سورة الروم
مكية الا قوله فسبحان الله حين تمسون عدد آيها ستون آية بسم الله الرحمن الرحيم.
(1) آلم.
(2) غلبت الروم غلبتها فارس.
(3) في أدنى الأرض قيل اي أدنى ارض العرب منهم أو أدنى ارضهم من العرب وهم من بعد غلبهم سيغلبون.
(4) في بضع سنين لله الامر من قبل ومن بعد قيل من قبل كونهم غالبين وهو وقت كونهم مغلوبين اي له الامر حين غلبوا وحين يغلبون ليس شئ منهما الا بقضائه وفي الخرائج عن الزكي عليه السلام انه سئل عنه عليه السلام فقال له الامر من قبل ان يأمر به وله الامر من بعد ان يأمر به يقضي بما يشاء والقمي عن الباقر عليه السلام لله الامر من قبل ان يأمر ومن بعد ان يقضي بما يشاء ويومئذ ويوم يغلبون يفرح المؤمنون.
(5) بنصر الله ينصر من يشاء فينصر هؤلاء تارة وهؤلاء أخرى وهو العزيز الرحيم ينتقم من عباده بالنصر عليهم تارة ويتفضل عليهم بنصرهم أخرى قيل غلبت فارس الروم وظهروا عليهم على عهد رسول الله صلى الله عليه وآله ففرح بذلك كفار قريش من حيث إن أهل فارس كقريش لم يكونوا أهل كتاب وساء ذلك المسلمين وكان بيت المقدس لأهل الروم كالكعبة للمسلمين فدفعتهم فارس عنه ثم ظهرت الروم على فارس يوم الحديبية وفي الكافي عن الباقر عليه السلام انه سئل عن هذه الآية فقال إن لها تأويلا لا يعلمه الا الله والراسخون في العلم من آل محمد صلوات الله عليهم ان رسول الله صلى الله عليه وآله لما هاجر إلى المدينة واظهر الإسلام كتب إلى ملك الروم كتابا وبعث به مع رسول يدعوه إلى الإسلام وكتب إلى ملك فارس كتابا يدعوه إلى الإسلام وبعثه إليه مع رسوله فاما ملك الروم فعظم كتاب رسول الله صلى الله عليه وآله وأكرم رسوله واما ملك فارس فإنه استخف بكتاب رسول الله صلى الله عليه وآله ومزقه واستخف برسوله وكان ملك فارس يومئذ يقاتل ملك الروم وكان المسلمون يهوون ان يغلب ملك الروم ملك فارس وكانوا لناحية ارجا منهم لملك فارس فلما غلب ملك فارس ملك الروم كره ذلك المسلمون واغتموا به فأنزل الله عز وجل بذلك كتابا ألم غلبت الروم في أدنى الأرض يعني غلبتها فارس في أدنى الأرض وهي الشامات وما حولها وهم يعني فارس من بعد غلبهم الروم سيغلبون يعني يغلبهم المسلمون في بضع سنين لله الامر من قبل ومن بعد ويومئذ يفرح المؤمنون بنصر الله ينصر من يشاء قال فلما غزا المسلمون فارس وافتتحوها فرح المسلمون بنصر الله عز وجل قيل أليس الله يقول في بضع سنين وقد مضى للمؤمنين سنون كثيرة مع رسول الله صلى الله عليه وآله وفي امارة أبي بكر وإنما غلب المؤمنون فارس في امارة عمر فقال ألم أقل لك ان لهذا تأويلا وتفسيرا وللقرآن ناسخ ومنسوخ اما تسمع لقول الله عز وجل لله الامر من قبل ومن بعد يعني إليه المشية في القول إن يؤخر ما قدم ويقدم ما اخر في القول إلى يوم تحتم القضاء بنزول النصر فيه على المؤمنين وذلك قوله عز وجل ويومئذ يفرح المؤمنون بنصر الله اي يوم تحتم القضاء بالنصر والقمي عنه عليه السلام مثله الا انه لم يذكر قوله يعني يغلبهم المسلمون ولا قوله فلما غزا المسلمون إلى قوله بنصر الله وبناء الروايتين على قراءة سيغلبون بضم الياء مع ضم غلبت وقرئ في الشواذ غلبت بالفتح وسيغلبون بالضم وعليه بناء ما في كتاب الاستغاثة لابن ميثم قال لقد روينا من طريق علماء أهل البيت في اسرارهم وعلومهم التي خرجت منهم إلى علماء شيعتهم ان قوما ينسبون إلى قريش وليسوا من قريش بحقيقة النسب وهذا مما لا يعرفه الا معدن النبوة وورثة علم الرسالة وذلك مثل بني أمية ذكروا انهم ليسوا من قريش وان أصلهم من الروم وفيهم تأويل هذه الآية ألم غلبت الروم معناه انهم غلبوا على الملك وسيغلبهم على ذلك بنو العباس.
