والفقيه عن النبي صلى الله عليه وآله انه نهى ان يختال الرجل في مشيته وقال من لبس ثوبا فاختال فيه خسف الله به من شفير جهنم وكان قرين قارون لأنه أول من اختال فخسف به وبداره الأرض ومن اختال فقد نازع الله في جبروته.

(19) واقصد في مشيك توسط فيه بين الدبيب والاسراع والقمي اي لا تعجل وفي الخصال عن الصادق عليه السلام قال سرعة المشي تذهب ببهاء المؤمن واغضض من صوتك اقصر منه والقمي أي لا ترفعه ان انكر الأصوات أوحشها لصوت الحمير في الكافي عن الصادق عليه السلام انه سئل عنه عليه السلام فقال العطسة القبيحة وفي المجمع عنه عليه السلام قال هي العطسة المرتفعة القبيحة والرجل يرفع صوته بالحديث رفعا قبيحا الا أن يكون داعيا أو يقرء القرآن والقمي عنه عليه السلام في قول الله تعالى وإذ قال لقمان لابنه الآيات قال فوعظ لقمان ابنه باثار حتى تفطر وانشق وكان فيما وعظ به ان قال يا بني انك منذ سقطت إلى الدنيا استدبرتها واستقبلت الآخرة فدار أنت إليها تسير أقرب إليك من دار أنت عنها متباعد يا بني جالس العلماء وزاحمهم بركبتيك ولا تجادلهم فيمنعوك وخذ من الدنيا بلاغا ولا ترفضها فتكون عيالا على الناس ولا تدخل فيها دخولا يضر بآخرتك وصم صوما يقطع شهوتك ولا تصم صياما يمنعك من الصلاة فان الصلاة أحب إلى الله من الصيام يا بني ان الدنيا بحر عميق قد هلك فيها عالم كثير فاجعل سفينتك فيها الإيمان واجعل شراعها التوكل واجعل زادك فيها تقوى الله فان نجوت فبرحمة الله وان هلكت فبذنوبك يا بني ان تأدبت صغيرا انتفعت به كبيرا ومن عنى بالأدب اهتم به ومن اهتم به تكلف علمه ومن تكلف علمه اشتد له طلبه ومن اشتد له طلبه أدرك منفعته فاتخذه عادة فإنك تخلف في سلفك وتنفع به من خلفك ويرتجيك فيه راغب ويخشى صولتك راهب وإياك والكسل عنه والطلب لغيره فان غلبت على الدنيا فلا تغلبن على الآخرة وإذا فاتك طلب العلم في مظانه فقد غلبت على الآخرة واجعل في أيامك ولياليك وساعاتك لنفسك نصيبا في طلب العلم فإنك لن تجد له تضييعا أشد من تركه ولا تمارين فيه لجوجا ولا تجادلن فقيها ولا تعادين سلطانا ولا تماشين ظلوما ولا تصادقنه ولا تواخين فاسقا نطفا ولا تصاحبن متهما واخزن علمك كما تخزن ورقك يا بني خف الله عز وجل خوفا لو اتيت يوم القيامة ببر الثقلين خفت ان يعذبك وارج الله رجاء لو وافيت القيامة باثم الثقلين رجوت ان يغفر الله لك فقال له ابنه يا أبت وكيف أطيق هذا وإنما لي قلب واحد فقال له لقمان يا بني لو استخرج قلب المؤمن فشق لوجد فيه نوران نور للخوف ونور للرجاء لو وزنا ما رجح أحدهما على الاخر بمثقال ذرة فمن يؤمن بالله يصدق ما قال الله عز وجل ومن يصدق ما قال الله عز وجل يفعل ما أمر الله عز وجل ومن لم يفعل ما أمر الله لم يصدق ما قال الله فان هذه الأخلاق يشهد بعضها لبعض فمن يؤمن بالله ايمانا صادقا يعمل لله خالصا ناصحا فقد آمن بالله صادقا ومن أطاع الله خافه ومن خافه فقد أحبه ومن أحبه فقد اتبع امره ومن اتبع امره استوجب جنته ومرضاته ومن لم يتبع رضوان الله فقد هان عليه سخط الله نعوذ بالله من سخط الله يا بني لا تركن إلى الدنيا ولا تشغل قلبك بها فما خلق الله خلقا هو أهون عليه منها الا ترى انه لم يجعل نعيمها ثواب للمطيعين ولم يجعل بلاءها عقوبة للعاصين.

