سورة الرعد

مكية كلها وقيل إلا آخر آية منها وقيل مدنية إلا آيتين نزلتا بمكة ولو أن قرآنا سيرت به الجبال وما بعدها عدد آيها ثلاث وأربعون آية

بسم الله الرحمن الرحيم

(1) المر قد سبق الكلام فيه وفي نظائره.

وفي المعاني عن الصادق عليه السلام معناه أنا الله المحي المميت الرزاق تلك آيات الكتاب (1) والذي أنزل إليك من ربك يعني القرآن الحق ولكن أكثر الناس لا يؤمنون.

(2) الله الذي رفع السماوات بغير عمد بغير أساطين ترونها صفة لعمد.

القمي والعياشي عن الرضا عليه السلام فثم عمد ولكن لا ترونها ثم استوى على العرش سبق معناه في سورة الأعراف وسخر الشمس والقمر كل يجرى لأجل مسمى لمدة معينة يتم فيها أدواره أو لغاية مضروبة ينقطع دونها سيره وهي إذا الشمس كورت وإذا النجوم انكدرت يدبر الامر أمر ملكوته من الإيجاد والإعدام والإحياء والإماتة وغير ذلك يفصل الآيات ينزلها ويبينها لعلكم بلقاء ربكم توقنون لكي تتفكروا فيها وتتحققوا كمال قدرته وصنعه في كل شئ فتعلموا أنه بكل شئ محيط وهذا كقوله ألا إنهم في مرية من لقاء ربهم ألا إنه بكل شئ محيط.

(3) وهو الذي مد الأرض بسطها طولا وعرضا ليثبت فيه الأقدام ويتقلب عليها الحيوان وجعل فيها رواسي جبالا ثوابت (2) وأنهارا تتولد منها ومن كل الثمرات جعل فيها زوجين اثنين وجعل فيها من جميع أنواعها صنفين اثنين أسود وأبيض حلوا وحامضا رطبا ويابسا صغيرا وكبيرا وما أشبه ذلك من الأصناف المختلفة يغشى الليل النهار يلبس ظلمة الليل ضياء النهار فيصير الهواء مظلما بعد ما كان مضيئا وقرئ يغشي بالتشديد إن في ذلك لايات لقوم يتفكرون (3).

(4) وفي الأرض قطع متجاورات متلاصقة من طيبة وسبخة (4) ورخوة وصلبة وصالحة للزرع دون الشجر وبالعكس وغير صالحة لشئ منهما وجنات من أعناب وزرع ونخيل فيها أنواع الأعناب والزرع والنخيل وقرئ وزرع ونخيل بالرفع وكذلك في معطوفهما صنوان نخلات أصلها واحد وغير صنوان متفرقات مختلفة الأصول أو أمثال وغير أمثال وفي الحديث النبوي عم الرجل صنو أبيه يسقى وقرئ بالياء بماء وحد ونفضل وقرئ بالياء بعضها على بعض في الاكل (5) في الثمر شكلا وقدرا ورائحة وطعما.

العياشي عنهم عليهم السلام يعني هذه الأرض الطيبة مجاورة لهذه الأرض المالحة وليست منها كما يجاور القوم القوم وليسوا منهم.

وفي المجمع عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم وسلم إنه قال لعلي عليه السلام الناس من شجر شتى وأنا وأنت من شجرة واحدة ثم قرأ هذه الآية إن في ذلك لايات لقوم يعقلون يستعملون عقولهم بالتفكر فيهتدون إلى عظمة الصانع وعلمه وحكمته البالغة وقدرته النافذة وتدبيره الكامل ولطفه الشامل وحسن تربيته وصنايعه شيئا فشيئا إلى بلوغها منتهى كمالاتها اللايقة بها.

(5) وإن تعجب يا محمد من قولهم في إنكار البعث فعجب من قولهم فحقيق بأن يتعجب منه فإن من قدر على إنشاء ما قص عليك كانت الإعادة أهون عليه أإذا كنا ترابا أإنا لفي خلق جديد (6) أولئك الذين كفروا بربهم لإنكارهم قدرته وتماديهم في الكفر (7) وأولئك الاغلال في أعناقهم مقيدون بالضلال لا يرجى خلاصهم لإصرارهم وأولئك أصحاب النار هم فيها خالدون لا ينفكون عنها.

(6) ويستعجلونك بالسيئة قبل الحسنة بالعقوبة قبل العافية وذلك أنهم استعجلوا بالعذاب استهزاءا وقد خلت مضت من قبلهم المثلات عقوبات أمثالهم من المكذبين فما بالهم لم يعتبروا بها في نهج البلاغة إحذروا ما نزل بالأمم قبلكم من المثلات بسوء الأفعال وذميم الأعمال فتذكروا في الخير والشر أحوالهم واحذروا أن تكونوا أمثالهم وإن ربك لذو مغفرة للناس على ظلمهم أي مع ظلمهم أنفسهم بالذنوب وإن ربك لشديد العقاب.

في المجمع لما نزلت هذه الآية قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لولا عفو الله وتجاوزه ما هنأ أحد العيش ولولا وعيد الله وعقابه لاتكل كل أحد.

وفي التوحيد عن الرضا عليه السلام حين تذاكروا الكباير وقول المعتزلة فيها إنها لا تغفر قال أبو عبد الله عليه السلام قد نزل القرآن بخلاف قول المعتزلة قال جل جلاله وإن ربك لذو مغفرة للناس على ظلمهم (8) ويقول الذين كفروا لولا أنزل عليه آية من ربه لم يعتدوا بالآيات المنزلة عنادا واقترحوا نحو ما أوتي موسى وعيسى إنما أنت منذر مرسل للأنذار كغيرك من الرسل وما عليك إلا الإتيان بما يصح به أنك رسول مخوف ومنذر والآيات كلها متساوية في حصول الغرض ولكل قوم هاد يهديهم إلى الدين ويدعوهم إلى الله بوجه من الهداية وبآية خص بها.

في المجمع لما نزلت هذه الآية قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أنا المنذر وعلي الهادي من بعدي يا علي بك يهتدي المهتدون.

وفي الكافي عن الباقر عليه السلام رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وسلم المنذر ولكل زمان منا هاد يهديهم إلى ما جاء به نبي الله ثم الهداة من بعده علي ثم الأوصياء واحد بعد واحد.

وعن الصادق عليه السلام كل إمام هاد للقرن الذي هو فيهم ومثله في الإكمال ورواه القمي والعياشي وغير واحد من الخاصة والعامة في غير واحد من الأسانيد.

