آل عمران (تكملة)

في المجمع عن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) ما من مولود يولد الا والشيطان يمسه حين يولد فيستهل صارخا من مسه الا مريم وابنها، قيل معناه ان الشيطان يطمع في اغواء كل مولود بحيث يتأثر من طمعه فيه الا مريم وابنها فان الله عصمهما ببركة هذه الاستعاذة.

(37) فتقبلها ربها فرضي بها في النذر مكان الذكر بقبول حسن بوجه حسن يقبل به النذائر وهو اقامتها مقام الذكر وتسلمها عقيب ولادتها قبل أن تكبر وتصلح للسدانة، روي أن حنة لما ولدتها لفتها في خرقة وحملتها إلى المسجد ووضعت عند الأحبار وقالت دونكم هذه النذرة فتنافسوا فيها لأنها كانت بنت امامهم وصاحب قربانهم فان بني ما ثان كانت رؤوس بني إسرائيل وملوكهم فقال زكريا انا أحق بها عندي خالتها فأبوا الا القرعة وكانوا سبعة وعشرين فانطلقوا إلى نهر فألقوا فيه أقلامهم فطفا قلم زكريا ورسبت أقلامهم فتكفلها.

أقول: وفي رواية أصحابنا أن زوجة زكريا كانت أختها لا خالتها.

رواه القمي والعياشي عن الباقر (عليه السلام) ويأتي من تفسير الامام أيضا ما يدل عليه.

وأنبتها نباتا حسنا مجاز عن تربيتها بما يصلحها في جميع أحوالها وكفلها وقرئ بالتشديد اي الله زكريا وقرئ بالقصر حيث وقع كلما دخل عليها زكريا المحراب أي الغرفة التي بنيت لها أو المسجد أو اشرف مواضعه ومقدمها سمي به لأنه محل محاربة الشيطان كأنها وضعت في اشرف موضع من بيت المقدس وجد عندها رزقا جواب كلما روي أنه كان لا يدخل عليها غيره وإذا خرج أغلق عليها سبعة أبواب وكان يجد عندها فاكهة الشتاء في الصيف وبالعكس.

أقول: ويأتي مثله في رواية أصحابنا قال يا مريم أنى لك هذا من أين لك هذا الرزق الآتي في غير أوانه والأبواب مغلقة عليك قالت هو من عند الله فلا تستبعد إن الله يرزق من يشاء بغير حساب العياشي عن الباقر (عليه السلام) قال إن فاطمة ضمنت لعلي (عليه السلام) عمل البيت والعجن والخبز وقم البيت وضمن لها علي (عليه الصلاة والسلام) ما كان خلف الباب من نقل الحطب وأن يجئ بالطعام فقال لها يوما يا فاطمة هل عندك شئ قالت لا والذي عظم حقك ما كان عندنا منذ ثلاثة أيام شئ نقريك به قال أفلا أخبرتني قالت كان رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) نهاني ان أسألك شيئا فقال لا تسألي ابن عمك شيئا ان جاءك بشئ عفو والا فلا تسأليه قال فخرج علي (عليه السلام) فلقي رجلا فاستقرض منه دينارا ثم أقبل به وقد أمسى فلقي مقداد بن الأسود فقال للمقداد ما أخرجك في هذه الساعة قال الجوع والذي عظم حقك يا أمير المؤمنين قال فهو أخرجني وقد استقرضت دينارا وسأوثرك به فدفعه إليه فأقبل فوجد رسول الله جالسا وفاطمة تصلي وبينهما شئ مغطى فلما فرغت اختبرت ذلك فإذا جفنة من خبز ولحم قال يا فاطمة انى لك هذا قالت هو من عند الله ان الله يرزق من يشاء بغير حساب، فقال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) الا أحدثك بمثلك ومثلها قال بلى قال: مثل زكريا إذ دخل على مريم المحراب فوجد عندها رزقا قال يا مريم انى لك هذا قالت هو من عند الله ان الله يرزق من يشاء بغير حساب فأكلوا منها شهرا وهي الجفنة التي يأكل منها القائم وهي عندنا.

وفي الكافي أورد هذا الخبر بنحو آخر من طريق العامة بنحو ثالث أوردها الزمخشري والبيضاوي وغيرهما في تفاسيرهم.

(38) هنالك في ذلك المكان أو الوقت دعا زكريا ربه لما رأى كرامة مريم ومنزلتها من الله.

العياشي عن الباقر (عليه السلام) انها كانت أجمل النساء وكانت تصلي فيضئ المحراب لنورها فدخل عليها زكريا فإذا عندها فاكهة الشتاء في الصيف وفاكهة الصيف في الشتاء فقال إني لك هذا قالت هو من عند الله هنالك دعا زكريا ربه.

وفي تفسير الامام في سورة البقرة ان زكريا (عليه السلام) قال في نفسه ان الذي يقدر ان يأتي مريم بفاكهة الشتاء في الصيف وفاكهة الصيف في الشتاء لقادر ان يهب لي ولدا وإن كنت شيخا وكانت امرأتي عاقرا فهنالك دعا زكريا ربه.

قال رب هب لي من لدنك ذرية طيبة ولدا مباركا كما وهبتها لحنة قيل كانت عنده ايشاع بنت عمران بن ما ثان أخت حنة فرغب أن يكون له ولد منها مثل ولد أختها حنة في الكرامة على الله إنك سميع الدعاء.

(39) فنادته وقرئ فناداه بالتذكير الملائكة وهو قائم يصلي في المحراب أن الله وقرئ بكسر الهمزة يبشرك وقرئ بفتح الياء وضم الشين وكذا فيما يأتي بيحيى مصدقا بكلمة من الله يعني بعيسى كما يأتي عن قريب وسيدا يسود قومهم ويفوقهم وكان فائقا للناس كلهم في أنه ما هم بمعصية.

وفي تفسير الإمام (عليه السلام) يعني رئيسا في طاعة الله على أهل طاعته.

وحصورا مبالغا في حصر النفس عن الشهوات والملاهي، روي أنه مر في صباه بصبيان فدعوه إلى اللعب فقال ما للعب خلقت.

وعن الصادق (عليه السلام) هو الذي لا يأتي النساء ويأتي ذكر الروايتين في سورة مريم انشاء الله ونبيا من الصالحين كائنا من عدادهم أو ناشئا منهم.

في تفسير الامام عند قوله واستشهدوا شهيدين من رجالكم ما الحق الله صبيانا برجال كاملي العقول الا هؤلاء الأربعة عيسى بن مريم ويحيى بن زكريا والحسن والحسين (عليهم الصلاة والسلام) ثم ذكر قصتهم ثم قال وكان أول تصديق يحيى بعيسى ان زكريا كان لا يصعد إلى مريم في تلك الصومعة غيره يصعد إليها بسلم فإذا نزل اقفل عليها ثم فتح لها من فوق الباب كوة صغيرة يدخل عليها منها الريح فلما وجد مريم وقد حبلت ساءه ذلك وقال في نفسه ما كان يصعد إلى هذه أحد غيري وقد حبلت والآن أفتضح في بني إسرائيل لا يشكون اني أحبلتها فجاء إلى امرأته وقال لها ذلك فقالت يا زكريا لا تخف فان الله لن يصنع بك الا خيرا فأتني بمريم انظر إليها وأسألها عن حالها فجاء بها زكريا إلى امرأته فكفى الله مريم مؤنة الجواب عن السؤال ولما دخلت إلى أختها وهي الكبرى ومريم الصغرى لم تقم إليها امرأة زكريا فاذن الله تعالى ليحيى وهو في بطن أمه فنخس بيده في بطنها وأزعجها وناداها يا أمه تدخل إليك سيدة نساء العالمين مشتملة على سيدة رجال العالمين فلا تقومين لها فانزعجت وقامت إليها وسجد يحيى وهو في بطن أمه لعيسى بن مريم فذلك كان أول تصديقه له فذلك قول رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) في الحسن والحسين (عليهما السلام).

(40) قال رب أنى يكون لي غلام استبعاد عادي واستفهام وقد بلغني الكبر اثر في السن وأضعفني وامرأتي عاقر لا تلد من العقر بمعنى القطع قال كذلك مثل خلق الولد من الشيخ الفاني والعجوز العاقر الله يفعل ما يشاء من العجائب الخارقة للعادة.

(41) قال رب اجعل لي آية علامة اعرف بها الحمل لاستقبله بالشكر قال آيتك ألا تكلم الناس ثلاثة أيام ان لا تقدر على تكليم الناس ثلاثا قيل وإنما حبس لسانه عن مكالمتهم خاصة ليخلص المدة لذكر الله وشكره قضاء لحق النعمة وكأنه قال آيتك أن تحبس لسانك الا عن الشكر.

العياشي عن الصادق (عليه السلام) قال إن زكريا لما دعا ربه ان يهب له ولدا فنادته الملائكة بما نادته به أحب أن يعلم أن ذلك الصوت من الله فأوحى إليه ان آية ذلك ان يمسك لسانه عن الكلام ثلاثة أيام فلما امسك لسانه ولم يتكلم علم أنه لا يقدر على ذلك الا الله وذلك قول الله رب اجعل لي آية.

إلا رمزا إشارة، العياشي عن أحدهما (عليهما السلام) فكان يؤمي برأسه واذكر ربك كثيرا قيل يعني في أيام العجز عن تكلم الناس وهو مؤكد لما قبله مبين للغرض منه وسبح بالعشي من الزوال أو العصر إلى الغروب والإبكار من طلوع الفجر إلى الضحى.

(42) وإذ قالت الملائكة يا مريم إن الله اصطفاك وطهرك واصطفاك على نساء العالمين كلموها شفاها لأنها كانت محدثة تحدثهم ويحدثونها قيل الاصطفاء الأول تقبلها من أمها ولم تقبل قبلها أنثى وتفريغها للعبادة واغناؤها برزق الجنة عن الكسب وتطهيرها عما يستقذر من النساء والثاني هدايتها وارسال الملائكة إليها وتخصيصها بالكرامات السنية كالولد من غير أب وتبرأتها عما قذفته اليهود بانطاق الطفل وجعلها وابنها آية للعالمين.

وفي المجمع عن الباقر (عليه السلام) معنى الآية اصطفاك من ذرية الأنبياء وطهرك من السفاح واصطفاك لولادة عيسى من غير فحل.

(43) يا مريم اقنتي لربك واسجدي واركعي مع الراكعين في جماعتهم أو كوني في عدادهم أمرت بالصلاة بذكر أركانها.

القمي إنما هو اركعي واسجدي وعده مما وقع فيه التقديم والتأخير من القرآن.

وفي العلل عن الصادق (عليه السلام) قال سميت فاطمة محدثة لأن الملائكة كانت تهبط من السماء فتناديها كما تنادي مريم بنت عمران فتقول يا فاطمة ان الله اصطفاك وطهرك واصطفاك على نساء العالمين يا فاطمة اقنتي لربك واسجدي واركعي مع الراكعين فتحدثهم ويحدثونها فقالت لهم ذات ليلة أليست المفضلة على نساء العالمين مريم بنت عمران فقالوا ان مريم كانت سيدة نساء عالمها وان الله عز جلاله جعلك سيدة نساء عالمك وعالمها وسيدة نساء الأولين والآخرين.

(44) ذلك من أنباء الغيب نوحيه إليك وما كنت لديهم إذ يلقون أقلامهم أيهم يكفل مريم العياشي عن الباقر (عليه السلام) يقرعون بها حين ايتمت من أبيها وما كنت لديهم إذ يختصمون تنافسا في كفالتها.

(45) إذ قالت الملائكة يا مريم إن الله يبشرك بكلمة منه اسمه المسيح قيل أصله بالعبرية مشيحا ومعناه المبارك عيسى بن مريم قيل هو معرب ايشوع وجيها القمي ذو وجه وجاه في الدنيا بالنبوة والرسالة وفي الآخرة بالشفاعة وعلو الرتبة ومن المقربين من الله برفعه إلى السماء وصحبة الملائكة وعلو درجته في الجنة.

(46) ويكلم الناس كلام الأنبياء في المهد حال كونه طفلا وكهلا من غير تفاوت قيل فيه دليل على نزوله لأنه رفع قبل أن يكتهل ومن الصالحين قيل ذكر أحواله المختلفة المتنافية ارشاد إلى أنه بمعزل عن الألوهية.

(47) قالت رب أنى يكون لي ولد ولم يمسسني بشر قال كذلك الله يخلق ما يشاء إذا قضى أمرا فإنما يقول له كن فيكون.

كما يقدر ان يخلق الأشياء مدرجا بأسباب ومواد يقدر أن يخلقها دفعة من غير ذلك.

(48) ويعلمه الكتاب وقرئ بالنون الكتبة أو جنس الكتب المنزلة والحكمة والتوراة والإنجيل خص الكتابان لفضلهما.

(49) ورسولا ويرسله رسولا إلى بني إسرائيل، في الاكمال عن الباقر (عليه السلام) انه ارسل إلى بني إسرائيل خاصة وكانت نبوته ببيت المقدس أني قد جئتكم بآية من ربكم حجة شاهدة على صحة نبوتي أني أخلق لكم أقدر وأصور شيئا وقرئ إني بالكسر من الطين كهيئة الطير مثل صورته فأنفخ فيه فيكون طيرا حيا طيارا بإذن الله بأمره نبه على أن إحياءه من الله لا منه، وقرئ طائرا وأبرئ الأكمه الأعمى والأبرص وأحي الموتى بإذن الله كرر بإذن الله دفعا لوهم الألوهية فان الأحياء ليس من جنس الأفعال البشرية وأنبئكم بما تأكلون ما تدخرون في بيوتكم بالمغيبات من أحوالكم التي لا تشكون فيها إن في ذلك لآية لكم إن كنتم مؤمنين مصدقين غير معاندين.

القمي عن الباقر (عليه السلام) ان عيسى (عليه السلام) كان يقول لبني إسرائيل اني رسول الله إليكم واني أخلق لكم من الطين كهيئة الطير فانفخ فيه فيكون طيرا بإذن الله وأبرئ الأكمه والأبرص والأكمه هو الأعمى قالوا ما نرى الذي تصنع الا سحرا فأرنا آية نعلم أنك صادق قال أرأيتكم ان أخبرتكم بما تأكلون وما تدخرون في بيوتكم قبل أن تخرجوا وما ادخرتم بالليل تعلمون اني صادق قالوا نعم وكان يقول أنت اكلت كذا وكذا وشربت كذا وكذا ورفعت كذا وكذا فمنهم من يقبل منه فيؤمن ومنهم من يكفر وكان لهم في ذلك آية ان كانوا مؤمنين.

والعياشي مقطوعا قال فمكث عيسى حتى بلغ سبع سنين أو ثمان سنين فجعل يخبرهم بما يأكلون وما يدخرون في بيوتهم فأقام بين أظهرهم يحيي الموتى ويبرئ الأكمه والأبرص ويعلمهم التوراة وانزل الله عليه الإنجيل لما أراد الله عليهم حجة ومرفوعا قال إن أصحاب عيسى سألوه أن يحيي لهم ميتا فأتى بهم إلى قبر سام بن نوح فقال له قم بإذن الله يا سام بن نوح قال فانشق القبر ثم أعاد الكلام فتحرك ثم أعاد الكلام فخرج سام بن نوح فقال له عيسى أيهما أحب إليك تبقى أو تعود قال فقال يا روح الله بل أعود اني لأجد حرقة الموت أو قال لذعة الموت في جوفي إلى يومي هذا.

وفي الكافي والعياشي عن الصادق (عليه السلام) انه سئل هل كان عيسى بن مريم أحيى أحدا بعد موته حتى كان له أكل ورزق ومدة وولد فقال نعم انه كان له صديق مواخ له في الله تعالى وكان عيسى (عليه السلام) يمر به وينزل عليه وان عيسى غاب عنه حينا ثم مر به ليسلم عليه فخرجت إليه أمه فسألها عنه فقالت مات يا رسول الله قال أفتحبين ان تريه قالت نعم فقال لها فإذا كان غدا فأتيك حتى أحييه لك بإذن الله تعالى فلما كان من الغد أتاها فقال لها انطلقي معي إلى قبره فانطلقا حتى اتيا قبره فوقف عيسى ثم دعا الله تعالى فانفرج القبر وخرج ابنها حيا فلما رأته أمه وراءها بكيا فرحمهما عيسى فقال أتحب ان تبقى مع أمك في الدنيا فقال يا نبي الله بأكل ورزق ومدة أم بغير اكل ولا رزق ولا مدة فقال له عيسى بأكل ورزق ومدة تعمر عشرين سنة وتزوج ويولد لك قال نعم إذا فدفعه عيسى إلى أمه فعاش عشرين سنة وولد له.

أقول: وقد صدر عن نبينا (صلى الله عليه وآله وسلم) أمثال ما صدر عن عيسى وأكثر منها واعجب كما رواه في الاحتجاج عن الحسين بن علي (عليهما السلام).

وفي التوحيد عن الرضا (عليه السلام) في حديث له طويل لقد اجتمعت قريش إلى رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) فسألوه أن يحيي لهم موتاهم فوجه معهم علي بن أبي طالب (عليه السلام) فقال له اذهب إلى الجبانة فناد بأسماء هؤلاء الرهط الذين يسألون عنهم بأعلى صوتك يا فلان ويا فلان ويا فلان يقول لكم محمد (صلى الله عليه وآله وسلم) قوموا بإذن الله تعالى فقاموا ينفضون التراب عن رؤوسهم وأقبلت قريش تسألهم عن أمورهم ثم أخبروهم ان محمدا (صلى الله عليه وآله وسلم) قد بعث نبيا وقالوا وددنا ان كنا أدركناه فنؤمن به قال (عليه السلام) ولقد أبرأ الأكمه والأبرص والمجانين وكلمه البهائم والطير والجن والشياطين.

(50) ومصدقا لما بين يدي من التوراة ولأحل لكم بعض الذي حرم عليكم في شريعة موسى (عليه السلام) كالشحوم والثروب (1) والسمك ولحوم الإبل والعمل بالسبت كذا قيل.

والعياشي عن الصادق (عليه السلام) قال كان بين داود وعيسى بن مريم (عليهم السلام) اربعماءة سنة وكانت شريعة عيسى (عليه السلام) انه بعث بالتوحيد والإخلاص وبما أوصى به نوح وإبراهيم وموسى (عليهم السلام) وانزل عليه الإنجيل وأخذ عليه الميثاق الذي أخذ على النبيين وشرع له في الكتاب أقام الصلاة مع الدين والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وتحريم الحرام وتحليل الحلال وانزل عليه في الإنجيل مواعظ وأمثال وليس فيها قصاص ولا أحكام حدود ولا فرض مواريث وانزل عليه تخفيف ما كان على موسى (عليه السلام) في التوراة وهو قول الله عز وجل في الذي قال عيسى بن مريم لبني إسرائيل ولأحل لكم بعض الذي حرم عليكم، وامر عيسى (عليه السلام) من معه ممن اتبعه من المؤمنين أن يؤمنوا بشريعة التوراة والإنجيل.

أقول: نسخ بعض احكام التوراة لا ينافي تصديقه كما لا يعود نسخ القرآن بعضه ببعض عليه بتناقض وذلك لأن النسخ في الحقيقة بيان لانتهاء مدة الحكم وتخصيص في الأزمان.

وجئتكم بآية من ربكم لعله كرر هذا القول لأن الأول كان تمهيدا للحجة والثاني تقريبا للحكم ولهذا رتب عليه ما بعده بالفاء.

وقيل بل المراد قد جئتكم بحجة أخرى شاهدة على صحة نبوتي وهي قوله إن الله ربي وربكم فإنه دعوة الحق المجمع عليها بين الرسل الفارق بين النبي والساحر وما بينهما اعتراض فاتقوا الله وأطيعون فاتقوا الله في المخالفة وأطيعوني فيما أدعوكم إليه.

(51) إن الله ربي وربكم إشارة إلى استكمال العلم بالاعتقاد الحق الذي غايته التوحيد فاعبدوه إشارة إلى استكمال العمل بملازمة الطاعة التي هي الاتيان بالأوامر والانتهاء عن المناهي هذا صراط مستقيم إشارة إلى أن الجمع بين الأمرين هو الطريق المشهود له بالاستقامة.

(52) فلما أحس عيسى منهم الكفر لما سمع ورأي انهم يكفرون كذا رواه القمي عن الصادق (عليه السلام) قال من أنصاري إلى الله من أعواني إلى سبيله قال الحواريون حواري الرجل خالصته من الحور وهو البياض الخالص.

في العيون عن الرضا (عليه السلام) انه سئل لم سمي الحواريون الحواريين قال اما عند الناس فإنهم سموا حواريين لأنهم كانوا قصارين يخلصون الثياب من الوسخ بالغسل وهواسم مشتق من الخبز الحوار واما عندنا فسمي الحواريون الحواريين لأنهم كانوا مخلصين في أنفسهم ومخلصين غيرهم من أوساخ الذنوب بالوعظ والتذكير.

وفي التوحيد عنه (عليه السلام) انهم كانوا اثني عشر رجلا وكان أفضلهم واعلمهم الوقا.

نحن أنصار الله أنصار دينه آمنا بالله واشهد بأنا مسلمون كن شهيدا لنا عند الله يوم القيامة حين يشهد الرسل لقومهم وعليهم.

(53) ربنا آمنا بما أنزلت واتبعنا الرسول فاكتبنا مع الشاهدين بوحدانيتك أو مع الشاهدين مع الناس ولهم.

(54) ومكروا اي الذين أحس عيسى منهم الكفر من اليهود بأن وكلوا عليه من يقتله غيلة ومكر الله حين رفع عيسى والقى شبهه على من قصد اغتياله حتى قتل بدلا منه كما روته العامة.

ومضى عن تفسير الإمام (عليه السلام) أيضا في سورة البقرة أو على أحد من خواصه ليكون معه في درجته كما ذكره القمي ويأتي عن قريب والمكر من حيث إنه في الأصل حيلة يجلب بها غيره إلى مضرة لا يسند إلى الله تعالى الا على سبيل المقابلة والازدواج أو بمعنى المجازاة كما مر عن الرضا (عليه السلام) والله خير الماكرين أقواهم مكرا وأنفذهم كيدا وأقدرهم على العقاب من حيث لا يحتسب المعاقب.

(55) إذ قال الله يا عيسى إني متوفيك متوفي أجلك ومؤخرك إلى أجلك المسمى عاصما إياك من قتلهم أو قابضك من الأرض من توفيت مالي أو مميتك عن الشهوات العائقة عن العروج إلى عالم الملكوت ورافعك إلي إلى محل كرامتي ومقر ملائكتي ومطهرك من الذين كفروا من سوء جوارهم وجاعل الذين اتبعوك من المسلمين والنصارى فوق الذين كفروا من اليهود والمكذبين إلى يوم القيمة يغلبونهم بالحجة والسيف ثم إلي مرجعكم فأحكم بينكم فيما كنتم فيه تختلفون من امر الدين.

