سورة طه
مكية عدد آيها مأة وخمس وثلاثون شامي وثلاثون كوفي وأربع حجازي وآيتان بصري
بسم الله الرحمن الرحيم
(1) طه سبق تأويله في سورة البقرة وفي المعاني عن الصادق عليه السلام وأما طه فاسم من أسماء النبي صلى الله عليه وآله ومعناه يا طالب الحق الهادي إليه.
(2) ما أنزلنا عليك القرآن لتشقى قال بل لتسعد.
والقمي عنهما عليهما السلام قالا كان رسول الله صلى الله عليه وآله إذا صلى قام على أصابع رجليه حتى تورمت فأنزل الله تبارك وتعالى طه بلغة طي يا محمد ما أنزلنا الآية.
وفي الكافي عن الباقر عليه السلام قال كان رسول الله صلى الله عليه وآله عند عايشة ليلتها فقالت يا رسول الله لم تتعب نفسك وقد غفر لك ما تقدم من ذنبك وما تأخر فقال يا عايشة ألا أكون عبدا شكورا قال وكان رسول الله صلى الله عليه وآله يقوم على أطراف أصابع رجليه فأنزل الله سبحانه طه ما أنزلنا الآية.
وفي الاحتجاج عن الكاظم عن أبيه عن آبائه عن أمير المؤمنين عليه السلام قال لقد قام رسول الله صلى الله عليه وآله عشر سنين على أطراف أصابعه حتى تورمت قدماه وأصفر وجهه يقوم الليل أجمع حتى عوتب في ذلك فقال الله عز وجل طه ما أنزلنا عليك القرآن لتشقى بل لتسعد به قيل والشقاء شائع بمعنى التعب ومنه أشقى من رايض المهر وسيد القوم أشقاهم ولعله عدل إليه للأشعار بأنه انزل إليه ليسعد.
(3) إلا تذكرة لكن تذكيرا لمن يخشى لمن في قلبه خشية ورقة يتأثر بالإنذار.
(4) تنزيلا ممن خلق الأرض والسماوات العلى جمع العليا مؤنث الأعلى عظم شأن المنزل بالفتح بنسبته إلى من هذه صفاته وأفعاله.
(5) الرحمن على العرش استوى.
في التوحيد عن الصادق عليه السلام يقول على الملك إحتوى وقد سبق تمام تفسيره في آية السحرة من سورة الأعراف.
(6) له ما في السماوات وما في الأرض وما بينهما وما تحت الثرى.
في الخصال عن أمير المؤمنين عليه السلام إنه تلا هذه الآية فقال فكل شئ على الثرى والثرى على القدرة والقدرة تحمل كل شئ.
والقمي عن الصادق عليه السلام إن الأرض على الحوت والحوت على الماء والماء على الصخرة والصخرة على قرن ثور أملس والثور على الثرى وعند ذلك ضل علم العلماء قيل بدأ بخلق الأرض والسماوات التي هي أصول العالم وقدم الأرض لأنها أقرب إلى الحس وأظهر عنده من السماوات ثم أشار إلى وجه إحداث الكائنات وتدبير أمرها بأن قصد العرش فأجرى منه الأحكام والتقادير وأنزل منه الأسباب على ترتيب ومقادير حسبما اقتضته حكمته وتعلقت به مشيته ليدل بذلك على كمال قدرته وإرادته ولما كانت القدرة تابعة للإرادة وهي لا تنفك عن العلم عقب ذلك بإحاطة علمه بجليات الأمور وخفياتها على سواء فقال.
(7) وإن تجهر بالقول فإنه يعلم السر وأخفى في المعاني عن الصادق عليه السلام وفي المجمع عنهما عليهما السلام في هذه الآية السر ما أكننته في نفسك وأخفي ما خطر ببالك ثم أنسيته.
(8) الله لا إله إلا هو له الأسماء الحسنى.
في المجمع عن النبي صلى الله عليه وآله إن لله تعالى تسعة وتسعين اسما من أحصاها دخل الجنة.
وفي التوحيد عن الصادق عليه السلام مثله.
(9) وهل أتيك حديث موسى قيل قفى تمهيد نبوته بقصة موسى ليأتم به في تحمل أعباء النبوة وتبليغ الرسالة والصبر على مقاساة الشدايد فإن هذه السورة من أوائل ما نزل.
(10) إذ رأى نارا قيل إنه استأذن شعيبا في الخروج إلى أمه وخرج بأهله فلما وافي وادي طوى وفيه الطور ولد له عليه السلام ابن في ليلة شاتية مظلمة مثلجة وكانت ليلة الجمعة وقد أضل الطريق وتفرقت ماشيته إذ رأى من جانب الطور نارا فقال لأهله امكثوا أقيموا مكانكم إني آنست نارا أبصرتها إبصارا لا شبهة فيه.
وقيل الإيناس إبصار ما يؤنس به لعلى آتيكم منها بقبس بشعلة من النار أو أجد على النار هدى.
القمي عن الباقر عليه السلام يقول آتيكم بقبس من النار تصطلون من البرد أو أجد على النار هدى كان قد أخطأ الطريق يقول أو أجد عند النار طريقا.
(11) فلما أتاها أي النار قيل وجد نارا بيضاء تتقد في شجرة خضراء.
القمي عن الباقر عليه السلام فأقبل نحو النار يقتبس فإذا شجرة ونار تلتهب عليها فلما ذهب نحو النار ليقتبس منها أهوت النار إليه ففزع وعدا ورجعت النار إلى الشجرة فالتفت إليها وقد رجعت إلى الشجرة فرجع الثانية ليقتبس فأهوت إليه فعدا وتركها ثم التفت وقد رجعت إلى الشجرة فرجع إليها الثالثة فأهوت إليه فعدا ولم يعقب أي لم يرجع فناداه الله عز وجل ويأتي تمام الحديث في سورة القصص نودي يا موسى.
(12) إني أنا ربك وقرئ بفتح الهمزة فاخلع نعليك إنك بالواد المقدس طوى طوى عطف بيان للوادي فإنه كان مسمى به وقرئ بالتنوين قيل امر بخلع نعليه لأن الحفوة تواضع وأدب.
وفي الفقيه والإكمال والعلل عن الصادق عليه السلام.
والقمي قال إنه إنما أمر بخلعهما لأنهما كانتا من جلد حمار ميت.
وفي الإكمال عن الحجة القائم عليه السلام في حديث قيل له أخبرني يا بن رسول الله عن أمر الله لنبيه موسى عليه السلام فاخلع نعليك إنك بالواد المقدس فإن فقهاء الفريقين يزعمون إنها كانت من إهاب الميتة قال صلوات الله عليه من قال ذلك فقد افترى على موسى عليه السلام واستجهله في نبوته لأنه ما خلا الأمر فيها من خصلتين إما أن تكون صلاة موسى عليه السلام فيها جائزة أو غير جائزة فإن كانت صلاته جائزة جاز له لبسها في تلك البقعة إذا لم تكن مقدسة وإن كانت مقدسة مطهرة فليست بأقدس وأطهر من الصلاة وإن كانت صلاته غير جائزة فيها فقد أوجب على موسى أنه لم يعرف الحلال من الحرام وعلم ما جاز فيه الصلاة وما لم تجز وهذا كفر قيل وأخبرني يا مولاي عن التأويل فيها قال صلوات الله عليه إن موسى عليه السلام ناجى ربه بالواد المقدس فقال يا رب إني قد أخلصت لك المحبة مني وغسلت قلبي عمن سواك وكان شديد الحب لأهله فقال الله تعالى اخلع نعليك أي أنزع حب أهلك من قلبك إن كانت محبتك لي خالصة وقلبك من الميل إلى من سواي مغسول.
وفي العلل عن الصادق عليه السلام يعني ارفع خوفيك يعني خوفه من ضياع أهله وقد خلفها تمخض وخوفه من فرعون.
وفي الإكمال مرفوعا ما في معناه.
وفي العلل عن النبي صلى الله عليه وآله إنه سئل عن الواد المقدس فقال لأنه قدست فيه الأرواح واصطفيت فيه الملائكة وكلم الله عز وجل موسى تكليما.
(13) وأنا اخترتك اصطفيتك للنبوة وقرئ إنا اخترناك فاستمع لما يوحى للذي يوحى إليك أو للوحي واللام يحتمل التعلق بكل من الفعلين.
(14) إنني أنا الله لا إله إلا أنا فاعبدني بدل مما يوحي دال على أنه مقصور على تقرير التوحيد الذي هو منتهي العلم والأمر بالعبادة التي هي كمال العمل وأقم الصلاة لذكري قيل خصها بالذكر وأفردها بالأمر للعلة التي أناط بها إقامتها وهو تذكر المعبود وشغل القلب واللسان بذكره.