والقمي هو رد على من أنكر أن في كل عصر وزمان إماما وأنه لا تخلو الأرض من حجة.

(8) الله يعلم ما تحمل كل أنثى من ذكر أو أنثى تام وناقص حسن وقبيح سعيد وشقي وما تغيض (9) الأرحام وما تنقصه وما تزداد في المدة والعدد والخلقة.

في الكافي والعياشي عن أحدهما عليهما السلام الغيض كل حمل دون تسعة أشهر وما تزداد كل شئ يزداد على تسعة أشهر فكلما رأت المرأة الدم في حملها من الحيض فإنها تزداد بعدد الأيام التي رأت في حملها من الدم.

والعياشي عن الصادق عليه السلام ما تحمل كل أنثى الذكر والأنثى وما تغيض الأرحام ما كان من دون التسعة وهو غيض وما تزداد ما رأت الدم في حال حملها ازداد به على التسعة أشهر وفي رواية ما تغيض ما لم يكن حملا وما تزداد الذكر والأنثى جميعا والقمي وما تغيض ما تسقط من قبل التمام وما تزداد على تسعة أشهر كلما رأت المرأة من حيض في أيام حملها زاد ذلك على حملها وكل شئ عنده بمقدار بقدر لا يجاوزه ولا ينقص عنه.

(9) عالم الغيب ما لا يدركه الحس والشهادة ما يدركه (10) الكبير العظيم الشأن الذي كل شئ دونه حقير المتعال المستعلى على كل شئ بعظمته.

(10) سواء منكم من أسر القول في نفسه ومن جهر به لغيره ومن هو مستخف بالليل طالب للخفاء في مختبأ (11) بالليل وسارب (12) بارز بالنهار يراه كل أحد.

القمي عن الباقر عليه السلام يعني السر والعلانية عنده سواء.

(11) له لمن أسر أو جهر أو استخفي أو سرب معقبات ملائكة يعقب بعضهم بعضا في حفظه وكلاءته من بين يديه ومن خلفه من جوانبه يحفظونه من أمر الله قيل من أجل أمر الله أي من أجل أن الله أمرهم بحفظه.

والقمي عن الصادق عليه السلام إن هذه الآية قرئت عنده فقال لقارئيها ألستم عرباء فكيف يكون المعقبات من بين يديه وإنما المعقب من خلفه فقال الرجل جعلت فداك كيف هذا فقال إنما أنزلت له معقبات من خلفه ورقيب من بين يديه يحفظونه بأمر الله ومن ذا الذي يقدر أن يحفظ الشئ من أمر الله وهم الملائكة الموكلون بالناس ومثله العياشي عنه عليه السلام.

وفي المناقب والقمي عن الباقر عليه السلام من أمر الله يقول بأمر الله من أن يقع في ركي (13) أو يقع عليه حائط أو يصيبه شئ حتى إذا جاء القدر خلوا بينه وبينه يدفعونه إلى المقادير وهما ملكان يحفظانه بالليل وملكان بالنهار يتعاقبانه.

والعياشي عن الصادق عليه السلام ما يقرب منه وفي المجمع عن أمير المؤمنين عليه السلام إنهم ملائكة يحفظونه من المهالك حتى ينتهوا به إلى المقادير فيخلون بينه وبين المقادير إن الله لا يغير ما بقوم من العافية والنعمة حتى يغيروا ما بأنفسهم من الأحوال الجميلة بالأحوال القبيحة.

العياشي عن الباقر عليه السلام إن الله قضى قضاءا حتما لا ينعم على عبده نعمة فيسلبها إياه قبل أن يحدث العبد ذنبا يستوجب بذلك الذنب سلب تلك النعمة وذلك قول الله إن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم.

وفي المعاني عن السجاد عليه السلام الذنوب التي تغير النعم البغي على الناس والزوال عن العادة في الخير واصطناع المعروف وكفران النعم وترك الشكر ثم تلا الآية وإذا أراد الله بقوم سوءا فلا مرد له وما لهم من دونه من وال من يلي أمرهم ويدفع عنهم السوء.

(12) هو الذي يريكم البرق خوفا من أذاه وطمعا في الغيث.

في العيون عن الرضا عليه السلام خوفا للمسافر وطمعا للمقيم وينشئ السحاب الثقال القمي يعني يرفعها من الأرض (13) ويسبح الرعد بحمده روي عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أنه سئل عن الرعد فقال ملك موكل بالسحاب معه مخاريق من نار يسوق بها السحاب.

وفي الفقيه روي أن الرعد صوت ملك أكبر من الذباب وأصغر من الزنبور.

وفيه والعياشي عن الصادق عليه السلام إنه بمنزلة الرجل يكون في الإبل فيزجرها هاي هاي كهيئة ذلك.

وفي المجمع عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم إذا سمع صوت الرعد قال سبحان من سبح الرعد بحمده والملائكة من خيفته من خوفه وإجلاله ويرسل الصواعق فيصيب بها من يشاء فيهلكه وهم يجادلون في الله حيث يكذبون رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وسلم فيما يصفه من التفرد بالألوهية وإعادة الناس ومجازاتهم وهو شديد المحال أي المماحلة والمكايدة لأعدائه وقيل من المحل بمعنى القوة.

والقمي أي شديد الغضب وفي المجمع عن أمير المؤمنين عليه السلام شديد الأخذ.

وفي الأمالي أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وسلم بعث رجلا إلى فرعون من فراعنة العرب يدعوه إلى الله عز وجل فقال للرسول أخبرني عن الذي تدعوني إليه أمن فضة هو أم من ذهب أم من حديد فرجع إلى النبي صلى الله عليه وآله وسلم وسلم فأخبره بقوله فقال النبي صلى الله عليه وآله وسلم وسلم ارجع إليه فادعه قال يا نبي الله إنه أعتى من ذلك قال ارجع إليه فرجع إليه فقال كقوله فبينا هو يكلمه إذ رعدت سحابة رعدة فألقت على رأسه صاعقة ذهب بقحف رأسه فأنزل الله جل ثناؤه يرسل الصواعق الآية.

وفي الكافي عن الصادق عليه السلام إن الصواعق لا تصيب ذاكرا قيل وما الذاكر قال من قرأ مائة آية.

(14) له دعوة الحق فإنه يدعى فيستجيب والذين يدعون يدعوهم المشركون من دونه لا يستجيبون لهم بشئ من الطلبات إلا كباسط كفيه إلا استجابة كاستجابة من بسط كفيه إلى الماء ليبلغ فاه يطلب منه أن يبلغه من بعيد أو يغترف مع بسط كفيه ليشربه وما هو ببالغه لأن الماء جماد لا يشعر بدعائه ولا يقدر على إجابته ولا يستقر في الكف المبسوطة وكذلك آلهتهم.