(6) وعد الله لا يخلف الله وعده ولكن أكثر الناس لا يعلمون.
(7) يعلمون ظهرا من الحياة الدنيا ما يشاهدون منها وهم عن الآخرة التي هي غايتها والمقصود منها هم غافلون لا تخطر ببالهم القمي قال يرون حاضر الدنيا ويتغافلون عن الآخرة وفي المجمع عن الصادق عليه السلام انه سئل عن قوله تعالى يعلمون ظاهرا من الحياة الدنيا فقال منه الزجر والنجوم.
(8) أولم يتفكروا في أنفسهم أولم يحدثوا التفكر فيها أو أولم يتفكروا في امر أنفسهم فإنها أقرب إليهم من غيرها ومرآة يجتلى للمستبصر ما يتجلى له في ساير المخلوقات ليتحقق لهم قدرة مبدعها على اعادتها قدرته على ابداعها ما خلق الله السماوات والأرض وما بينهما الا بالحق واجل مسمى تنتهي عنده ولا تبقى بعده وان كثيرا من الناس بلقاء ربهم لكافرون جاحدون يحسبون ان الدنيا أبدية وان الآخرة لا تكون.
(9) أولم يسيروا في الأرض فينظروا كيف كان عاقبة.
الذين من قبلهم تقرير لسيرهم في أقطار الأرض ونظرهم إلى آثار المدمرين قبلهم وفي الخصال عن الصادق عليه السلام ان معناه أولم ينظروا في القرآن كانوا أشد منهم قوة كعاد وثمود وأثاروا الأرض وقلبوا وجهها لاستنباط المياه واستخراج المعادن وزرع البذور وغيرها وعمروها وعمروا الأرض أكثر مما عمروها من عمارة أهل مكة إياها فإنهم أهل واد غير ذي زرع لا تبسط لهم في غيرها وفيه تهكم بهم من حيث إنهم مغترون بالدنيا مفتخرون بها وهم أضعف حالا فيها وجاءتهم رسلهم بالبينات بالآيات الواضحات فما كان الله ليظلمهم فيدمرهم من غير جرم ولا تذكير ولكن كانوا أنفسهم يظلمون حيث علموا ما أدى إلى تدميرهم.
(10) ثم كان عاقبة الذين أساؤا السوأى قيل اي ثم كان عاقبتهم العقوبة وضع الظاهر موضع الضمير للدلالة على ما اقتضى أن يكون تلك عاقبتهم والسوأى تأنيث أسوء وقرئ عاقبة بالنصب ان كذبوا بآيات الله وكانوا بها يستهزءون قيل أن كذبوا اما بدل أو هو خبر كان والسوأ مصدر اساؤا أو مفعوله بمعنى ثم كان عاقبة الذين اقترفوا الخطيئة ان طبع الله على قلوبهم حتى كذبوا الآيات واستهزؤا بها.