وفي الكافي عن الباقر عليه السلام إذا فاتتك صلاة فذكرتها في وقت أخرى فإن كنت تعلم أنك إذا صليت التي فاتتك كنت من الأخرى في وقت فابدأ بالتي فاتتك فإن الله يقول أقم الصلاة لذكرى الحديث.
وفي المجمع عنه عليه السلام معناه أقم الصلاة متى ذكرت إن عليك صلاة كنت في وقتها أم لم تكن.
وعن النبي صلى الله عليه وآله من نسي صلاة فليصلها إذا ذكرها لا كفارة لها غير ذلك وقرأ أقم الصلاة لذكري.
والقمي قال إذا نسيتها ثم ذكرتها فصلها.
(15) إن الساعة آتية كائنة لا محالة أكاد أخفيها قيل أي أخفي وقتها.
وفي المجمع والجوامع عن الصادق عليه السلام أكاد أخفيها من نفسي وانه كذلك في قراءة أبي.
والقمي قال من نفسي هكذا نزلت قيل كيف يخفيها من نفسه قال جعلها من غير وقت وقيل معناه أكاد أظهرها من أخفاه إذا سلب خفاه لتجزى كل نفس بما تسعى متعلق بآتية أو بأخفيها على المعنى الأخير.
(16) فلا يصدنك عنها عن تصديق الساعة أو الصلاة من لا يؤمن بها واتبع هويه فتردى فتهلك بالانصداد أو بصده.
(17) وما تلك بيمينك استفهام يتضمن استيقاظا لما يريه فيها من العجائب يا موسى تكرير لزيادة الاستيناس والتنبيه.
(18) قال هي عصاي أتوكؤ عليها أعتمد عليها إذا عييت أو وقفت على رأس القطيع وأهش بها على غنمي وأخبط الورق بها على رؤوس غنمي ولي فيها مآرب أخرى حاجات اخر مثل أنه كان إذا سار ألقاها على عاتقه فعلق بها أدواته وإذا كان في البرية ركزها وعرض الزندين على شعبتيها وألقى عليها الكساء واستظل به وإذا قصر الرشا وصله بها وإذا تعرضت السباع لغنمه قاتل بها.
القمي فمن الفرق لم يستطع الكلام فجمع كلامه فقال ولى فيها مآرب أخرى يقول حوائج أخرى.
(19) قال ألقها يا موسى.
(20) فألقيها فإذا هي حية تسعى.
(21) قال خذها ولا تخف.
القمي عن الصادق عليه السلام ففزع منها موسى عليه السلام وعدا فناداه الله عز وجل خذها ولا تخف سنعيدها سيرتها الأولى هيئتها وحالتها المتقدمة من السير تجوز بها للطريقة والهيئة.
(22) واضمم يدك إلى جناحك تحت العضد تخرج بيضاء من غير سوء من غير عاهة كنى به عن البرص.
في طب الأئمة عن الباقر عليه السلام يعني من غير برص.
والقمي عن الصادق عليه السلام أي من غير علة وذلك أن موسى عليه السلام كان شديد السمرة فأخرج يده من جيبه فأضاءت له الدنيا آية أخرى معجزة ثانية.
(23) لنريك من آياتنا الكبرى.
(24) اذهب إلى فرعون بهاتين الآيتين وادعه إلى العبادة إنه طغى عصى وتكبر (25) قال رب اشرح لي صدري.
(26) ويسر لي أمري لما أمره الله بخطب عظيم سأله أن يشرح صدره ويفتح قلبه ليحمل أعباءه والصبر على مشاقه.
(27) واحلل عقدة من لساني.
(28) يفقهوا قولي قيل كان في لسانه رتة من جمرة أدخلها فاه.
القمي عن الباقر عليه السلام وكان فرعون يقتل أولاد بني إسرائيل كلما يلدون ويربي موسى ويكرمه ولا يعلم أن هلاكه على يديه ولما درج موسى كان يوما عند فرعون فعطس فقال الحمد لله رب العلمين فأنكر فرعون ذلك عليه ولطمه وقال ما هذا الذي تقول فوثب موسى عليه السلام على لحيته وكان طويل اللحية فهلبها أي قلعها فألمه ألما شديدا فهم فرعون بقتله فقالت له امرأته هذا غلام حدث لا يدري ما يقول فقال فرعون بلى يدري فقالت له ضع بين يديك تمرا وجمرا فإن ميز بين التمر والجمر فهو الذي تقول فوضع بين يديه تمرا وجمرا وقال له كل فمد يده إلى التمر فجاء جبرئيل فصرفها إلى الجمر فأخذ الجمر في فيه فاحترق لسانه وصاح وبكى فقالت آسية لفرعون ألم أقل لك إنه لم يعقل فعفا عنه.
(29) واجعل لي وزيرا من أهلي.
(30) هارون أخي يعينني على ما كلفتني به.
(31) اشدد به أزري قوتي.
(32) وأشركه في أمري وقرئ بلفظ الخبر على إنهما جواب الأمر.
(33) كي نسبحك كثيرا.
(34) ونذكرك كثيرا فإن التعاون يهيج الرغبات ويؤدي إلى تكاثر الخير وتزايده.
(35) إنك كنت بنا بصيرا عالما بأحوالنا وإن التعاون مما يصلحنا وإن هارون نعم المعين لي فيما أمرتني به.
(36) قال قد أوتيت سؤلك يا موسى أي مسؤولك.
(37) ولقد مننا عليك مرة أخرى أنعمنا عليك في وقت آخر.
(38) إذ أوحينا إلى أمك ما يوحى ما لم يعلم إلا بالوحي.
(39) أن اقذفيه في التابوت فاقذفيه في اليم والقذف يقال للإلقاء والوضع فليلقه اليم بالساحل يأخذه عدو لي وعدو له تكرير عدو للمبالغة أو لأن الأول باعتبار الواقع والثاني باعتبار المتوقع وألقيت عليك محبة منى أي محبة كائنة مني قد زرعتها في القلوب بحيث لا يكاد يصبر عنك من رآك ولتصنع على عيني ولتربى ويحسن إليك وأنا راعيك وراغبك.
(40) إذ تمشي أختك فتقول هل أدلكم على من يكفله فرجعناك إلى أمك كي تقر عينها بلقائك ولا تحزن هي بفراقك أو أنت على فراقها وفقد إشفاقها.
القمي عن الباقر عليه السلام قال إن موسى لما حملت أمه به لم يظهر حملها إلا عند وضعه وكان فرعون قد وكل بنساء بني إسرائيل نساء من القبط تحفظهن وذلك لما كان بلغه عن بني إسرائيل أنهم يقولون أنه يلد فينا رجل يقال له موسى بن عمران يكون هلاك فرعون وأصحابه على يديه فقال فرعون عند ذلك لأقتلن ذكور أولادهم حتى لا يكون ما يريدون وفرق بين الرجال والنساء وحبس الرجال في المحابس فلما وضعت أم موسى بموسى نظرت إليه وحزنت واغتمت وبكت وقالت يذبح الساعة فعطف الله بقلب الموكلة بها عليه فقالت لام موسى مالك قد اصفر لونك فقالت أخاف أن يذبح ولدي فقالت لا تخافي وكان موسى لا يراه أحد إلا أحبه وهو قوله وألقيت عليك محبة منى فأحبته القبطية الموكلة به وأنزل الله على أم موسى التابوت ونوديت ضعيه في التابوت فاقذفيه في اليم وهو البحر ولا تخافي ولا تحزني إنا رادوه إليك وجاعلوه من المرسلين فوضعته في التابوت وأطبقت عليه وألقته في النيل وكان لفرعون قصور على شط النيل متنزهات فنظر من قصره ومعه آسية امرأته إلى سواد في النيل ترفعه الأمواج والرياح تضربه حتى جاءت به إلى باب قصر فرعون فأمر فرعون بأخذه فاخذ التابوت ورفع إليه فلما فتحه وجد فيه صبيا فقال هذا إسرائيلي فألقى الله في قلب فرعون لموسى محبة شديدة وكذلك في قلب آسية وأراد فرعون أن يقتله.