القمي عن الباقر عليه السلام هذا مثل ضربه الله للذين يعبدون الأصنام والذين يعبدون الآلهة من دون الله فلا يستجيبون لهم بشئ ولا ينفعهم إلا كباسط كفيه إلى الماء ليتناوله من بعيد ولا يناله وما دعاء الكافرين إلا في ضلال في ضياع وبطلان.

(15) ولله يسجد من في السماوات والأرض طوعا وكرها وظلالهم بالغدو والآصال العشي القمي عن الباقر عليه السلام أما من يسجد من أهل السماوات طوعا فالملائكة يسجدون لله طوعا ومن يسجد من أهل الأرض فمن ولد في الإسلام فهو يسجد له طوعا وأما من يسجد له كرها فمن جبر على الإسلام وأما من لم يسجد فظله يسجد بالغداة والعشي.

والقمي قال تحويل كل ظل خلقه الله هو سجود لله لأنه ليس شئ إلا له ظل يتحرك بتحريكه وتحويله سجوده ذكره في سورة النحل وقيل أريد بالظل الجسد وإن ما يقال للجسم الظل لأنه عنه الظل ولأنه ظل للروح لأنه ظلماني والروح نوراني وهو تابع له يتحرك بحركته النفسانية ويسكن بسكونه النفساني.

القمي قال ظل المؤمن يسجد طوعا وظل الكافر يسجد كرها وهو نموهم وحركتهم وزيادتهم ونقصانهم.

وفي الكافي عن الصادق عليه السلام في قوله وظلالهم بالغدو والآصال قال هو الدعاء قبل طلوع الشمس وقبل غروبها وهي ساعة إجابة وفي نهج البلاغة فتبارك الذي يسجد له من في السماوات والأرض طوعا وكرها ويعفر له خدا ووجها ويلقي بالطاعة إليه سلما وضعفا ويعطي القياد (14) رهبة وخوفا قال وسجدت له بالغدو والآصال الأشجار.

أقول: كما يجوز أن يراد بكل من السجود والظل والغدو والآصال معناه المعروف كذلك يجوز أن يراد بالسجود الانقياد وبالظل الجسد وبالغدو والآصال الدوام ويجوز أيضا أن يراد بكل منها ما يشمل كلا المعنيين فيكون في كل شئ بحسبه وعلى ما يليق به وبهذا تتلايم الروايات والأقوال ويأتي لهذا المعنى زيادة بيان في سورة النحل إن شاء الله.

(16) قل من رب السماوات والأرض خالقهما ومتولي أمرهما أمورهما خ ل قل الله أجب عنهم بذلك إذ لا جواب لهم سواه ولأنه البين الذي لا مرية فيه قل أفاتخذتم من دونه أولياء ثم ألزمهم بذلك لا يملكون لأنفسهم نفعا ولا ضرا فكيف لغيرهم قل هل يستوى الأعمى والبصير.

القمي يعني الكافر والمؤمن أم هل تستوى الظلمات والنور قال الكفر والأيمان وقرئ يستوي بالياء أم جعلوا لله شركاء بل أجعلوا والهمزة للإنكار خلقوا كخلقه صفة لشركاء داخلة في حكم الإنكار فتشابه الخلق عليهم خلق الله وخلقهم والمعنى أنهم ما اتخذوا لله شركاء خالقين مثله حتى يتشابه الخلق عليهم فيقولوا هؤلاء خلقوا كما خلق الله فاستحقوا العبادة كما استحقها ولكنهم اتخذوا شركاء عاجزين لا يقدرون على ما يقدر عليه الخلق فضلا عما يقدر عليه الخالق قل الله خلق كل شئ ولا خالق غيره فيشاركه في العبادة وهو الوحد القهار المتوحد بالألوهية الغالب على كل شئ.

(17) أنزل من السماء ماء فسالت أودية بقدرها في الصغر والكبر وعلى حسب المصلحة فاحتمل السيل زبدا رابيا مرتفعا ومما يوقدون عليه في النار من أنواع الفلزات كالذهب والفضة والحديد والنحاس وقرئ توقدون بالتاء ابتغاء حلية طلب حلية أو متاع كالأواني وآلات الحرث والحرب زبد مثله أي ومما توقدون عليه زبد مثل زبد الماء وهو خبثه كذلك يضرب الله الحق والبطل أي مثلهما مثل الحق في إفادته وثباته بالماء الذي ينزل من السماء فتسيل به الأودية على وجه الحاجة والمصلحة فينتفع به أنواع المنافع ويمكث في الأرض بأن يثبت بعضه في منابعه ويسلك بعضه في عروق الأرض إلى العيون والابار وبالفلز الذي ينتفع به في صوغ الحلي واتخاذ الأمتعة المختلفة ويدوم ذلك مدة متطاولة والباطل في قلة نفعه وسرعة اضمحلاله بزبدهما فأما الزبد فيذهب جفاء يجفأ به أي يرمي به السيل والفلز المذاب وأما ما ينفع الناس كالماء وخلاصة الفلز فيمكث في الأرض ينتفع به أهلها كذلك يضرب الله الأمثال لايضاح المشتبهات.

القمي يقول أنزل الحق من السماء فاحتمله القلوب بأهوائها ذو اليقين على قدر يقينه وذو الشك على قدر شكه فاحتمل الهوى باطلا كثيرا وجفاءا فالماء هو الحق والأودية هي القلوب والسيل هو الهوى والزبد وخبث الحلية هو الباطل والحلية والمتاع هو الحق من أصاب الحلية والمتاع في الدنيا انتفع به وكذلك صاحب الحق يوم القيامة ينفعه ومن أصاب الزبد وخبث الحلية في الدنيا لم ينتفع به وكذلك صاحب الباطل يوم القيامة لا ينتفع به.

وفي الاحتجاج عن أمير المؤمنين عليه السلام قد بين الله تعالى قصص المغيرين فضرب مثلهم بقوله فأما الزبد فيذهب جفاء وأما ما ينفع الناس فيمكث في الأرض فالزبد في هذا الموضع كلام الملحدين الذين أثبتوه في القرآن فهو يضمحل ويبطل ويتلاشى عند التحصيل والذي ينفع الناس منه فالتنزيل الحقيقي الذي لا يأتيه البطل من بين يديه ولا من خلفه والقلوب تقبله والأرض في هذا الموضع هي محل العلم وقراره الحديث وقد مضى تمامه في المقدمة السادسة.