(20) ألم تروا ان الله سخر لكم ما في السماوات بأن جعله أسبابا لمنافعكم وما في الأرض بأن مكنكم من الانتفاع به وأسبغ عليكم نعمته ظاهرة وباطنة محسوسة ومعقولة ما تعرفونه وما لا تعرفونه وقرئ نعمه على الجمع والقمي عن الباقر عليه السلام اما النعمة الظاهرة فالنبي صلى الله عليه وآله وما جاء به من معرفة الله وتوحيده واما النعمة الباطنة فولايتنا أهل البيت وعقد مودتنا وفي الاكمال والمناقب عن الكاظم عليه السلام النعمة الظاهرة الامام الظاهر والباطنة الامام الغائب وفي المجمع عن النبي صلى الله عليه وآله اما ما ظهر فالاسلام وما سوى الله من خلقك وما أفضل عليك من الرزق واما ما بطن فستر مساوي عملك ولم يفضحك به وفي الأمالي عن الباقر عليه السلام ان النبي صلى الله عليه وآله قال لعلي عليه السلام قل: ما أول نعمة ابلاك الله عز وجل وانعم عليك بها قال إن خلقني جل ثناؤه ولم أك شيئا مذكورا قال صدقت فما الثانية قال إن أحسن بي إذ خلقني فجعلني حيا لا مواتا قال صدقت فما الثالثة قال إن أنشأني وله الحمد في أحسن صورة واعدل تركيب قال صدقت فما الرابعة قال إن جعلني متفكرا راعيا لا ساهيا قال صدقت فما الخامسة قال إن جعل لي شواعر أدرك ما ابتغيت بها وجعل لي سراجا منيرا قال صدقت فما السادسة قال إن هداني الله لدينه ولم يضلني عن سبيله قال صدقت فما السابعة قال إن جعل لي مردا في حياة لا انقطاع لها قال صدقت فما الثامنة قال إن جعلني ملكا مالكا لا مملوكا قال صدقت فما التاسعة قال إن سخر لي سماءه وارضه وما فيهما وما بينهما من خلقه قال صدقت فما العاشرة قال إن جعلنا سبحانه ذكرانا قواما على حلائلنا لا إناثا قال صدقت فما بعدها قال كثرت نعم الله يا نبي الله فطابت وان تعدوا نعمة الله لا تحصوها فتبسم رسول الله صلى الله عليه وآله وقال ليهنئك الحكمة ليهنئك العلم يا أبا الحسن فأنت وارث علمي والمبين لأمتي ما اختلفت فيه من بعدي الحديث ومن الناس من يجادل في الله في توحيده وصفاته بغير علم مستفاد من برهان ولا هدى راجع إلى رسول أو وصي رسول ولا كتاب منير أنزله بل تقليد من لا يجوز تقليده.

(21) وإذا قيل لهم اتبعوا ما انزل الله قالوا بل نتبع ما وجدنا عليه آباءنا أولو كان الشيطان يدعوهم إلى عذاب السعير القمي عن الباقر عليه السلام هو النضر بن الحارث قال له رسول الله صلى الله عليه وآله اتبع ما انزل إليك من ربك قال بل اتبع ما وجدت عليه آبائي.

(22) ومن يسلم وجهه إلى الله بان فوض امره إليه واقبل بشراشره عليه وهو محسن في عمله فقد استمسك بالعروة الوثقى تعلق بأوثق ما يتعلق به القمي قال بالولاية والى الله عاقبة الأمور إذ الكل صائر إليه.