(56) فأما الذين كفروا فأعذبهم عذابا شديدا في الدنيا والآخرة وما لهم من ناصرين.

(57) وأما الذين آمنوا وعملوا الصالحات فيوفيهم أجورهم تفسير للحكم وتفصيل له وقرئ فتوفاهم بالتاء والله لا يحب الظالمين في الاكمال عن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) في حديث بعث الله عيسى بن مريم واستودعه النور والعلم والحكم وجميع علوم الأنبياء قبله وزاده الإنجيل وبعثه إلى بيت المقدس إلى بني إسرائيل يدعوهم إلى كتابه وحكمته وإلى الايمان بالله ورسوله فأبى أكثرهم الا طغيانا وكفرا فلما لم يؤمنوا دعا ربه وعزم عليه فمسخ منهم شياطين ليريهم آية فيعتبروا فلم يزدهم ذلك الا طغيانا وكفرا فأتى بيت المقدس فكان يدعوهم ويرغبهم فيما عند الله ثلاثة وثلاثين سنة حتى طلبته اليهود وادعت انها عذبته ودفنته في الأرض حيا وادعى بعضهم انهم قتلوه وصلبوه وما كان الله ليجعل لهم سلطانا عليه وإنما شبه لهم وما قدروا على عذابه ودفنه ولا على قتله وصلبه لأنهم لو قدروا على ذلك لكان تكذيبا لقوله ولكن رفعه الله بعد ان توفاه.

والقمي عن الباقر (عليه السلام) قال إن عيسى (عليه السلام) وعد أصحابه ليلة رفعه الله إليه فاجتمعوا إليه عند المساء وهم اثنا عشر رجلا فأدخلهم بيتا ثم خرج من عين في زاوية البيت وهو ينفض رأسه من الماء فقال إن الله أوحى إلي أنه رافعي إليه الساعة ومطهري من اليهود فأيكم يلقى عليه شبحي فيقتل ويصلب ويكون معي في درجتي فقال شاب منهم انا يا روح الله قال فأنت هوذا فقال لهم عيسى (عليه السلام) اما ان منكم من يكفر بي قبل أن يصبح اثنتي عشرة كفرة فقال له رجل منهم انا هو يا نبي الله فقال عيسى أتحس بذلك في نفسك فلتكن هو ثم قال لهم عيسى اما انكم ستفترقون بعدي على ثلاث فرق فرقتين مفتريتين على الله في النار وفرقة تتبع شمعون صادقة على الله في الجنة ثم رفع الله عيسى (عليه السلام) إليه من زاوية البيت وهم ينظرون إليه ثم قال إن اليهود جاءت في طلب عيسى من ليلتهم فأخذوا الرجل الذي قال له عيسى ان منكم لمن يكفر بي قبل أن يصبح اثنتي عشرة كفرة وأخذوا الشاب الذي القي عليه شبح عيسى (عليه السلام) فقتل وصلب وكفر الذي قال له عيسى (عليه السلام) يكفر قبل أن يصبح اثنتي عشرة كفرة.

(58) ذلك إشارة إلى ما سبق من نبأ عيسى وغيره نتلوه عليك من الآيات والذكر الحكيم المشتمل على الحكم أو المحكم الممنوع من تطرق الخلل إليه يريد به القرآن أو اللوح المحفوظ.

(59) إن مثل عيسى عند الله كمثل آدم أي شأنه الغريب كشأن آدم خلقه من تراب جملة مفسرة للتمثيل مبينة لما له الشبه وهو انه خلق بلا أب كما خلق آدم من التراب بلا أب وأم شبه حاله بما هو أقرب افحاما للخصم وقطعا لمواد الشبه والمعنى خلق قالبه من التراب ثم قال له كن أي أنشأ بشرا كقوله ثم أنشأناه خلقا آخر وقدر تكوينه من التراب ثم كونه فيكون أي فكان في الحال.

(60) الحق هو الحق من ربك فلا تكن من الممترين.

(61) فمن حاجك من النصارى فيه في عيسى (عليه السلام) من بعد ما جاءك من العلم من البينات الموجبة للعلم فقل تعالوا هلموا بالرأي والعزم ندع أبناءنا وأبناءكم ونساءنا ونساءكم وأنفسنا وأنفسكم أي يدع كل منا ومنكم نفسه وأعزة أهله وألصقهم بقلبه إلى المباهلة ويحمل عليها وإنما قدمهم على النفس لأن الرجل يخاطر بنفسه لهم ويحارب دونهم ثم نبتهل أي نتباهل بأن نلعن الكاذب منا والبهلة بالضم والفتح اللعنة واصله الترك من قولهم بهلت الناقة إذا تركتها بلا صرار والصرار خيط يشد فوق الخلف لئلا يرضعها ولدها فنجعل لعنت الله على الكاذبين عطف فيه بيان، روي أنهم لما دعوا إلى المباهلة قالوا حتى ننظر فلما تخالوا قالوا للعاقب وكان ذا رأيهم وما ترى فقال والله لقد عرفتم نبوته ولقد جاءكم بالفصل في أمر صاحبكم والله ما باهل قوم نبيا الا هلكوا فان أبيتم الا ألف دينكم فوادعوا الرجل وانصرفوا فآتوا رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) وقد غدا محتضنا الحسين (عليه الصلاة والسلام) آخذا بيد الحسن وفاطمة (عليهم السلام) تمشي خلفه وعلي خلفها وهو يقول إذا انا دعوت فآمنوا فقال أسقفهم (2): يا معشر النصارى اني لأرى وجوها لو سألوا الله ان يزيل جبلا من مكانه لأزاله فلا تباهلوا فتهلكوا فاذعنوا لرسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) وبذلوا له الجزية الفي حلة حمراء وثلاثين درعا من حديد فقال والذي نفسي بيده لو تباهلوا لمسخوا قردة وخنازير ولاضطرم عليهم الوادي نارا ولاستأصل الله نجران وأهله حتى الطير على الشجر كذا روته العامة وهو دليل على نبوته وفضل من اتى بهم من أهل بيته وشرفهم شرفا لا يسبقهم إليه خلق إذ جعل نفس علي (عليه السلام) كنفسه.

وفي العيون عن الكاظم (عليه الصلاة والسلام) لم يدع أحدا انه ادخله النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) تحت الكساء عند المباهلة للنصارى الا علي بن أبي طالب (عليه السلام) وفاطمة والحسن والحسين (عليهم السلام) فكان تأويل قوله عز وجل أبناءنا الحسن والحسين ونساءنا فاطمة وأنفسنا علي بن أبي طالب (عليهم صلوات الله).

والقمي عن الصادق (عليه السلام) ان نصارى نجران لما وفدوا على رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) وكان سيدهم الأهتم والعاقب والسيد وحضرت صلاتهم فأقبلوا يضربون بالناقوس وصلوا فقال أصحاب رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) يا رسول الله هذا في مسجدك فقال دعوهم فلما فرغوا دنوا من رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) فقالوا له إلى ما تدعو؟فقال: إلى شهادة أن لا إله إلا الله وأني رسول الله وان عيسى عبد مخلوق يأكل ويشرب ويحدث قالوا فمن أبوه فنزل الوحي على رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) فقال: قل لهم ما تقولون في آدم أكان عبدا مخلوقا يأكل ويشرب ويحدث وينكح فسألهم النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) فقالوا نعم قال فمن أبوه فبهتوا فأنزل الله ان مثل عيسى عند الله كمثل آدم خلقه من تراب الآية وقوله فمن حاجك فيه من بعد ما جاءك من العلم إلى قوله فنجعل لعنة الله على الكاذبين فقال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) فباهلوني فان كنت صادقا أنزلت اللعنة عليكم وان كنت كاذبا أنزلت علي فقالوا أنصفت فتواعدوا للمباهلة فلما رجعوا إلى منازلهم قال رؤساؤهم السيد والعاقب والأهتم ان باهلنا بقومه باهلناه فإنه ليس نبيا وان باهلنا بأهل بيته خاصة فلا نباهله فإنه لا يقدم إلى أهل بيته الا وهو صادق فلما أصبحوا جاؤوا إلى رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) ومعه أمير المؤمنين وفاطمة والحسن والحسين (صلوات الله عليهم) فقال النصارى من هؤلاء فقيل لهم ان هذا ابن عمه ووصيه وختنه علي بن أبي طالب وهذه بنته فاطمة وهذان ابناه الحسن والحسين (صلوات الله عليهم) ففرقوا وقالوا لرسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) نعطيك الرضا فاعفنا من المباهلة فصالحهم رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) على الجزية وانصرفوا.

وفي العلل عن الجواد (عليه السلام) ولو قال تعالوا نبتهل فنجعل لعنة الله عليكم لم يكونوا يجيبون للمباهلة وقد عرف الله ان نبيه (صلى الله عليه وآله وسلم) مؤدي عنه رسالته وما هو من الكاذبين وكذلك عرف النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) انه صادق فيما يقول ولكن أحب ان ينصف من نفسه.

(62) إن هذا لهو القصص الحق وما من إله إلا الله.

أتى بمن الزائدة للاستغراق تأكيدا للرد على النصارى في تثليثهم وإن الله لهو العزيز الحكيم لا أحد سواه يساويه في القدرة التامة والحكمة البالغة ليشاركه في الألوهية.

(63) فإن تولوا فإن الله عليم بالمفسدين وعيد لهم وضع المظهر موضع المضمر ليدل على أن التولي عن الحجج والاعراض عن التوحيد افساد للدين ويؤدي إلى افساد النفس بل وإلى افساد العالم.

(64) قل يا أهل الكتاب تعالوا إلى كلمة سواء بيننا وبينكم ألا نعبد إلا الله ان نوحده بالعبادة ونخلص فيها ولا نشرك به شيئا ولا نجعل غيره شريكا له في العبادة ولا يتخذ بعضنا بعضا أربابا من دون الله ولا نقول عزير ابن الله ولا المسيح ابن الله ولا نطيع الأحبار فيما أحدثوا من التحريم والتحليل لأن كلا منهم بشر مثلنا.

في المجمع روي أنهم لما نزلت اتخذوا أحبارهم ورهبانهم أربابا من دون الله قال عدي بن حاتم ما كنا نعبدهم يا رسول الله قال أليس كانوا يحلون لكم ويحرمون فتأخذون بقولهم قال نعم قال هو ذاك فإن تولوا عن التوحيد فقولوا اشهدوا بأنا مسلمون اي لزمتكم الحجة فاعترفوا بأنا مسلمون دونكم قيل انظر إلى ما راعى في هذه القصة من المبالغة في الارشاد وحسن التدرج في الحجاج بين أولا أحوال عيسى وما تعاور عليه من الأطوار المنافية للا لهية ثم ذكر ما يحل عقدتهم ويزيح شبهتهم فلما رأى عنادهم ولجاجهم دعاهم إلى المباهلة بنوع من الاعجاز ثم لما اعرضوا عنها وانقادوا بعض الانقياد عاد عليهم بالارشاد وسلك طريقا أسهل وألزم بأن دعاهم إلى ما وافق عليه عيسى والإنجيل وسائر الأنبياء والكتب ثم لما لم يجد ذلك أيضا عليهم وعلم أن الآيات والنذر لا تغني عنهم اعرض عن ذلك وقال اشهدوا بأنا مسلمون.

(65) يا أهل الكتاب لم تحاجون في إبراهيم وما أنزلت التوراة والإنجيل إلا من بعده قيل تنازعت اليهود والنصارى في إبراهيم وزعم كل فريق انه منهم فترافعوا إلى رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) فنزلت والمعنى أن اليهودية والنصرانية حدثت بنزول التوراة والإنجيل على موسى وعيسى وكان إبراهيم قبل موسى بألف سنة وعيسى بألفين سنة فكيف يكون عليهما أفلا تعقلون فتدعون المحال.

(66) ها أنتم هؤلاء حاججتم فيما لكم به علم فلم تحاجون فيما ليس لكم به علم بهوا بحرف التنبيه عن حالهم التي غفلوا عنها اي أنتم هؤلاء الحمقى وبيان حماقتكم انكم جادلتم فيما لكم به علم مما وجدتموه في التوراة والإنجيل عنادا أو تدعون وروده فيه فلم تجادلون فيما لا علم لكم به ولا ذكر له في كتابكم من دين إبراهيم وقيل هؤلاء بمعنى الذين وقيل عطف بيان لأنتم والله يعلم ما حاججتم فيه من شأن إبراهيم ودينه وأنتم لا تعلمون فلا تتكلموا فيه.

(67) ما كان إبراهيم يهوديا ولا نصرانيا تصريح بمقتضى ما قرره ولكن كان حنيفا مائلا عن العقائد الزائفة مسلما منقادا لله تعالى وليس المراد انه كان على ملة الاسلام والا لاشترك الالزام.

في الكافي عن الصادق (عليه السلام) خالصا مخلصا ليس فيه شئ من عبادة الأوثان.

والعياشي عنه (عليه السلام) قال قال أمير المؤمنين (عليه السلام) لا يهوديا يصلي إلى المغرب ولا نصرانيا يصلي إلى المشرق ولكن كان حنيفا مسلما على دين محمد (صلى الله عليه وآله وسلم).

أقول: يعني كان يصلي إلى الكعبة ما بين المشرق والمغرب وكان دينه موافقا لدين محمد (صلى الله عليه وآله وسلم).

وما كان من المشركين تعريض بأنهم مشركون لاشراكهم به عزيرا والمسيح ورد لادعاء المشركين انهم على ملة إبراهيم.

(68) إن أولى الناس بإبراهيم ان أخصهم به وأقربهم منه من الولي وهو القرب.

للذين اتبعوه من أمته وهذا النبي خصوصا والذين آمنوا من أمته لموافقتهم له في أكثر ما شرع لهم على الأصالة.

في الكافي والعياشي عن الصادق (عليه السلام) هم الأئمة ومن اتبعهم.

والقمي والعياشي عن عمر بن يزيد عنه (عليه السلام) قال أنتم والله من آل محمد فقلت جعلت من أنفسهم جعلت فداك قال نعم والله من أنفسهم ثلاثا ثم نظر إلي ونظرت إليه فقال يا عمر ان الله تعالى يقول في كتابه: ﴿ان أولى الناس﴾ الآية.

وفي المجمع قال قال أمير المؤمنين (عليه السلام) ان أولى الناس بالأنبياء اعلمهم بما جاؤوا به ثم تلا هذه الآية قال إن ولي محمد (صلى الله عليه وآله وسلم) من أطاع الله وان بعدت لحمته وان عدو محمد (صلى الله عليه وآله وسلم) من عصى الله قربت قرابته والله ولي المؤمنين يتولى نصرتهم.

(69) ودت طائفة من أهل الكتاب لو يضلونكم قيل نزلت في اليهود لما دعوا حذيفة وعمارا ومعاذا إلى اليهودية وما يضلون إلا أنفسهم وما يتخطئهم الا ضلال ولا يعود وباله الا عليهم إذ يضاعف به عذابهم أو ما يضلون الا أمثالهم وما يشعرون وزره واختصاص ضرره بهم.

(70) يا أهل الكتاب لم تكفرون بآيات الله بما نطقت من التوراة والإنجيل ودلت على نبوة محمد (صلى الله عليه وآله وسلم) وأنتم تشهدون انها آيات الله أو بما يتلى عليكم من القرآن وأنتم تشهدون نعته في الكتابين أو تعلمون بالمعجزات انه حق أو بالمعجزات وأنتم تشهدون ان ظهور المعجزات يدل على صدق الرسالة.

(71) يا أهل الكتاب لم تلبسون الحق بالباطل بالتحريف وابراز الباطل في صورته أو بالتقصير في المميز بينهما وتكتمون الحق نبوة محمد (صلى الله عليه وآله وسلم) ونعته وأنتم تعلمون عالمون بما تكتمونه.

(72) وقالت طائفة من أهل الكتاب آمنوا بالذي أنزل على الذين آمنوا وجه النهار أي أظهروا الايمان بالقرآن أول النهار واكفروا آخره لعلهم يرجعون يشكون في دينهم ظنا بأنكم قد رجعتم لخلل ظهر لكم.

والقمي عن الباقر (عليه السلام) ان رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) لما قدم المدينة وهو يصلي نحو بيت المقدس أعجب ذلك القوم فلما صرفه الله عن بيت المقدس إلى بيت الله الحرام وجدت اليهود من ذلك وكان صرف القبلة صلاة الظهر، فقالوا صلى محمد الغداة واستقبل قبلتنا فآمنوا بالذي انزل على محمد (صلى الله عليه وآله وسلم) وجه النهار واكفروا آخره يعنون القبلة حين استقبل رسول الله المسجد الحرام لعلهم يرجعون إلى قبلتنا.

(73) ولا تؤمنوا إلا لمن تبع دينكم قيل هذا من تتمة كلام اليهود أي لا تصدقوا ولا تقروا بأن يؤتى أحد مثل ما أوتيتم الا لأهل دينكم قل إن الهدى هدى الله اعتراض بين المفعول وفعله من كلام الله تعالى ومعناه ان الدين دين الله أن يؤتى أحد مثل ما أوتيتم يعني من العلم والحكمة والكتاب والحجة والمن والسلوى والفضائل والكرامات وقرئ ان يؤتى بالمد على الاستفهام (3) أو يحاجوكم عند ربكم عطف على قوله إن يؤتى أحد والواو ضمير أحد لأنه في معنى الجمع والمعنى ولا تؤمنوا بأن يحاجوكم عند ربكم لأنكم انصح دينا منهم فلا تكون لهم الحجة عليكم.

وفي الآية وجوه أخر وهي من المتشابهات التي لم يصل الينا عن أهل البيت شئ قل إن الفضل بيد الله اي الهداية والتوفيق منه يؤتيه من يشاء والله واسع عليم.

(74) يختص برحمته من يشاء والله ذو الفضل العظيم.

(75) ومن أهل الكتاب من إن تأمنه بقنطار يؤده إليك ومنهم من إن تأمنه بدينار لا يؤده إليك إلا ما دمت عليه قائما إلا مدة دوامك على رأسه تطالبه بالعنف ذلك يعني ترك الأداء بأنهم قالوا بسبب قولهم ليس علينا في الأمين سبيل أي ليس علينا في شأن من ليسوا من أهل الكتاب ولم يكونوا على ديننا عقاب وذم ويقولون على الله الكذب بادعائهم ذلك وهم يعلمون أنهم كاذبون وذلك لأنهم استحلوا ظلم من خالفهم وقالوا لم يجعل لهم في التوراة حرمة.

وفي المجمع عن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) لما قرأ هذه الآية قال كذب أعداء الله ما من شئ كان في الجاهلية الا وهو تحت قدمي الا الأمانة فإنها مؤدات إلى البر والفاجر.

(76) بلى اثبات لما نفوه اي بلى عليهم سبيل من أوفى بعهده واتقى فإن الله يحب المتقين استئناف اي كل من أوفى بما عاهد عليه اي عهد كان واتقى الله في ترك الخيانة والغدر فان الله يحبه في وضع الظاهر موضع المضمر اشعار بأن التقوى ملاك الأمر.

(77) إن الذين يشترون يستبدلون بعهد الله بما عاهدوا عليه من الإيمان بالرسول والوفاء بالأمانات وأيمانهم وبما حلفوا به ثمنا قليلا متاع الدنيا من الرياسة وأخذ الرشوة والذهاب بمال أخيهم المسلم ونحو ذلك أولئك لا خلاق لهم لا نصيب لهم في الآخرة ولا يكلمهم الله ولا ينظر إليهم يوم القيمة كناية عن سخطه عليهم واستهانته بهم.

وفي التوحيد عن أمير المؤمنين (صلوات الله عليه) يعني لا يصيبهم بخير قال وقد تقول العرب والله ما ينظر الينا فلان وإنما يعنون بذلك انه لا يصيبنا منه بخير ولا يزكيهم قيل ولا يثني عليهم.

وفي تفسير الامام ولا يزكيهم من ذنوبهم كما مر.

ولهم عذاب أليم في الأمالي قال النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) من حلف على يمين يقطع بها مال أخيه لقي الله عز وجل وهو عليه غضبان فأنزل الله تصديقه في كتابه ان الذين يشترون الآية.

(78) وإن منهم لفريقا يلون ألسنتهم بالكتاب يفتلونها بقراءته فيميلونها عن المنزل إلى المحرف لتحسبوه من الكتاب وما هو من الكتاب ويقولون هو من عند الله وما هو من عند الله تأكيد وزيادة تشنيع عليهم ويقولون على الله الكذب وهم يعلمون تأكيد وتسجيل عليهم بالكذب على الله والتعمد فيه.

القمي مقطوعا قال كان اليهود يفترون شيئا ليس في التوراة ويقولون هو في التوراة فكذبهم الله.

(79) ما كان لبشر أن يؤتيه الله الكتاب والحكم والنبوة ثم يقول للناس كونوا عبادا لي من دون الله في المجمع قيل أن أبا رافع القرظي والسيد النجراني قالا يا محمد أتريد أن نعبدك ونتخذك ربا فقال معاذ الله ان يعبد غير الله وان نأمر بغير عبادة الله فما بذلك بعثني ولا بذلك أمرني فنزلت ولكن كونوا ربانيين ولكن يقول كونوا ربانيين والرباني منسوب إلى الرب بزيادة الألف والنون وهو الكامل في العلم والعمل.

والقمي اي ان عيسى لم يقل للناس إني خلقتكم وكونوا عبادا لي من دون الله ولكن قال لهم كونوا ربانيين اي علماء.

بما كنتم تعلمون الكتاب وبما كنتم تدرسون بسبب كونكم معلمين الكتاب ودارسين له فان فائدة التعليم والتعلم معرفة الحق والخير للاعتقاد والعمل، وقرئ بالتخفيف اي بسبب كونكم عالمين.

في العيون عن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) قال لا ترفعوني فوق حقي فان الله تعالى اتخذني عبدا قبل أن يتخذني نبيا ثم تلا هذه الآية.

وعن أمير المؤمنين يهلك في اثنان ولا ذنب لي محب مفرط ومبغض مفرط وانا لبراء إلى الله تعالى ممن يغلو فينا فيرفعنا فوق حدنا كبراءة عيسى بن مريم من النصارى.

(80) ولا يأمركم وقر ئ بنصب الراء أن تتخذوا الملائكة والنبيين أربابا أيأمركم بالكفر بعد إذ أنتم مسلمون القمي كان قوم يعبدون الملائكة وقوم من النصارى زعموا ان عيسى رب واليهود قالوا عزير ابن الله فقال الله ولا يأمركم الآية.