فقالت آسية لا تقتلوه عسى أن ينفعنا أو نتخذه ولدا وهم لا يشعرون إنه موسى عليه السلام ولم يكن لفرعون ولد فقال ادنوا له ظئرا لتربيته فجاؤوا بعدة نساء قد قتل أولادهن فلم يشرب لبن أحد من النساء وهو قول الله تعالى وحرمنا عليه المراضع من قبل وبلغ أمه أن فرعون قد أخذه فحزنت وبكت كما قال الله وأصبح فؤاد أم موسى فارغا إن كادت لتبدى به قال كادت أن تخبر بخبره أو تموت ثم حفظت نفسها فكانت كما قال الله لولا أن ربطنا على قلبها لتكون من المؤمنين ثم قالت لأخته قصيه أي اتبعيه فجاءت أخته إليه فبصرت به عن جنب أي عن بعد وهم لا يشعرون فلما لم يقبل موسى بأخذ ثدي أحد من النساء اغتم فرعون غما شديدا فقالت أخته فقالت هل أدلكم على أهل بيت يكفلونه لكم وهم له ناصحون فقال نعم فجاءت بأمه فلما أخذته بحجرها وألقته ثديها التقمه وشرب ففرح فرعون وأهله وأكرموا أمه فقال لها ربيه لنا فإنا نفعل بك ونفعل وسأله الراوي فكم مكث موسى عليه السلام غائبا عن أمه حتى رده الله عليها قال ثلاثة أيام وقتلت نفسا نفس القبطي الذي استغاثه عليه الإسرائيلي كما تأتي قصته في سورة القصص إن شاء الله تعالى فنجيناك من الغم غم قتله خوفا من عقاب الله واقتصاص فرعون بالمغفرة والأمر بالهجرة إلى مدين وفتنك فتونا وابتليناك ابتلاءا أو أنواعا من الابتلاء فتنة بعد فتنة وذلك أنه ولد في عام كان يقتل فيه الولدان وألقته أمه في البحر وهم فرعون بقتله ونال في سفره ما نال من الهجرة عن الوطن ومفارقة الآلاف والمشي راجلا على حذر وفقد الزاد وأجر نفسه عشر سنين إلى غير ذلك فلبثت سنين في أهل مدين لبثت فيهم عشر سنين ومدين على ثماني مراحل من مصر ثم جئت على قدر قيل أي على مقدار من الزمان يوحى فيه إلى الأنبياء وهو رأس أربعين سنة.
وقيل معناه سبق في قدري وقضائي أن أكلمك في وقت بعينه فجئت على ذلك القدر يا موسى قيل كرره عقيب ما هو غاية الحكاية للتنبيه على ذلك.
(41) واصطنعتك لنفسي واتخذتك صنيعتي وخالصتي واصطفيتك لمحبتي ورسالتي وكلامي.
(42) اذهب أنت وأخوك بآياتي بمعجزاتي ولا تنيا ولا تفترا ولا تقصرا في ذكري لا تنسياني حيثما تقلبتما وقيل في تبليغ ذكري والدعاء إلي.
(43) اذهبا إلى فرعون إنه طغى.
(44) فقولا له قولا لينا مثل هل لك إلى أن تزكى وأهديك إلى ربك فتخشى فإنه دعوة في صورة عرض ومشورة حذرا أن تحمله الحماقة على أن يسطو عليكما لعله يتذكر أو يخشى.
في العلل عن الكاظم عليه السلام قال أما قوله فقولا له قولا لينا أي ليناه وقولا له يا أبا مصعب وكان فرعون أبا مصعب الوليد بن مصعب وأما قوله لعله يتذكر أو يخشى فإنما قال ذلك ليكون أحرص لموسى على الذهاب وقد علم الله عز وجل أن فرعون لا يتذكر ولا يخشى إلا عند رؤية البأس ألا تسمع قول الله يقول حتى إذا أدركه الغرق قال آمنت أنه لا إله إلا الذي آمنت به بنوا إسرائيل وأنا من المسلمين فلم يقبل الله إيمانه وقال الآن وقد عصيت قبل وكنت من المفسدين.
وفي الكافي عن أمير المؤمنين عليه السلام في حديث له وأعلم أن الله جل ثناؤه قال لموسى عليه السلام حين أرسله إلى فرعون فقولا له قولا لينا لعله يتذكر أو يخشى ولكن ليكون ذلك أحرص لموسى على الذهاب.
(45) قالا ربنا إننا نخاف أن يفرط علينا أن يعجل علينا بالعقوبة ولا يصير إلى إتمام الدعوة وإظهار المعجزة من فرط إذا تقدم أو أن يطغى أن يزداد طغيانا فيتخطى إلى أن يقول فيك ما لا ينبغي لجرأته وقساوته وإطلاقه من حسن الأدب.
(46) قال لا تخافا إنني معكما بالحفظ والنصرة أسمع وأرى ما يجري بينكما وبينه من قول أو فعل فأحدث في كل حال ما يصرف شره عنكما ويوجب نصرتي لكما.
(47) فأتياه فقولا إنا رسولا ربك فأرسل معنا بني إسرائيل أطلقهم ولا تعذبهم بالتكاليف الصعبة قد جئناك بآية من ربك بمعجزة وبرهان والسلام على من اتبع الهدى والسلامة من عذاب الله على المهتدين.
(48) إنا قد أوحي إلينا أن العذاب على من كذب وتولى إن العذاب على المكذبين للرسل.
(49) قال فمن ربكما يا موسى أي بعد ما أتياه وقالا له ما امرا به وإنما خاطب الاثنين وخص موسى بالنداء لأنه الأصل وهارون وزيره وتابعه أو حمله خبثه على استدعاء كلام موسى دون كلام أخيه لما عرف من فصاحة هارون.
(50) قال ربنا الذي أعطى كل شئ خلقه صورته وشكله الذي يوافق المنفعة المنوطة ثم هدى عرفه كيف يرتفق بما أعطى.
في الكافي عن الصادق عليه السلام أنه سئل عن هذه الآية فقال ليس شئ من خلق الله إلا وهو يعرف من شكله الذكر من الأنثى سئل ما معنى ثم هدى قال هدى للنكاح والسفاح من شكله قيل وهو جواب في غاية البلاغة لاختصاره وإعرابه عن الموجودات بأسرها على مراتبها ودلالته على أن الغني القادر بالذات المنعم على الإطلاق هو الله تعالى وأن جميع ما عداه مفتقر إليه وعليه في ذاته وصفاته وأفعاله لذلك بهت الذي كفر فلم ير إلا صرف الكلام عنه عليه السلام.
(51) قال فما بال القرون الأولى فما حالهم من بعد موتهم من السعادة والشقاوة.
(52) قال علمها عند ربي يعني أنه غيب لا يعلمه إلا الله وإنما أنا عبد مثلك لا أعلم منه إلا ما أخبرني به في كتاب مثبت في اللوح المحفوظ لا يضل ربى ولا ينسى الضلال أن يخطئ الشئ في مكانه فلم يهتد إليه والنسيان أن يذهب بحيث لا يخطر بالبال.
(53) الذي جعل لكم الأرض مهدا وسلك لكم فيها سبلا وحصل لكم فيها سبلا بين الجبال والأودية والبراري تسلكونها من أرض إلى أرض لتبلغوا منافعها وأنزل من السماء ماء فأخرجنا به التفاوت من الغيبة إلى التكلم وله نظائر كثيرة في القرآن أزواجا أصنافا من نبات شتى.
(54) كلوا وارعوا أنعامكم على إرادة القول إن في ذلك لايات لأولي النهى لذوي العقول الناهية عن اتباع الباطل وارتكاب القبايح جمع نهية.
القمي عن الصادق عليه السلام أنه سئل عن هذه الآية فقال نحن والله أولو النهى.
وفي الكافي عن الباقر عليه السلام قال قال النبي صلى الله عليه وآله إن خياركم أو لو النهى قيل يا رسول الله ومن أولو النهى قال هم أولوا الأخلاق الحسنة والأحلام الرزينة وصلة الأرحام والبررة بالأمهات والآباء والمتعاهدون للفقراء والجيران واليتامى ويطعمون الطعام ويفشون السلام في العالم ويصلون والناس نيام غافلون.
(55) منها خلقناكم فإن التراب أصل خلقة أول آبائكم وأول مواد أبدانكم وفيها نعيدكم بالموت وتفكيك الأجزاء ومنها نخرجكم تارة أخرى بتأليف أجزائكم المفتتة المختلطة بالتراب على الصور السابقة ورد الأرواح إليها.
في الكافي عن الصادق عليه السلام إن النطفة إذا وقعت في الرحم بعث الله عز وجل ملكا فأخذ من التربة التي يدفن فيها فماثها في النطفة فلا يزال قلبه يحن إليها حتى يدفن فيها.
(56) ولقد أريناه آياتنا بصرناه إياها وعرفناه صحتها كلها فكذب من فرط عناده وأبى الأيمان والطاعة لعتوه.
(57) قال أجئتنا لتخرجنا من أرضنا أرض مصر بسحرك يا موسى هذا تعلل منه ويلوح من كلامه أنه خاف منه أن يغلبه على ملكه.