(23) ومن كفر فلا يحزنك كفره فإنه لا يضرك الينا مرجعهم فننبئهم بما عملوا ان الله عليم بذات الصدور.

(24) نمتعهم قليلا ثم نضطرهم إلى عذاب غليظ.

(25) ولئن سئلتهم من خلق السماوات والأرض ليقولن الله لوضوح البرهان بحيث اضطروا إلى الاذعان في التوحيد عن الباقر عليه السلام قال قال رسول الله صلى الله عليه وآله كل مولود يولد على الفطرة يعني على المعرفة بأن الله عز وجل خالقه فذلك قول الله عز وجل ولئن سئلتهم الآية وعن الجواد عليه السلام انه سئل ما معنى الواحد فقال اجتماع الألسن عليه بالتوحيد كما قال الله عز وجل ولئن سئلتهم الآية قل الحمد لله على الزامهم والجائهم إلى الاعتراف بما يوجب بطلان معتقدهم بل أكثرهم لا يعلمون ان ذلك يلزمهم.

(26) لله ما في السماوات والأرض لا يستحق العبادة فيهما غيره ان الله هو الغنى عن حمد الحامدين الحميد المستحق للحمد وان لم يحمد.

(27) ولو أن ما في الأرض من شجرة أقلام والبحر يمده من بعده سبعة أبحر والبحر المحيط بسعته مدادا ممدودا بسبعة أبحر فأغنى عن ذكر المداد بمده لأنه من مد الدواة وامدها والبحر بالنصب وفي المجمع عن الصادق عليه السلام انه قرئ والبحر مداده ما نفدت كلمات الله يكتبها بتلك الأقلام المداد إن الله عزيز لا يعجزه شئ حكيم لا يخرج عن علمه وحكمته أمر القمي وذلك أن اليهود سألوا رسول الله صلى الله عليه وآله عن الروح فقال الروح من امر ربى وما أوتيتم من العلم الا قليلا قالوا نحن خاصة قال بل الناس عامة قالوا فكيف يجتمع هذا يا محمد أتزعم انك لم تؤت من العلم الا قليلا وقد أوتيت القرآن وأوتينا التوراة وقد قرأت ومن يؤت الحكمة وهي التوراة فقد اوتى خيرا كثيرا فأنزل الله تبارك وتعالى ولو أن ما في الأرض الآية يقول علم الله أكثر من ذلك وما أوتيتم كثير فيكم قليل عند الله.

(28) ما خلقكم ولا بعثكم الا كنفس واحدة قيل الا كخلقها وبعثها إذ لا يشغله شأن عن شأن القمي عن الباقر عليه السلام بلغنا والله أعلم انهم قالوا يا محمد خلقنا أطوارا نطفا ثم علقا ثم أنشأنا خلقا آخر كما تزعم وتزعم انا نبعث في ساعة واحدة فقال الله ما خلقكم ولا بعثكم الا كنفس واحدة إنما يقول له كن فيكون ان الله سميع بصير لا يشغله سمع عن سمع ولا ابصار عن ابصار.

(29) ألم تر ان الله يولج الليل في النهار ويولج النهار في الليل القمي يقول ما ينقص من الليل يدخل في النهار وما ينقص من النهار يدخل في الليل وسخر الشمس والقمر كل من النيرين يجرى في فلكه إلى اجل مسمى القمي يقول كل واحد منهما يجري إلى منتهاه لا يقصر عنه ولا يجاوزه وان الله بما تعملون خبير عالم بكنهه.

(30) ذلك إشارة إلى الذي ذكر من سعة العلم وشمول القدرة وعجائب الصنع واختصاص الباري عز اسمه بها بان الله هو الحق وان ما تدعون من دونه الباطل وقرئ بالياء وان الله هو العلى الكبير المترفع على كل شئ والمتسلط عليه.