(81) وإذ أخذ الله ميثاق النبيين لما آتيتكم وقرئ بكسر اللام وآتيناكم من كتاب وحكمة ثم جاءكم رسول مصدق لما معكم لتؤمنن به ولتنصرنه في الجوامع والمجمع عن الصادق (عليه السلام) وإذا أخذ الله ميثاق أمم النبيين كل أمة بتصديق نبيها والعمل بما جاءهم به فما وفوا به وتركوا كثيرا من شرائعهم وحرفوا كثيرا منها.

والعياشي عن الباقر (عليه السلام) ما في معناه مبسوطا وقال هكذا أنزلها الله يعني طرح منها.

وفي المجمع عن أمير المؤمنين (عليه السلام) ان الله تعالى اخذ الميثاق على الأنبياء قبل نبينا ان يخبروا أممهم بمبعثه ونعته ويبشروهم به ويأمروهم بتصديقه.

وعنه (عليه السلام) أنه قال لم يبعث الله نبيا آدم ومن بعده الا أخذ عليه العهد لئن بعث محمدا (صلى الله عليه وآله وسلم) وهو حي ليؤمنن به ولينصرنه وأمره ان يأخذ العهد بذلك على قومه.

والقمي والعياشي عن الصادق (عليه السلام) ما بعث الله نبيا من لدن آدم فهلم جرا الا ويرجع إلى الدنيا وينصر أمير المؤمنين وهو قوله لتؤمنن به يعني رسول الله ولتنصرنه يعني أمير المؤمنين (عليه السلام).

وفي كتاب الواحدة عن الباقر (عليه السلام) قال قال أمير المؤمنين (عليه السلام) ان الله تعالى أحد واحد تفرد في وحدانيته تعالى ثم تكلم بكلمة فصارت نورا ثم خلق من ذلك النور محمدا (صلى الله عليه وآله وسلم) وخلقني وذريتي ثم تكلم بكلمة فصارت روحا فأسكنه الله في ذلك النور واسكنه في أبداننا فنحن روح الله وكلماته فبنا احتجب على خلقه فما زلنا في ظلة خضراء لا شمس ولا قمر ولا ليل ولا نهار ولا عين تطرف نعبده ونقدسه ونسبحه وذلك قبل أن يخلق خلقه واخذ ميثاق الأنبياء بالأيمان والنصرة لنا وذلك قوله عز وجل ﴿وإذ أخذ الله ميثاق النبيين لما أتيتكم من كتاب وحكمة ثم جاءكم رسول مصدق لما معكم لتؤمنن به ولتنصرنه﴾ يعني لتؤمنن بمحمد (صلى الله عليه وآله وسلم) ولتنصرن وصيه وسينصرونه جميعا وان الله اخذ ميثاقي مع ميثاق محمد (صلى الله عليه وآله وسلم) بنصرة بعضنا لبعض فقد نصرت محمدا وجاهدت بين يديه وقتلت عدوه ووفيت لله بما أخذ علي من الميثاق والعهد والنصرة لمحمد (صلى الله عليه وآله وسلم) ولم ينصرني أحد من أنبياء الله ورسله وذلك لما قبضهم الله إليه وسوف ينصرونني ويكون لي ما بين مشرقها إلى مغربها وليبعثهم الله أحياء من آدم إلى محمد (صلى الله عليه وآله وسلم) كل نبي مرسل يضربون بين يدي بالسيف هام الأموات والأحياء والثقلين جميعا فيا عجبا وكيف لا أعجب من أموات يبعثهم الله أحياء يلبون زمرة زمرة بالتلبية لبيك لبيك يا داعي الله قد أظلوا بسكك الكوفة قد شهروا سيوفهم على عواتقهم يضربون بها هام الكفرة وجبابرتهم واتباعهم من جبابرة الأولين والآخرين حتى ينجز الله ما وعدهم في قوله عز وجل ﴿وعد الله الذين آمنوا منكم وعملوا الصالحات ليستخلفنهم في الأرض كما استخلف الذين من قبلهم وليمكنن لهم دينهم الذي ارتضى لهم وليبدلنهم من بعد خوفهم أمنا يعبدونني لا يشركون بي شيئا﴾ اي يعبدونني آمنين لا يخافون أحدا في عبادتي ليس عندهم تقية وإن لي الكرة بعد الكرة والرجعة بعد الرجعة وأنا صاحب الرجعات والكرات وصاحب الصولات والنقمات والدولات العجيبات وانا قرن من جديد.

الحديث (4) بطوله.

قال أقررتم وأخذتم على ذلكم إصري اي عهدي قالوا أقررنا قال فاشهدوا وأنا معكم من الشاهدين القمي عن الصادق (عليه السلام) قال لهم في الذر أأقررتم وأخذتم على ذلكم إصري اي عهدي قالوا أقررنا قال الله للملائكة فاشهدوا.

وفي المجمع عن أمير المؤمنين (عليه السلام) قال أقررتم وأخذتم العهد بذلك على أممكم قالوا اي قال الأنبياء وأممهم أقررنا بما أمرتنا بالاقرار به قال الله فاشهدوا بذلك على أممكم وانا معكم من الشاهدين عليكم وعلى أممكم.

(82) فمن تولى بعد ذلك الميثاق والتوكيد فأولئك هم الفاسقون المتمردون من الكفار.

(83) أفغير دين الله يبغون وقرئ بالتاء وله أسلم من في السماوات والأرض طوعا وكرها.

في التوحيد والعياشي عن الصادق (عليه السلام) وهو توحيدهم لله عز وجل.

وفي المجمع عنه (عليه السلام) ان معناه اكره أقوام على الاسلام وجاء أقوام طائعين قال كرها اي فرقا من السيف.

أقول: لعل المراد ان ذلك في زمان القائم (عليه السلام) كما رواه العياشي عنه (عليه السلام) انها نزلت في القائم (عليه السلام).

وفي رواية تلاها فقال إذا قام القائم (عليه الصلاة والسلام) لا تبقى ارض الا نودي فيها شهادة ان لا إله الا الله وان محمدا رسول الله.

وإليه ترجعون وقرئ بالياء.

(84) قل آمنا بالله وما أنزل علينا وما أنزل على إبراهيم وإسماعيل وإسحاق ويعقوب والأسباط وما أوتي موسى وعيسى والنبيون من ربهم أمر الرسول بأن يخبر عن نفسه ومتابعيه بالايمان لا نفرق بين أحد منهم بالتصديق والتكذيب ونحن له مسلمون منقادون مخلصون في عبادته.

(85) ومن يبتغ غير الإسلام دينا اي غير التوحيد والانقياد لحكم الله تعالى فلن يقبل منه وهو في الآخرة من الخاسرين بابطاله الفطرة السليمة التي فطر الناس عليها.

(86) كيف يهدي الله قوما كفروا بعد إيمانهم وشهدوا أن الرسول حق وجاءتهم البينات استبعاد لأن يهديهم الله فان الحائد عن الحق بعدما وضح له منهمك في الضلال بعيد عن الرشاد وشهدوا عطف على ما في إيمانهم من معنى الفعل أو حال باضمار قد والله لا يهدي القوم الظالمين.

(87) أولئك جزاؤهم أن عليهم لعنة الله والملائكة والناس أجمعين.

(88) خالدين فيها لا يخفف عنهم العذاب ولا هم ينظرون.

(89) إلا الذين تابوا من بعد ذلك وأصلحوا فإن الله غفور يقبل توبتهم رحيم يتفضل عليهم.

في المجمع عن الصادق (عليه السلام) نزلت الآيات في رجل من الأنصار يقال له الحارث ابن سويد بن الصامت وكان قتل المحذر بن زياد البلوي غدرا وهرب وارتد عن الاسلام ولحق بمكة فندم فأرسل إلى قومه ان اسألوا رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) هل لي من توبة فسألوا فنزلت فحملها رجل من قومه إليه فقال إني لأعلم انك لصدوق وان رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) أصدق منك وان الله تعالى أصدق الثلاثة ورجع إلى المدينة وتاب وحسن اسلامه.

(90) إن الذين كفروا بعد إيمانهم ثم ازدادوا كفرا كاليهود كفروا بعيسى والأنجيل بعد الايمان بموسى والتوراة ثم ازدادوا كفرا بمحمد (صلى الله عليه وآله وسلم) والقرآن أو كفروا بمحمد بعدما آمنوا به قبل مبعثه ثم ازدادوا كفرا بالاصرار والعناد والطعن فيه والصد عن الايمان ونقض الميثاق وكقوم ارتدوا ولحقوا بمكة ثم ازدادوا كفرا بقولهم نتربص بمحمد (صلى الله عليه وآله وسلم) ريب المنون أو نرجع إليه وننافقه باظهار التوبة لن تقبل توبتهم لأنها لا تكون عن الاخلاص أو لأنها لا تكون الا عند اليأس ومعاينة الموت وأولئك هم الضالون الثابتون على الضلال.

(91) إن الذين كفروا وماتوا وهم كفار فلن يقبل من أحدهم ملء الأرض ذهبا ما يملأ الأرض من الذهب ولو افتدى به نفسه من العذاب قيل تقديره فلن يقبل من أحدهم فدية ولو افتدى بملء ء الأرض ذهبا ويحتمل أن يكون المراد فلن يقبل من أحدهم انفاقه في سبيل الله بملء ء الأرض ذهبا في الدنيا ولو كان على وجه الافتداء من عذاب الآخرة من دون توقع ثواب آخر أولئك لهم عذاب أليم وما لهم من ناصرين.

(92) لن تنالوا البر لن تبلغوا حقيقته ولا تكونوا أبرارا حتى تنفقوا مما تحبون من المال والجاه والمهجة وغيرها في طاعة الله.

في الكافي والعياشي عن الصادق (عليه السلام) لن تنالوا البر حتى تنفقوا ما تحبون قال هكذا فاقرأها.

وفي المجمع اشترى علي (صلوات الله وسلامه عليه) ثوبا فأعجبه فتصدق به وقال سمعت رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) يقول من آثر على نفسه آثره الله يوم القيامة بالجنة ومن أحب شيئا فجعله لله قال الله يوم القيامة قد كان العباد يكافئون فيما بينهم بالمعروف وانا أكافيك اليوم بالجنة.

وعن الحسين بن علي والصادق (صلوات الله عليهم) انهما كانا يتصدقان بالسكر ويقولان انه أحب الأشياء الينا وقد قال الله تعالى لن تنالوا البر حتى تنفقوا مما تحبون وما تنفقوا من شئ محبوب أو غيره فإن الله به عليم: فيجازيكم بحسبه.

(93) كل الطعام اي المطعومات كان حلا لبنى إسرائيل كان اكلها حلالا لهم والحل مصدر نعت به إلا ما حرم إسرائيل يعقوب على نفسه من قبل أن تنزل التوراة.

في الكافي والعياشي: عن الصادق (عليه السلام) ان إسرائيل كان إذا أكل من لحم الإبل هيج عليه وجع الخاصرة فحرم على نفسه لحم الإبل وذلك قبل أن تنزل التوراة فلما نزلت التوراة لم يحرمه ولم يأكله.

أقول: يعني لم يحرمه موسى ولم يأكله أو لم تحرمه التوراة ولم تؤكله اي أهمل ولم يندب إلى أكله من التأكيل.

والقمي ان يعقوب كان يصيبه عرق النساء فحرم على نفسه لحم الجمل فقالت اليهود الجمل محرم في التوراة فقال الله عز وجل لهم قل فأتوا بالتوراة فاتلوها ان كنتم صادقين إنما حرم هذا إسرائيل على نفسه ولم يحرمه على الناس.

ومحصل المعنى أن المطاعم كلها لم تزل حلالا لبني إسرائيل من قبل انزال التوراة وتحريم ما حرم عليهم منها لظلمهم وبغيهم لم يحرم منها شئ قبل ذلك غير المطعوم الذي حرمه إسرائيل على نفسه وهذا رد على اليهود حيث أرادوا براءة ساحتهم مما نطق به القرآن من تحريم الطيبات عليهم لبغيهم وظلمهم في قوله ذلك جزيناهم ببغيهم.

وقوله فبظلم من الذين هادوا حرمنا عليهم طيبات أحلت لهم فقالوا لسنا بأول من حرمت عليه وقد كانت محرمة على نوح وإبراهيم ومن بعده من بني إسرائيل إلى أن انتهى التحريم الينا فكذبهم الله.

قل فأتوا بالتوراة فاتلوها إن كنتم صادقين أمر بمحاجتهم بكتابهم وتبكيتهم بما فيه حتى يتبين أنه تحريم حادث بسبب ظلمهم وبغيهم لا تحريم قديم كما زعموا فلم يجسروا على اخراج التوراة فبهتوا.

(94) فمن افترى على الله الكذب بزعمه أن ذلك كان محرما على الأنبياء وعلى بني إسرائيل قبل انزال التوراة من بعد ذلك من بعد ما لزمتهم الحجة فأولئك هم الظالمون لأنفسهم لمكابرتهم الحق من بعد وضوحه.

(95) قل صدق الله تعريض بكذبهم أي ثبت أن الله صادق فيما أنزله وأنتم الكاذبون فاتبعوا ملة إبراهيم حنيفا وهي ملة الاسلام التي عليها محمد (صلى الله عليه وآله وسلم) ومن آمن معه ثم برأ سبحانه إبراهيم مما كان ينسبه اليهود والمشركون إليه من كونه على دينهم فقال وما كان من المشركين.

(96) إن أول بيت وضع للناس ليكون متعبدا لهم للذي ببكة البيت الذي ببكة وهو الكعبة.

في الكافي عنهما (عليهما السلام.

) وفي الفقيه والعياشي عن الباقر (عليه السلام) قال لما أراد الله تعالى أن يخلق الأرض أمر الرياح فضربن متن الماء حتى صار موجا ثم ازبد فصار زبدا واحدا فجمعه في موضع البيت ثم جعله جبلا من زبد ثم دحى الأرض من تحته وهو قول الله تعالى ان أول بيت وضع للناس للذي ببكة مباركا وزاد في الفقيه فأول بقعة خلقت من الأرض الكعبة ثم مدت الأرض منها.

وفيه أن الله اختار من كل شئ شيئا اختار من الأرض موضع الكعبة.

وفي العلل عن الصادق (عليه السلام) إنما سميت مكة بكة لأن الناس يبكون فيها يعني يزدحمون.

وفي رواية أخرى لبكاء الناس حولها وفيها وقيل لأنها تبك أعناق الجبابرة يعني تدقها.

وعنه (عليه السلام) موضع البيت بكة والقرية مكة.

وعن الباقر (عليه السلام) إنما سميت مكة بكة لأنه يبك بها الرجال والنساء والمرأة تصلي بين يديك وعن يمينك وعن شمالك وعن يسارك ومعك ولا بأس بذلك لأنه إنما يكره في ساير البلدان.

وفي الخصال عن الصادق (عليه السلام) أسماء مكة خمسة أم القرى ومكة وبكة والبساسة (5) إذا ظلموا بها بستهم أي أخرجتهم وأهلكتهم وأم رحم كانوا إذا لزموها رحموا، ومثله في الفقيه مرسلا.

وفيه عن الصادق (عليه السلام) قال إن الله عز وجل أنزله لآدم من الجنة وكانت درة بيضاء فرفعه الله إلى السماء وبقي اسه وهو بحيال هذا البيت يدخله كل يوم سبعون ألف ملك لا يرجعون إليه أبدا فأمر الله عز وجل إبراهيم وإسماعيل لبنيان البيت على القواعد.

وفي الكافي عنه (عليه السلام) قال كان موضع الكعبة ربوة من الأرض بيضاء تضئ كضوء الشمس والقمر حتى قتل ابنا آدم أحدهما صاحبه فاسودت فلما نزل آدم رفع الله تعالى له الأرض كلها حتى رآها ثم قال هذه لك كلها قال يا رب ما هذه الأرض البيضاء المنيرة قال هي حرمي في أرضي وقد جعلت عليك أن تطوف بها في كل يوم سبعماءة طواف.

وفي الفقيه عنه (عليه السلام) قال وجد في حجر اني انا الله ذو بكة صنعتها يوم خلقت السماوات والأرض ويوم خلقت الشمس والقمر وحففتها بسبعة أملاك حفا مباركا لأهلها في الماء واللبن يأتيها رزقها من ثلاثة سبل من أعلاها وأسفلها والثنية بعده مباركا كثير الخير والنفع لمن حجه واعتمره واعتكف عنده وطاف حوله وقصد نحوه من مضاعفة الثواب وتكفير الذنوب ونفي الفقر وكثرة الرزق.

وهدى للعالمين لأنه قبلتهم ومتعبدهم.

(97) فيه آيات بينات (6) كقهره لمن تعرض له من الجبابرة بسوء كأصحاب الفيل وغير ذلك مقام إبراهيم أي منها مقام إبراهيم.

في الكافي والعياشي عن الصادق (عليه السلام) أنه سئل ما هذه الآيات البينات قال مقام إبراهيم حيث قام على الحجر فأثرت فيه قدماه والحجر الأسود ومنزل إسماعيل.

أقول: أما كون المقام آية فلما ذكر ولارتفاعه بإبراهيم (عليه السلام) حتى كان أطول من الجبال كما يأتي ذكره في سورة الحج إن شاء الله.

وأما كون الحجر الأسود آية فلما ظهر منه للأنبياء والأوصياء من العجائب إذ كان جوهرة جعله الله مع آدم في الجنة وإذ كان ملكا من عظماء الملائكة القمه الله الميثاق وأودعه عنده ويأتي يوم القيامة له لسان ناطق وعينان يعرفه الخلق يشهد لمن وافاه بالموافاة ولمن أدى إليه الميثاق بالأداء وعلى من جحده بالانكار إلى غير ذلك كما ورد في الأخبار عن الأئمة الأطهار ولما ظهر لطائفة من تنطقه لبعض المعصومين كالسجاد حيث نازعه عمه محمد بن الحنفية في أمر الإمامة كما ورد في الروايات ومن عدم طاعته لغير المعصوم في نصبه في موضعه كما جرب غير مرة، وأما كون منزل إسماعيل آية فلانة أنزل به من غير ماء فنبع له الماء، وإنما خص المقام بالذكر في القرآن وطوى ذكر غيره لأنه أظهر آياته اليوم للناس، قيل سبب هذا الأثر أنه لما ارتفع بنيان الكعبة قام على هذا الحجر ليتمكن من رفع الحجارة فغاضت فيه قدماه، وقيل أنه لما جاء زائرا من الشام إلى مكة فقالت له امرأة إسماعيل انزل حتى نغسل رأسك فلم ينزل فجاءته بهذا الحجر فوضعته على شقه الأيمن فوضع قدمه عليه حتى غسلت شق رأسه ثم حولته إلى شقه الأيسر حتى غسلت الشق الآخر فبقي أثر قدميه عليه.

وفي الكافي عن الباقر (عليه السلام) وكان موضع المقام الذي وضعه إبراهيم (عليه السلام) عند جدار البيت فلم يزل هناك حتى حوله أهل الجاهلية إلى المكان الذي هو فيه اليوم فلما فتح النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) مكة رده إلى الموضع الذي وضعه إبراهيم (عليه السلام) فلم يزل هناك إلى أن ولي عمر بن الخطاب فسأل الناس من منكم يعرف المكان الذي كان فيه المقام فقال رجل أنا قد أخذت مقداره بنسع (7) فهو عندي فقال تأتيني به فآتاه به فقاسه ثم رده إلى ذلك المكان ومن دخله كان آمنا.

في العلل عن الصادق (عليه السلام) أنه قال لأبي حنيفة أخبرني عن قول الله عز وجل ومن دخله كان آمنا أين ذلك من الأرض قال الكعبة قال أفتعلم ان الحجاج بن يوسف حين وضع المنجنيق على ابن الزبير في الكعبة فقتله كان آمنا فيها قال فسكت فسئله عن الجواب فقال من بايع قائمنا ودخل معه ومسح على يده ودخل في عقد أصحابه كان آمنا.

والعياشي عنه (عليه السلام) من دخله وهو عارف بحقنا كما هو عارف به خرج من ذنوبه وكفي هم الدنيا والآخرة.

وفي الكافي والعياشي عنه (عليه السلام) قال من أم هذا البيت وهو يعلم أنه البيت الذي أمره الله عز وجل به وعرفنا أهل البيت حق معرفتنا كان آمنا في الدنيا والآخرة.

وفي المجمع عن الباقر (عليه السلام) أن من دخله عارفا بجميع ما أوجبه الله عليه كان آمنا في الآخرة من العذاب الدائم.

وفي الكافي عن الصادق (عليه السلام) في أدعية دخول البيت اللهم انك قلت ومن دخله كان آمنا فامني من عذاب النار.

وفيه والعياشي عنه (عليه السلام) قال من دخل الحرم من الناس مستجيرا به فهو آمن به من سخط الله ومن دخله من الوحش والطير كان آمنا أن يهاج أو يؤذى حتى يخرج من الحرم.

وعنه (عليه السلام) قال إذا أحدث العبد في غير الحرم جناية ثم فر إلى الحرم لم يسع لأحد أن يأخذه في الحرم ولكن يمنع من السوق ولا يباع ولا يطعم ولا يسقى ولا يكلم فإنه إذا فعل ذلك به يوشك أن يخرج فيؤخذ وإذا جنى في الحرم جناية أقيم عليه الحد في الحرم.

وزاد في الكافي لأنه لم يرع للحرم حرمته.

وفي رواية إن سرق سارق بغير مكة أو جنى جناية على نفسه ففر إلى الحرم لم يؤخذ ما دام في الحرم حتى يخرج منه ولكن يمنع من السوق فلا يباع ولا يجالس حتى يخرج منه فيؤخذ وان أحدث في الحرم ذلك الحدث أخذ فيه.

وفي الكافي عنه (عليه السلام) وقد سأله سماعة عن رجل لي عليه مال فغاب عني بزمان فرأيته يطوف حول الكعبة أفأتقاضاه مالي قال لا لا تسلم عليه ولا تروعه حتى يخرج من الحرم.

وعنه من دفن في الحرم أمن من الفزع الأكبر من بر الناس وفاجرهم.

وفي الفقيه من مات في أحد الحرمين بعثه الله من الآمنين ومن مات بين الحرمين لم ينشر له ديوان ومن دفن في الحرم أمن من الفزع الأكبر ولله على الناس حج البيت وقرئ بكسر الحاء يعني به الحج والعمرة جميعا لأنهما مفروضان من استطاع إليه سبيلا.

العياشي عن الصادق (عليه السلام) أنه سئل عن هذه الآية فقال الصحة في بدنه والقدرة في ماله.

وفي الكافي والعياشي عنه (عليه السلام) أنه سئل ما السبيل قال أن يكون له ما يحج قال قلت من عرض عليه ما يحج به فاستحيى من ذلك أهو ممن يستطيع إليه سبيلا قال نعم ما شأنه يستحيي ولو يحج على حمار أجدع أبتر فإن كان يطيق أن يمشي بعضا ويركب بعضا فليحج.