(58) فلنأتينك بسحر مثله مثل سحرك فاجعل بيننا وبينك موعدا وعدا لا نخلفه نحن ولا أنت مكانا سوى قيل أي منتصفا تستوي مسافته إلينا وإليك وقرئ بضم السين.
(59) قال موعدكم يوم الزينة وهو يوم عيد كان لهم في كل عام وإنما عينه ليظهر الحق ويزهق الباطل على رؤوس الأشهاد ويشيع ذلك في الأقطار وأن يحشر الناس ضحى واجتماع الناس في ضحى.
(60) فتولى فرعون فجمع كيده ما يكاد به من السحرة وآلاتهم ثم أتى الموعد.
(61) قال لهم موسى ويلكم لا تفتروا على الله كذبا بأن تدعوا آياته سحرا فيسحتكم بعذاب فيهلككم ويستأصلكم به وقرئ بضم الياء وقد خاب من افترى.
(62) فتنازعوا أمرهم بينهم قيل أي تنازعت السحرة في أمر موسى حين سمعوا كلامه فقال بعضهم ليس هذا من كلام السحرة وأسروا النجوى يعني السحرة قيل كان نجواهم إن غلبنا موسى اتبعناه وقيل إن كان ساحرا فسنغلبه وإن كان من السماء فله أمر.
(63) قالوا إن هذان لساحران قال فرعون وقومه وهو على لغة بلحارث بن كعب فإنهم جعلوا الألف للتثنية وأعربوا المثنى تقديرا وقرئ إن هذان على أنها هي المخففة واللام هي الفارقة أو النافية واللام بمعنى إلا وقرئ هذين وهو ظاهر يريدان أن يخرجاكم من أرضكم بالاستيلاء عليها بسحرهما ويذهبا بطريقتكم المثلى بمذهبكم الذي هو أفضل المذاهب أو بأهل طريقتكم ووجوه قومكم وأشرافكم.
(64) فاجمعوا كيدكم فازمعوه واجعلوه مجمعا عليه لا يتخلف عنه واحد منكم وقرئ فأجمعوا ويعضده قوله فجمع كيده ثم ائتوا صفا مصطفين لأنه أهيب في صدور الرائين قيل كانوا سبعين ألفا مع كل واحد حبل وعصا وأقبلوا عليه إقبالة واحدة وقد أفلح اليوم من استعلى فاز بالمطلوب من غلب.
(65) قالوا يا موسى إما أن تلقي وإما أن نكون أول من ألقى أي بعد ما اتوا مراعاة للأدب.
(66) قال بل ألقوا مقابلة أدب بأدب وعدم مبالاة بسحرهم ولأن يأتوا بأقصى وسعهم ثم يظهر الله سلطانه فيقذف بالحق على الباطل فيدمغه فإذا حبالهم وعصيهم يخيل إليه من سحرهم أنها تسعى أي فألقوا فإذا حبالهم قيل أنهم لطخوها بالزيبق فلما ضربت عليها الشمس اضطربت فخيل إليه أنها تتحرك وقرئ تخيل بالتاء على بناء الفاعل.
(67) فأوجس في نفسه خيفة موسى فأضمر فيها خوفا.
في نهج البلاغة لم يوجس موسى خيفة على نفسه أشفق من غلبة الجهال ودول الضلال.
(68) قلنا لا تخف إنك أنت الاعلى تعليل للنهي وتقرير لغلبته مؤكدا.
في الاحتجاج عن الصادق عليه السلام قال قال رسول الله صلى الله عليه وآله إن موسى عليه السلام لما ألقى عصاه وأوجس في نفسه خيفة قال اللهم إني أسألك بحق محمد وآل محمد لما امنتني قال الله عز وجل لا تخف إنك أنت الاعلى.
(69) وألق ما في يمينك تلقف ما صنعوا يبتلعه بقدرة الله تعالى وقرئ بالرفع وبالتخفيف إنما صنعوا الذي زوروا وافتعلوا كيد ساحر ولا يفلح الساحر حيث أتى حيث كان وأين أقبل.
(70) فألقي السحرة سجدا أي فألقى فتلقف فتحقق عند السحرة أنه ليس بسحر وإنما هو من آيات الله ومعجزاته فألقاهم ذلك على وجوههم سجدا لله توبة عما صنعوا وتعظيما لما رأوا قالوا آمنا برب هارون وموسى.
(71) قال آمنتم له أي لموسى واللام لتضمين الفعل معنى الأتباع وقرئ بدون الهمزة قبل أن آذن لكم في الأيمان له إنه لكبيركم لعظيمكم في فنكم وأعلمكم به وأستاذكم الذي علمكم السحر وأنتم تواطأتم على ما فعلتم فلأقطعن أيديكم وأرجلكم من خلاف اليد اليمنى والرجل اليسرى ولأصلبنكم في جذوع النخل ولتعلمن أينا يريد به نفسه وموسى أو رب موسى أشد عذابا وأبقى أدوم عقابا.
(72) قالوا لن نؤثرك لن نختارك على ما جائنا به موسى أو المستتر في جاء لما من البينات المعجزات الواضحات والذي فطرنا عطف على ما جاءنا أو قسم فاقض ما أنت قاض ما أنت قاضيه أي صانعه أو حاكمه إنما تقضي هذه الحياة الدنيا إنما تصنع ما تهواه أو تحكم بما تراه في هذه الدنيا والآخرة خير وأبقى فهو كالتعليل لما قبله والتمهيد لما بعده.
(73) إنا آمنا بربنا ليغفر لنا خطايانا من الكفر والمعاصي وما أكرهتنا عليه من السحر في معارضة المعجزة.
في الجوامع روي أنهم قالوا لفرعون أرنا موسى نائما فوجدوه يحرسه العصا فقالوا ما هذا بسحر فإن الساحر إذا نام بطل سحره فأبى إلا أن يعارضوه والله خير وأبقى جزاءا أو خير ثوابا وأبقى عقابا.
(74) إنه إن الأمر من يأت ربه مجرما بأن يموت على كفره وعصيانه فان له جهنم لا يموت فيها فيستريح ولا يحيى حياة مهنأة.
(75) ومن يأته مؤمنا قد عمل الصالحات في الدنيا فأولئك لهم الدرجات العلى المنازل الرفيعة.
(76) جنات عدن تجرى من تحتها الأنهار خالدين فيها وذلك جزاء من تزكى من تطهر من أدناس الكفر والمعاصي والآيات الثلاث يحتمل أن تكون من كلام السحرة وأن تكون ابتداءا كلام من الله.
(77) ولقد أوحينا إلى موسى أن أسر بعبادي أي من مصر فاضرب لهم فاجعل لهم طريقا في البحر يبسا يابسا لا تخاف دركا آمنا من أن يدرككم العدو وقرئ لا تخف ولا تخشى استيناف أو عطف.
(78) فأتبعهم فرعون بجنوده فأتبعهم نفسه ومعه جنوده فغشيهم من اليم ما غشيهم ما سمعت قصته ولا يعرف كنهه إلا الله فيه مبالغة ووجازة.
(79) وأضل فرعون قومه وما هدى.
نقل ابن طاوس رحمه الله عن تفسير الكلبي عن ابن عباس أن جبرئيل عليه السلام قال لرسول الله صلى الله عليه وآله في حديث في حال فرعون وقومه وإنما قال لقومه أنا ربكم الاعلى حين انتهى إلى البحر فرآه قد يبست فيه الطريق فقال لقومه ترون البحر قد يبس من فرقي فصدقوه لما رأوا ذلك فذلك قوله تعالى وأضل فرعون قومه وما هدى ويأتي تمام القصة في سورة الشعراء.
(80) يا بني إسرائيل خطاب لهم بعد إنجائهم من البحر وإهلاك فرعون على إضمار قلنا أو للذين منهم في عهد النبي صلى الله عليه وآله بما فعل بآبائهم قد أنجيناكم من عدوكم فرعون وقومه وواعدناكم جانب الطور الأيمن لمناجاة موسى عليه السلام وإنزال التوراة عليه وقرئ أنجيتكم وواعدتكم ونزلنا عليكم المن والسلوى يعني في التيه كما سبق قصته في سورة البقرة.
(81) كلوا من طيبات ما رزقناكم لذائذه ولا تطغوا فيه بالإخلال بشكره والتعدي لما حد الله لكم فيه كالسرف والبطر والمنع عن المستحق فيحل عليكم غضبي فيلزمكم عذابي ويجب لكم ومن يحلل عليه غضبى فقد هوى فقد تردى وهلك وقرئ يحل ويحلل بالضم.