(18) للذين استجابوا لربهم الحسنى الاستجابة الحسنى والذين لم يستجيبوا له يعني كذلك يضرب الله الأمثال للفريقين وما بعده كلام مبتدأ لبيان مآل غير المستجيبين ويحتمل عدم تعلقه بما قبله ويراد بالحسنى المثوبة الحسنى ويكون ما بعده متعلقا به لو أن له ما في الأرض جميعا ومثله معه لافتدوا به أولئك لهم سوء الحساب.

في المجمع عن الصادق عليه السلام هو أن لا تقبل لهم حسنة ولا تغفر لهم سيئة.

وفي الحديث من نوقش في الحساب عذب ومأويهم جهنم وبئس المهاد المستقر القمي يمهدون في النار.

(19) أفمن يعلم أنما أنزل إليك من ربك الحق فيستجيب كمن هو أعمى القلب لا يستبصر فيستجيب والهمزة للإنكار يعني لا شبهة في عدم تشابههما بعدما ضرب من المثل فإن بينهما من البون ما بين الزبد والماء والخبث والأبريز إنما يتذكر أولوا الألباب ذوو العقول المبرأة عن مشابهة الألف ومعارضة الوهم.

العياشي عن الصادق عليه السلام إنه خاطب شيعته بقوله أنتم أولو الألباب في كتاب الله قال الله إنما يتذكر أولوا الألباب.

(20) الذين يوفون بعهد الله ما عقدوه على أنفسهم لله ولا ينقضون الميثاق ما وثقوه من المواثيق بينهم وبين الله وبين العباد وهو تعميم بعد التخصيص.

القمي عن الكاظم عليه السلام نزلت هذه الآية في آل محمد عليهم السلام وما عاهدهم عليه وما أخذ عليهم من الميثاق في الذر من ولاية أمير المؤمنين والأئمة بعده عليهم السلام.

(21) والذين يصلون ما أمر الله به أن يوصل من الرحم ولا سيما رحم آل محمد صلى الله عليه وآله وسلم وسلم ويندرج فيه موالاة أمير المؤمنين ومراعاة حقوقهم.

في الكافي عن الصادق عليه السلام نزلت في رحم آل محمد وقد تكون في قرابتك ثم قال فلا تكونن ممن يقول للشئ إنه في شئ واحد وفيه.

والعياشي عنه عليه السلام الرحم معلقة بالعرش تقول اللهم صل من وصلني واقطع من قطعني وهو رحم آل محمد صلى الله عليه وآله وسلم وسلم وهو قول الله والذين يصلون ما أمر الله به أن يوصل ورحم كل ذي رحم.

والعياشي ورحم كل مؤمن.

وفي المجمع والقمي والعياشي عن الكاظم عليه السلام مثله.

وفي الكافي والعياشي عن الصادق ومما فرض الله في المال من غير الزكاة قوله تعالى الذين يصلون ما أمر الله به أن يوصل.

وفي المجمع مثله عن الرضا عليه السلام ويخشون ربهم ويخافون سوء الحساب خصوصا فيحاسبون أنفسهم قبل أن يحاسبوا.

في الكافي والعياشي والمعاني والقمي عن الصادق عليه السلام إنه تلا هذه الآية حين وافي رجلا استقصى حقه من أخيه وقال أتراهم يخافون أن يظلمهم أو يجور عليهم لا ولكنهم خافوا الاستقصاء والمداقة فسماه الله سوء الحساب فمن استقصى فقد أساء.

وفي المجمع والعياشي عنه عليه السلام أن تحسب عليهم السيئات وتحسب لهم الحسنات وهو الاستقصاء وفي مصباح الشريعة عنه عليه السلام لو لم يكن للحساب مهولة إلا حياء العرض على الله وفضيحة هتك الستر على المخفيات لحق للمرء أن لا يهبط من رؤس الجبال ولا يأوي إلى عمران ولا يأكل ولا يشرب ولا ينام إلا عن اضطرار متصل بالتلف.

(22) والذين صبروا على القيام بأوامر الله ومشاق التكاليف وعلى المصائب في النفوس والأموال وعن معاصي الله ابتغاء وجه ربهم طلبا لرضاه وأقاموا الصلاة وأنفقوا مما رزقناهم سرا وعلانية ويدرؤن بالحسنة السيئة يدفعونها بها فيجازون الإساءة بالإحسان ويتبعون الحسنة السيئة فتمحوها.

القمي عن الصادق عليه السلام قال قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وسلم لعلي عليه السلام يا علي ما من دار فيها قرحة إلا تبعها ترحة نوحة خ ل وما من هم إلا وله فرج إلا هم أهل النار إذا عملت سيئة فأتبعها بحسنة تمحها سريعا وعليك بصنائع الخير فإنها تدفع مصاريع السوء وإنما قال رسول الله صلى الله عليه وآله لأمير المؤمنين عليه السلام على حد تأديب الناس لا بأن لأمير المؤمنين عليه السلام سيئات عملها أولئك لهم عقبى الدار عاقبة الدار وما ينبغي أن يكون مآل أهلها وهي الجنة.

(23) جنات عدن يدخلونها العدن الإقامة أي جنات يقيمون فيها وقد مضى في شأنها أخبار في سورة التوبة ومن صلح من آبائهم وأزواجهم وذريتهم يلحق بهم من صلح منهم وإن لم يبلغ مبلغ فضلهم تبعا لهم وتعظيما لشأنهم وليكونوا مسرورين بهم آنسين بصحبتهم.

العياشي عن الصادق عليه السلام إنه سئل عن الرجل المؤمن له امرأة مؤمنة يدخلان الجنة يتزوج أحدهما الاخر فقال إن الله حكم عدل إذا كان أفضل منها خيره فإن اختارها كانت في أزواجه وإن كانت هي خيرا منه خيرها فإن اختارته كان زوجا لها.

وفي الخصال عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم وسلم أن أم سلمة قالت له بأبي أنت وأمي المرأة يكون لها زوجان فيموتان فيدخلان الجنة لأيهما تكون فقال يا أم سلمة تخير أحسنهما خلقا وخيرهما لأهله يا أم سلمة إن حسن الخلق ذهب بخير الدنيا والآخرة والملائكة يدخلون عليهم من كل باب من أبواب غرفهم وقصورهم.

(24) سلام عليكم بما صبرتم هذا بسبب صبركم فنعم عقبى الدار.