وفي رواية يخرج ويمشي ان لم يكن عنده، قيل لا يقدر على المشي قال يمشي ويركب قيل لا يقدر على ذلك قال يخدم القوم ويخرج معهم.

وفي رواية أنه سئل عن هذه الآية فقال من كان صحيحا في بدنه مخلى سربه وله زاد وراحلة فهو ممن يستطيع الحج أو قال ممن كان له مال.

وفي رواية أنه (عليه السلام) سئل عن هذه الآية فقال ما يقول الناس فقيل الزاد والراحلة فقال قد سئل أبو جعفر (عليه السلام) عن هذا فقال هلك الناس إذا لئن كان من كان له زاد وراحلة قدر ما يقوت به عياله ويستغني به عن الناس ينطلق إليهم فيسألهم إياه لقد هلكوا فقيل له وما السبيل قال فقال السعة في المال إذا كان يحج ببعض ويبقي بعضا يقوت به عياله أليس قد فرض الله الزكاة فلم يجعلها إلا على من يملك مائتي درهم.

أقول: معنى الحديث لئن كان من كان له قدر ما يقوت به عياله فحسب وجب عليه أن ينفق ذلك في الزاد والراحلة ثم ينطلق إلى الناس يسألهم قوت عياله لهلك الناس إذا وينبغي أن يحمل اختلاف الروايات على اختلاف الناس في جهات الاستطاعة ودرجات التوكل ومراتب القوة والضعف بل الانسان على نفسه بصيرة ومن كفر فإن الله غني عن العالمين قيل وضع كفر موضع من لم يحج تأكيدا لوجوبه وتغليظا على تاركه.

وفي الفقيه وفي وصية النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) لعلي (عليه السلام) يا علي تارك الحج وهو مستطيع كافر قال الله تعالى ﴿ولله على الناس حج البيت من استطاع إليه سبيلا ومن كفر فان الله غني عن العالمين﴾ يا علي من سوف الحج حتى يموت بعثه الله يوم القيامة يهوديا أو نصرانيا.

وفي الكافي والتهذيب عن الصادق (عليه السلام) من مات ولم يحج حجة الإسلام ولم يمنعه من ذلك حاجة تجحف به أو مرض لا يطيق فيه الحج أو سلطان يمنعه فليمت يهوديا أو نصرانيا.

وفي التهذيب عنه (عليه السلام) في قوله تعالى ومن كفر قال يعني من ترك.

وعن الكاظم (عليه السلام) وقد سأله أخوه علي من لم يحج منا فقد كفر قال لا ولكن من قال ليس هذا هكذا فقد كفر.

أقول: وذلك لأن الكفر يرجع إلى الإعتقاد دون العمل فقوله تعالى ومن كفر أي ومن لم يعتقد فرضه أو لم يبال بتركه فان عدم المبالاة يرجع إلى عدم الإعتقاد.

والعياشي عنه (عليه السلام) قال هو كفر (8) النعم وقال يعني من ترك، وروي انه لما نزل صدر الآية جمع رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) أرباب الملل فخطبهم وقال إن الله كتب عليكم الحج فحجوا فآمنت به ملة واحدة وكفرت خمس ملل فنزلت ومن كفر قيل وقد أكد أمر الحج في هذه الآية من وجوه الدلالة على وجوبه بصيغة الخبر وابرازه في صورة الاسمية وايراده على وجه يفيد أنه حق واجب لله تعالى في رقاب الناس وتعميم الحكم أولا وتخصيصه فإنه كإيضاح بعد ابهام وتثنية وتكرير للمراد وتسمية ترك الحج كفرا من حيث أنه فعل الكفرة وذلك الاستغناء في هذا الموضع مما يدل على المقت والخذلان وقوله على العالمين بدل عنه لما فيه من مبالغة التعميم والدلالة على الاستغناء عنه بالبرهان والإشعار بعظم السخط لأنه تكليف شاق جامع بين كسر النفس واتعاب البدن وصرف المال والتجرد عن الشهوات والإقبال على الله تعالى.

(98) قل يا أهل الكتاب لم تصدون عن سبيل الله من آمن كرر الخطاب والاستفهام مبالغة في التقريع ونفي العذر لهم واشعارا بأن كل واحد من الأمرين مستقبح في نفسه مستقل باستجلاب العقاب وسبيل الله دينه الحق المأمور بسلوكه وهو الإسلام، قيل كانوا يفتنون المؤمنين ويحرشون (9) بينهم حتى أتوا الأوس والخزرج فذكروهم ما بينهم في الجاهلية من التعادي والتحارب ليعودوا لمثله ويحتالون لصدهم عنه تبغونها عوجا طالبين لها اعوجاجا بأن تلبسوا على الناس وتوهموا أن فيه عوجا عن الحق بمنع النسخ وتغيير صفة رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) ونحوهما أو بأن يحرشوا بين المؤمنين ليختلف كلمتهم ويختل أمر دينهم وأنتم شهداء أنها سبيل الله تعالى والصد عنها ضلال واضلال أو أنتم عدول عند أهل ملتكم يثقون بأقوالكم ويستشهدونكم في القضايا وما الله بغافل عما تعملون وعيد لهم ولما كان المنكر في الآية الأولى كفرهم وهم يجهرون به ختمها بقوله والله شهيد ولما كان في هذه الآية صدهم المؤمنين عن الإسلام وكانوا يخفونه ويحتالون فيه قال الله وما الله بغافل عما تعملون.

(100) يا أيها الذين آمنوا إن تطيعوا فريقا من الذين أوتوا الكتاب يردوكم بعد إيمانكم كافرين قيل نزلت في نفر من الأوس والخزرج كانوا جلوسا يتحدثون فمر بهم شاس بن قيس اليهودي فغاظه تألفهم واجتماعهم فأمر شابا من اليهود أن يجلس إليهم ويذكرهم يوم بغاث (10) وينشدهم بعض ما قيل فيه وكان الظفر في ذلك اليوم للأوس ففعل فتنازع القوم وتفاخروا وتغاضبوا وقالوا السلاح السلاح واجتمع من القبيلتين خلق عظيم فتوجه إليهم رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) وأصحابه فقال أتدعون الجاهلية وأنا بين أظهركم بعد إذ أكرمكم الله بالإسلام وقطع به عنكم أمر الجاهلية وألف بينكم فعلموا أنها نزغة (11) من الشيطان وكيد من عدوهم فالقوا السلاح واستغفروا وعانق بعضهم بعضا وانصرفوا مع الرسول وإنما خاطبهم الله بنفسه بعدما أمر الرسول بأن يخاطب أهل الكتاب اظهارا لجلالة قدرهم واشعارا بأنهم هم الأحقاء بأن يخاطبهم الله ويكلمهم.

(101) وكيف تكفرون وأنتم تتلى عليكم آيات الله وفيكم رسوله انكار وتعجب لكفرهم في حال اجتمع لهم الأسباب الداعية إلى الايمان الصارفة عن الكفر ومن يعتصم بالله ومن بالله ومن يستمسك بدينه أو يلتجئ إليه في مجامع أموره فقد هدي إلى صراط مستقيم فقد اهتدى لا محالة.

(102) يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله حق تقاته حق تقواه وما يجب منها وهو استفراغ الوسع في القيام بالواجب والاجتناب عن المحارم.

في المعاني والعياشي سئل الصادق (عليه السلام) عن هذه الآية قال يطاع ولا يعصى ويذكر فلا ينسى ويشكر ولا يكفر.

والعياشي عنه (عليه السلام) أنه سئل عنها قال منسوخة قيل وما نسخها قال قول الله اتقوا الله ما استطعتم ولا تموتن إلا وأنتم مسلمون ولا تكونن على حال سوى حال الإسلام إذا أدرككم الموت.

وفي المجمع عن الصادق (عليه السلام) وأنتم مسلمون بالتشديد ومعناه مستسلمون لما أتى النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) به منقادون له.

والعياشي عن الكاظم (عليه السلام) أنه قال لبعض أصحابه كيف تقرأ هذه الآية يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله حق تقاته ولا تموتن الا وأنتم ماذا قال مسلمون فقال سبحان الله يوقع عليهم الايمان فيسميهم مؤمنين ثم يسألهم الإسلام والإيمان فوق الإسلام قال هكذا يقرأ في قراءة زيد قال إنما هي في قراءة علي (صلوات الله عليه) وهو التنزيل الذي نزل به جبرئيل على محمد (صلى الله عليه وآله وسلم) الا وأنتم مسلمون لرسول الله ثم الإمام من بعده.

(103) واعتصموا بحبل الله قيل بدينه الإسلام أو بكتابه لقوله القرآن حبل الله المتين استعار له الحبل والموثوق به الإعتصام من حيث أن التمسك به سبب النجاة عن الردى كما أن التمسك بالحبل الموثوق به سبب السلامة عن التردي.

والقمي: الحبل التوحيد والولاية.

والعياشي عن الباقر (عليه السلام) آل محمد (صلوات الله عليهم) هم حبل الله المتين الذي أمر بالاعتصام به فقال واعتصموا بحبل الله جميعا ولا تفرقوا.

وعن الكاظم (عليه السلام) علي بن أبي طالب (عليه السلام) حبل الله المتين.

وفي المعاني عن السجاد قال الإمام منا لا يكون إلا معصوما وليست العصمة في ظاهر الخلقة فيعرف بها ولذلك لا يكون إلا منصوصا فقيل له يا بن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) فما معنى المعصوم فقال هو المعتصم بحبل الله وحبل الله هو القرآن والقرآن يهدي إلى الإمام وذلك قول الله عز وجل ان هذا القرآن يهدي للتي هي أقوم.

أقول ومآل الكل واحد يفسره قول النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) حبلين ممدودين طرف منهما بيد الله وطرف بأيديكم وانهما لن يفترقا جميعا مجتمعين عليه ولا تفرقوا ولا تتفرقوا عن الحق بإيقاع الاختلاف بينكم.

والقمي عن الباقر (عليه السلام) ان الله تبارك وتعالى علم أنهم سيفترقون بعد نبيهم فيختلفون فنهاهم عن التفرق كما نهى من كان قبلهم فأمرهم أن يجتمعوا على ولاية آل محمد (صلوات الله عليهم) ولا يتفرقوا واذكروا نعمت الله عليكم إذ كنتم أعداء في الجاهلية متقاتلين فألف بين قلوبكم بالإسلام فأصبحتم بنعمته إخوانا متحابين مجتمعين على الاخوة في الله تعالى قيل كان الأوس والخزرج أخوين لأبوين فوقع بين أولادهما العداوة وتطاولت الحروب مائة وعشرين سنة حتى أطفأها الله تعالى بالإسلام وألف بينهم برسوله وكنتم على شفا حفرة من النار مشرفين على الوقوع في نار جهنم لكفركم إذ لو أدرككم الموت في تلك الحالة لوقعتم في النار فأنقذكم منها.

في الكافي عن الصادق (عليه السلام) قال فأنقذكم منها بمحمد (صلى الله عليه وآله وسلم) هكذا والله أنزل بها جبرئيل على محمد كذلك مثل ذلك التبيين يبين الله آياته لعلكم تهتدون إرادة ثباتكم على الهدى وازديادكم فيه.

(104) ولتكن منكم بعضكم أمة في المجمع قرأ الصادق (عليه السلام) أئمة يد عون إلى الخير ويأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر.

في الكافي عن الصادق (عليه السلام) أنه سئل عن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر أواجب هو على الأمة جميعا فقال لا فقيل ولم قال إنما هو على القوي المطاع العالم بالمعروف من المنكر لا على الضعفة الذين لا يهتدون سبيلا أي من أي يقول إلى الحق من الباطل والدليل على ذلك كتاب الله تعالى قوله ولتكن منكم أمة يدعون إلى الخير ويأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر فهذا خاص غير عام كما قال الله تعالى ومن قوم موسى أمة يهدون بالحق وبه يعدلون ولم يقل على أمة موسى ولا على كل قوم وهم يومئذ أمم مختلفة والأمة واحد فصاعدا كما قال الله سبحانه إن إبراهيم كان أمة قانتا لله يقول مطيعا لله وليس على من يعلم ذلك في هذه الهدنة من حرج إذا كان لا قوة له ولا عدد ولا طاعة، وسئل عن الحديث الذي جاء عن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) ان أفضل الجهاد كلمة عدل عند إمام جائر ما معناه قال هذا على أن يأمره بعد معرفته وهو مع ذلك يقبل منه وإلا فلا.

وعنه (عليه السلام) إنما يأمر بالمعروف وينهى عن المنكر مؤمن فيتعظ أو جاهل فيتعلم فاما صاحب سيف أو سوط فلا.

والقمي عن الباقر (عليه السلام) في هذه الآية قال فهذه لآل محمد (صلوات الله عليهم) ومن تابعهم يدعون إلى الخير ويأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر.

وفي نهج البلاغة قال وانهوا عن المنكر وتناهوا عنه فإنما أمرتم بالنهي بعد التناهي وقال لعن الله الآمرين بالمعروف التاركين له والناهين عن المنكر العاملين به وأولئك هم المفلحون المخصوصون بكمال الفلاح الأحقاء به.

في الكافي عن الصادق (عليه السلام) الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر خلقان من خلق الله تعالى فمن نصرهما أعزه الله ومن خذلهما خذله الله.

وفي التهذيب عن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) أنه قال لا يزال الناس بخير ما أمروا بالمعروف ونهوا عن المنكر وتعاونوا على البر فإذا لم يفعلوا ذلك نزعت منهم البركات وسلط بعضهم على بعض ولم يكن لهم ناصر في الأرض ولا في السماء.

وفيهما عن الباقر (عليه السلام قال يكون في آخر الزمان قوم يتبع فيهم قوم مراؤون يتقرؤون (12) ويتنسكون حدثاء سفهاء لا يوجبون أمرا بمعروف ولا نهيا عن منكر إلا إذا أمنوا الضرر ويطلبون لأنفسهم الرخص (13) والمعاذير، يتبعون زلات العلماء وفساد علمهم يقبلون على الصلاة والصيام وما لا يكلمهم (14) في نفس ولا مال ولو أضرت الصلاة بسائر ما يعملون بأموالهم وأبدانهم لرفضوها كما رفضوا اسمى الفرائض وأشرفها ان الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر فريضة عظيمة بها تقام الفرائض هنالك يتم غضب الله عليهم فيعمهم بعقابه فيهلك الأبرار في دار الفجار والصغار في دار الكبار ان الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر سبيل الأنبياء ومنهاج الصالحين فريضة عظيمة بها تقام الفرائض وتأمن المذاهب وتحل المكاسب وترد المظالم وتعمر الأرض وينتصف من الأعداء ويستقيم الأمر فأنكروا بقلوبكم والفظوا بألسنتكم وصكوا بها جباههم ولا تخافوا في الله لومة لائم فإن اتعظوا أو إلى الحق رجعوا فلا سبيل عليهم إنما السبيل على الذين يظلمون الناس ويبغون في الأرض بغير الحق أولئك لهم عذاب أليم هنالك فجاهدوهم بأبدانكم وابغضوهم بقلوبكم غير طالبين سلطانا ولا باغين مالا ولا مريدين بالظلم ظفرا حتى يفيئوا إلى أمر الله ويمضوا على طاعته، قال أبو جعفر (عليه السلام) وأوصى الله إلى شعيب النبي (عليه السلام) اني معذب من قومك مائة الف أربعين ألفا من شرارهم وستين ألفا من خيارهم فقال يا رب هؤلاء الأشرار فما بال الأخيار فأوحى الله عز وجل إليه أنهم داهنوا أهل المعاصي ولم يغضبوا لغضبي.

(105) ولا تكونوا كالذين تفرقوا واختلفوا كاليهود والنصارى اختلفوا في التوحيد والتنزيه وأحوال الآخرة من بعد ما جاءتهم البينات الآيات والحجج المبينة للحق الموجبة للاتفاق عليه وأولئك لهم عذاب عظيم وعيد للذين تفرقوا وتهديد على التشبه بهم.

(106) يوم تبيض وجوه وتسود وجوه كنايتان عن ظهور بهجة السرور وكآبة الخوف فيه وقيل يوسم أهل الحق ببياض الوجه والصحيفة واشراق البشرة وسعي النور بين يديه وبيمينه وأهل الباطل بأضداد ذلك فأما الذين اسودت وجوههم أكفرتم بعد إيمانكم على إرادة القول أي فيقال لهم أكفرتم والهمزة للتوبيخ والتعجب من حالهم.

في المجمع عن أمير المؤمنين (عليه السلام) هم أهل البدع والأهواء والآراء الباطلة من هذه الأمة.

وعن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) قال والذي نفسي بيده ليردن علي الحوض ممن صحبني حتى إذا رأيتهم اختلجوا دوني فلأقولن أصحابي أصحابي فيقال لي إنك لا تدري ما أحدثوا بعدك انهم ارتدوا على أعقابهم القهقرى ذكره الثعلبي في تفسيره فذوقوا العذاب أمر إهانة بما كنتم تكفرون بسبب كفركم.

(107) وأما الذين ابيضت وجوههم ففي رحمة الله يعني الجنة أو الثواب المخلد عبر عن ذلك بالرحمة تنبيها على أن المؤمن وان استغرق عمره في طاعة الله لا يدخل الجنة إلا برحمته وفضله وقيل كان حق الترتيب أن يقدم ذكرهم ولكن قصد أن يكون مطلع الكلام ومقطعه حلية المؤمنين وثوابهم هم فيها خالدون أخرجه مخرج الاستيناف للتأكيد كأنه قيل كيف يكونون فيها فقال هم فيها خالدون.

والقمي عن أبي ذر قال لما نزلت هذه الآية يوم تبيض وجوه وتسود وجوه، قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) يرد علي أمتي يوم القيامة على خمس رايات فراية من عجل هذه الأمة فأسألهم ما فعلتم بالثقلين من بعدي فيقولون أما الأكبر فحرفناه ونبذناه وراء ظهورنا وأما الأصغر فعاديناه وأبغضناه وظلمناه فأقول ردوا النار ظماء مظمئين مسودة وجوهكم ثم يرد علي راية مع فرعون هذه الأمة فأقول لهم ما فعلتم بالثقلين من بعدي فيقولون أما الأكبر فخرقناه ومزقناه وخالفناه، وأما الأصغر فعاديناه وقاتلناه فأقول ردوا النار ظماء مظمئين مسودة وجوهكم، ثم يرد علي راية مع سامري هذه الأمة فأقول ما فعلتم بالثقلين من بعدي فيقولون أما الأكبر فعصيناه وتركناه وأما الأصغر فخذلناه وضيعناه فأقول ردوا النار ظماء مظمئين مسودة وجوهكم ثم يرد علي راية ذي الثدية مع أول الخوارج وآخرهم فأسألهم ما فعلتم بالثقلين من بعدي فيقولون أما الأكبر فمزقناه وبرئنا منه وأما الأصغر فقاتلناه وقتلناه فأقول ردوا النار ظماء مظمئين مسودة وجوهكم، ثم يرد علي راية إمام المتقين وسيد الوصيين وقائد الغر المحجلين ووصي رسول رب العالمين فأقول لهم ماذا فعلتم بالثقلين من بعدي فيقولون أما الأكبر فاتبعناه وأطعناه وأما الأصغر فأحببناه وواليناه ونصرناه حتى أهريقت فيه دماؤنا فأقول ردوا الجنة رواء مرويين مبيضة وجوهكم ثم تلا رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) يوم تبيض وجوه إلى قوله خالدون.

(108) تلك آيات الله الواردة في وعده ووعيده نتلوها عليك بالحق متلبسة بالحق لا شبهة فيها وما الله يريد ظلما للعالمين إذ يستحيل الظلم منه إذ فاعل الظلم اما جاهل بقبحه أو محتاج إلى فعله وتعالى الله عن الجهل والحاجة.

(109) ولله ما في السماوات وما في الأرض ملكا وملكا وخلقا وإلى الله ترجع الأمور فيجازي كلا بما وعده وأوعده.

(110) كنتم خير أمة الكون فيها يعم الأزمنة غير متخصص بالماضي كقوله تعالى وكان الله غفورا رحيما أخرجت أظهرت للناس تأمرون بالمعروف وتنهون عن المنكر استيناف بين به كونهم خير أمة أو خبر ثان كنتم وتؤمنون بالله يتضمن الإيمان بكل ما يجب أن يؤمن به لأن الإيمان به إنما يحق ويعتد به إذا حصل الإيمان بكل ما أمر أن يؤمن به وإنما أخره وحقه أن يقدم لأنه قصد واظهارا لدينه.

القمي عن الصادق (عليه السلام) أنه قرأ عليه كنتم خير أمة فقال خير أمة يقتلون أمير المؤمنين والحسن والحسين ابني علي (صلوات الله وسلامه عليهم) فقال القارئ جعلت فداك كيف نزلت؟فقال نزلت كنتم خير أئمة أخرجت للناس ألا ترى مدح الله لهم تأمرون بالمعروف وتنهون عن المنكر وتؤمنون بالله.

والعياشي عنه (عليه السلام) قال في قراءة علي كنتم خير أئمة أخرجت للناس قال هم آل محمد.

وعنه (عليه السلام) إنما نزلت هذه الآية على محمد (صلى الله عليه وآله وسلم) فيه وفي الأوصياء خاصة فقال أنتم خير أئمة أخرجت للناس تأمرون بالمعروف وتنهون عن المنكر هكذا والله نزل بها جبرئيل وما عنى بها إلا محمدا (صلى الله عليه وآله وسلم) وأوصيائه (عليهم السلام).

وعنه (عليه السلام) في هذه الآية قال يعني الأمة التي وجبت لها دعوة إبراهيم فهم الأمة التي بعث الله فيها ومنها وإليها وهم الأمة الوسطى وهم خير أمة أخرجت للناس.

وفي المناقب عن الباقر (عليه السلام) أنتم خير أمة بالألف نزل بها جبرئيل وما عنى بها إلا محمدا (صلى الله عليه وآله وسلم) وعليا والأوصياء من ولده (عليهم السلام).

ولو آمن أهل الكتاب لكان خيرا لهم منهم المؤمنون كعبد الله بن سلام وأصحابه.

وأكثرهم الفاسقون المتمردون في الكفر.

(111) لن يضروكم إلا أذى ضررا يسيرا كطعن وتهديد وإن يقاتلوكم يولوكم الأدبار وينهزموا ولا يضروكم بقتل وأسر ثم لا ينصرون ثم لا يكون أحد ينصرهم عليكم أو يدفع بأسكم عنهم وكان الأمر كذلك.