في التوحيد عن الباقر عليه السلام أنه سئل عن هذه الآية ما ذلك الغضب فقال هو العقاب ثم قال إنه من زعم أن الله عز وجل زال من شئ إلى شئ فقد وصفه صفة مخلوق إن الله عز وجل لا يستفزه شئ ولا يغيره.
وفي الاحتجاج عنه عليه السلام ما يقرب منه.
(82) وإني لغفار لمن تاب عن الشرك وآمن بما يجب الأيمان به وعمل صالحا ثم اهتدى إلى ولاية أهل البيت عليهم السلام.
القمي عن الباقر عليه السلام في هذه الآية قال ألا ترى كيف اشترط ولم تنفعه التوبة والأيمان والعمل الصالح حتى اهتدى والله لو جهد أن يعمل ما قبل منه حتى يهتدي قيل إلى من جعلني الله فداك قال إلينا.
وفي المجالس عن النبي صلى الله عليه وآله إنه قال لعلي عليه السلام في حديث ولقد ضل من ضل عنك ولن يهتدي إلى الله من لم يهتد إليك وإلى ولايتك وهو قول ربي عز وجل وإني لغفار الآية يعني إلى ولايتك.
وفي المجمع والعياشي عن الباقر عليه السلام قال ثم اهتدى إلى ولايتنا أهل البيت فوالله لو أن رجلا عبد الله عمره ما بين الركن والمقام ثم مات ولم يجئ بولايتنا لأكبه الله في النار على وجهه.
وفي المناقب عن السجاد عليه السلام في هذه الآية ثم اهتدى قال إلينا أهل البيت.
وفي المحاسن عن الصادق عليه السلام ثم اهتدى قال إلى ولايتنا.
وفي الكافي عن الباقر عليه السلام قال وهو مستقبل البيت إنما امر الناس أن يأتوا هذه الأحجار فيطوفوا بها ثم يأتونا فيعلمونا ولايتهم لنا وهو قول الله تعالى وإني لغفار لمن تاب وآمن وعمل صالحا ثم اهتدى ثم أومأ بيده إلى صدره إلى ولايتنا.
والعياشي عن الصادق عليه السلام قال لهذه الآية تفسير يدل ذلك التفسير على أن الله لا يقبل من أحد عملا إلا ممن لقاه بالوفاء منه بذلك التفسير وما اشترط فيه على المؤمنين.
وفي الكافي عنه عليه السلام قال إنكم لا تكونوا صالحين حتى تعرفوا ولا تعرفوا حتى تصدقوا ولا تصدقوا حتى تسلموا أبوابا أربعة حتى لا يصلح أولها إلا بآخرها ضل أصحاب الثلاثة وتاهوا تيها عظيما إن الله تعالى لا يقبل إلا العمل الصالح ولا يقبل الله إلا الوفاء بالشروط والعهود فمن وفي الله تعالى بشرطه واستعمل ما وصف في عهده نال ما عنده واستكمل وعده إن الله تعالى أخبر العباد بطرق الهدى وشرع لهم فيها المنار وأخبرهم كيف يسلكون فقال وإني لغفار لمن تاب وآمن وعمل صالحا ثم اهتدى وقال إنما يتقبل الله من المتقين فمن اتقى الله فيما أمره لقى الله مؤمنا بما جاء به محمد صلى الله عليه وآله هيهات هيهات فات قوم وماتوا قبل أن يهتدوا وظنوا أنهم آمنوا وأشركوا من حيث لا يعلمون إنه من أتى البيوت من أبوابها اهتدى ومن أخذ في غيرها سلك طريق الردى وصل الله طاعة ولي أمره بطاعة رسوله وطاعة رسوله بطاعته فمن ترك طاعة ولاة الأمر لم يطع الله ولا رسوله وهو الإقرار بما نزل من عند الله تعالى.
أقول: أشار بالأبواب الأربعة إلى التوبة عن الشرك والأيمان بالوحدانية والعمل الصالح والاهتداء إلى الحجج عليهم السلام كما يتبين فيما بعد وأصحاب الثلاثة إشارة إلى من لم يهتد إلى الحجج والشروط والعهود كناية عن الأمور الأربعة المذكورة إذ هي شروط للمغفرة وعهود وقوله فمن اتقى الله أي من الشرك في أمره.
(83) وما أعجلك عن قومك يا موسى.
(84) قال هم أولاء على أثرى ما تقدمتهم إلا بخطى يسيرة لا يعتد بها عادة وعجلت إليك رب لترضى فإن المسارعة إلى امتثال أمرك والوفاء بعهدك توجب مرضاتك.
في مصباح الشريعة عن الصادق عليه السلام قال المشتاق لا يشتهي طعاما ولا يلتذ شرابا ولا يستطيب رقادا ولا يأنس حميما ولا يأوى دارا ولا يسكن عمرانا ولا يلبس لباسا ولا يقر قرارا ويعبد الله ليلا ونهارا راجيا بأن يصل إلى ما يشتاق إليه ويناجيه بلسان شوقه معبرا عما في سريرته كما أخبر الله عن موسى بن عمران عليه السلام في ميعاد ربه بقول وعجلت إليك رب لترضى وفسر النبي صلى الله عليه وآله عن حاله أنه ما أكل ولا شرب ولا نام ولا اشتهى شيئا من ذلك في ذهابه ومجيئه أربعين يوما شوقا إلى ربه.
(85) قال فإنا قد فتنا قومك من بعدك ابتليناهم بعبادة العجل بعد خروجك من بينهم وأضلهم السامري باتخاذ العجل والدعاء إلى عبادته.
(86) فرجع موسى إلى قومه بعد ما استوفي الأربعين وأخذ التوراة غضبان عليهم آسفا حزينا بما فعلوه قال يا قوم ألم يعدكم ربكم وعدا حسنا بأن يعطيكم التوراة فيها هدى ونور أفطال عليكم العهد أي الزمان زمان مفارقته لهم أم أردتم أن يحل عليكم يجب عليكم غضب من ربكم بعبادة ما هو مثل في الغباوة فأخلفتم موعدي وعدكم إياي بالثبات على الأيمان بالله والهدى والقيام على ما أمرتكم به.
(87) قالوا ما أخلفنا موعدك بملكنا بأن ملكنا أمرنا أي لو خلينا وأمرنا ولم يسول لنا السامري لما أخلفنا وهو مثلثا مصدر ملكت الشئ وقرئ بالفتح وبالضم ولكنا حملنا أوزارا من زينة القوم أحمالا من حلي القبط التي استعرناها منهم أو ألقاها البحر على الساحل بعد إغراقهم وقرئ حملنا بالفتح والتخفيف فقذفناها أي في النار فكذلك ألقى السامري أي ما كان معه منها.
(88) فأخرج لهم عجلا جسدا من تلك الحلي المذابة له خوار صوت العجل فقالوا يعني السامري ومن افتتن به أول ما رآه هذا إلهكم وإله موسى فنسي قيل فنسيه موسى وذهب يطلبه عند الطور أو فنسي السامري أي ترك ما كان عليه من إظهار الأيمان.
(89) أفلا يرون أو لا يعلمون ألا يرجع إليهم قولا أنه لا يرجع إليه كلاما ولا يرد عليهم جوابا ولا يملك لهم ضرا ولا نفعا.
(90) ولقد قال لهم هارون من قبل من قبل رجوع موسى يا قوم إنما فتنتم به بالعجل وإن ربكم الرحمن لا غير فاتبعوني وأطيعوا أمري في الثبات على الدين.
(91) قالوا لن نبرح عليه على العجل وعبادته عاكفين مقيمين حتى يرجع إلينا موسى.
القمي فهموا بهارون فهرب منهم وبقوا في ذلك حتى تم ميقات موسى أربعين ليلة فلما كان يوم عشرة من ذي الحجة أنزل الله تعالى عليه الألواح فيها التوراة وما يحتاج إليه من أحكام السير والقصص فأوحى الله إلى موسى عليه السلام إنا قد فتنا قومك من بعدك وأضلهم السامري وعبدوا العجل وله خوار فقال يا رب العجل من السامري فالخوار ممن فقال مني يا موسى إني لما رأيتهم قد ولوا عني إلى العجل أحببت أن أزيدهم فتنة فرجع موسى إلى قومه كما حكى الله.
(92) قال يا هارون أي قال له موسى لما رجع ما منعك إذ رأيتهم ضلوا بعبادة العجل.
(93) ألا تتبعن أي في الغضب لله ومقاتلة من كفر به أو تأتي عقبى وتلحقني ولا مزيدة كما في قوله ما منعك ألا تسجد أفعصيت أمري بالصلابة في الدين والمحاماة عليه.