القمي نزلت في الأئمة عليهم السلام وشيعتهم الذين صبروا وعن الصادق عليه السلام نحن صبر وشيعتنا أصبر منا لأنا صبرنا بعلم وشيعتنا صبروا على ما لا يعلمون.

في الكافي والقمي عن الباقر عليه السلام عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم في حديث يصف فيه حال المؤمن إذا دخل الجنان والغرف وسنذكر صدره في سورتي فاطر والزمر إن شاء الله قال ثم يبعث الله له إليه خ ل ألف ملك يهنؤونه بالجنة ويزوجونه بالحوراء فينتهون إلى أول باب من جنانه فيقولون للملك الموكل بأبواب الجنان استأذن لنا على ولي الله فإن الله قد بعثنا مهنئين فيقول الملك حتى أقول للحاجب فيعلمه مكانكم قال فيدخل الملك إلى الحاجب وبينه وبين الحاجب ثلاث جنان حتى ينتهي إلى أول باب فيقول للحاجب إن على باب العرصة ألف ملك أرسلهم رب العالمين جاؤوا يهنئون ولي الله وقد سألوني أن أستأذن لهم عليه فيقول له الحاجب إنه ليعظم علي أن أستأذن لأحد على ولي الله وهو مع زوجته قال وبين الحاجب وبين ولي الله جنتان فيدخل الحاجب على القيم فيقول له إن على باب العرصة ألف ملك أرسلهم رب العالمين يهنئون ولي الله فأستأذن لهم فيقوم القيم إلى الخدام فيقول لهم أن رسل الجبار على باب العرصة وهم ألف ملك أرسلهم يهنئون ولي الله فأعلموه مكانهم قال فيعلمونه قال فيؤذن لهم فيدخلون على ولي الله وهو في الغرفة ولها ألف باب وعلى كل باب من أبوابها ملك موكل به فإذا أذن للملائكة بالدخول على ولي الله فتح كل ملك بابه الذي قد وكل به فيدخل كل ملك من باب من أبواب الغرفة فيبلغونه رسالة الجبار وذلك قول الله عز وجل والملائكة يدخلون عليهم من كل باب يعني من أبواب الغرفة سلام عليكم بما صبرتم فنعم عقبى الدار.

(25) والذين ينقضون عهد الله من بعد ميثاقه من بعد ما أوثقوه به من الإقرار والقبول.

القمي يعني في أمير المؤمنين وهو الذي أخذ الله عليهم في الذر وأخذ عليهم رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بغدير خم ويقطعون ما أمر الله به أن يوصل من الرحم وغيرها ويفسدون في الأرض بالظلم وتهييج الفتن أولئك لهم اللعنة ولهم سوء الدار عذاب النار.

(26) الله وحده يبسط الرزق لمن يشاء ويقدر يوسعه ويضيقه دون غيره وفرحوا بالحياة الدنيا بما بسط لهم فيها وما الحياة الدنيا في الآخرة في جنب الآخرة إلا متاع إلا شئ قليل يتمتع به ثم يفنى ولا يدوم كعجالة الراكب يعني أنهم اشروا (15) بما نالوا من الدنيا ولم يصرفوه فيما يستوجبون به نعيم الآخرة واغتروا بما هو في جنبه نزر قليل النفع سريع الزوال.

(28) ويقول الذين كفروا لولا أنزل عليه اية من ربه قل إن الله يضل من يشاء باقتراح الآيات بعد ظهور المعجزات ويهدى إليه من أناب من أقبل إلى الحق ورجع عن العناد.

(28) الذين آمنوا وتطمئن قلوبهم بذكر الله تسكن إليه أنسابه واعتمادا عليه ورجاء منه.

العياشي عن الصادق عليه السلام بمحمد صلى الله عليه وآله وسلم تطمئن وهو ذكر الله وحجابه.

والقمي الذين آمنوا الشيعة وذكر الله أمير المؤمنين عليه السلام والأئمة عليهم السلام ألا بذكر الله تطمئن القلوب.

(29) الذين آمنوا وعملوا الصالحات طوبى لهم من الطيب مصدر كبشرى وزلفى وحسن مآب مرجع.

في الكافي عن الصادق عليه السلام طوبى شجرة في الجنة أصلها في دار النبي صلى الله عليه وآله وسلم ليس من مؤمن إلا وفي داره غصن منها لا يخطر على قلبه شهوة شئ إلا أتاه به ذلك ولو أن راكبا مجدا سار في ظلها مائة عام ما خرج منه ولو طار من أسفلها غراب ما بلغ أعلاها حتى يسقط هرما ألا ففي هذا فارغبوا.

والعياشي عن الباقر عليه السلام عن أمير المؤمنين عليه السلم مثله.

وفي الإكمال عن الصادق عليه السلام طوبى لمن تمسك بأمرنا في غيبة قائمنا فلم يزغ قلبه بعد الهداية فقيل له وما طوبى قال شجرة في الجنة أصلها في دار علي بن أبي طالب صلوات الله عليه وليس مؤمن إلا وفي داره غصن من أغصانها وذلك قول الله طوبى لهم وحسن مآب.

والأخبار في تفسير طوبى بالشجرة التي في الجنة وذكر أوصاف تلك الشجرة كثيرة رواها القمي والعياشي وفي العيون والخصال والاحتجاج وغيرها.

وفي المجمع عن الكاظم عليه السلام عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم إنه سئل عن طوبى قال شجرة أصلها في داري وفرعها على أهل الجنة ثم سئل عنها مرة أخرى فقال صلى الله عليه وآله وسلم في دار علي عليه السلام فقيل له في ذلك فقال إن داري ودار علي عليه السلام في الجنة بمكان واحد.

(30) كذلك مثل ذلك الإرسال أرسلناك في أمة قد خلت من قبلها تقدمتها أمم أرسلوا إليهم فليس ببدع إرسالك إليها لتتلوا عليهم الذي أوحينا إليك لتقرأ عليهم الكتاب الذي أوحينا إليك وهم يكفرون بالرحمن وحالهم إنهم يكفرون بالواسع الرحمة الذي أحاطت بهم نعمته ووسعت كل شئ رحمته فلم يشكروا نعمه وخصوصا إرسال مثلك إليهم وإنزال مثل هذا القرآن المعجز عليهم قل هو ربى أي الرحمن خالقي ومتولي أمري لا إله إلا هو لا يستحق العبادة إلا هو تعالى عن الشركاء عليه توكلت في نصرتي عليكم وإليه متاب مرجعي فيثيبني على مصابرتكم ومجاهدتكم.