(112) ضربت عليهم الذلة فهي محيطة بهم إحاطة البيت المضروب على أهله والذلة هدر النفس والمال والأهل أو ذلة التمسك بالباطل والجزية أين ما ثقفوا وجدوا إلا بحبل من الله وحبل من الناس.

العياشي عن الصادق (عليه السلام) قال الحبل من الله كتاب الله والحبل من الناس علي بن أبي طالب (صلوات الله عليه) وباءوا بغضب من الله رجعوا به مستوجبين له.

وضربت عليهم المسكنة ذلك بأنهم كانوا يكفرون بآيات الله ويقتلون الأنبياء بغير حق ذلك بما عصوا وكانوا يعتدون.

في الكافي والعياشي عن الصادق (عليه السلام) والله ما قتلوهم بأيديهم ولا ضربوهم بأسيافهم ولكنهم سمعوا أحاديثهم فأذاعوها (15) فاخذوا عليها فقتلوا فصار قتلا واعتداء ومعصية قيل التقييد بغير حق مع أنه كذلك في نفس الأمر للدلالة على أنه لم يكن حقا بحسب اعتقادهم أيضا.

(113) ليسوا يعني أهل الكتاب سواء في دينهم من أهل الكتاب أمة قائمة على الحق وهم الذين أسلموا منهم يتلون آيات الله آناء الليل وهم يسجدون يعني يتلونها في تهجدهم.

(114) يؤمنون بالله واليوم الآخر ويأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر ويسارعون في الخيرات وصفهم بصفات ليس في اليهود فإنهم منحرفون عن الحق غير متعبدين بالليل مشركون بالله ملحدون في صفاته واصفون اليوم الآخر بخلاف صفته مداهنون في الاحتساب متباطئون عن الخيرات وأولئك من الصالحين.

(115) وما تفعلوا من خير فلن يكفروه فلن يضيع ولا ينقص ثوابه وقرئ بالياء فيهما سمي ذلك كفرانا كما سمي توفية الثواب شكرا.

في العلل عن الصادق (عليه السلام) إن المؤمن مكفر وذلك أن معروفه يصعد إلى الله فلا ينتشر في الناس والكافر مشكور وذلك أن معروفه للناس ينتشر في الناس ولا يصعد إلى السماء والله عليم بالمتقين بشارة لهم واشعار بأن التقوى مبدء الخير وحسن العمل.

(116) إن الذين كفروا لن تغني عنهم أموالهم ولا أولادهم من الله شيئا وأولئك أصحاب النار هم فيها خالدون.

(117) مثل ما ينفقون في هذه الحياة الدنيا كمثل ريح فيها صر برد شديد أصابت حرث قوم ظلموا أنفسهم بالكفر والمعصية فأهلكته عقوبة لهم شبه ما انفقوا في ضياعه بحرث كفار ضربته برد شديد من سخط الله فاستأصلته ولم يبق لهم فيه منفعة في الدنيا ولا في الآخرة وما ظلمهم الله أي المنفقين بضياع نفقاتهم ولكن أنفسهم يظلمون لما لم ينفقوها بحيث يعتد بها.

(118) يا أيها الذين آمنوا لا تتخذوا بطانة وليجة (16) وهو الذي يعرفه الرجل أسراره ثقة به شبه ببطانة الثوب كما يشبه بالشعار من دونكم من دون المسلمين لا يألونكم خبالا لا يقصرون لكم في الفساد ودوا ما عنتم تمنوا عنتكم وهو شدة الضرر قد بدت البغضاء من أفواههم أي من كلامهم لأنهم لا يتمالكون أنفسهم لفرط بغضهم وما تخفي صدورهم أكبر مما بدا قد بينا لكم الآيات إن كنتم تعقلون.

(119) ها أنتم أولاء الخاطئون في موالاة الكفار تحبونهم ولا يحبونكم وتؤمنون بالكتاب بجنس الكتاب كله كتابكم وكتابهم وغيرهما والمعنى أنهم لا يحبونكم والحال أنكم تؤمنون بكتابهم أيضا فما بالكم تحبونهم وهم لا يؤمنون بكتابكم وفيه توبيخ بأنهم في باطنهم أصلب منكم في حقكم وإذا لقوكم قالوا آمنا نفاقا وتعزيرا وإذا خلوا عضوا عليكم الأنامل من الغيظ تأسفا وتحسرا حيث رأوا ائتلافكم واجتماع كلمتكم ولم يجدوا إلى التشفي سبيلا قل موتوا بغيظكم دعا عليهم بدوام الغيظ إلى أن يموتوا إن الله عليم بذات الصدور من خير أو شر فيعلم غيظهم وحنقهم وأخفى ما يخفونه وهو اما من جملة المقول أو مستأنف.

(120) إن تمسسكم حسنة نعمة من ألفة أو ظفر على الأعداء تسؤهم وإن تصبكم سيئة محنة من فرقة أو إصابة عدو منكم يفرحوا بها بيان لتناهي عداوتهم وإن تصبروا على عداوتهم وتتقوا موالاتهم ومخالطتهم لا يضركم كيدهم شيئا لما وعد الله الصابرين والمتقين بالحفظ وقرئ بكسر الضاد وجزم الراء إن الله بما يعملون محيط.

(121) وإذ غدوت واذكر إذ غدوت من أهلك تبوئ المؤمنين تهيئ لهم مقاعد للقتال مواقف وأماكن له والله سميع لأقوالكم عليم بنياتكم.

القمي عن الصادق (عليه السلام) قال سبب نزول هذه الآية أن قريشا خرجت من مكة تريد حرب رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) فخرج رسول الله يبتغي موضعا للقتال.

وفي المجمع عن القمي عنه (عليه السلام) قال سبب غزوة أحد أن قريشا لما رجعت من بدر إلى مكة قد أصابهم ما أصابهم من القتل والأسر ولأنهم قتل منهم سبعون وأسر منهم سبعون قال أبو سفيان يا معشر قريش لا تدعوا نسائكم يبكين على قتلاكم فان الدمعة إذا خرجت أذهبت الحزن والعداوة لمحمد (صلى الله عليه وآله وسلم) فلما غزا رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) يوم أحد اذنوا لنسائهم بالبكاء والنوح وخرجوا من مكة في ثلاثة آلاف فارس وألفي راجل وأخرجوا معهم النساء فلما بلغ رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) ذلك جمع أصحابه وحثهم على الجهاد فقال عبد الله بن أبي يا رسول الله لا تخرج من المدينة حتى نقاتل في أزقتها فيقاتل الرجل الضعيف والمرأة والعبد والأمة على أفواه السكك (17) وعلى السطوح فما أرادنا قوم قط نظروا بنا ونحن في حصوننا ودورنا وما خرجنا على عدو لنا قط إلا كان لهم الظفر علينا فقام سعد بن معاذ وغيره من الأوس فقال يا رسول الله ما طمع فينا أحد من العرب ونحن مشركون نعبد الأصنام فكيف يظفرون بنا وأنت فينا، لا حتى نخرج إليهم ونقاتلهم فمن قتل منا كان شهيدا ومن نجا منا كان مجاهدا في سبيل الله فقبل رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) رأيه وخرج مع نفر من أصحابه يتبوؤون موضع القتال كما قال سبحانه وإذ غدوت من أهلك الآية.

وقعد عنه عبد الله بن أبي وجماعة من الخزرج اتبعوا رأيه ووافت قريش إلى أحد وكان رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) عبأ أصحابه (18) وكانوا سبعمائة رجل فوضع عبد الله بن جبير في خمسين من الرماة على باب الشعب (19) وأشفق أن يأتيهم كمينهم من ذلك المكان فقال (صلى الله عليه وآله وسلم) لعبد الله بن جبير وأصحابه ان رأيتمونا قد هزمناهم حتى أدخلناهم مكة فلا تبرحوا من هذا المكان وان رأيتموهم قد هزمونا حتى أدخلونا المدينة فلا تبرحوا والزموا مراكزكم ووضع أبو سفيان خالد بن الوليد في مائتي فارس كمينا وقال له إذا رأيتمونا قد اختلطنا فاخرجوا عليهم من هذا الشعب حتى تكونوا وراءهم، وعبأ رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) أصحابه ودفع الراية إلى أمير المؤمنين (عليه السلام) فحمل الأنصار على مشركي قريش فانهزموا هزيمة قبيحة ووقع أصحاب رسول الله في سوادهم وانحط خالد بن الوليد في مائتي فارس على عبد الله بن جبير فاستقبلوهم بالسهام فرجع ونظر أصحاب عبد الله بن جبير إلى أصحاب رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) ينهبون سواد القوم فقالوا لعبد الله بن جبير قد غنم أصحابنا ونبقى نحن بلا غنيمة فقال لهم عبد الله اتقوا الله فان رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) قد تقدم الينا أن لا نبرح فلم يقبلوا منه واقبلوا ينسل رجل فرجل حتى أخلوا مراكزهم وبقي عبد الله بن جبير في اثني عشر رجلا وكانت راية قريش مع طلحة بن أبي طلحة العبدري من بني عبد الدار فقتله علي (عليه السلام) فأخذ الراية أبو سعيد بن أبي طلحة فقتله علي وسقطت الراية فأخذها مسافح بن طلحة فقتله حتى قتل تسعة من بني عبد الدار حتى صار لواؤهم إلى عبد لهم أسود يقال له صواب فانتهى إليه علي فقطع يده فأخذ الراية باليسرى فضرب يسراه فقطعها فاعتنقها (20) بالجذماوين إلى صدره ثم التفت إلى أبي سفيان فقال هل أعذرت في بني عبد الدار فضربه علي (عليه السلام) على رأسه فقتله فسقط اللواء فأخذتها عمرة بنت علقمة الكنانية فرفعتها وانحط (21) خالد بن الوليد على عبد الله بن جبير وقد فر أصحابه وبقي في نفر قليل فقتلهم على باب الشعب ثم أتى المسلمين من أدبارهم ونظرت قريش في هزيمتها إلى الراية قد رفعت فلا ذوا بها وانهزم أصحاب رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) هزيمة عظيمة وأقبلوا يصعدون في الجبال وفي كل وجه فلما رأى رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) الهزيمة كشف البيضة عن رأسه وقال إلي أنا رسول الله إلي أين تفرون عن الله وعن رسوله قال وكانت هند بنت عتبة في وسط العسكر وكلما انهزم رجل من قريش دفعت إليه ميلا ومكحلة وقالت إنما أنت امرأة فاكتحل بهذا وكان حمزة بن عبد المطلب يحمل على القوم فإذا رأوه انهزموا ولم يثبت له أحد وكانت هند قد أعطت وحشيا عهدا لئن قتلت محمدا (صلى الله عليه وآله وسلم) أو عليا أو حمزة (صلوات الله عليهما) لأعطيتك كذا وكذا وكان وحشي عبدا لجبير بن مطعم حبشيا فقال وحشي أما محمد فلا أقدر عليه وأما علي فرأيته حذرا كثير الالتفات فلا مطمع فيه فكمن لحمزة قال فرأيته يهذ (22) الناس هذا فمر بي فوطى على جرف (23) نهر فسقط فأخذت حربتي فهززتها (24) ورميته فوقعت في خاصرته وخرجت من الثنية (25) فسقط فأتيته فشققت بطنه فأخذت كبده وجئت به إلى هند فقلت هذه كبد حمزة فأخذتها في فمها فلاكتها (26) فجعلها الله في فمها مثل الداغصة وهي عظم رأس الركبة فلفظتها ورمت بها، قال رسول الله فبعث الله ملكا فحمله ورده إلى موضعه قال فجاءت إليه فقطعت مذاكيره وقطعت اذنيه وقطعت يده ورجله ولم يبق مع رسول الله إلا أبو دجانة سماك بن خرشة وعلي فكلما حملت طائفة على رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) استقبلهم علي فدفعهم عنه حتى انقطع سيفه فدفع إليه رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) سيفه ذا الفقار وانحاز (27) رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) إلى ناحية أحد فوقف وكان القتال من وجه واحد فلم يزل علي يقاتلهم حتى أصابه في وجهه ورأسه ويديه وبطنه ورجليه سبعون جراحة قال فقال جبرائيل إن هذا لهي المواساة يا محمد فقال له انه مني وأنا منه، قال الصادق (عليه السلام) نظر رسول الله إلى جبرائيل بين السماء والأرض على كرسي من ذهب وهو يقول لا سيف الا ذو الفقار ولا فتى إلا علي.

وروي أن سبب انهزامهم نداء إبليس فيهم أن محمدا (صلى الله عليه وآله وسلم) قد قتل وكان النبي، في زحام الناس وكانوا لا يرونه.

(122) إذ همت طائفتان منكم القمي يعني عبد الله بن أبي وأصحابه وقومه.

وفي المجمع عنهما (عليهما السلام) هما بنو سلمة وبنو حارثة حيان من الأنصار وقيل هما بنو سلمة من الخزرج وبنو الحارثة من الأوس وكانا جناحي العسكر أن تفشلا ان تجبنا وتضعفا والله وليهما ناصرهما وعلى الله فليتوكل المؤمنون فليعتمدوا عليه في الكفاية.

(123) ولقد نصركم الله ببدر تذكير ببعض ما أفادهم التوكل وبدر ماء بين مكة والمدينة كان لرجل يسمى بدرا فسمي به وأنتم أذلة.

القمي والعياشي عن الصادق (عليه السلام) وما كانوا أذلة وفيهم رسول الله وإنما نزل وأنتم ضعفاء.

والعياشي عنه وقرئ عنده أبو بصير الآية فقال مه ليس هكذا أنزلها الله إنما أنزلت وأنتم قليل وفي رواية ما أذل الله رسوله قط وإنما أنزلت وأنتم قليل.

وفي غير واحد من الأخبار المعصومية أن عدتهم كانت ثلاث مائة وثلاثة عشر فاتقوا الله في الثبات لعلكم تشكرون ما أنعم به عليكم.

(124) إذ تقول للمؤمنين ألن يكفيكم أن يمدكم ربكم بثلاثة آلاف من الملائكة منزلين وقرئ مشددة الزاي.

(125) بلى إن تصبروا وتتقوا ويأتوكم أي المشركون من فورهم هذا من ساعتهم هذه يمددكم ربكم بخمسة آلاف من الملائكة في حال اتيانهم بلا تراخ.

مسومين معلمين من التسويم بمعنى اظهار سيماء الشئ وقرئ بكسر الواو.

والعياشي عن الباقر (عليه السلام) كانت على الملائكة العمائم البيض المرسلة يوم بدر.

وعنه (عليه السلام) أن الملائكة الذين نصروا محمدا (صلى الله عليه وآله وسلم) يوم بدر ما صعدوا بعد ولا يصعدون حتى ينصروا صاحب هذا الأمر وهم خمسة آلاف.

(126) وما جعله الله وما جعل امدادكم من الملائكة إلا بشرى لكم إلا بشارة لكم بالنصر ولتطمئن قلوبكم به ولتسكن إليه من الخوف وما النصر إلا من عند الله لا من العدة والعدة وفيه تنبيه على أنه لا حاجة إلى مدد وإنما أمدهم ووعد لهم بشارة لهم وربطا على قلوبهم من حيث أن نظر العامة إلى الأسباب أكثر وحثا على أن لا يبالوا بمن تأخر عنهم العزيز الذي لا يغالب في أقضيته.

الحكيم الذي ينصر ويخذل على مقتضى الحكمة والمصلحة.

(127) ليقطع طرفا من الذين كفروا نصركم لينتقض منهم بقتل بعض وأسر بعض وهو ما كان يوم بدر من قتل سبعين وأسر سبعين من صناديدهم كما مرت الإشارة إليه ويأتي تمام القصة في سورة الأنفال إن شاء الله أو يكبتهم أو يخزيهم والكبت شدة غيض أو وهن يقع في القلب أو للتنويع فينقلبوا خائبين فينهزموا منقطعي الآمال.

(128) ليس لك من الأمر شئ اعتراض أو يتوب عليهم إن اسلموا أو يعذبهم ان أصروا فإنهم ظالمون قد استحقوا العذاب بظلمهم.

العياشي عن الباقر (عليه السلام) انه قرأ أن تتوب عليهم أو تعذبهم بالتاء فيهما.

وعنه (عليه السلام) أنه قرئ عنده ليس لك من الأمر شئ قال بلى والله ان له من الأمر شيئا وشيئا وشيئا وليس حيث ذهبت ولكني أخبرك ان الله تعالى لما أخبر نبيه (صلى الله عليه وآله وسلم) أن يظهر ولاية علي ففكر في عداوة قومه له فيما فضله الله به عليهم في جميع خصاله وحسدهم له عليها ضاق عن ذلك فأخبر الله أنه ليس له من هذا الأمر شئ إنما الأمر فيه إلى الله أن يصير عليا (عليه السلام) وصيه وولي الأمر بعده وهذا عنى الله وكيف لا يكون له من الأمر شئ وقد فوض الله إليه ان جعل ما أحل فهو حلال وما حرم فهو حرام قوله ما آتاكم الرسول فخذوه وما نهاكم عنه فانتهوا.

وعنه (عليه السلام) أن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) كان حريصا على أن يكون علي (عليه السلام) من بعده على الناس وكان عند الله خلاف ما أراد فقال له ليس لك من الأمر شئ يا محمد في علي الأمر إلي في علي وفي غيره ألم أنزل عليك يا محمد فيما أنزل من كتابي إليك ألم أحسب الناس أن يتركوا أن يقولوا آمنا وهم لا يفتنون الآيات قال ففوض رسول الله الأمر إليه.

أقول: معنى قوله أن يكون علي من بعده على الناس أن يكون خليفة له عليهم في الظاهر أيضا من غير دافع له.

وعنه (عليه السلام) أنه قرأ ليس لك من الأمر شئ أن يتوب عليهم أو يعذبهم.

وروى العامة أن عتبة بن أبي وقاص شجه (صلى الله عليه وآله وسلم) يوم أحد وكسر رباعيته فجعل يمسح الدم عن وجهه وهو يقول كيف يفلح قوم خضبوا وجه نبيهم بالدم فنزلت وأعلمه أن كثيرا منهم سيؤمنون.

(129) ولله ما في السماوات وما في الأرض خلقا وملكا فله الأمر كله يغفر لمن يشاء ويعذب من يشاء والله غفور رحيم.

في المجمع قيل إنما أبهم الله الأمر في التعذيب والمغفرة ليقف المكلف بين الخوف والرجاء ويلتفت إلى هذا قول الصادق (عليه السلام) لو وزن رجاء المؤمن وخوفه لاعتدلا.

(130) يا أيها الذين آمنوا لا تأكلوا الربا أضعافا مضاعفة قيل كان الرجل منهم يربي إلى أجل ثم يزيد فيه إلى آخر حتى يستغرق بقليله مال المديون وقرأ مضعفة بتشديد العين واتقوا الله فيما نهيتم عنه لعلكم تفلحون رجاء فلا حكم.

(131) واتقوا النار التي أعدت للكافرين بالتجنب عن مثال أفعالهم.

(132) وأطيعوا الله والرسول لعلكم ترحمون بطاعتهما لعل وعسى في أمثال ذلك دليل عزة التوصل إليها.

(133) وسارعوا وقرأ سارعوا بلا واو وبادروا إلى مغفرة من ربكم إلى أسباب المغفرة.

في المجمع عن أمير المؤمنين (عليه السلام) إلى أداء الفرائض وجنة عرضها السماوات والأرض.

العياشي عن الصادق (عليه السلام) إذا وضعوهما كذا وبسط يديه إحديهما مع الأخرى.

وفي المجمع عن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) أنه سئل إذا كانت الجنة عرضها السماوات والأرض فأين تكون النار فقال سبحان الله إذا جاء النهار فأين الليل قال صاحب المجمع هذه معارضة فيها اسقاط المسألة لأن القادر على أن يذهب بالليل حيث يشاء قادر على أن يخلق النار حيث يشاء.

أقول: والسر فيه أن إحدى الدارين لكل انسان إنما يكون مكان الأخرى بدلا عنها كما في والليل والنهار أعدت للمتقين.

في الخصال عن أمير المؤمنين (صلوات الله عليه) فإنكم لن تنالوها الا بالتقوى.

(134) الذين ينفقون في السراء والضراء في حالتي الرخاء والشدة، يعني ينفقون في أحوالهم كلها ما تيسر لهم من قليل أو كثير والكاظمين الغيظ الممسكين عليه الكافين عن امضائه.

في الكافي عن الصادق (عليه السلام) من كظم غيظا ولو شاء أن يمضيه أمضاه ملأ الله قلبه يوم القيامة رضا والعافين عن الناس فيه عنه (عليه السلام) قال قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) عليكم بالعفو فان العفو لا يزيد العبد إلا عزا فتعافوا يعزكم الله والله يحب المحسنين.

في المجمع روي أن جارية لعلي بن الحسين جعلت تسكب عليه الماء ليتهيأ للصلاة فسقط الإبريق من يدها فشجه فرفع رأسه إليها فقالت له الجارية ان الله تعالى يقول والكاظمين الغيظ فقال لها كظمت غيظي قالت والعافين عن الناس قال عفا الله عنك قالت والله يحب المحسنين قال اذهبي فأنت حرة لوجه الله.

(135) والذين إذا فعلوا فاحشة سيئة بالغة في القبح كالزنا أو ظلموا أنفسهم بأن أذنبوا ذنبا أعظم من الزنا ذكروا الله تذكروا وعيده أو حقه العظيم فاستغفروا لذنوبهم بالندم والتوبة ومن يغفر الذنوب إلا الله استفهام بمعنى النفي معترض بين المعطوفين والمراد به وصفه تعالى بسعة الرحمة وعموم المغفرة والحث على الاستغفار والوعد بقبول التوبة ولم يصروا على ما فعلوا أو لم يقيموا على ذنوبهم غير مستغفرين.

في الكافي والعياشي عن الباقر (عليه السلام) في هذه الآية قال الإصرار أن يذنب الذنب فلا يستغفر الله ولا يحدث نفسه بتوبة فذلك الإصرار.

وفي الكافي عن الصادق (عليه السلام قال) والله ما خرج عبد من ذنب إلا باصرار وما خرج عبد من ذنب إلا بالإقرار.

وعنه (عليه السلام) لا صغيرة مع الإصرار ولا كبيرة مع الاستغفار، وروي عن النبي ما أصر من استغفر وان عاد في اليوم سبعين مرة وهم يعلمون يعني ولم يصروا على قبيح فعلهم عالمين به.

(136) أولئك جزاؤهم مغفرة من ربهم وجنات تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها ونعم أجر العاملين المغفرة والجنات.