القمي ثم رمى بالألواح وأخذ بلحية أخيه ورأسه يجر إليه فقال ما منعك.
(94) قال يا ابن أم خص الام استعطافا وترقيقا لا تأخذ بلحيتي ولا برأسي إني خشيت أن تقول فرقت بين بني إسرائيل لو قاتلت بعضهم ببعض لم ترقب قولي حين قلت أخلفني في قومي وأصلح فإن الإصلاح كان في حفظ الدماء والمداراة بينهم إلى أن ترجع إليهم فتدارك الأمر برأيك.
في العلل عن الصادق عليه السلام أنه سئل لم أخذ برأسه يجره إليه وبلحيته ولم يكن له في اتخاذهم العجل وعبادتهم له ذنب فقال إنما فعل ذلك لأنه لم يفارقهم لما فعلوا ذلك ولم يلحق بموسى وكان إذا فارقهم ينزل بهم العذاب ألا ترى أنه قال لهارون ما منعك إذ رأيتهم ضلوا ألا تتبعن أفعصيت أمري قال هارون لو فعلت ذلك لتفرقوا.
(95) قال فما خطبك يا سامري ثم أقبل عليه وقال له منكر ما طلبك له وما الذي حملك عليه.
(96) قال بصرت بما لم يبصروا به علمت ما لم يعلموا وفطنت ما لم يفطنوا له وهو أن الرسول الذي جاءك روحاني لا يمس أثره شيئا إلا أحياه وقرئ لم تبصروا على الخطاب فقبضت قبضة من أثر الرسول القمي يعني من تحت حافر رمكه جبرئيل في البحر فنبذتها يعني أمسكتها فنبذتها في جوف العجل وقد مضت هذه القصة في سورة البقرة ثم في سورة الأعراف وكذلك سولت لي نفسي أي زينت القمي فأخرج موسى العجل فأحرقه بالنار وألقاه في البحر.
(97) قال فاذهب فإن لك في الحياة عقوبة على ما فعلت أن تقول لا مساس خوفا أن يمسك أحد فيأخذك الحمى ومن مسك فتحامى الناس ويحاموك وتكون طريدا وحيدا كالوحشي النافر القمي يعني ما دمت حيا وعقبك هذه العلامة فيكم قائمة أن تقول لا مساس حتى يعرفوا أنكم سامرية فلا يغتر بكم الناس فهم إلى الساعة بمصر والشام معروفون لا مساس قال ثم هم موسى بقتل السامري فأوحى الله إليه لا تقتله يا موسى فإنه سخي.
وفي المجمع عن الصادق عليه السلام إن موسى هم الحديث.
وإن لك موعدا في الآخرة لن تخلفه لن يخلفكه الله وينجزه لك في الآخرة بعد ما عاقبك في الدنيا وقرء بكسر اللام أي لن تخلف الوعد إياه وسيأتيه لا محالة وانظر إلى إلهك الذي ظلت عليه عاكفا ظللت على عبادته مقيما فحذف اللام الأولى تخفيفا لنحرقنه أي بالنار وفي الجوامع وقرئ لنحرقنه وهي قراءة علي عليه السلام ومعناه لنبردنه بالمبرد قال ويجوز أن يكون لنحرقنه مبالغة في حرق إذا برد قال وهذه القراءة تدل على أنه كان ذهبا وفضة ولم يصر حيوانا.
أقول: قد سبق أنه برد العجل ثم أحرقه بالنار فذره في اليم وفي رواية ذريت (1) سحالته في الماء ثم لننسفنه لنذرينه رمادا أو مبرودا في اليم نسفا فلا يصادف منه شئ والمقصود زيادة العقوبة وإظهار غباوة المفتنين به.
(98) إنما إلهكم الله المستحق لعبادتكم الذي لا إله إلا هو الذي لا أحد يماثله أو يدانه في كمال العلم والقدرة وسع كل شئ علما وسع علمه كل ما يصح أن يعلم لا العجل الذي يصاغ ويحرق وإن كان حيا في نفسه كان مثلا في الغباوة.
(99) كذلك نقص عليك من أنباء ما قد سبق من أخبار الأمور الماضية والأمم الدارجة تبصرة لك وزيادة في علمك وتكثيرا لمعجزاتك وتنبيها وتذكيرا للمستبصرين من أمتك وقد آتيناك من لدنا ذكرا كتابا مشتملا على هذه الأقاصيص والأخبار حقيقا بالتفكر والاعتبار.
(100) من أعرض عنه فإنه يحمل يوم القيمة وزرا عقوبة ثقيلة فادحة على كفره وذنوبه.
(101) خالدين فيه في الوزر وساء لهم يوم القيمة حملا.
(102) يوم ينفخ في الصور وقرئ نفخ بالنون ونحشر المجرمين يومئذ وقرء يحشر المجرمون زرقا قيل يعني زرق العيون لأن الزرقة أسوء ألوان العين وأبغضها عند العرب وقيل أي عمياء فإن حدقة الأعمى تزراق وقيل عطاشا يظهر في أعينهم كالزرقة.
والقمي تكون أعينهم مزرقة لا يقدرون أن يطرفوها.
(103) يتخافتون بينهم يخفضون أصواتهم لما يملأ صدورهم من الرعب والهول إن لبثتم إلا عشرا يستقصرون مدة لبثهم في الدنيا أو في القبر لزوالها
(104) نحن أعلم بما يقولون وهو مدة لبثهم إذ يقول أمثلهم طريقة أعدلهم.
القمي أعلمهم وأصلحهم إن لبثتم إلا يوما.
(105) ويسئلونك عن الجبال عن مآل أمرها فقل ينسفها ربى نسفا يجعلها كالرمل ثم يرسل عليها الرياح فيفرقها.
في المجمع إن رجلا من ثقيف سأل النبي صلى الله عليه وآله كيف يكون الجبال مع عظمها يوم القيامة فقال إن الله يسوقها بأن يجعلها كالرمال ثم يرسل عليها الرياح فتفرقها.
(106) فيذرها فيذر مقارها أو الأرض وإضمارها من غير ذكر لدلالة الجبال عليها كقوله ما ترك عليها من دابة قاعا خاليا صفصفا مستويا كان أجزاؤها على صف واحد.
القمي القاع الذي لا تراب فيه والصفصف الذي لا نبات له.
(107) لا ترى فيها عوجا ولا أمتا اعوجاجا ولا نتوا القمي قال الأمت الارتفاع والعوج الحزون والذكوات قيل الأحوال الثلاثة مرتبة فالأولان باعتبار الإحساس والثالث باعتبار المقياس ولذلك ذكر العوج بالكسر وهو يخص المعاني.
(108) يومئذ يتبعون الداعي داعي الله إلى المحشر قيل هو إسرافيل يدعو الناس قائما على صخرة بيت المقدس فيقبلون من كل أوب إلى صوبه لا عوج له لا يعوج له مدعو ولا يعدل عنه وخشعت الأصوات للرحمن وخفضت لمهابته فلا تسمع إلا همسا صوتا خفيا.
القمي عن الباقر عليه السلام إذا كان يوم القيامة جمع الله عز وجل الناس في صعيد واحد حفاة عراة فيوقفون في المحشر حتى يعرقوا عرقا شديدا وتشتد أنفاسهم فيمكثون في ذلك مقدار خمسين عاما وهو قول الله تعالى وخشعت الأصوات للرحمن فلا تسمع إلا همسا قال ثم ينادي مناد من تلقاء العرش أين النبي الأمي فيقول الناس قد أسمعت فسم باسمه فينادي أين نبي الرحمة أين محمد بن عبد الله الأمي فيتقدم رسول الله أمام الناس كلهم حتى ينتهي إلى حوض طوله ما بين إيلة وصنعا فيقف عليه فينادي بصاحبكم فيتقدم علي عليه السلام أمام الناس فيقف معه ثم يؤذن للناس فيمرون فبين وارد الحوض يومئذ وبين مصروف عنه فإذا رآى رسول الله صلى الله عليه وآله من يصرف عنه من محبينا بكى ويقول يا رب شيعة علي أراهم قد صرفوا تلقاء أصحاب النار ومنعوا ورود الحوض قال قال فيبعث الله إليه ملكا فيقول له ما يبكيك يا محمد فيقول للاناس من شيعة علي فيقول له الملك إن الله يقول لك يا محمد إن شيعة علي قد وهبتهم لك يا محمد وصفحت لهم عن ذنوبهم بحبهم لك ولعترتك وألحقتهم بك وبمن كانوا يقولون به وجعلناهم في زمرتك فأوردهم حوضك.