(31) ولو أن قرآنا سيرت به الجبال زعزعت عن مقارها أو قطعت به الأرض تصدعت من خشية الله وتشققت أو كلم به الموتى فتسمع فتجيب لكان هذا القرآن لعظم قدره وجلالة شأنه.

القمي قال لو كان شئ من القرآن كذلك لكان هذا.

وفي الكافي عن الكاظم عليه السلام وقد ورثنا نحن هذا القرآن الذي فيه ما تسير به الجبال وتقطع به البلدان وتحيي به الموتى بل لله الامر جميعا بل لله القدرة على كل شئ أفلم ييأس الذين آمنوا قيل أي أفلم يعلم وهي لغة قوم من النخع وقيل إنما استعمل اليأس بمعنى العلم لتضمنه معناه لأن اليائس عن الشئ عالم بأنه لا يكون.

وفي المجمع قرأ علي وعلي بن الحسين وجعفر بن محمد عليهم السلام أفلم يتبين قيل وينسب هذه القراءة إلى جماعة من الصحابة والتابعين وهو تفسيره أن لو يشاء الله لهدى الناس جميعا ولا يزال الذين كفروا تصيبهم بما صنعوا من الكفر وسوء الأفعال قارعة (16) داهية تقرعهم من صنوف المصائب في نفوسهم وأموالهم أو تحل القارعة قريبا من دارهم فيفزعون منها ويتطاير إليهم شررها كالسرايا التي يبعثها رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فتغير أحوالهم وتختطف مواشيهم حتى يأتي وعد الله إن الله لا يخلف الميعاد.

القمي عن الباقر عليه السلام ولا يزال الذين كفروا تصيبهم بما صنعوا قارعة وهي النقمة أو تحل قريبا من دارهم فتحل بقوم غيرهم فيرون ذلك ويسمعون به والذين حلت بهم عصاة كفار مثلهم ولا يتعظ بعضهم ببعض ولن يزالوا كذلك حتى يأتي وعد الله الذي وعد المؤمنين من النصر ويخزي الله الكافرين.

(32) ولقد استهزئ برسل من قبلك فأمليت للذين كفروا ثم أخذتهم تسلية لرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ووعيد للمستهزئين به والمقترحين عليه والإملاء أن يترك ملأة من الزمان في أمن ودعة.

والقمي أي طولت لهم الأمل ثم أهلكتهم فكيف كان عقاب عقابي إياهم.

(33) أفمن هو قائم على كل نفس رقيب عليه وحافظ بما كسبت من خير وشر فلا يخفي عليه شئ من أعمالهم ولا يفوت عنده شئ من جزائهم كمن ليس كذلك وجعلوا لله شركاء قل سموهم من هم أو صفوهم فانظروا هل لهم ما يستحقون به العبادة ويستأهلون الشركة أم تنبئونه بل أتنبؤنه بما لا يعلم في الأرض بشركاء لا يعلمهم في الأرض وهو العالم بما في السماوات والأرض فإذا لم يعلمهم فإنهم ليسوا بشئ يتعلق به العلم والمراد نفي أن يكون له شركاء أم بظاهر من القول أم تسمونهم شركاء بظاهر من القول من غير حقيقة واعتبار كتسمية الزنجي كافورا وهذه الأساليب.

في الاحتجاج ينادي بلسان فصيح إنها ليست من كلام البشر بل زين للذين كفروا مكرهم تمويههم فتخيلوا أباطيل ثم خالوها وصدوا عن السبيل سبيل الحق وقرئ بفتح الصاد ومن يضلل الله يخذله فما له من هاد يوفقه للهدى.

(34) لهم عذاب في الحياة الدنيا بالقتل والأسر وسائر المصائب ولعذاب الآخرة أشق لشدته ودوامه وما لهم من الله من واق من دافع.

(35) مثل الجنة التي وعد المتقون صفتها التي هي مثل في الغرابة تجرى من تحتها الأنهار أكلها دائم لا مقطوعة ولا ممنوعة وظلها كذلك تلك عقبى الذين اتقوا وعقبى الكافرين النار.

(36) والذين آتيناهم الكتب يفرحون بما أنزل إليك.

القمي عن الباقر عليه السلام أي يفرحون بكتاب الله إذا يتلى عليهم وإذا تلوه تفيض أعينهم دمعا من الفزع والحزن ومن الأحزاب وممن تحزب على رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بالعداوة من ينكر بعضه وهو ما يخالف شرائعهم قل إنما أمرت أن أعبد الله ولا أشرك به فإنكاركم إنكار لعبادة الله وتوحيده إليه ادعوا لا إلى غيره وإليه مآب وإليه مرجعي لا إلى غيره قيل يعني هذا هو المتفق عليه بين الأنبياء فأما ما عدا ذلك من التفاريع فمما يختلف بالعصور والأمم فلا معنى لإنكاركم والمخالفة فيه وأنتم تقولون مثل ذلك.

(37) وكذلك أنزلناه ومثل هذا الانزال أنزلناه مأمورا فيه بعبادة الله وتوحيده والدعوة إليه وإلى دينه حكما عربيا حكمة عربية مترجمة بلسان العرب ولئن اتبعت أهوائهم في أمور يدعونك إلى أن توافقهم عليها بعد ما جاءك من العلم بنسخ ذلك ما لك من الله من ولي ينصرك ولا واق يمنع العقاب عنك وهو حسم لأطماعهم وتهييج للمؤمنين على الثبات في دينهم.

(38) ولقد أرسلنا رسلا من قبلك بشرا مثلك وجعلنا لهم أزواجا وذرية نساء وأولادا كما هي لك.

في الجوامع كانوا يعيرون رسول الله بكثرة تزوج النساء فقيل إن الرسل قبله كانوا مثله ذوي أزواج وذرية.

العياشي عن الصادق عليه السلام فما كان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم إلا كأحد أولئك جعل الله له أزواجا وجعل له ذرية لم يسلم مع أحد من الأنبياء من أسلم مع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم من أهل بيته أكرم الله بذلك رسوله وفي رواية أخرى فنحن ذرية رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وما كان لرسول وما صح له ولم يكن في وسعه أن يأتي بآية يقترح عليه وحكم يلتمس منه إلا بإذن الله فإنه القادر على ذلك لكل أجل كتاب لكل وقت حكم يكتب على العباد ولهم ما يقتضيه صلاحهم.