في المجالس عن الصادق (عليه السلام قال) لما نزلت هذه الآية صعد إبليس جبلا فصرخ بأعلى صوته بعفاريته فاجتمعوا إليه فقالوا يا سيدنا لما دعوتنا قال نزلت هذه الآية فمن لها فقام عفريت (28) من الشياطين فقال أنا لها بكذا وكذا قال لست لها فقام آخر فقال مثل ذلك فقال لست لها فقال الوسواس الخناس أنا لها قال بماذا قال أعدهم وأمنيهم حتى يواقعوا الخطيئة فإذا واقعوا الخطيئة أنسيتهم الاستغفار فقال أنت لها فوكله بها إلى يوم القيامة.

وعن عبد الرحمن بن غنم الدوسي (29) قال دخل معاذ فقال يا رسول الله ان بالباب شابا طري الجسد نقي اللون حسن الصورة يبكي على شبابه بكاء الثكلى على ولدها يريد الدخول عليك فقال النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) ادخل علي الشاب يا معاذ فأدخله عليه فسلم فرد ثم قال ما يبكيك يا شاب قال كيف لا أبكي وقد ركبت ذنوبا ان أخذني الله عز وجل ببعضها أدخلني نار جهنم ولا أراني إلا سيأخذني بها ولا يغفر لي أبدا فقال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) هل أشركت بالله شيئا قال أعوذ بالله من أن أشرك بربي شيئا قال أقتلت النفس التي حرم الله قال لا فقال النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) يغفر الله لك ذنوبك وان كانت مثل الجبال الرواسي قال الشاب فإنها أعظم من الجبال الرواسي فقال النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) يغفر الله لك ذنوبك وإن كانت مثل الأرضي السبع وبحارها ورمالها وأشجارها وما فيها من الخلق قال الشاب فإنها أعظم من الأرضيين السبع وبحارها ورمالها وأشجارها وما فيها من الخلق فقال النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) يغفر الله لك ذنوبك وإن كانت مثل السماوات ونجومها ومثل العرش والكرسي قال فإنها أعظم من ذلك قال فنظر النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) كهيئة الغضبان ثم قال ويحك يا شاب ذنوبك أعظم أم ربك فخرج الشاب لوجهه وهو يقول سبحان ربي ما من شئ أعظم من ربي ربي أعظم يا نبي الله من كل عظيم فقال النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) فهل يغفر الذنب العظيم إلا الرب العظيم قال الشاب لا والله يا رسول الله ثم سكت الشاب فقال له النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) ويحك يا شاب ألا تخبرني بذنب واحد من ذنوبك قال بلى أخبرك اني كنت أنبش القبور سبع سنين أخرج الأموات وانزع الأكفان فماتت جارية من بعض بنات الأنصار فلما حملت إلى قبرها ودفنت وانصرف عنها أهلها وجن عليهم الليل أتيت قبرها فنبشتها ثم استخرجتها ونزعت ما كان عليها من أكفانها وتركتها مجردة على شفير قبرها ومضيت منصرفا فأتاني الشيطان فأقبل يزينها لي ويقول أما ترى بطنها وبياضها أما ترى وركيها (30) فلم يزل يقول لي هذا حتى رجعت إليها ولم أملك نفسي حتى جامعتها وتركتها مكانها فإذا أنا بصوت من ورائي يقول يا شاب ويل لك من ديان يوم الدين يوم يقفني وإياك كما تركتني عريانة في عساكر الموتى ونزعتني من حفيرتي وسلبتني أكفاني وتركتني أقوم جنبة إلى حسابي لشبابك من النار فما أظن أني أشم ريح الجنة أبدا يا رسول الله فما ترى لي فقال النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) تنح عني يا فاسق اني أخاف أن أحترق بنارك فما أقربك من النار ثم لم يزل (صلى الله عليه وآله وسلم) يقول ويشير إليه حتى أمعن من بين يديه فذهب فأتى المدينة فتزود منها ثم أتى بعض جبالها فتعبد فيها ولبس مسحا (31) وغل يديه جميعا إلى عنقه ونادى يا رب هذا عبدك بهلول (32) بين يديك مغلول يا رب أنت الذي تعرفني وزل مني ما تعلم سيدي يا رب إني أصبحت من النادمين وأتيت نبيك تائبا فطردني وزادني خوفا فأسألك باسمك وجلالك وعظم سلطانك أن لا تخيب رجائي سيدي ولا تبطل دعائي ولا تقنطني من رحمتك فلم يزل يقول ذلك أربعين يوما وليلة تبكي له السباع والوحوش فلما تمت له أربعون يوما وليلة رفع يديه إلى السماء وقال اللهم ما فعلت في حاجتي ان كنت استجبت دعائي وغفرت لي خطيئتي فأوح إلى نبيك وان لم تستجب دعائي ولم تغفر لي خطيئتي وأردت عقوبتي فعجل بنار تحرقني أو عقوبة في الدنيا تهلكني وخلصني من فضيحة يوم القيامة فأنزل الله تعالى على نبيه والذين إذا فعلوا فاحشة يعني الزنا أو ظلموا أنفسهم يعني بارتكاب ذنب أعظم من الزنا وهو نبش القبور وأخذ الأكفان ذكروا الله فاستغفروا لذنوبهم يقول خافوا الله فعجلوا التوبة ومن يغفر الذنوب إلا الله يقول الله عز وجل أتاك عبدي يا محمد تائبا فطردته فأين يذهب وإلى من يقصد ومن يسأل أن يغفر له ذنبه غيري، ثم قال تعالى ولم يصروا على ما فعلوا وهم يعلمون يقول لم يقيموا على الزنا ونبش القبور وأخذ الأكفان أولئك جزاؤهم مغفرة من ربهم وجنات تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها ونعم أجر العاملين فلما نزلت هذه الآية على رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) خرج وهو يتلوها ويتبسم فقال لأصحابه من يدلني على هذا الشاب التائب فقال معاذ يا.

رسول الله بلغنا أنه في موضع كذا وكذا فمضى رسول الله بأصحابه حتى انتهوا إلى ذلك الجبل فصعدوا إليه يطلبون الشاب فإذا هم بالشاب قائم بين صخرتين مغلولة يداه إلى عنقه قد اسود وجهه وتساقطت أشفار عينيه من البكاء وهو يقول سيدي قد أحسنت خلقي وأحسنت صورتي فليت شعري ماذا تريد بي أفي النار تحرقني أو في جوارك تسكنني اللهم انك قد أكثرت الإحسان إلي فأنعمت علي فليت شعري ماذا يكون آخر أمري إلى الجنة تزفني (33) أم إلى النار تسوقني اللهم ان خطيئتي أعظم من السماوات والأرض ومن كرسيك الواسع وعرشك العظيم فليت شعري تغفر لي خطيئتي أم تفضحني بها يوم القيامة فلم يزل يقول: نحو هذا وهو يبكي ويحثو التراب على رأسه وقد أحاطت به السباع وصفت فوقه الطير وهم يبكون لبكائه فدنا منه رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) فأطلق يديه من عنقه ونفض التراب عن رأسه وقال يا بهلول ابشر يا بهلول فإنك عتيق الله من النار ثم قال (صلى الله عليه وآله وسلم) لأصحابه هكذا تداركوا الذنوب كما تداركها بهلول ثم تلا عليه ما أنزل الله عز وجل فيه وبشره بالجنة.

(137) قد خلت من قبلكم سنن وقائع سنها الله تعالى في الأمم المكذبة فسيروا في الأرض فانظروا كيف كان عاقبة المكذبين لتعتبروا بما ترون من آثار هلاكهم.

وفي الكافي عن الصادق (عليه السلام) في قوله تعالى سيروا في الأرض فانظروا كيف كان عاقبة المكذبين قال عنى بذلك انظروا في القرآن فاعلموا كيف كان عاقبة الذين من قبلكم وما أخبركم عنه.

(138) هذا أي القرآن بيان للناس وهدى وموعظة للمتقين خاصة.

(139) ولا تهنوا تضعفوا عن الجهاد بما أصابكم يوم أحد ولا تحزنوا على من قتل منكم تسلية لهم عما أصابهم وأنتم الأعلون وحالكم أنكم أعلى منهم شأنا فإنكم على الحق وقتالكم لله وقتلاكم في الجنة وانهم على الباطل وقتالهم للشيطان وقتلاهم في النار وانكم أصبتم منهم يوم بدر أكثر مما أصابوا منكم اليوم أو انكم منصورون في العاقبة غالبون إن كنتم مؤمنين ان صح ايمانكم.

(140) إن يمسسكم قرح بالفتح والضم لغتان وقيل بالفتح الجراح وبالضم ألمها وقرأ بهما حيث وقع فقد مس القوم قرح مثله يعني ان أصابوا منكم فقد أصبتم منهم وتلك الأيام أوقات النصر والغلبة نداولها بين الناس نصرفها بينهم نديل لهؤلاء تارة ولهؤلاء أخرى كما قيل فيوما علينا ويوما لنا ويوما نساء ويوما نسر وليعلم الله الذين آمنوا نداولها ليكون كيت وكيت ومن المصالح وليتميز الثابتون على الإيمان من الذين على حرف ويعلم الله ذلك حين يشاهده الناس كما يعلمه من قبل ومن بعد ويتخذ منكم شهداء ويكرم أناسا منكم بالشهادة والله لا يحب الظالمين اعتراض فيه تنبيه على أنه لا ينصرهم على الحقيقة وإنما يديل لهم أحيانا استدراجا لهم وابتلاء للمؤمنين.

(141) وليمحص الله الذين آمنوا ليطهرهم ويصفيهم من الذنوب ان كانت الدولة عليهم ويمحق الكافرين ويهلكهم ان كانت عليهم والمحق نقص الشئ قليلا قليلا.

(142) أم حسبتم بل أحسبتم يعني لا تحسبوا أن تدخلوا الجنة ولما يعلم الله الذين جاهدوا منكم ويعلم الصابرين ولما يجاهد من يجاهد ويصبر من يصبر منكم.

العياشي عن الصادق (عليه السلام) في هذه الآية قال إن الله هو أعلم بما هو مكونه قبل أن يكونه وهم ذر وعلم من يجاهد ممن لا يجاهد كما أنه يميت خلقه قبل أن يميتهم ولم يرهم موتهم وهم أحياء.

(143) ولقد كنتم تمنون الموت بالشهادة من قبل أن تلقوه من قبل أن تشاهدوه وتعرفوا شدته فقد رأيتموه وأنتم تنظرون معاينين له حين قتل دونكم من قتل من اخوانكم.

القمي عن الصادق (عليه السلام) في هذه الآية أن المؤمنين لما أخبرهم الله تعالى بالذي فعل بشهدائهم يوم بدر في منازلهم في الجنة رغبوا في ذلك فقالوا اللهم أرنا قتالا نستشهد فيه فأراهم الله يوم أحد فلم يثبتوا إلا من شاء الله منهم فذلك قوله ولقد كنتم تمنون الموت الآية.

(144) وما محمد إلا رسول قد خلت من قبله الرسل فيخلو كما خلوا بالموت أو القتل أفإن مات أو قتل انقلبتم على أعقابكم انكار لارتدادهم وانقلابهم على أعقابهم عن الدين لخلوه بموت أو قتل بعد علمهم بخلو الرسل قبله وبقاء دينهم متمسكا به.

العياشي عن الباقر (عليه الصلاة والسلام) أنه سئل عمن قتل أمات قال لا الموت موت والقتل قتل قيل ما أحد يقتل إلا وقد مات فقال قول الله أصدق من قولك وفرق بينهما.

في القرآن قال أفإن مات أو قتل وقال ولئن متم أو قتلتم لإلى الله تحشرون وليس كما قلت الموت موت والقتل قتل قيل فان الله يقول كل نفس ذائقة الموت قال من قتل لم يذق الموت ثم قال لا بد من أن يرجع حتى يذوق الموت ويأتي حديث آخر في هذا المعنى في أواخر هذه السورة إن شاء الله.

وفي الكافي عن الصادق (عليه السلام) قال لما انهزم الناس يوم أحد عن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) انصرف إليهم بوجهه وهو يقول أنا محمد انا رسول الله لم أقتل ولم أمت فالتفت إليه فلان وفلان وقالا الآن يسخر بنا أيضا وقد هزمنا وبقي معه علي (عليه السلام) وسماك بن خرشة أبو دجانة (ره) فدعاه النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) فقال يا أبا دجانة انصرف وأنت في حل من بيعتك فأما علي (عليه السلام) فهو أنا وأنا هو فتحول وجلس بين يدي النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) وبكى وقال لا والله ورفع رأسه إلى السماء وقال لا والله لا جعلت نفسي في حل من بيعتي إني بايعتك فإلى من انصرف يا رسول الله إلى زوجة تموت أو ولد يموت أو دار تخرب أو مال يفنى وأجل قد اقترب فرق له النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) فلم يزل يقاتل حتى أثخنته الجراحة وهو في وجه وعلي (عليه السلام) في وجه فلما اسقط احتمله علي (عليه السلام) فجاء به إلى النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) فوضعه عنده فقال يا رسول الله أوفيت بيعتي قال نعم وقال له النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) خيرا وكان الناس يحملون على النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) الميمنة فيكشفهم علي فإذا كشفهم أقبلت الميسرة إلى النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) فلم يزل كذلك حتى تقطع سيفه بثلاث قطع فجاء إلى النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) فطرحه بين يديه وقال هذا سيفي قد تقطع فيومئذ أعطاه النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) ذا الفقار ولما رأى النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) اختلاج ساقيه من كثرة القتال رفع رأسه إلى السماء وهو يبكي وقال يا رب وعدتني أن تظهر دينك وان شئت لم يعيك فاقبل علي (عليه السلام) إلى النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) فقال يا رسول الله أسمع دويا شديدا واسمع أقدم حيزوم وما أهم أضرب أحدا الا سقط ميتا قبل أن اضربه فقال هذا جبرئيل وميكائيل وإسرافيل في الملائكة ثم جاء جبرئيل (عليه السلام) فوقف إلى جنب رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) فقال يا محمد ان هذه لهي المواساة فقال النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) ان عليا مني وأنا منه فقال جبرئيل (عليه السلام) وأنا منكما ثم انهزم الناس فقال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) لعلي يا علي امض بسيفك حتى تعارضهم فإن رأيتهم ركبوا القلاص وجنبوا الخيل فإنهم يريدون مكة وان رأيتهم قد ركبوا الخيل وهم يجنبون القلاص (34) فإنهم يريدون المدينة فأتاهم علي (عليه السلام) فكانوا على القلاص فقال أبو سفيان لعلي (عليه السلام) ما تريد هوذا نحن ذاهبون إلى مكة فانصرف إلى صاحبك فاتبعهم جبرئيل فكلما سمعوا وقع حافر فرسه جدوا في السير وكان يتلوهم فإذا ارتحلوا قالوا هوذا عسكر محمد (صلى الله عليه وآله وسلم) قد أقبل فدخل أبو سفيان مكة فأخبرهم الخبر وجاء الرعاة والحطابون فدخلوا مكة فقالوا رأينا عسكر محمد كلما رحل أبو سفيان نزلوا يقدمهم فارس على فرس أشقر يطلب آثارهم فأقبل أهل مكة على أبي سفيان يوبخونه ثم رحل النبي (صلى الله عليه وآله والراية مع علي (عليه السلام) وهو بين يديه فلما ان أشرف بالراية من العقبة وراء الناس نادى علي (عليه السلام) أيها الناس هذا محمد لم يمت ولم يقتل فقال صاحب الكلام الذي قال الآن يسخر بنا وقد هزمنا هذا علي والراية بيده حتى هجم (35) عليهم النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) ونساء الأنصار في أفنيتهم على أبواب دورهم وخرج الرجال إليه يلوذون به ويتوبون إليه والنساء نساء الأنصار قد خدشن الوجوه ونشرن الشعور وجززن (36) النواصي وخرقن الجيوب وخرمن البطون على النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) فلما رأينه قال لهن خيرا وأمرهن أن يتسترن ويدخلن منازلهن وقال إن الله وعدني أن يظهر دينه على الأديان كلها وأنزل الله على محمد ﴿وما محمد الا رسول قد خلت﴾ الآية ومن ينقلب على عقبيه فلن يضر الله شيئا بارتداده بل يضر نفسه وسيجزي الله الشاكرين كأمير المؤمنين (عليه السلام) ومن يحذو حذوه.

في الاحتجاج في خطبة الغدير: معاشر الناس انذر كم إني رسول الله إليكم قد خلت من قبلي الرسل فان مت أو قتلت انقلبتم على أعقابكم ومن ينقلب على عقبيه فلن يضر الله شيئا وسيجزي الله الشاكرين، الا وان عليا هو الموصوف بالصبر والشكر ثم من بعدي ولدي من صلبه.

وفي الكافي في خطبة الوسيلة لأمير المؤمنين (عليه السلام) حتى إذا دعا الله نبيه ورفعه الأعقاب وانتكصوا على الأدبار وطلبوا بالأوتار وأظهروا الكتائب وردموا الباب وفلوا الديار وغيروا آثار رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) ورغبوا عن أحكامه وبعدوا من أنواره واستبدلوا بمستخلفه بديلا اتخذوه وكانوا ظالمين وزعموا أن من اختاروا من آل أبي قحافة أولى بمقام رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) ممن اختاره الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) لمقامه وان مهاجر آل أبي قحافة خير من المهاجري الأنصار والعياشي عن الباقر (عليه الصلاة والسلام) قال كان الناس أهل ردة بعد رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) إلا ثلاثة قيل ومن الثلاثة قال المقداد وأبو ذر وسلمان الفارسي رحمهم الله ثم عرف أناس بعد يسير فقال هؤلاء الذين دارت عليهم الرحا وأبوا أن يبايعوا حتى جاؤوا بأمير المؤمنين (عليه السلام) مكرها فبايع وذلك قول الله وما محمد الآية.

وعن الصادق (عليه السلام) أتدرون مات النبي أو قتل ان الله يقول أفإن مات أو قتل انقلبتم على أعقابكم ثم قال إنهما سقتاه قبل الموت يعني الامرأتين.

(145) وما كان لنفس أن تموت إلا بإذن الله إلا بمشيته أو باذنه لملك الموت في قبض روحها لا تستأخر ساعة بالا حجام عن القتال ولا تستقدم بالإقدام عليه وفيه تحريض وتشجيع على القتال كتابا كتب الموت كتابا مؤجلا موقتا لا يتأخر ولا يتقدم ومن يرد ثواب الدنيا نؤته منها تعريض بمن شغلته الغنائم يوم أحد ومن يرد ثواب الآخرة نؤته منها من ثوابها وسنجزي الشاكرين الذين شكروا نعمة الله فلم يشغلهم شئ عن الجهاد.

في المجمع عن الباقر (عليه السلام) أنه أصاب عليا عليه السلام يوم أحد وستون جراحة، وإن النبي صلى الله عليه وآله أمر أم سليم وأم عطية أن تداويا فقالتا أنا لا نعالج منه مكانا إلا انفتق مكان وقد خفنا عليه ودخل رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم المسلمون يعودونه وهو قرحة (37) واحدة فجعل يمسحه بيده ويقول إن رجلا لقي هذا في الله فقد أبلى وأعذر فكان القرح الذي يمسحه رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يلتئم فقال علي عليه السلام الحمد لله إذ لم أفر ولم أول الدبر فشكر الله له ذلك في موضعين من القرآن وهو قوله وسيجزي الله الشاكرين وسنجزي الشاكرين.

(146) وكأين من نبي وكم من نبي وقرئ كائن ككا عن قاتل معه حارب وقرئ قتل بضم القاف ربيون كثير - قيل: أي علماء فقهاء صبر وقيل المجموع.

وفي المجمع عن الباقر عليه السلام الربيون عشرة آلاف.

والعياشي عن الصادق عليه السلام أنه قرأ وكأين من نبي قتل معه ربيون كثير قال ألوف وألوف ثم قال أي والله يقتلون فما وهنوا لما أصابهم في سبيل الله فما فتروا ولم ينكسر جدهم من قتل من قتل منهم.

ما ضعفوا في الدين وعن العدو وما استكانوا.

ما خضعوا للعدو وهو تعريض بما أصابهم عند الارجاف (38) بقتله صلى الله عليه وآله وسلم.

في المجمع عن الباقر عليه السلام بين الله سبحانه أنه لو كان قتله صلى الله عليه وآله وسلم كما أرجف بذلك يوم أحد لما أوجب ذلك أن يضعفوا ويهنوا كما لم يهن من كان مع الأنبياء بقتلهم والله يحب الصابرين فينصرهم في العاقبة ويعظم قدرهم.

(147) وما كان قولهم مع ثباتهم وقوتهم في الدين وكونهم ربانيين إلا أن قالوا ربنا اغفر لنا ذنوبنا وإسرافنا في أمرنا وثبت أقدامنا وانصرنا على القوم الكافرين أضافوا الذنوب والاسلام إلى أنفسهم هضما لها وإضافة لما أصابهم إلى سوء أعمالهم واستغفروا عنها ثم طلبوا التثبيت في مواطن الحرب والنصر على العدو ليكون على خضوع وطهارة فيكون أقرب إلى الإجابة (148) فأتاهم الله ثواب الدنيا وحسن ثواب الآخرة فأتاهم الله بسبب الاستغفار واللجأ إلى الله النصر والغنيمة وحسن الذكر في الدنيا والجنة والنعيم في الآخرة وخص ثواب الآخرة بالحسن اشعارا بفضله وأنه لمعتد به عند الله والله يحب المحسنين في أقوالهم وأفعالهم.

(149) يا أيها الذين آمنوا إن تطيعوا الذين كفروا يردوكم على أعقابكم فتنقلبوا خاسرين.

في المجمع عن أمير المؤمنين (عليه السلام) نزلت في المنافقين إذ قالوا للمؤمنين يوم أحد عند الهزيمة ارجعوا إلى اخوانكم وارجعوا إلى دينهم.

(150) بل الله مولاكم ناصركم وقرئ بالنصب بمعنى بل أطيعوا الله وهو خير الناصرين فاستغنوا به عن ولاية غيره ونصره.

(151) سنلقي في قلوب الذين كفروا الرعب وقرئ بضمتين قيل وهو ما قذف في قلوبهم من الخوف يوم أحد حتى تركوا القتال ورجعوا من غير سبب.

في المجمع عن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) نصرت بالرعب مسيرة شهر بما أشركوا بالله بسبب اشراكهم به ما لم ينزل به سلطانا أي آلهة ليس على اشراكها حجة نازلة من الله عليهم والمراد نفي الحجة ونزولها جميعا ومأواهم النار وبئس مثوى الظالمين أي مثواهم وضع الظاهر موضع الضمير للتغليظ والتعليل.