قال أبو جعفر عليه السلام فكم من باك يومئذ وباكية ينادون يا محمداه إذا رأوا ذلك ولا يبقى أحد يومئذ يتولانا ويحبنا ويتبرأ من عدونا ويبغضهم إلا كانوا في حزبنا ومعنا ويرد حوضنا.
(109) يومئذ لا تنفع الشفاعة إلا من أذن له الرحمن ورضى له قولا إلا شفاعة من أذن له ورضي لمكانه عند الله أو إلا من أذن في أن يشفع له ورضي لأجله قول الشافع في شأنه أو قوله لأجله وفي شأنه.
(110) يعلم ما بين أيديهم ما تقدمهم من الأحوال وما خلفهم وما بعدهم مما يستقبلونه.
القمي قال ما بين أيديهم ما مضى من أخبار الأنبياء وما خلفهم من أخبار القائم عليه السلام ولا يحيطون به علما.
في التوحيد عن أمير المؤمنين عليه السلام في هذه الآية لا يحيط الخلايق بالله عز وجل علما إذ هو تبارك وتعالى جعل على أبصار القلوب الغطاء فلا فهم يناله بالكيف ولا قلب يثبته بالحد فلا تصفه إلا كما وصف نفسه ليس كمثله شئ وهو السميع البصير هو الأول والاخر والظاهر والباطن الخالق البارئ المصور خلق الأشياء فليس من الأشياء شئ مثله تبارك وتعالى.
(111) وعنت الوجوه للحي القيوم ذلت وخضعت له خضوع العناة وهم الأسارى في يد الملك القهار وقد خاب من حمل ظلما.
(112) ومن يعمل من الصالحات بعض الطاعات وهو مؤمن فلا يخاف ظلما منع ثواب مستحق بالوعد ولا هضما ولا كسرا منه بنقصان.
القمي عن الباقر عليه السلام ولا ينقص من عمله شئ وأما ظلما يقول لن يذهب به.
(113) وكذلك أنزلناه قرآنا عربيا كله على هذه الوتيرة وصرفنا فيه من الوعيد مكررين فيه آيات الوعيد لعلهم يتقون المعاصي فيصير التقوى لهم ملكة أو يحدث لهم ذكرا عظة واعتبارا حين يسمعونها فيثبطهم عنها ولهذه النكتة اسند التقوى إليهم والأحداث إلى القرآن.
(114) فتعالى الله في ذاته وصفاته عن مماثلة المخلوقين الملك الحق النافذ أمره ونهيه بالاستحقاق ولا تعجل بالقرآن من قبل أن يقضى إليك وحيه.
القمي قال كان رسول الله صلى الله عليه وآله إذا نزل عليه القرآن بادر بقراءته قبل تمام نزول الآية والمعنى فأنزل الله ولا تعجل بالقرآن من قبل أن يقضى إليك وحيه أي يفرغ من قراءته وقل رب زدني علما أي سل الله زيادة العلم بدل الاستعجال فإن ما أوحي إليك تناله لا محالة.
وفي المجمع عن النبي صلى الله عليه وآله قال إذا أتى علي يوم لا أزداد فيه علما يقربني إلى الله فلا بارك الله لي في طلوع شمسه.
وفي الخصال عن الصادق عليه السلام سئل أمير المؤمنين عليه السلام من أعلم الناس قال من جمع علم الناس إلى علمه.
وعنه عن آبائه عليهم السلام عن رسول الله صلى الله عليه وآله قال فضل العلم أحب إلى الله من فضل العبادة.
(115) ولقد عهدنا إلى آدم من قبل لقد أمرناه يقال تقدم الملك إليه وأوعز إليه وعزم عليه وعهد إليه إذا أمره فنسي العهد ولم يعن به ولم نجد له عزما تصميم رأي وثباتا على الأمر.
القمي قال فيما نهاه عنه من أكل الشجرة.
وفي الكافي والإكمال عن الباقر عليه السلام إن الله تعالى عهد إلى آدم أن لا يقرب هذه الشجرة فلما بلغ الوقت الذي كان في علم الله أن يأكل منها فنسي فأكل منها وهو قول الله تعالى ولقد عهدنا الآية.
وفي الكافي عنه عليه السلام في هذه الآية قال إن الله تعالى قال لادم وزوجته لا تقرباها يعني لا تأكلا منها فقالا نعم يا ربنا لا نقربها ولا نأكل منها ولم يستثنيا في قولهما نعم فوكلهما الله في ذلك إلى أنفسهما وإلى ذكرهما.
وفي العلل عن الصادق عليه السلام سمي الإنسان إنسانا لأنه ينسي قال الله ولقد عهدنا إلى آدم من قبل فنسي.
والعياشي عن أحدهما عليهما السلام إنه سأل كيف أخذ الله آدم بالنسيان فقال إنه لم ينس وكيف ينسى وهو يذكره ويقول له إبليس ما نهاكما ربكما عن هذه الشجرة إلا أن تكونا ملكين أو تكونا من الخالدين.
أقول: لعل المنسي عزيمة النهي بحيث لا يقبل التأويل والرخصة وغير المنسي أصل النهي أو يقال المنسي الإقرار بفضيلة النبي والوصي وذريتهما المعصومين عليهم السلام ويكون النسيان هنا بمعنى الترك كما يدل عليه الأخبار الأخر.
ففي الكافي عن الصادق عليه السلام قال في قوله تعالى ولقد عهدنا إلى آدم من قبل كلمات في محمد وعلي وفاطمة والحسن والحسين والأئمة عليهم السلام من ذريتهم فنسي هكذا والله أنزلت على محمد صلى الله عليه وآله وفيه.
وفي العلل والبصائر عن الباقر عليه السلام قال عهد إليه في محمد صلى الله عليه وآله والأئمة عليهم السلام من بعده فترك ولم يكن له عزم فيهم إنهم هكذا وإنما سموا أولو العزم لأنه عهد إليهم في محمد صلى الله عليه وآله والأوصياء من بعده والمهدي وسيرته فأجمع عزمهم إن ذلك كذلك والإقرار به.
وفي العلل عنه عليه السلام في حديث قال وأخذ الميثاق على أولي العزم إنني ربكم ومحمد رسولي وعلي أمير المؤمنين وأوصيائه من بعده ولاة أمري وخزان علمي وأن المهدي عليه السلام أنتصر به لديني وأظهر به دولتي وأنتقم به من أعدائي واعبد به طوعا وكرها قالوا أقررنا يا رب وشهدنا ولم يجحد آدم ولم يقر فثبتت العزيمة لهؤلاء الخمسة في المهدي عليه السلام ولم يكن لادم عزم على الإقرار به وهو قوله تعالى ولقد عهدنا إلى آدم من قبل فنسي ولم نجد له عزما قال إنما هو فترك.
(116) وإذ قلنا للملائكة اسجدوا لادم فسجدوا إلا إبليس أبى قد سبق الكلام فيه.
(117) فقلنا يا آدم إن هذا عدو لك ولزوجك فلا يخرجنكما من الجنة فتشقى قيل أفرده بإسناد الشقاء إليه بعد اشتراكهما في الخروج اكتفاء باستلزام شقائه شقائها من حيث أنه قيم عليها ومحافظة على الفواصل أو لأن المراد بالشقاء التعب في طلب المعاش وذلك وظيفة الرجال ويؤيده ما بعده.
(118) إن لك ألا تجوع فيها ولا تعرى.
(119) وأنك لا تظمؤ فيها ولا تضحى.
(120) فوسوس إليه الشيطان فأنهى إليه وسوسته قال يا آدم هل أدلك على شجرة الخلد الشجرة التي من أكل منها خلد ولم يمت أصلا وملك لا يبلى لا يزول ولا يضعف.
(121) فأكلا منها فبدت لهما سوآتهما وطفقا يخصفان عليهما من ورق الجنة أخذا يلزقان الورق على سوآتهما للتستر وعصى آدم ربه بالأكل من الشجرة فغوى فضل عن المطلوب وخاب حيث طلب الخلد بأكلها.
(122) ثم اجتباه ربه واصطفاه وقربه بالحمل على التوبة والتوفيق له فتاب عليه فقبل توبته لما تاب وهدى إلى الثبات على التوبة والتشبث بأسباب العصمة.
(123) قال اهبطا منها جميعا بعضكم لبعض عدو الخطاب لادم وحوا أو له ولإبليس ولما كانا أصلي الذرية خاطبهما فخاطبتهم وقد مضى تمام هذه القصة وتفسير هذه الآيات في سورة البقرة فاما يأتينكم منى هدى كتاب ورسول فمن اتبع هداي فلا يضل في الدنيا ولا يشقى في الآخرة.