(11) الله يبدؤ الخلق ينشئهم ثم يعيده يبعثهم ثم إليه ترجعون للجزاء وقرئ بالياء.
(12) ويوم تقوم الساعة يبلس المجرمون يسكتون متحيرين آيسين.
(13) ولم يكن لهم من شركائهم ممن أشركوهم بالله شفعاء يجيرونهم من عذاب الله وكانوا بشركائهم كافرين.
(14) ويوم تقوم الساعة يومئذ يتفرقون القمي قال إلى الجنة والنار.
(15) فاما الذين آمنوا وعملوا الصالحات فهم في روضة يحبرون القمي اي يكرمون واصله السرور (6 1) واما الذين كفروا وكذبوا بآياتنا ولقاء الآخرة فأولئك في العذاب محضرون لا يغيبون عنه.
(17) فسبحان الله حين تمسون وحين تصبحون.
(18) وله الحمد في السماوات والأرض وعشيا وحين تظهرون قيل اخبار في معنى الأمر بتنزيه الله سبحانه وتعالى والثناء عليه في هذه الأوقات التي تظهر فيها قدرته ويتجدد فيها نعمته وقيل الآية جامعة للصلوات الخمس تمسون صلاة المغرب والعشاء وتصبحون صلاة الفجر وعشيا صلاة العصر وتظهرون صلاة الظهر.
(19) يخرج الحي من الميت ويخرج الميت من الحي القمي قال يخرج المؤمن من الكافر ويخرج الكافر من المؤمن ورواه في المجمع عنهما عليهما السلام كما مر ويحيي الأرض بعد موتها وكذلك تخرجون من قبوركم وقرئ بفتح التاء في الكافي عن الكاظم عليه السلام في قوله يحيى الأرض بعد موتها قال ليس يحييها بالقطر ولكن يبعث الله رجالا فيحيون العدل فتحيي الأرض لاحياء العدل ولإقامة الحد فيه انفع في الأرض من القطر أربعين صباحا.
(20) ومن آياته ان خلقكم من تراب ثم إذا أنتم بشر تنتشرون.
(21) ومن آياته ان خلق لكم من أنفسكم أزواجا لتسكنوا إليها لتميلوا إليها وتألفوا بها فان الجنسية علة للضم والاختلاف سبب للتنافر وجعل بينكم مودة ورحمة بواسطة الزواج ان في ذلك لآيات لقوم يتفكرون فيعلمون ما في ذلك من الحكم.
(22) ومن آياته خلق السماوات والأرض واختلاف ألسنتكم لغاتكم وألوانكم بياض الجلد وسواده وما بينهما ان في ذلك لآيات للعالمين وقرئ بكسر اللام وفي الكافي عن الصادق عليه السلام قال الإمام عليه السلام إذا بصر الرجل عرفه وعرف لونه وان سمع كلامه من خلف حائط عرفه وعرف ما هو ان الله يقول ومن آياته خلق السماوات والأرض الآية قال وهم العلماء فليس يسمع شيئا من الامر ينطق به الا عرفه ناج أو هالك فلذلك يجيبهم بالذي يجيبهم.
(23) ومن آياته منامكم بالليل والنهار وابتغاؤكم من فضله منامكم في الزمانين لاستراحة البدن وطلب معاشكم فيهما أو منامكم بالليل وابتغاؤكم بالنهار فلف وضم بين الزمانين والفعلين بعاطفين اشعارا بأن كلا من الزمانين وان اختص بأحدهما فهو صالح للآخر عند الحاجة ويؤيده سائر الآيات الواردة فيه ان في ذلك لآيات لقوم يسمعون سماع تفهم واستبصار فان الحكمة فيه ظاهرة.
(24) ومن آياته يريكم البرق خوفا من الصاعقة وللمسافر وطمعا في الغيب وللمقيم وينزل من السماء ماء فيحيي به الأرض بالنبات بعد موتها يبسها ان في ذلك لآيات لقوم يعقلون يستعملون عقولهم في استنباط أسبابها وكيفية تكونها ليظهر لهم كمال قدرة الصانع وحكمته.