(152) ولقد صدقكم الله وعده إياكم بالنصر بشرط التقوى والصبر وكان كذلك حتى خالف الرماة فان المشركين لما اقبلوا جعل الرماة يرشقونهم (39) والباقون يضربونهم بالسيف حتى انهزموا والمسلمون على آثارهم إذ تحسونهم بإذنه أي تقتلونهم بإذن الله بمعنى القتل على الاستيصال وأصله الا حساس من أحسه إذا أبطل حسه حتى إذا فشلتم جبنتم وضعف رأيكم بالميل إلى الغنيمة وتنازعتم في الأمر يعني اختلاف الرماة حين انهزام المشركين فقال بعضهم فما موقفنا هيهنا وقال آخرون لا نخالف أمر الرسول فثبت مكانه أميرهم في نفر يسير ونفر الباقون للنهب وعصيتم من بعد ما أراكم ما تحبون من الظفر والغنيمة وانهزام العدو وجواب إذا محذوف وهو امتحنكم منكم من يريد الدنيا وهم التاركون المركز لحيازة الغنيمة.

القمي يعني أصحاب عبد الله بن جبير الذين تركوا مراكزهم ومروا للغنيمة ومنكم من يريد الآخرة وهم الثابتون محافظة على أمر الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم).

القمي يعني عبد الله بن جبير وأصحابه الذين بقوا حتى قتلوا ثم صرفكم عنهم كفكم عنهم حين غلبوكم ليبتليكم على المصائب ويمتحن ثباتكم على الإيمان عندها ولقد عفا عنكم تفضلا ولما علم من ندمكم على المخالفة والله ذو فضل على المؤمنين يتفضل عليهم بالعفو وغيره في الأحوال كلها سواء اديل (40) لهم أو عليهم إذ الابتلاء أيضا رحمة.

(153) إذ تصعدون متعلق بصرفكم والإصعاد الذهاب والإبعاد في الأرض ولا تلوون على أحد لا يقف أحد لأحد ولا ينتظره والرسول يدعوكم كان يقول إلي عباد الله إلي عباد الله ارجعوا أنا رسول الله إلى أين تفرون عن الله وعن رسوله وفي رواية من يكر فله الجنة في أخراكم في ساقتكم وجماعتكم الأخرى فأثابكم غما بغم فجازاكم الله عن فتلكم وعصيانكم غما متصلا بغم.

القمي عن الباقر (عليه السلام) فأما الغم الأول فالهزيمة والقتل والغم الآخر فاشراف خالد بن الوليد عليهم لكيلا تحزنوا على ما فاتكم من الغنيمة ولا على ما أصابكم من قتل اخوانكم والله خبير بما تعملون.

(154) ثم أنزل عليكم من بعد الغم يعني الهزيمة أمنة نعاسا أمنا حتى أخذكم النعاس يغشى طائفة منكم وقرئ بالتاء وهم المؤمنون حقا روي أنهم غشيهم النعاس في المصاف حتى كان السيف يسقط عن يد أحدهم ثم يسقط فيأخذه وطائفة هم المنافقون قد أهمتهم أنفسهم أوقعتهم أنفسهم في الهموم إذ ما بهم الا هم أنفسهم وطلب خلاصها يظنون بالله غير الحق يظنون أن أمر محمد (صلى الله عليه وآله وسلم) مضمحل وأنه لا ينصر ظن الجاهلية ظن أهل الملة الجاهلية أي الكفار يقولون هل لنا من الأمر من شئ من النصر والظفر نصيب قط كما وعدنا أو في تدبير أنفسنا وتصريفها اختيار يقولون ذلك على سبيل الإنكار قل إن الأمر كله لله الغلبة الحقيقية لله تعالى وأوليائه فان حزب الله هم الغالبون أو النصر والشهادة والقضاء كله لله يفعل ما يشاء ويحكم ما يريد وقرئ كله بالرفع يخفون في أنفسهم ما لا يبدون لك: يظهرون انهم مسترشدون طالبون للنصر ويبطنون الإنكار والتكذيب يقولون في أنفسهم وإذا خلا بعضهم إلى بعض لو كان لنا من الأمر شئ لو كان النصر لنا أو الاختيار الينا ما قتلنا هيهنا لم نبرح من المدينة بل أقمنا فيها كما كان رأي ابن أبي وغيره فما غلبنا وما قتل من قتل منا في هذه المعركة قل لو كنتم في بيوتكم لبرز الذين كتب عليهم القتل لخرج الذين قدر الله عليهم القتل وكتب في اللوح المحفوظ إلى مضاجعهم إلى مصارعهم ولم تنفع الإقامة بالمدينة ولم ينج من القتل أحد لأن ما قدر الله من الأمور ودبرها في سابق قضائه لا دافع له إذ لا معقب لقضائه ولا مانع لحكمه وليبتلي الله ما في صدوركم وليمحن الله ما في صدوركم ويظهر سرائرها من الإخلاص والنفاق فعل ما فعل وليمحص ما في قلوبكم وليكشفه ويميزه والله عليم بذات الصدور عليم بخفياتها قبل اظهارها وفيه وعد ووعيد وتنبيه على أنه غني عن الابتلاء وإنما فعل ذلك لتمرين المؤمنين واظهار حال المنافقين.

(155) إن الذين تولوا منكم يوم التقى الجمعان انهزموا يوم أحد والجمعان جمع المسلمين وجمع المشركين إنما استزلهم الشيطان حملهم على الزلة ببعض ما كسبوا من معصيتهم النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) بترك المركز والحرص على الغنيمة وغير ذلك فمنعوا التأييد وقوة القلب.

العياشي عن الصادق (عليه السلام) قال هم أصحاب العقبة ولقد عفا الله عنهم لتوبتهم واعتذارهم ان الله غفور للذنوب حليم لا يعاجل بعقوبة المذنب كي يتوب.

(156) يا أيها الذين آمنوا لا تكونوا كالذين كفروا يعني المنافقين وقالوا لإخوانهم لأجلهم وفيهم إذا ضربوا في الأرض إذا سافروا فيها فماتوا أو كانوا غزى أي غازين فقتلوا لو كانوا عندنا ما ماتوا وما قتلوا ليجعل الله ذلك حسرة في قلوبهم اللام للعاقبة مثلها في ليكون لهم عدوا وحزنا والله يحيي ويميت رد لقولهم أي هو المحيي والمميت لا الإقامة والسفر فإنه تعالى قد يحيي المسافر والغازي ويميت المقيم والقاعد والله بما تعملون بصير تهديد للمؤمنين على أن يماثلوهم وعلى قراءة الياء وعيد للذين كفروا.

(157) ولئن قتلتم في سبيل الله أو متم في سبيله وقرئ بكسر الميم لمغفرة من الله ورحمة خير مما يجمعون وقرئ بالتاء أقيم جواب القسم مقام الجزاء والمعنى ان السفر والغزاة ليسا مما يجلبان الموت أو يقدمان الأجل وان وقع ذلك في سبيل الله فما تنالون من المغفرة والرحمة بالموت خير مما تجمعون من الدنيا وما فيها ومنافعها لو لم تموتوا أو لم تقتلوا.

(158) ولئن متم أو قتلتم على أي وجه اتفق لإلى الله تحشرون في جميع الأحوال.

وفي المعاني والعياشي عن الباقر (عليه السلام) في هذه الآية أن سبيل الله علي وذريته من قتل في ولايته قتل في سبيل الله ومن مات في ولايته مات في سبيل الله وقد سبق حديث في الفرق بين الموت والقتل عند تفسير قوله أفإن مات أو قتل انقلبتم من هذه السورة.

(159) فبما رحمة من الله لنت لهم ما مزيدة للتأكيد بلغ لينه لهم إلى أن اغتم لهم بعد أن خالفوه ولو كنت فظا سئ الخلق جافيا غليظ القلب قاسية لانفضوا من حولك لتفرقوا عنك ولم يسكنوا إليك فاعف عنهم فيما يختص بك واستغفر لهم فيما لله وشاورهم في الأمر في أمر الحرب وغيره مما يصح أن يشاور فيه استظهارا برأيهم وتطييبا لنفوسهم وتمهيدا لسنة المشاورة للأمة عن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) لا وحدة أوحش من العجب ولا مظاهرة أوثق من المشاورة.

وفي نهج البلاغة من استبد برأيه هلك ومن شاور الرجال شاركها في عقولها، وفيه الاستشارة عين الهداية وقد خاطر (41) من استغنى برأيه.

وفي الخصال عن الصادق (عليه السلام) وشاور في أمرك الذين يخشون الله.

والعياشي كتب الجواد إلى علي بن مهزيار ان سل فلانا أن يشير (42) علي ويتخير لنفسه فهو يعلم ما يجوز في بلده وكيف يعامل السلاطين فان المشاورة مباركة قال الله تعالى لنبيه (صلى الله عليه وآله وسلم) في محكم كتابه وتلا هذه الآية قال وشاورهم في الأمر يعني الاستخارة فإذا عزمت فإذا وطنت نفسك على شئ بعد الشورى فتوكل على الله في امضاء أمرك على ما هو أصلح لك فإنه لا يعلمه سواه، وروت العامة عن الصادق (عليه السلام) فإذا عزمت بضم التاء اي فإذا عزمت لك ووفقتك وأرشدتك إن الله يحب المتوكلين فينصرهم ويهديهم إلى الصلاح.

(160) إن ينصركم الله كما نصركم يوم بدر فلا غالب لكم فلا أحد يغلبكم وإن يخذلكم كما خذلكم يوم أحد فمن ذا الذي ينصركم من بعده لا ناصر لكم من بعد الله إذا جاوزتموه ومن بعد خذلانه وعلى الله فليتوكل المؤمنون فليخصوه بالتوكل لما آمنوا به وعلموا أن لا ناصر سواه.

(161) وما كان لنبي أن يغل وما صح لنبي أن يخون في الغنائم فان النبوة تنافي الخيانة والغلول أخذ الشئ من المغنم في خفية، وقرئ بضم الياء وفتح الغين أي ينسب إلى الخيانة.

القمي نزلت في حرب بدر وكان سبب نزولها أنه كان في الغنيمة التي أصابوها يوم بدر قطيفة حمراء ففقدت فقال رجل من أصحاب رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) ما لنا لا نرى القطيفة ما أظن إلا رسول الله (صلى الله عليه وآله وخذها أخذها فأنزل الله في ذلك هذه الآية فجاء رجل إلى رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) فقال إن فلانا غل قطيفة فاحفرها هنالك فأمر رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) أن يحفر ذلك الموضع فأخرج القطيفة.

في المجالس عن الصادق (عليه السلام) ان رضاء الناس لا يملك وألسنتهم لا تضبط ألم ينسبوه يوم بدر إلى أنه أخذ لنفسه من المغنم قطيفة حمراء حتى أظهره الله على القطيفة وبرأ نبيه من الخيانة وانزل في كتابه وما كان لنبي أن يغل الآية ومن يغلل يأت بما غل يوم القيمة يحمله على عنقه.

والقمي عن الباقر (عليه السلام) ومن غل شيئا رآه يوم القيامة في النار ثم يكلف أن يدخل إليه فيخرجه من النار ثم توفى كل نفس ما كسبت تعطى جزاء ما كسبت وافيا عمم الحكم ليكون كالبرهان على المقصود وهم لا يظلمون لا ينقص ثواب مطيعهم ولا يزاد في عقاب عاصيهم.

(162) أفمن اتبع رضوان الله بالطاعة كمن باء رجع بسخط من الله بالمعصية ومأواه جهنم وبئس المصير.

(163) هم درجات عند الله قيل ذو درجات أو شبهوا بالدرجات لما بينهم من التفاوت.

في الكافي والعياشي عن الصادق (عليه السلام) الذين اتبعوا رضوان الله هم الأئمة وهم والله درجات عند الله للمؤمنين وبولايتهم ومعرفتهم إيانا يضاعف الله لهم أعمالهم ويرفع الله لهم الدرجات العلى.

وزاد العياشي الذين باؤوا بسخط من الله هم الذين جحدوا حق علي وحق الأئمة منا أهل البيت (صلوات الله عليهم) فباؤوا لذلك بسخط من الله.

وعن الرضا (عليه الصلاة والسلام) الدرجة ما بين السماء والأرض والله بصير بما يعملون فيجازيهم على حسبها.

(164) لقد من الله على المؤمنين أنعم الله عليهم إذ بعث فيهم رسولا من أنفسهم عربيا مثلهم ليفهموا كلامه بسهولة يتلوا عليهم آياته أي القرآن بعد ما كانوا جهالا لم يسمعوا الوحي ويزكيهم يطهرهم من سوء العقائد والأخلاق والأعمال ويعلمهم الكتاب والحكمة القرآن والسنة وإن كانوا وانه كانوا من قبل من قبل بعثه لفي ضلال مبين ظاهرا.

(165) أو لما أصابتكم مصيبة قد أصبتم مثليها الهمزة للتقريع والتقرير.

العياشي عن الصادق (عليه السلام) كان المسلمون قد أصابوا ببدر مائة وأربعين رجلا قتلوا سبعين رجلا وأسروا سبعين فلما كان يوم أحد أصيب من المسلمين سبعون رجلا فاغتموا لذلك فنزلت قلتم أنى هذا من أين هذا أصابنا وقد وعدنا الله النصر قل هو من عند أنفسكم باختياركم الفداء يوم بدر وكذا عن أمير المؤمنين (صلوات الله وسلامه عليه) رواه في المجمع.

القمي وكان الحكم في الأسارى يوم بدر القتل فقامت الأنصار فقالوا يا رسول الله هبهم لنا ولا تقتلهم حتى نفاديهم فنزل جبرائيل فقال إن الله قد أباح لهم الفداء أن يأخذوا من هؤلاء القوم ويطلقوهم على أن يستشهد منهم في عام قابل بعدد من يأخذون منه فداء فأخبرهم رسول الله (صلى الله عليه وآله وسم) بهذا الشرط فقالوا قد رضينا به نأخذ العام الفداء من هؤلاء ونتقوى به ويقتل منا في عام قابل بعدد من نأخذ منه الفداء وندخل الجنة فأخذوا منهم الفداء وأطلقوهم فلما كان يوم أحد قتل من أصحاب رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) سبعون فقالوا يا رسول الله ما هذا الذي أصابنا وقد كنت تعدنا النصر فأنزل الله أو لما أصابتكم الآية هو من عند أنفسكم أي بما اشترطتم يوم بدر ويأتي تمام قصة بدر في سورة الأنفال إن شاء الله تعالى إن الله على كل شئ قدير فيقدر على النصر ومنعه وعلى أن يصيب بكم ويصيب منكم.

(166) وما أصابكم يوم التقى الجمعان يعني يوم أحد فبإذن الله فهو كائن بقضائه بتخلية (43) الكفار وليعلم المؤمنين.

(167) وليعلم الذين نافقوا وليتميز الفريقان بظهور ايمان هؤلاء، وكفر هؤلاء وقيل لهم أي للمنافقين تعالوا قاتلوا في سبيل الله أو ادفعوا عن الأنفس والأموال أو بتكثير السواد قالوا لو نعلم قتالا لا تبعناكم قالوه دغلا (44) واستهزاء لزعمهم أن ما يفعلونه ليس بقتال بل القاء بالأنفس إلى التهلكة هم للكفر يومئذ أقرب منهم للإيمان كما يظهر من كلامهم هذا يقولون بأفواههم ما ليس في قلوبهم يظهرون خلاف ما يضمرون والله أعلم بما يكتمون من النفاق وما يخلو به بعضهم إلى بعض فإنه يعلمه مفصلا بعلم واجب وأنتم إنما تعلمونه مجملا بامارات.

في مصباح الشريعة عن الصادق (عليه السلام) في كلام ومن ضعف يقينه تعلق بالأسباب رخص (45) لنفسه بذلك واتبع العادات وأقاويل الناس بغير حقيقة والسعي في أمور الدنيا وجمعها وامساكها يقر باللسان أنه لا مانع ولا معطي إلا الله وأن العبد لا يصيب إلا ما رزق وقسم به والجهد لا يزيد في الرزق وينكر ذلك بفعله وقلبه قال الله تعالى يقولون بأفواههم ما ليس في قلوبهم والله أعلم بما يكتمون.

(168) الذين قالوا وصف آخر لهم لإخوانهم لأجلهم وفيهم يريد من قتل منهم يوم أحد وقعدوا حال كونهم قاعدين عن القتال لو أطاعونا في القعود ما قتلوا كما لم واثما مبينا ثم إن بشيرا كفر ولحق بمكة وأنزل الله في النفر الذين أعذروا بشيرا وأتوا النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) ليعذروه ولولا فضل الله عليك ورحمته (الآية) ونزل في بشير وهو بمكة ومن يشاقق الرسول من بعد ما تبين له الهدى ويتبع غير سبيل المؤمنين نوله ما تولى ونصله جهنم وساءت مصيرا.

وفي الكافي عن الكاظم (عليه السلام) في قوله تعالى إذ يبيتون ما لا يرضى من القول يعني فلانا وفلانا وأبا عبيدة الجراح.

المغيرين بقوله إذ يبيتون ما لا يرضى من القول بعد فقد الرسول ما يقيمون به أود (46) باطلهم حسب ما فعلته اليهود والنصارى بعد فقد موسى وعيسى من تغيير التوراة والإنجيل وتحريف الكلم عن مواضعه.

(114) لا خير في كثير من نجواهم إلا من أمر بصدقة أو معروف أمر جميل أو إصلاح بين الناس تأليف بينهم بالمودة.

في الكافي والعياشي والقمي عن الصادق (عليه السلام) يعني بالمعروف القرض.

والقمي عنه (عليه السلام) ان (47) الله فرض التمحل (48) في القرآن فسئل وما التمحل قال أن يكون وجهك أعرض من وجه أخيك فتمحل له وهو قوله تعالى لا خير في كثير من نجواهم.

وعن أمير المؤمنين (عليه السلام) ان الله فرض عليكم زكاة جاهكم كما فرض عليكم زكاة ما ملكت أيديكم.

طيور خضر حول العرش فقال لا المؤمن أكرم على الله من أن يجعل روحه في حواصل (49) طير ولكن في أبدان كأبدانهم وقد مضى في حديث آخر في هذا المعنى في سورة البقرة عند قوله تعالى: ولا تقولوا لمن يقتل في سبيل الله أموات.

(171) يستبشرون بنعمة من الله وهي أمنهم ثوابا لأعمالهم وفضل وهي الزيادة عليه كقوله تعالى للذين أحسنوا الحسنى وزيادة وتنكيرهما للتعظيم وأن الله لا يضيع أجر المؤمنين من جملة المستبشر به بكسر وقرئ الهمزة على الاستيناف.

(172) الذين استجابوا لله والرسول من بعد ما أصابهم القرح للذين أحسنوا منهم واتقوا أجر عظيم.

القمي إن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) لما دخل المدينة من وقعة أحد نزل عليه جبرئيل فقال يا محمد ان الله يأمرك أن تخرج في أثر القوم ولا يخرج معك إلا من به جراحة فأمر رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) مناديا ينادي يا معشر المهاجرين والأنصار من كانت به جراحة فليخرج ومن لم يكن به جراحة فليقم فأقبلوا يضمدون جراحاتهم ويداوونها فخرجوا على ما بهم من الألم والجراح فلما بلغ رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) حمراء (50) الأسد وقريش قد نزلت الروحاء (51) قال عكرمة بن أبي جهل والحارث بن هشام وعمرو بن العاص وخالد بن الوليد نرجع ونغير (52) على المدينة قد قتلنا سراتهم (53) وكبشهم يعنون حمزة فوافاهم رجل خرج من المدينة فسألوه الخبر فقال تركت محمدا وأصحابه بحمراء الأسد يطلبونكم جد الطلب فقال أبو سفيان هذا النكد والبغي فقد ظفرنا بالقوم وبغينا والله ما أفلح قوم قط بغوا فوافاهم نعيم بن مسعود الأشجعي فقال أبو سفيان أين تريد قال المدينة لا متار لأهلي طعاما قال هل لك أن تمر بحمراء الأسد وتلقى أصحاب محمد (صلى الله عليه وآله وسلم) وتعلمهم أن حلفاءنا وموالينا قد وافونا أتونا من الأحابيش (54) حتى يرجعوا عنا ولك عندي عشرة قلايص املأها تمرا وزبيبا قال نعم فوافى من غد ذلك اليوم حمراء الأسد فقال لأصحاب رسول الله (صلى الله عليه وآله) أين تريدون قالوا قريشا قال ارجعوا ان قريشا قد اجتمعت إليهم حلفاؤهم ومن كان تخلف عنهم وما أظن إلا وأوائل خيلهم يطلعون عليكم الساعة فقالوا حسبنا الله ونعم الوكيل ما نبالي فنزل جبرئيل على رسول فقال ارجع يا محمد فان الله قد أرعب قريشا ومروا لا يلوون على شئ فرجع رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) إلى المدينة وأنزل الله الذين استجابوا لله والرسول الآيات.

(173) الذين قال لهم الناس يعني نعيم بن مسعود الأشجعي كذا في المجمع عنهما (عليهم السلام) إن الناس قد جمعوا لكم يعني أبا سفيان أصحابه فاخشوهم فزادهم إيمانا وقالوا حسبنا الله ونعم الوكيل.

في المجمع عن الباقر (عليه السلام) أنها نزلت في غزوة بدر الصغرى وذلك أن أبا سفيان قال يوم أحد حين أراد أن ينصرف يا محمد موعدنا بيننا وبينك موسم بدر الصغرى القابل إن شئت فقال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) ذلك بيننا وبينك فلما كان عام المقبل خرج أبو سفيان في أهل مكة حتى نزل مجنة (55) من ناحية مر (56) الظهران ثم القى الله عليه الرعب فبدا له في الر جوع فلقي نعيم بن مسعود الأشجعي وقد قدم معتمرا فقال له أبو سفيان اني واعدت محمدا أن نلتقي موسم بدر الصغرى وان هذه عام جدب ولا يصلحنا إلا عام نرعى فيه الشجر ونشرب فيه اللبن وقد بدا لي أن لا اخرج إليها وأكره أن يخرج محمد (صلى الله عليه وآله وسلم) ولا أخرج أنا فيزيدهم ذلك جرأة فالحق بالمدينة فثبطهم (57) ولك عندي عشرة من الإبل أضعها على يد سهيل بن عمرو فأتى نعيم المدينة فوجد الناس يتجهزون لميعاد أبي سفيان فقال بئس الرأي رأيكم أتوكم في دياركم وقراركم فلم يفلت منكم إلا شريد (58) فتريدون أن تخرجوا وقد جمعوا لكم عند الموسم فوالله لا يفلت (59) منكم أحد فكره أصحاب رسول الله الخروج فقال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) والذي نفسي بيده لأخرجن ولو وحدي فأما الجبان فإنه رجع وأما الشجاع فإنه تأهب للقتال وقال حسبنا الله ونعم الوكيل فخرج رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) في أصحابه حتى وافى بدر الصغرى وهو ماء لبني كنانة وكانت موضع سوق لهم في الجاهلية يجتمعون إليها في كل عام ثمانية أيام فأقام ببدر ينتظر أبا سفيان وقد انصرف أبو سفيان من مجنة إلى مكة فسماهم أهل مكة جيش السويق ويقولون إنما خرجتم تشربون السويق ولم يلق رسول الله (صلى الله عليه وآله) وأصحابه أحدا من المشركين ببدر ووافوا السوق وكانت لهم تجارات فباعوا وأصابت الدرهم درهمين وانصرفوا إلى المدينة سالمين غانمين.