(31) ألم تر ان الفلك تجرى في البحر بنعمة الله باحسانه في تهيئة أسبابه القمي قال السفن تجري في البحر بقدرة الله ليريكم من آياته دلائله ان في ذلك لآيات لكل صبار شكور قيل اي لكل من حبس نفسه على النظر في آيات الله والتفكر في الآئه والشكر لنعمائه والقمي قال الذي يصبر على الفقر والفاقة ويشكر الله على جميع أحواله أقول: ولعله أراد به من لا يركب البحر لطلب الرزق ويعتبر لمن ركبه لذلك وقيل أريد بالصبار الشكور المؤمن وفي الحديث الإيمان نصفان نصف صبر ونصف شكر رواه في المجمع أقول: راكب البحر بين خوف من الغرق ورجاء للخلاص فهو لا يزال بين بلية ونعمة والبلية تطلبه بالصبر والنعمة تطلبه بالشكر فهو صبار شكور.

(32) وإذا غشيهم علاهم وغطاهم يعني في البحر موج كالظلل كما يظل من جبل أو سحاب أو غيرهما دعوا الله مخلصين له الدين لزوال ما ينازع الفطرة من الهوى والتقليد بما دهاهم من الخوف الشديد فلما نجاهم إلى البر فمنهم مقتصد القمي اي صالح وما يجحد بآياتنا الا كل ختار غدار بنقض العهد الفطري وما كان في البحر والختر أشد الغدر والقمي قال الختار الخداع كفور للنعم.

(33) يا أيها الناس اتقوا ربكم واخشوا يوما لا يجزى والد عن ولده لا يقضي عنه وقرئ لا يجزي من اجزاء اي لا يغني ولا مولود هو جاز عن والده شيئا ان وعد الله حق بالثواب والعقاب القمي قال ذلك القيامة فلا تغرنكم الحياة الدنيا بتشويقها في الكافي عن السجاد عليه السلام الدنيا دنياءان دنيا بلاغ ودنيا ملعونة ولا يغرنكم بالله الغرور الشيطان بان يرجيكم التوبة والمغفرة فيجرئكم على المعاصي.

(34) ان الله عنده علم الساعة علم وقت قيامها وينزل الغيث في انائه المقدرة له والمحل المعين له في علمه وقرئ بالتشديد ويعلم ما في الأرحام في نهج البلاغة من ذكر أو أنثى وقبيح أو جميل وسخي أو بخيل وشقي أو سعيد ومن يكون للنار حطبا أو في الجنان للنبيين مرافقا وما تدرى نفس ماذا تكسب غدا من خير أو شر وربما تعزم على شئ فتفعل خلافه وما تدرى نفس باي ارض تموت القمي عن الصادق عليه السلام هذه الخمسة أشياء لم يطلع عليها ملك مقرب ولا نبي مرسل وهي من صفات الله تعالى وفي نهج البلاغة فهذا هو علم الغيب الذي لا يعلمه أحد الا الله وفي المجمع جاء في الحديث ان مفاتيح الغيب خمس لا يعلمهن الا الله وقرأ هذه الآية وقد روى عن أئمة الهدى ان هذه الأشياء الخمسة لا يعلمها على التفصيل والتحقيق غيره تعالى أقول: وإنما قيل على التفصيل والتحقيق لأنهم عليهم السلام ربما كانوا يخبرون عن بعض هذه على الإجمال وإنما كان ذلك تعلما من ذي علم كما قاله أمير المؤمنين عليه السلام ان الله عليم يعلم الأشياء كلها خبير يعلم بواطنها كما يعلم ظواهرها في ثواب الأعمال والمجمع عن الباقر عليه السلام من قرأ سورة لقمان في ليلة وكل الله به في ليلته ملائكة يحفظونه من إبليس وجنوده حتى يصبح وإذا قرأها بالنهار لم يزالوا يحفظونه من إبليس عليه اللعنة وجنوده حتى يمسي