(25) ومن آياته ان تقوم السماء والأرض بأمره قيامهما بإقامته لهما وارادته لقيامهما ثم إذا دعاكم دعوة من الأرض إذا أنتم تخرجون ثم خروجكم من القبور بغتة إذا دعاكم من الأرض دعوة واحدة بلا توقف.
(26) وله من في السماوات والأرض كل له قانتون منقادون لفعله فيهم لا يمتنعون عليه.
(27) وهو الذي يبدؤا الخلق ثم يعيده بعد هلاكهم وهو أهون عليه والإعادة أسهل عليه من الابداء بالإضافة إلى قدركم والقياس على أصولكم والا فهما عليه سواء وله المثل الاعلى الوصف العجيب الشأن الذي ليس لغيره ما يساويه أو يدانيه في التوحيد عن الصادق عليه السلام ولله المثل الاعلى الذي لا يشبهه شئ ولا يوصف ولا يتوهم فذلك المثل الأعلى وفي العيون عن الرضا عليه السلام ان النبي صلى الله عليه وآله قال لعلي عليه السلام وأنت المثل الأعلى وفي رواية أنه قال في آخر خطبته نحن كلمة التقوى وسبيل الهدى والمثل الأعلى وفي الزيارة الجامعة الجوادية (عليه السلام) السلام على أئمة الهدى إلى قوله وورثة الأنبياء والمثل الأعلى في السماوات والأرض يصفه به ما فيهما دلالة ونطقا وهو العزيز القادر الذي لا يعجز عن ابداء وإعادة الحكيم الذي يجري الافعال على مقتضى حكمته.
(28) ضرب لكم مثلا من أنفسكم منتزعا من أحوالها التي هي أقرب الأمور إليكم هل لكم مما ملكت ايمانكم من مماليككم من شركاء فيما رزقناكم من الأموال وغيرها فأنتم فيه سواء فتكونون أنتم وهم فيه سواء يتصرفون فيه كتصرفكم مع أنهم بشر مثلكم وانها معارة لكم تخافونهم ان تستبدوا بتصرف فيه كخيفتكم أنفسكم كما يخاف الأحرار بعضهم من بعض كذلك نفصل الآيات نبينها فان التمثيل مما يكشف المعاني ويوضحها لقوم يعقلون يستعملون عقولهم في تدبر الأمثال والقمي كان سبب نزولها ان قريشا والعرب كانوا إذا حجوا يلبون وكانت تلبيتهم لبيك اللهم لبيك لبيك لا شريك لك لبيك ان الحمد والنعمة لك والملك لا شريك لك وهي تلبية إبراهيم والأنبياء فجاءهم إبليس في صورة شيخ وقال لهم ليست هذه تلبية اسلافكم قالوا وما كانت تلبيتهم قال كانوا يقولون لبيك اللهم لبيك لا شريك لك الا شريكا هو لك فتفرق القريش من هذا القول فقال لهم إبليس على رسلكم حتى اتي على آخر كلامه فقالوا ما هو فقال الا شريك هو لك تملكه وما يملكك الا ترون انه يملك الشريك وما ملكه فرضوا بذلك وكانوا يلبون بهذا قريش خاصة فلما بعث الله عز وجل رسوله انكر ذلك عليهم وقال هذا شرك فأنزل الله عز وجل ضرب لكم مثلا من أنفسكم هل لكم مما ملكت ايمانكم من شركاء فيما رزقناكم فأنتم فيه سواء اي ترضون أنتم فيما تملكون أن يكون لكم فيه شريك وإذا لم ترضوا أنتم أن يكون لكم فيما تملكون شريك فكيف ترضون ان تجعلوا إلي شريكا فيما أملك.