يمحوا الله ما يشاء ويثبت وقرئ بالتشديد وعنده أم الكتاب يعني أصل الكتب وهو اللوح المحفوظ عن المحو والتبديل وهو جامع للكل ففيه إثبات المثبت وإثبات الممحو ومحوه وإثبات بدله ينسخ ما ينبغي نسخه ويثبت ما يقتضيه حكمته ويمحو سيئات التائب ويثبت الحسنات مكانها ويمحو من كتاب الحفظة ما لا يتعلق به جزاءا ويترك غيره مثبتا أو يثبت ما رآه في صميم قلب عبده ويمحو الفاسدات ويثبت الكائنات ويمحو قرنا ويثبت آخرين والأخير مروي عن أمير المؤمنين عليه السلام رواه في المجمع وهو أحد معانيها المراد بها كلها قال وهو كقوله تعالى ثم أنشأنا من بعدهم قرنا آخرين وقوله كم أهلكنا قبلهم من القرون.

في الكافي والعياشي عن الصادق عليه السلام هل يمحي إلا ما كان ثابتا وهل يثبت إلا ما لم يكن.

والقمي والعياشي عنه عليه السلام إذا كان ليلة القدر نزلت الملائكة والروح والكتبة إلى سماء الدنيا فكتبوا ما يكون من قضاء الله تعالى تلك السنة فإذا أراد الله أن يقدم شيئا أو يؤخره أو ينقص شيئا أمر الملك أن يمحو ما يشاء ثم أثبت الذي أراد.

وفي الكافي ما في معناه.

والعياشي عن الباقر عليه السلام إن الله عرض على آدم أسماء الأنبياء وأعمارهم الحديث وقد مضى في أواخر سورة البقرة نقلا من العلل.

وعن الصادق عليه السلام إنه سئل عن قوله الله تعالى ادخلوا الأرض المقدسة التي كتب الله لكم قال كتبها لهم ثم محاها ثم كتبها لأبنائهم فدخلوها والله يمحو ما يشاء ويثبت وعنده أم الكتاب.

وعنه عن أبيه عليهما السلام قال قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم إن المرء ليصل رحمه وما بقي من عمره إلا ثلاث سنين فيمدها الله إلى ثلاث وثلاثين سنة وإن المرء ليقطع رحمه وقد بقي من عمره ثلاث وثلاثون سنة فينقصها الله إلى ثلاث سنين أو أدنى قال وكان الصادق عليه السلام يتلو هذه الآية.

وعنه عليه السلام إنه سئل عن قول الله تعالى يمحوا الله ما يشاء ويثبت وعنده أم الكتاب قال إن ذلك الكتاب كتاب يمحو الله فيه ما يشاء ويثبت فمن ذلك الذي يرد الدعاء القضاء وذلك الدعاء مكتوب عليه الذي يرد به القضاء حتى إذا صار إلى أم الكتاب لم يغن الدعاء فيه شيئا.

وفي المجمع عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم هما كتابان كتاب سوي أم الكتاب يمحو الله منه ما يشاء ويثبت وأم الكتاب لا يغير منه شئ وعن الصادق عليه السلام هما أمران موقوف ومحتوم فما كان من محتوم أمضاه وما كان من موقوف فله فيه المشية يقضي فيه ما يشاء.

والعياشي عن الباقر عليه السلام إنه قال كان علي بن الحسين عليهما السلام يقول لولا آية في كتاب الله لحدثتكم ما يكون إلى يوم القيامة فقلت له أية آية قال قول الله يمحوا الله ما يشاء ويثبت وعنده أم الكتب ومثله في التوحيد عن أمير المؤمنين عليه السلام.

وفي الكافي والعياشي عن الباقر عليه السلام العلم (17) علمان فعلم عند الله مخزون لم يطلع عليه أحدا من خلقه وعلم علمه ملائكته ورسله فما علمه ملائكته ورسله فإنه سيكون ولا يكذب نفسه ولا ملائكته ولا رسله وعلم عنده مخزون يقدم منه ما يشاء ويؤخر ما يشاء ويثبت ما يشاء.

أقول: وربما يعلم نادرا من علمه المخزون بعض رسله كما جاءت به الأخبار وبه يحصل التوفيق بين هذا الحديث والذي قبله وتمام تحقيق هذا المقام يطلب من كتابنا المسمى بالوافي في أبواب معرفة مخلوقات الله وأفعاله من الجزء الأول منه.

(40) وإن ما نرينك بعض الذي نعدهم أو نتوفينك وكيف ما دارت الحال أريناك بعض ما وعدناهم أو توفيناك قبله فإنما عليك البلاغ لا غير وعلينا الحساب للمجازاة لا عليك فلا تحتفل بإعراضهم (18) ولا تستعجل بعذابهم فاعلون له وهذا طلائعه (19).

(41) أولم يروا أنا نأتي الأرض ننقصها من أطرافها بذهاب أهلها في الاحتجاج عن أمير المؤمنين عليه السلام يعني بذلك ما يهلك من القرون فسماه اتيانا.

وفي الفقيه عن الصادق عليه السلام إنه سئل عن هذه الآية فقال فقد العلماء.

والقمي قال موت علمائها وفي الكافي عن الباقر عليه السلام كان علي بن الحسين عليهما السلام يقول إنه يسخى نفسي في سرعة الموت والقتل فينا قول الله تعالى أولم يروا أنا نأتي الأرض ننقصها من أطرافها وهو ذهاب العلماء.

أقول: وعلى هذا التفسير يكون الأطراف جمع طرف (20) أو طرف بالتسكين بمعنى العلماء والأشراف كما ذكره في الغريبين والله يحكم لا معقب لحكمه لا راد له والمعقب الذي يعقب الشئ فيبطله وهو سريع الحساب فيحاسبهم عما قليل.

(42) وقد مكر الذين من قبلهم بأنبيائهم والمؤمنين منهم فلله المكر جميعا إذ لا يؤبه بمكر دون مكره فإنه القادر على ما هو المقصود منه دون غيره.

القمي قال المكر من الله هو العذاب يعلم ما تكسب كل نفس فيعد جزاؤه فيأتيه من حيث لا يشعر وسيعلم الكفار وقرئ الكافر لمن عقبى الدار من الحزبين يعني العاقبة الممدوحة وهذا كالتفسير لمكر الله بهم.

(43) ويقول الذين كفروا لست مرسلا قل كفي بالله شهيدا بيني وبينكم فإنه أظهر من الحجج على رسالتي ما يغني عن شاهد يشهد عليها ومن عنده علم الكتاب.

في الكافي والخرايج والعياشي عن الباقر عليه السلام إيانا عنى وعلي أولنا وأفضلنا وخيرنا بعد النبي صلى الله عليه وآله وسلم.