في الكافي مضمرا أنه سأل عن هذه الآية فقال من قال بالأئمة واتبع أمرهم ولم يجز طاعتهم.
(124) ومن أعرض عن ذكري فإن له معيشة ضنكا ضيقا ونحشره يوم القيمة أعمى.
(125) قال رب لم حشرتني أعمى وقد كنت بصيرا.
(126) قال كذلك أي مثل ذلك فعلت ثم فسره أتتك آياتنا واضحة نيرة فنسيتها فعميت عنها وتركتها غير منظور إليها وكذلك ومثل تركك إياها اليوم تنسى تترك في العمى والعذاب.
القمي عن الصادق عليه السلام فإن له معيشة ضنكا قال هي والله للنصاب قيل له رأيناهم في دهرهم الأطول في الكفاية حتى ماتوا قال ذلك والله في الرجعة يأكلون العذرة.
وفي الكافي في قوله تعالى ومن أعرض عن ذكري قال ولاية أمير المؤمنين عليه السلام أعمى قال يعني أعمى البصر في الآخرة وأعمى القلب في الدنيا عن ولاية أمير المؤمنين عليه السلام وهو متحير في القيامة يقول لم حشرتني الآية قال الآيات الأئمة عليهم السلام فنسيتها يعني تركتها وكذلك اليوم تترك في النار كما تركت الأئمة فلم تطع أمرهم ولم تسمع قولهم.
وفي الفقيه والمجمع والقمي عنه عليه السلام سأل عن رجل لم يحج قط وله مال فقال هو ممن قال الله ونحشره يوم القيمة أعمى قيل سبحان الله أعمى فقال أعماه الله عن طريق الخير.
والقمي عن طريق الجنة وفي الكافي ما يقرب منه.
(127) وكذلك نجزي من أسرف ولم يؤمن بآيات ربه.
في الكافي عن الصادق عليه السلام يعني من أشرك بولاية أمير المؤمنين عليه السلام غيره ولم يؤمن بآيات ربه ترك الأئمة معاندة فلم يتبع آثارهم ولم يتولهم ولعذاب الآخرة أشد وأبقى من ضنك العيش ومن العمى.
(128) أفلم يهد لهم القمي يقول يبين لهم كم أهلكنا قبلهم من القرون إهلاكنا إياهم يمشون في مساكنهم ويشاهدون آثار هلاكهم إن في ذلك لايات لأولي النهى لذوي العقول الناهية عن التغافل والتعامي.
(129) ولولا كلمة سبقت من ربك وهي العدة بتأخير عذاب هذه الأمة إلى الآخرة لكان لزاما لكان مثل ما نزل بعاد وثمود لازما لهذه الكفرة وأجل مسمى عطف على كلمة أي ولولا العدة بتأخير العذاب وأجل مسمى لأعمارهم أو لعذابهم لكان العذاب لزاما والفصل للدلالة على استقلال كل منهما بنفي لزوم العذاب.
القمي قال اللزام الهلاك قال وكان ينزل بهم العذاب ولكن قد أخرهم إلى أجل مسمى.
(130) فاصبر على ما يقولون وسبح بحمد ربك قبل طلوع الشمس وقبل غروبها ومن آناء الليل ومن ساعاته جمع انا بالكسر والقصر وأناء بالفتح والمد فسبح وأطراف النهار لعلك ترضى طمعا أن تنال عند الله ما به ترضي نفسك وقرئ بالبناء على المفعول أي يرضيك ربك.
وفي الخصال عن الصادق عليه السلام سئل عن هذه الآية فقال فريضة على كل مسلم أن يقول قبل طلوع الشمس وقبل غروبها عشر مرات لا إله إلا الله وحده لا شريك له له الملك وله الحمد يحيي ويميت وهو حي لا يموت بيده الخير وهو على كل شئ قدير.
وفي الكافي عن الباقر عليه السلام في قوله وأطراف النهار قال يعني تطوع بالنهار.
(131) ولا تمدن عينيك أن نظرهما إلى ما متعنا به استحسانا له وتمنيا أن يكون لك مثله أزواجا منهم أصنافا من الكفرة زهرة الحياة الدنيا زينتها وبهجتها لنفتنهم فيه لنبلوهم ونختبرهم فيه أو لنعذبهم في الآخرة بسببه ورزق ربك خير وأبقى أي الهدى والنبوة لا ينقطع.
القمي عن الصادق عليه السلام لما نزلت هذه الآية أستوى رسول الله جالسا ثم قال من لم يتعز بعزاء الله تقطعت نفسه على الدنيا حسرات ومن أتبع بصره ما في أيدي الناس طال همه ولم يشف غيظه ومن لم يعرف أن لله عليه نعمة الا في مطعم ومشرب قصر أجله ودنا عذابه.
وفي الكافي عنه عليه السلام قال إياك وأن تطمح نفسك إلى من فوقك وكفي بما قال الله عز وجل لرسول الله صلى الله عليه وآله فلا تعجبك أموالهم ولا أولادهم وقال لا تمدن عينيك الآية.
(132) وأمر أهلك بالصلاة واصطبر عليها وداوم عليها لا نسئلك رزقا ان ترزق نفسك ولا أهلك نحن نرزقك وإياهم ففرغ بالك للآخرة والعاقبة المحمودة للتقوى لذي التقوى.
في العوالي والمجمع عن الباقر عليه السلام في هذه الآية قال أمر الله نبيه أن يخص أهل بيته وأهله دون الناس ليعلم الناس أن لأهله عند الله منزلة ليست لغيرهم فأمرهم مع الناس عامة ثم أمرهم خاصة.
وفي العيون عن الرضا عليه السلام في هذه الآية قال خصنا الله بهذه الخصوصية إذ أمرنا مع الأمة بإقامة الصلاة ثم خصنا من دون الأمة فكان رسول الله صلى الله عليه وآله يجئ إلى باب علي وفاطمة عليهما السلام بعد نزول هذه الآية تسعة أشهر في كل يوم عند حضور كل صلاة خمس مرات فيقول الصلاة رحمكم الله وما أكرم الله أحدا من ذراري الأنبياء عليهم السلام بمثل هذه الكرامة التي أكرمنا بها وخصنا من دون جميع أهل بيتهم.
وزاد القمي مرسلا وفي المجمع عن الخدري بعد قوله يرحمكم الله إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم تطهيرا القمي فلم يزل يفعل ذلك كل يوم إذا شهد المدينة حتى فارق الدنيا.
وفي نهج البلاغة وكان رسول الله صلى الله عليه وآله نصبا بالصلاة بعد التبشير له بالجنة لقول الله سبحانه وأمر أهلك بالصلاة واصطبر عليها فكان يأمر بها ويصبر عليها نفسه وفي الكافي مثله.
(133) وقالوا لولا يأتينا بآية من ربه تدل على صدقه في ادعاء النبوة أولم تأتهم بينة ما في الصحف الأولى من التوراة والأنجيل وساير الكتب السماوية فإن اشتمال القرآن على زبدة ما فيها من العقايد والأحكام الكلية مع أن الآتي بها لم يرها ولم يتعلم ممن علمها إعجاز بين.
(134) ولو أنا أهلكناهم بعذاب من قبله من قبل محمد صلى الله عليه وآله لقالوا ربنا لولا أرسلت إلينا رسولا فنتبع آياتك من قبل أن نذل بالقتل والسبي في الدنيا ونخزى بدخول النار في الآخرة.
(135) قل كل متربص منتظر لما يؤل أمره فتربصوا فستعلمون من أصحاب الصراط السوي الوسط ومن اهتدى من الضلالة.
في كشف المحجة عن أمير المؤمنين عليه السلام عن النبي صلى الله عليه وآله.
في حديث قيل ومن الولي يا رسول الله قال وليكم في هذا الزمان أنا ومن بعدي وصيي ومن بعد وصيي لكل زمان حجج الله لكيلا تقولون كما قال الضلال من قبلكم فارقهم نبيهم ربنا لولا أرسلت الآية وإنما كان تمام ضلالتهم جهالتهم بالآيات وهم الأوصياء فأجابهم الله قل كل متربص الآية وإنما كان تربصهم أن قالوا نحن في سعة من معرفة الأوصياء حتى يعلن إمام علمه.
في ثواب الأعمال والمجمع عن الصادق عليه السلام قال لا تدعوا قراءة سورة طه فإن الله يحبها ويحب من قرأها ومن أدمن قراءتها أعطاه الله يوم القيامة كتابه بيمينه ولم يحاسبه بما عمل في الإسلام وأعطي في الآخرة من الأجر حتى يرضى رزقنا الله تلاوته.
1- اللهو: المرأة وقيل هو الولد.