(29) بل اتبع الذين ظلموا بالإشراك أهوائهم بغير علم جاهلين لا يكفهم شئ فان العالم إذا اتبع هواه ردعه علمه فمن يهدى من أضل الله فمن يقدر على هدايته وما لهم من ناصرين يخلصونهم من الضلالة ويحفظونهم عن آفاتها.
(30) فأقم وجهك للدين حنيفا القمي اي طاهرا قيل هو تمثيل للاقبال والاستقامة عليه والاهتمام به وفي الكافي والقمي عن الباقر عليه السلام قال هي الولاية وفي التهذيب عن الصادق عليه السلام قال امره ان يقيم وجهه للقبلة ليس فيه شئ من عبادة الأوثان والقمي عنه عليه السلام انه سئل عنه قال يقيم للصلاة لا يلتفت يمينا ولا شمالا فطرت الله التي فطر الناس عليها في الكافي عن الصادق عليه السلام انه سئل عنه عليه السلام ما تلك الفطرة قال هي الاسلام فطرهم الله حين اخذ ميثاقهم على التوحيد قال الست بربكم وفيهم المؤمن والكافر وعنه عليه السلام قال إن الله خلق الناس كلهم على الفطرة التي فطرهم عليها لا يعرفون ايمانا بشريعة ولا كفرا بجحودهم ثم بعث الله الرسل يدعون العباد إلى الإيمان به فمنهم من هدى الله ومنهم من لم يهده وفيه وفي التوحيد عنه عليه السلام في اخبار كثيرة قال فطرهم على التوحيد وعن الباقر عليه السلام فطرهم على المعرفة به والقمي عنه عليه السلام قال هو لا إله إلا الله محمد رسول الله علي ولي الله إلى ههنا التوحيد وفي البصائر والتوحيد عن الصادق عليه السلام قال على التوحيد ومحمد رسول الله صلى الله عليه وآله وعلي أمير المؤمنين عليه السلام وفي التوحيد عن الباقر عليه السلام قال فطرهم على التوحيد عند الميثاق على معرفة انه ربهم قال لولا ذلك لم يعلموا من ربهم ولا من رازقهم لا تبديل لخلق الله لا يقدر أحد ان يغيره ذلك الدين القيم المستوى الذي لا عوج فيه ولكن أكثر الناس لا يعلمون استقامته.
(31) منيبين إليه راجعين إليه مرة بعد أخرى واتقوه وأقيموا الصلاة ولا تكونوا من المشركين.
(32) من الذين فرقوا دينهم اختلفوا فيما يعبدونه على اختلاف أهوائهم وقرئ فارقوا اي تركوا وكانوا شيعا فرقا يشايع كل امامها الذي أضل دينها كل حزب بما لديهم فرحون مسرورون ظنا بأنه الحق.
(33) وإذا مس الناس ضر شدة دعوا ربهم منيبين إليه راجعين إليه من دعاء غيره ثم إذا أذاقهم منه رحمة خلاصا من تلك الشدة إذا فريق منهم بربهم يشركون فأجاؤا الاشراك بربهم الذي عافاهم.
(34) ليكفروا بما آتيناهم اللام فيه للعاقبة فتمتعوا التفات فسوف تعلمون عاقبة تمتعكم.
(35) أم أنزلنا عليهم سلطانا حجة أو ذا سلطان اي من معه برهان فهو يتكلم بما كانوا به يشركون باشراكهم.
(36) وإذا أذقنا الناس رحمة نعمة من صحة أو سعة فرحوا بها بطروا بسببها وان تصبهم سيئة شدة بما قدمت أيديهم بشؤم معاصيهم إذا هم يقنطون من رحمته وقرئ بكسر النون.
(37) أولم يروا ان الله يبسط الرزق لمن يشاء ويقدر فما لهم لم يشكروا ولم يحتسبوا في السراء والضراء كالمؤمنين ان في ذلك لآيات لقوم يؤمنون يستدلون بها على كمال القدرة والحكمة.