وفي المجمع عن الصادق عليه السلام مثله.

وفي الاحتجاج سأل رجل علي بن أبي طالب صلوات الله عليه عن أفضل منقبة له فقرأ الآية وقال إياي عني بمن عنده علم الكتاب.

وفي المجالس عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم إنه سئل عن هذه الآية قال ذاك أخي علي بن أبي طالب عليه السلام.

والعياشي عن الباقر عليه السلام إنه قيل له هذا ابن عبد الله بن سلام يزعم أن أباه الذي يقول الله قل كفي بالله شهيدا بيني وبينكم ومن عنده علم الكتب قال كذب هو علي بن أبي طالب عليه السلام.

وعنه عليه السلام نزلت في علي عليه السلام إنه عالم هذه الأمة بعد النبي صلى الله عليه وآله وسلم.

والقمي عن الصادق عليه السلام هو أمير المؤمنين عليه السلام وسئل عن الذي عنده علم من الكتاب أعلم أم الذي عنده علم أم الكتاب فقال ما كان الذي عنده علم من الكتاب عند الذي عنده علم الكتاب إلا بقدر ما تأخذ البعوضة بجناحها من ماء البحر وقال أمير المؤمنين عليه السلام ألا إن العلم الذي هبط به آدم من السماء إلى الأرض وجميع ما فضلت به النبيون إلى خاتم النبيين في عترة خاتم النبيين.

وفي الكافي عنه عليه السلام هل وجدت فيما قرأت في كتاب الله تعالى قال الذي عنده علم من الكتاب أنا آتيك به قبل أن يرتد إليك طرفك ثم ذكر ما يقرب مما ذكر بنحو أبسط وقال في آخره علم الكتاب والله كله عندنا علم الكتاب والله كله عندنا.

في ثواب الأعمال والعياشي عن الصادق صلوات الله عليه من أكثر قراءة سورة الرعد لم يصبه الله بصاعقة أبدا ولو كان ناصبيا وإذا كان مؤمنا دخل الجنة بغير حساب ويشفع في جميع من يعرفه من أهل بيته وإخوانه.


1- والاستثناء يعود إلى الامن وإنما قال آمنين لأنهم كانوا فيما خلا يخافون ملوك مصر ولا يدخلونها إلا بجوازهم قال وهب إنهم دخلوا مصر وهم ثلاث وسبعون إنسانا وخرجوا مع موسى وهم ستمائة الف وخمسمائة وبضع وسبعون رجلا مجمع البيان.

2- في حديث علي عليه السلام هي يعني الدنيا منزل قلعة وليست بدار نجعة قوله منزل قلعة بضم القاف إذا لم تصلح للاستيطان والنجعة بضم النون أيضا طلب الكلاء وحاصله انها ليست دار راحة وطيب عيش والانتجاع طلب الاحسان ومنه انتجعت فلانا إذا اتيته تطلب معروفه والانتجاع طلب النبات والعلف والماء م?.

3- العنين الذي لا يقدر على اتيان النساء ولا يشتهي النساء وامرأة عنينة لا تشتهي الرجال.

4- فيهما فان تكونهما وتخصصهما بوجه دون وجه دليل على وجود صانع حكيم دبر أمرهما وهيأ أسبابهما.

5- لتمسك الأرض ولو أراد ان يمسكها من غير جبال لفعل الا انه أمسكها بالرواسي لان ذلك أقرب إلى افهام الناس وادعى لهم إلى الاستدلال والنظر م?.

6- السبخة بالفتح واحدة السباخ وهي ارض مالحة يعلوها الملوحة ولا تكاد تنبت الا بعض الأشجار يقال سبخت الأرض من باب تعب فهي سبخة بكسر الباء واسكانها تخفيف ويجمع المكسور على سبخات مثل كلمة وكلمات والساكن على سباخ مثل كلبة وكلاب م?.

7- وفي هذا أوضح دلالة على أن لهذه الأشياء صانعا قادرا أحدثها وأبدعها ودبرها على ما تقتضيه حكمته والاكل الثمر الذي يؤكل م? ن.

8- بدل من قولهم أو مفعول له والفاعل في إذا محذوف دل عليه لفي خلق جديد.

9- تمادى في الذنوب لج وداوم وتوسع فيها ومثله تمادى في الجهل وتمادى في غيه م?.

10- غاض الماء يغيض غيضا من باب سار ومغاض أي قل ونضب في الأرض وانغاض مثله وغيض الماء فعل به ذلك قوله وما تغيض الأرحام اي تنقص عن مقدار الحمل الذي يسلم معه الولد م?.

11- وقيل عالم بالمعدوم والموجود والغيب هو المعدوم وقيل عالم السر والعلانية والأولى ان يحمل على العموم ويدخل في هاتين الكلمتين كل معلوم نبه سبحانه على أنه عالم بجميع الموجودات منها والمعدومات منها م? ن.

12- خبأه كمنعه سره كخبأه واختبأه ق.

13- من سرب سروبا إذا برز وهو عطف على من أو مستخف على أن من في معنى الاثنين كقوله تكن مثل من يا ذئب يصطحبان كأنه قال سواء منكم اثنان مستخف بالليل وسارب بالنهار.

14- الركية البئر جمع ركي وركايا ق.

15- فلان سلس قياد أي سهل الانقياد من غير توقف.

16- أشر كفرح فهو أشر وأشر واشر بالفتح ويحرك واشران مرح ج أشرون واشرون واشرى واشارى.

17- القارعة البلية التي تقرع القلب لشدة المخافة والقرع الضرب بشدة الاعتماد وقوارع الدهر دواهيه.

18- بيان وذلك لان صورة الكائنات كلها منتقشة في أم الكتاب المسمى باللوح المحفوظ تارة وهو العالم العقلي والخلق الأول وفي كتاب المحو والاثبات أخرى وهو العالم النفسي والخلق الثاني وأكثر اطلاع الأنبياء والرسل على الأول وهو محفوظ من المحو والاثبات وحكمه محتوم بخلاف الثاني فإنه موقوف وفي الأول اثبات المحو في الثاني واثبات الاثبات فيه ومحو الاثبات عند وقوع الحكم وانشاء امر آخر فهو مقدس عن المحو يحكم باختلاف الأمور وعواقبها مفصلة مسطرة بتقدير العزيز العليم (وافي).

19- وما حفله وبه يحفله وما احتفل به ما بالي ق.

20- وطليعة الجيش من يبعث ليطلع طلع العدو للواحد والجميع جمعه طلايع ق.