(38) فات ذا القربى حقه والمسكين وابن السبيل ذلك خير للذين يريدون وجه الله يقصدون بمعروفهم إياه خالصا وأولئك هم المفلحون حيث حصلوا بما بسط لهم النعيم المقيم في المجمع عنهما عليهما السلام انه لما نزلت هذه الآية على النبي صلى الله عليه وآله اعطى فاطمة فدكا وسلمه إليها وقد سبق في سورة بني إسرائيل الكلام في هذا المعنى مستوفى.
(39) وما اتيتم من ربا هدية يتوقع بها مزيد مكافاة وقرء اتيتم بالقصر ليربو في امال الناس ليزيد ويزكو في أموالهم يعني ينمو فيها ثم يرجع إليه وقرئ بالتاء المضمومة وسكون الواو فلا يربوا عند الله فلا يزكو عنده يعني لا يثاب عليه من عند الله في الكافي عن الصادق عليه السلام قال الربا ربائان ربا يؤكل وربا لا يؤكل فأما الذي يؤكل فهديتك إلى الرجل تطلب منه الثواب أفضل منها فذلك الربا الذي يؤكل وهو قول الله عز وجل وما اتيتم من ربا ليربو في أموال الناس فلا يربو عند الله واما الذي لا يؤكل فهو الذي نهى الله عنه وأوعد عليه النار والقمي عنه عليه السلام الربا ربائان أحدهما حلال والآخر حرام فأما الحلال فهو ان يقرض الرجل أخاه قرضا طمعا ان يزيده ويعوضه بأكثر مما يأخذه بلا شرط بينهما فان أعطاه أكثر مما اخذه على غير شرط بينهما فهو مباح له وليس له ثواب عند الله فيما اقرضه وهو قوله فلا يربو عند الله واما الحرام فالرجل يقرض قرضا ويشترط ان يرد أكثر مما اخذه فهذا هو الحرام وفي المجمع عن الباقر عليه السلام هو ان يعطي الرجل العطية أو يهدي الهدية ليثاب أكثر منها فليس فيه اجر ولا وزر وما اتيتم من زكاة تريدون وجه الله تبتغون به وجهه خالصا فأولئك هم المضعفون ذووا الأضعاف من الثواب في الأجل والمال في العاجل القمي اي ما بررتم به اخوانكم وأقرضتموهم لا طمعا في الزيادة وقال الصادق عليه السلام على باب الجنة مكتوب القرض بثمانية عشر والصدقة بعشرة وفي المجمع عن أمير المؤمنين عليه السلام فرض الله الصلاة تنزيها عن الكبر والزكاة تسبيبا للرزق وفي الفقيه عن فاطمة عليها السلام ما يقرب منه.
(40) الله الذي خلقكم ثم رزقكم ثم يميتكم ثم يحييكم هل من شركائكم من يفعل من ذلكم من شئ سبحانه وتعالى عما يشركون وقرئ بالتاء في مصباح الشريعة عن الصادق عليه السلام قال قال رسول الله صلى الله عليه وآله: الحريص محروم ومع حرمانه مذموم في اي شئ كان وكيف لا يكون محروما وقد فر من وثاق الله وخالف قول الله تعالى حيث يقول الله الذي خلقكم ثم رزقكم (1 4) ظهر الفساد في البر والبحر بما كسبت أيدي الناس القمي قال في البر فساد الحيوان إذا لم تمطر وكذلك هلاك دواب البحر بذلك قال الصادق عليه السلام حياة دواب البحر بالمطر فإذا كف المطر ظهر الفساد في البر والبحر وذلك إذا كثرت الذنوب والمعاصي وفي الكافي والقمي عن الباقر عليه السلام قال ذاك والله حين قالت الأنصار منا أمير ومنكم أمير ليذيقهم بعض الذي عملوا بعض جزائه فان تمامه في الآخرة لعلهم يرجعون عما هم عليه.
(42) قل سيروا في الأرض فانظروا كيف كان عاقبة الذين من قبل لتشاهدوا مصداق ذلك في الكافي عن الصادق عليه السلام انه سئل عن هذه الآية فقال عنى بذلك اي انظروا في القرآن فاعلموا كيف كان عاقبة الذين من قبلكم وما أخبركم عنه كان أكثرهم مشركين اي كان سوء عاقبتهم لفشو الشرك فيهم.
(43) فأقم وجهك للدين القيم البليغ الاستقامة من قبل ان يأتي يوم لا مرد له من الله لتحتم مجيئه يومئذ يصدعون يتصدعون اي يتفرقون فريق في الجنة وفريق في السعير.
(44) من كفر فعليه كفره اي وباله وهو النار المؤبدة ومن عمل صالحا فلأنفسهم يمهدون يسوون منازلهم في الجنة في المجمع عن الصادق عليه السلام قال إن العمل الصالح ليسيق صاحبه إلى الجنة فيمهد له كما يمهد لاحدكم خادمه فراشه.
(45) ليجزى الذين آمنوا وعملوا الصالحات من فضله انه لا يحب الكافرين اكتفى عن ذكر جزائهم بالفحوى.
(46) ومن آياته ان يرسل الرياح رياح الرحمة مبشرات بالمطر وليذيقكم من رحمته المنافع التابعة لها ولتجري الفلك بأمره ولتبتغوا من فضله يعني تجارة البحر ولعلكم تشكرون ولتشكروا نعمة الله فيها.
(47) ولقد أرسلنا من قبلك رسلا إلى قومهم فجاؤوهم بالبينات فانتقمنا من الذين أجرموا بالتدمير وكان حقا علينا نصر المؤمنين فيه اشعار بأن الانتقام لهم واظهار لكرامتهم حيث جعلهم مستحقين على الله ان ينصرهم في المجمع عن النبي صلى الله عليه وآله ما من امرء مسلم يرد عن عرض أخيه الا كان حقا على الله ان يرد عنه نار جهنم يوم القيامة ثم قرأ وكان حقا علينا نصر المؤمنين وفي الفقيه عن الصادق عليه السلام قال حسب المؤمن نصرة ان يرى عدوه يعمل بمعاصي الله.
(48) الله الذي يرسل الرياح فتثير سحابا القمي اي ترفعه فيبسطه في السماء كيف يشاء سائرا وواقفا مطبقا وغير مطبق من جانب دون جانب إلى غير ذلك ويجعله كسفا قيل قطعا اي يبسطه تارة وأخرى يجعله قطعا والقمي قال بعضه على بعض فترى الودق المطر يخرج من خلاله وفي المجمع عن علي عليه السلام من خلله فإذا أصاب به من يشاء من عباده يعني بلادهم وأراضيهم إذا هم يستبشرون بمجئ الخصب.
(49) وان كانوا من قبل ان ينزل عليهم المطر من قبله تكرير للتأكيد لمبلسين لابسين.
(50) فانظر إلى آثار رحمة الله أثر الغيث من النبات والأشجار وأنواع الثمار وقرئ اثار كيف يحيى الأرض بعد موتها ان ذلك يعني الذي قدر على احياء الأرض بعد موتها لمحيي الموتى ليحييهم لا محالة وهو على كل شئ قدير.
(51) ولئن أرسلنا ريحا فراوه مصفرا قيل فرأوا الأثر والزرع فإنه مدلول عليه بما تقدم وقيل السحاب لأنه إذا كان مصفرا لم يمطر لظلوا من بعده يكفرون قيل هذه الآيات ناعية على الكفار بقلة تثبتهم وعدم تدبرهم وسرعة تزلزلهم لعدم تفكرهم وسوء رأيهم فان النظر السوي يقتضي ان يتوكلوا على الله ويلتجئوا إليه بالاستغفار إذا احتبس القطر عنهم ولم ييئسوا من رحمته وان يبادروا إلى الشكر والاستدامة بالطاعة إذا أصابهم برحمته ولم يفرطوا في الاستبشار وان يصبروا على بلائه إذا ضرب زروعهم بالاصفرار ولم يكفروا نعمه.
(52) فإنك لا تسمع الموتى وهم مثلهم لما سدوا عن الحق مشاعرهم ولا تسمع الصم الدعاء وقرئ بالياء مفتوحة ورفع الصم إذا ولوا مدبرين قيل قيد الحكم ليكون أشد استحالة فان الأصم المقبل وان لم يسمع الكلام تفطن منه بواسطة الحركات شيئا.
(53) وما أنت بهادي العمى عن ضلالتهم ان تسمع الا من يؤمن بآياتنا لأنه الذي يتلقى اللفظ ويتدبر المعنى فهم مسلمون لما تأمرهم به.
(54) الله الذي خلقكم من ضعف ابتدءكم ضعفاء أو خلقكم من أصل ضعيف وهو النطفة ثم جعل من بعد ضعف قوة وهو بلوغكم الأشد ثم جعل من بعد قوة ضعفا وشيبة إذا اخذ منكم السن يخلق ما يشاء من ضعف وقوة وشيبة وقرئ بفتح الضاد في الجميع وهو العليم القدير.
(55) ويوم تقوم الساعة القيامة وهي من الأسماء الغالبة يقسم المجرمون ما لبثوا في الدنيا أو في القبور غير ساعة استقلوا مدة لبثهم كذلك مثل ذلك التصرف عن الصدق كانوا يؤفكون يصرفون في الدنيا.
(56) وقال الذين أوتوا العلم والايمان في الكافي والعيون عن الرضا عليه السلام في الحديث الذي يصف فيه الإمامة والإمام قال فقلدها صلى الله عليه وآله عليا عليه السلام بأمر الله عز وجل على رسم ما فرض الله تعالى فصارت في ذريته الأصفياء الذين اتيهم الله تعالى العلم والإيمان بقوله وقال الذين أوتوا العلم والايمان الآية لقد لبثتم في كتاب الله في علمه وقضائه وما أوجبه لكم وكتبه إلى يوم البعث الذي أنكرتموه فهذا يوم البعث ولكنكم كنتم لا تعلمون انه حق لتفريطكم في النظر فقد تبين لكم بطلان انكاركم القمي هذه الآية مقدمة ومؤخرة وإنما هو وقال الذين أوتوا العلم والايمان في كتاب الله لقد لبثتم إلى يوم البعث.
(57) فيومئذ لا تنفع الذين ظلموا معذرتهم وقرئ بالياء ولا هم يستعتبون لا يدعون إلى ما يقتضي اعتابهم اي إزالة عتبهم من التوبة والطاعة كما دعوا إليه في الدنيا من قولهم استعتبني فلان فأعتبته اي استرضاني فأرضيته.
(58) ولقد ضربنا للناس في هذا القرآن من كل مثل ولئن جئتهم بآية ليقولن الذين كفروا من فرط عنادهم وقسوة قلوبهم ان أنتم يعنون الرسول والمؤمنين الا مبطلون مزورون.
(59) كذلك يطبع الله على قلوب الذين لا يعلمون.
(60) فاصبر على أذاهم ان وعد الله بنصرتك واظهار دينك على الدين كله حق لا بد من انجازه ولا يستخفنك الذين لا يوقنون ولا يحملنك على الخفة والقلق بتكذيبهم وايذائهم فإنهم شاكون ضالون لا يستبدع منهم ذلك والقمي اي لا يغضبك وثواب قراءة هذه السورة قد سبق ذكره اللهم ارزقنا تلاوته بمحمد وآله عليهم السلام