(174) فانقلبوا فرجعوا من بدر بنعمة من الله عافية وثبات على الإيمان وزيادة فيه وفضل وربح في التجارة لم يمسسهم سوء من جراحة وكيد عدو واتبعوا رضوان الله بجرأتهم وخروجهم والله ذو فضل عظيم قد تفضل عليهم بالتثبيت وزيادة الإيمان والتوفيق للمبادرة إلى الجهاد والتصلب في الدين واظهار الجرأة على العدو وبالحفظ عن كل ما يسوؤهم وإصابة النفع مع ضمان الأجر حتى انقلبوا بنعمة منه وفضل وفيه تحسير وتخطئة للمتخلف حيث حرم نفسه ما فازوا به.

(175) إنما ذلكم الشيطان يعني به المثبط وهو نعيم يخوف أولياءه القاعدين عن الخروج مع الرسول فلا تخافوهم وخافون في مخالفة أمري إن كنتم مؤمنين فان الإيمان يقتضي ايثار خوف الله على خوف الناس.

(176) ولا يحزنك وقرئ بضم الياء وكسر الزاي الذين يسارعون في الكفر خوف أن يضروك ويعينوا عليك وهم المنافقون من المتخلفين إنهم لن يضروا الله شيئا لن يضروا أولياء الله بمسارعتهم في الكفر وإنما يضرون بها أنفسهم يريد الله ألا يجعل لهم حظا في الآخرة نصيبا من الثواب فيها وفيه دلالة على تمادي طغيانهم حظ من رحمته ولهم عذاب عظيم مع الحرمان والثواب.

(177) إن الذين اشتروا الكفر بالإيمان لن يضروا الله شيئا ولهم عذاب أليم تأكيد وتعميم.

(178) ولا يحسبن الذين كفروا وقرئ بالتاء أنما نملي لهم خير لأنفسهم الاملاء الامهال وإطالة العمر أو تخليتهم وشأنهم إنما نملي لهم ليزدادوا إثما اللام للعاقبة أي ليكون عاقبة أمرهم ازدياد الإثم ولهم عذاب مهين.

العياشي عن الباقر (عليه السلام) أنه سئل عن الكافر الموت خير له أم الحياة فقال الموت خير للمؤمن والكافر لأن الله يقول وما عند الله خير للأبرار ويقول ولا يحسبن الذين كفروا ان ما نملي لهم خير لأنفسهم الآية.

(179) ما كان الله ليذر المؤمنين على ما أنتم عليه مختلطين لا يعرف مخلصكم من منافقكم حتى يميز الخبيث من الطيب حتى يميز المنافق من المخلص بالتكاليف الشاقة التي لا يصبر عليها ولا يذعن بها إلا الخلص المخلصون وقرئ يميز من التمييز وما كان الله ليطلعكم على الغيب ليؤتي أحدكم علم الغيب فيطلع على ما في القلوب من اخلاص ونفاق ولكن الله يجتبي من رسله من يشاء فيوحي إليه ويخبره ببعض المغيبات فآمنوا بالله ورسله مخلصين وإن تؤمنوا حق الإيمان وتتقوا النفاق فلكم أجر عظيم لا يقادر قدره.

(180) ولا يحسبن الذين يبخلون بما آتاهم الله من فضله هو خيرا لهم وقرئ بالتاء بل هو أي البخل شر لهم لاستجلاب العقاب عليهم سيطوقون ما بخلوا به يوم القيامة سيلزمون وباله الزام الطوق.

في الكافي عن الباقر والصادق (عليهما السلام) ما من أحد يمنع من زكاة ماله شيئا إلا جعل الله ذلك يوم القيامة ثعبانا من نار مطوقا في عنقه ينهش (60) من لحمه حتى يفرغ من الحساب وهو قول الله تعالى سيطوقون ما بخلوا به يوم القيامة يعني ما بخلوا به من الزكاة.

وعن الصادق (عليه السلام) قال قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) ما من ذي زكاة مال نخل أو زرع أو كرم يمنح زكاة ماله إلا قلده الله تربة أرضه يطوق بها من سبع أرضين إلى يوم القيامة ولله ميراث السماوات والأرض وله ما فيهما مما يتوارث فما لهؤلاء يبخلون عليه بماله ولا ينفقونه في سبيل الله والله بما تعملون من المنع والإعطاء خبير فيجازيهم وقرئ بالتاء على الالتفات وهو أبلغ في الوعيد.

(181) لقد سمع الله قول الذين قالوا إن الله فقير ونحن أغنياء قاله اليهود لما سمعوا من ذا الذي يقرض الله قرضا حسنا كذا قيل.

والقمي قال والله ما رأوا الله فيعلموا أنه فقير ولكنهم رأوا أولياء الله فقراء فقالوا لو كان غنيا لأغنى أولياءه ففخروا على الله بالغنى.

وفي المناقب عن الباقر (عليه السلام) هم الذين يزعمون أن الإمام يحتاج إلى ما يحملونه إليه.

سنكتب ما قالوا في صحائف الكتبة ونحفظه في علمنا لا نهمله لأنه كلمة عظيمة إذ هو كفر بالله واستهزاء به وقتلهم الأنبياء بغير حق.

في الكافي عن الصادق (عليه السلام) أما والله ما قتلوهم بأسيافهم ولكن أذاعوا أمرهم وافشوا عليهم فقتلوا وقرئ سيكتب بالياء وضمها وقتلهم بالرفع ونقول وقرئ بالياء ذوقوا عذاب الحريق وننتقم منهم بهذا القول.

(182) ذلك بما قدمت أيديكم وأن الله ليس بظلام للعبيد بل إنما يعذب بمقتضى العدل ان عذب ولم يتفضل.

(183) الذين قالوا إن الله عهد إلينا أمرنا في التوراة وأوصانا ألا نؤمن لرسول حتى يأتينا بقربان تأكله النار حتى يأتينا بهذه المعجزة الخاصة التي كانت لأنبياء بني إسرائيل وهو أن يقرب بقربان وهو ما يتقرب به إلى الله من ذبيحة أو غيرها فيقوم النبي (عليه السلام) فيدعو فتنزل نار من السماء فتحرق قربان من قبل منه وهذا من مفترياتهم وأباطيلهم لأن هذه إنما توجب الإيمان لكونها معجزة فهي وسائر المعجزات سواء في ذلك قل قد جاءكم رسل من قبلي بالبينات وبالذي قلتم فلم قتلتموهم إن كنتم صادقين تكذيب والزام بأن رسلا جاؤوهم قبله كزكريا ويحيى بمعجزات اخر موجبة للتصديق وبما اقترحوه فقتلوهم فلو كان الموجب للتصديق هو الإتيان به وكان امتناعهم عن الإيمان لأجله فمالهم لا يؤمنوا بمن جاء به في معجزات اخر واجتروا على قتله.

في الكافي عن الصادق (عليه السلام) قال كان بين القائلين والقاتلين خمسمائة عام فألزمهم الله القتل لرضاهم بما فعلوا ومثله العياشي في عدة روايات.

(184) فإن كذبوك فقد كذب رسل من قبلك جاؤوا بالبينات المعجزات والزبر الحكم والمواعظ والزواجر والكتاب المنير المشتمل على الشرائع والأحكام وقرئ وبالزبر.

(185) كل نفس ذائقة الموت وعد ووعيد للمصدق والمكذب.

العياشي عن الباقر (عليه السلام) من قتل لم يذق الموت ثم قال لا بد من أن يرجع حتى يذوق الموت.

وعنه (عليه السلام) من قتل ينشر حتى يموت ومن مات ينشر حتى يقتل وقد مضى الحديث الأول بتمامه عند تفسير قوله تعالى أفإن مات أو قتل من هذه السورة.

وفي الكافي عن الصادق (عليه السلام) أنه قال يموت أهل الأرض حتى لا يبقى أحد ثم يموت أهل السماء حتى لا يبقى أحد إلا ملك الموت وحملة العرش وجبرئيل وميكائيل قال فيجئ ملك الموت حتى يقوم بين يدي الله عز وجل فيقال له من بقي وهو أعلم فيقول يا رب لم يبق إلا ملك الموت وحملة العرش وجبرئيل وميكائيل فيقال له قل لجبرئيل وميكائيل فليموتا فتقول الملائكة عند ذلك يا رب رسولاك وأميناك فيقول إني قد قضيت على كل نفس فيها الروح الموت ثم يجئ ملك الموت حتى يقف بين يدي الله عز وجل فيقال له من بقي وهو أعلم فيقول يا رب لم يبق إلا ملك الموت وحملة العرش فيقول قل لحملة العرش فليموتوا ثم قال يجئ كئيبا حزينا لا يرفع طرفه فيقال له من بقي وهو أعلم فيقول يا رب لم يبق إلا ملك الموت فيقال له مت يا ملك الموت فيموت ثم يأخذ الأرض بيمينه ويقول أين الذين كانوا يدعون معي شريكا أين الذين كانوا يجعلون معي إلها آخر وإنما توفون أجوركم تعطون جزاء أعمالكم خيرا كان أو شرا تاما وافيا يوم القيامة يوم قيامكم عن القبور وقد يكون قبلها وأدخل الجنة فقد فاز ظفر بالنجاة ونيل المراد.

في المجالس عن النبي (صلى الله عليه وآله) حاكيا عن الله عز وجل في حديث فبعزتي حلفت وبجلالي أقسمت أنه لا يتولى عليا عبد من عبادي إلا زحزحته عن النار وأدخلته الجنة ولا يبغضه أحد من عبادي إلا أبغضته وأدخلته النار وبئس المصير.

وفي الكافي عن الصادق خياركم سمحاؤكم وشراركم بخلاؤكم ومن خالص الإيمان البر بالاخوان والسعي في حوائجهم وان البار بالاخوان ليحببه الرحمن وفي ذلك مرغمة الشيطان وتزحزح عن النيران ودخول الجنان وما الحياة الدنيا أي زخارفها وفضولها إلا متاع الغرور مصدر أو جمع غار.

(186) ولتبلون أي والله لتختبرن في أموالكم بتكليف الإنفاق وما يصيبه من الآفات وأنفسكم بالجهاد والقتل والأسر والجراح وما يرد عليها من المخاوف والأمراض والمتاعب.

في العلل عن الرضا (عليه السلام) في أموالكم باخراج الزكاة وفي أنفسكم بالتوطين على الصبر ولتسمعن من الذين أوتوا الكتاب من قبلكم ومن الذين أشركوا أذى كثيرا من هجاء الرسول والطعن في الدين واغراء الكفرة على المسلمين وغير ذلك أخبرهم بذلك قبل وقوعها ليوطنوا أنفسهم على الصبر والاحتمال ويستعدوا للقائها حتى لا يرهقهم نزولها بغتة وإن تصبروا على ذلك وتتقوا مخالفة أمر الله فإن ذلك يعني الصبر والتقوى من عزم الأمور مما يجب ثبات الرأي عليه نحو امضائه.

(187) وإذ أخذ الله اذكر وقت أخذه ميثاق الذين أوتوا الكتاب.

القمي عن الباقر (عليه السلام) يعني في محمد (صلى الله عليه وآله وسلم) لتبيننه للناس ولا تكتمونه قال إذا خرج وقرئ بالياء فيهما فنبذوه أي الميثاق وراء ظهورهم فلم يراعوه ولم يلتفتوا إليه والنبذ وراء الظهر مثل في ترك الاعتداد وعدم الالتفات ويقابله جعله نصب عينيه واشتروا به اخذوا بدله ثمنا قليلا من حطام الدنيا واعراضها.

فبئس ما يشترون.

في المجمع عن أمير المؤمنين (عليه السلام) ما أخذ الله على أهل الجهل أن يتعلموا حتى أخذ على أهل العلم أن يعلموا.

وفي الاحتجاج عنه (عليه السلام) في حديث يذكر فيه أن أعداء رسول الله الملحدين في آيات الله (61) تأويل لهذه الآية وقد سبق ذكره في المقدمة السادسة.

(188) لا تحسبن الذين يفر حون بما أتوا يعجبون بما فعلوا من التدليس وكتمان الحق أو من الطاعات والحسنات وقرئ بالياء ويحبون أن يحمدوا بما لم يفعلوا من الوفاء بالميثاق واظهار الحق والإخبار بالصدق أو كل خير فلا تحسبنهم تأكيد وقرئ بالياء وضم الباء بمفازة بمناجاة.

والقمي عن الباقر (عليه السلام) ببعيد من العذاب ولهم عذاب أليم بكفرهم وتدليسهم.

(189) ولله ملك السماوات والأرض فهو يملك أمرهم والله على كل شئ قدير فيقدر على عقابهم.

(190) إن في خلق السماوات والأرض واختلاف الليل والنهار لآيات لأولي الألباب لدلائل واضحة على التوحيد وكمال علمه سبحانه وحكمته ونفاذ قدرته ومشيته لذوي العقول الخالصة عن شوائب الحس والوهم.

(191) الذين يذكرون الله في جميع الأحوال وعلى جميع الهيئات قياما وقعودا وعلى جنوبهم.

عن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) من أحب أن يرتع في رياض الجنة فليكثر ذكر الله.

وفي الكافي عن الصادق (عليه السلام) قال قال رسول الله من أكثر ذكر الله تعالى أحبه الله.

وفيه والعياشي عن الباقر (عليه السلام) في قوله الذين يذكرون الله قياما، قال الصحيح يصلي قائما والمريض يصلي جالسا وعلى جنوبهم الذي يكون أضعف من المريض الذي يصلي جالسا.

وفي الأمالي والعياشي عنه (عليه السلام) لا يزال المؤمن في صلاة ما كان في ذكر الله قائما أو جالسا أو مضطجعا ان الله تعالى يقول الذين يذكرون الله قياما وقعودا وعلى جنوبهم ويتفكرون في خلق السماوات والأرض ويعتبرون بهما.

في الكافي عن الصادق (عليه السلام) أفضل العبادات ادمان التفكر في الله وفي قدرته.

وعنه قال كان أمير المؤمنين يقول نبه في التفكر قلبك وجاف عن الليل جنبك واتق الله ربك.

وعن الرضا (عليه السلام) ليس العبادة كثرة الصلاة والصوم إنما العبادة التفكر في أمر الله.

وعن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) تفكر ساعة خير من قيام ليلة، وفي رواية من عبادة سنة، وفي أخرى ستين سنة وإنما اختلفت لاختلاف مراتب التفكر ودرجات المتفكرين وأنواع المتفكر فيه ربنا ما خلقت هذا الخلق باطلا عبثا ضائعا من غير حكمة يعني يقولون ذلك سبحانك تنزيها لك من العبث وخلق الباطل وهو اعتراض.

فقنا عذاب النار للاخلال بالنظر فيه والقيام بما يقتضيه.

(192) ربنا إنك من تدخل النار فقد أخزيته وما للظالمين من أنصار وضع المظهر موضع المضمر للدلالة على أن ظلمهم صار سببا لإدخالهم النار وانقطاع النصرة عنهم في الخلاص منها العياشي عن الباقر (عليه السلام) مالهم من أئمة يسمونهم بأسمائهم.

(193) ربنا إننا سمعنا مناديا هو الرسول وقيل القرآن ينادي للإيمان أن آمنوا بربكم فآمنا ربنا فاغفر لنا ذنوبنا كبائرنا فإنها ذات تبعات وأذناب وكفر عنا سيئاتنا صغائرنا فإنها مستقبحة ولكنها مكفرة عن مجتنب الكبائر وتوفنا مع الأبرار مخصوصين بصحبتهم معدودين في زمرتهم.

(194) ربنا وآتنا ما وعدتنا على رسلك أي على ألسنتهم وإنما سألوا ما وعدوا مع أنه لا يخلف الله وعده تعبدا واستكانة ومخافة أن يكونوا مقصرين في الامتثال ولا تخزنا يوم القيامة بأن تعصمنا عما يقتضي الخزي إنك لا تخلف الميعاد بإثابة المؤمن وإجابة الداعي وتكرير ربنا للمبالغة في الابتهال والدلالة على استقلال المطالب وعلو شأنها، روي من حزنه أمر فقال خمس مرات ربنا أنجاه الله مما يخاف.

في المجمع عن النبي لما أنزلت هذه الآية قال ويل لمن لاكها بين فكيه ولم يتأمل ما فيها.

(195) فاستجاب لهم ربهم إلى طلبهم أني لا أضيع عمل عامل منكم من ذكر أو أنثى بعضكم من بعض لأن الذكر من الأنثى والأنثى من الذكر أو لأنهما من أصل واحد أو لفرط الاتصال والاتحاد ولاتفاقهم في الدين والطاعة وهو اعتراض روي أن أم سلمة قالت يا رسول الله ما بال الرجال يذكرون (62) في الهجرة دون النساء فأنزل الله فالذين هاجروا الأوطان والعشائر للدين وأخرجوا من ديارهم وأوذوا في سبيلي بسبب إيمانهم بالله ومن أجله وقاتلوا الكفار وقتلوا في الجهاد وقرئ بتقديم وقتلوا وبتشديد تائها لأكفرن عنهم سيئاتهم ولأدخلنهم جنات تجري من تحتها الأنهار ثوابا من عند الله والله عنده حسن الثواب.

في الأمالي أن أمير المؤمنين (عليه السلام) لما هاجر من مكة إلى المدينة ليلحق بالنبي (صلى الله عليه وآله وسلم) وقد قارع (63) الفرسان من قريش ومعه فاطمة بنت أسد وفاطمة بنت رسول الله وفاطمة بنت الزبير فسار ظاهرا قاهرا حتى نزل ضجنان (64) فلزم بها يوما وليلة ولحق به نفر من ضعفاء المؤمنين وفيهم أم أيمن مولاة رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) وكان يصلي ليلته تلك هو والفواطم ويذكرون الله قياما وقعودا وعلى جنوبهم فلن يزالوا كذلك حتى طلع الفجر فصلى بهم صلاة الفجر ثم سار لوجهه فجعل وهن يصنعون كذلك منزلا بعد منزل يعبدون الله عز وجل ويرغبون إليه كذلك حتى قدموا المدينة وقد نزل الوحي بما كان من شأنهم قبل قدومهم الذين يذكرون الله قياما وقعودا الآيات.

قوله من ذكر وأنثى الذكر علي والأنثى الفواطم بعضكم من بعض يعني علي من فاطمة أو قال الفواطم وهن من علي.

والقمي فالذين هاجروا واخرجوا من ديارهم يعني أمير المؤمنين (عليه السلام) وسلمان وأبا ذر حين أخرج وعمار الذين أوذوا في سبيل الله.

أقول: وتشمل الآيات كل من اتصف بهذه الصفات.

(196) لا يغرنك تقلب الذين كفروا في البلاد تبسطهم في مكاسبهم ومتاجرهم ومزارعهم وسعتهم في عيشهم وحظهم الخطاب لكل أحد أو للنبي (صلى الله عليه وآله وسلم) والمراد أمته.

روي أن بعض المسلمين كانوا يرون المشركين في رخاء ولين عيش فيقولون ان أعداء الله فيما نرى من الخير وقد هلكنا من الجوع فنزلت.

(197) متاع قليل ذلك التقلب متاع قصير مدته يسير في جنب ما أعد الله تعالى للمؤمنين.

وفي الحديث النبوي: ما الدنيا في الآخرة الا مثل ما يجعل أحدكم إصبعه في اليم فلينظر بم يرجع ثم مأواهم جهنم وبئس المهاد ما مهدوا لأنفسهم.

(198) لكن الذين اتقوا ربهم لهم جنات تجرى من تحتها الأنهار خالدين فيها نزلا من عند الله النزل ما يعد للنازل من طعام وشراب وصلة وما عند الله لكثرته ودوامه خير للأبرار مما يتقلب فيه الفجار لقلته وسرعة زواله وامتزاجه بالآلام.

(199) وإن من أهل الكتاب لمن يؤمن بالله وما أنزل إليكم خاشعين لله لا يشترون بآيات الله ثمنا قليلا كما فعله المحترفون من أحبارهم أولئك لهم أجرهم عند ربهم ويؤتون أجرهم مرتين كما وعدوه في آية أخرى إن الله سريع الحساب لعلمه بالأعمال وما يستوجبه كل عامل من الجزاء فيسرع في الجزاء ويوصل الأجر الموعود سريعا.

(200) يا أيها الذين آمنوا اصبروا على الفرائض وصابروا على المصائب.

ورابطوا على الأئمة.

كذا في الكافي عن الصادق (عليه السلام) والقمي عنه (عليه السلام) اصبروا على المصائب وصابروا على الفرائض ورابطوا عن الأئمة.

والعياشي عنه اصبروا على المعاصي وصابروا على الفرائض، وفي رواية اصبروا على دينكم وصابروا عدوكم ممن يخالفكم ورابطوا امامكم.

وعن الباقر (عليه السلام) وصابروا على التقية.

وفي المعاني عن الصادق (عليه السلام) اصبروا على المصائب وصابروهم على الفتنة ورابطوا على من تقتدون به واتقوا الله لعلكم تفلحون.

العياشي عن الصادق (عليه السلام) يعني فيما أمركم به وافترض عليكم.

والقمي عن السجاد (عليه السلام) نزلت الآية (65) في العباس وفينا ولم يكن الرباط الذي أمرنا به وسيكون ذلك من نسلنا المرابط ومن نسله المرابط.

وفي المجمع عن أمير المؤمنين (صلوات الله وسلامه عليه) رابطوا الصلوات قال أي انظروها واحدة بعد واحدة لأن المرابطة لم تكن حينئذ.

وعن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) من الرباط انتظار الصلاة بعد الصلاة وقد سبق ثواب قراءة هذه السورة في آخر البقرة.


1- أخدجت: قل مطرها، والناقة بولد ناقص وإن كانت تامة فهي مخدج (ق).

2- نشب في الشئ إذا وقع فيما لا مخلص له ونشب الشئ في الشئ من باب تعب نشوبا علق به فهو ناشب (مجمع).

3- الثرب شحم رقيق يغشى الكرش والأمعاء (منه).

4- وقيل: أن يؤتى متعلق بمحذوف أي دبرتم ذلك وقلتم أن يوتى أحد، والمعنى أن الحسد حملكم على ذلك وقراءة أن يؤتى على الاستفهام للتفريع يؤيد هذا التفسير وقيل أن يؤتى خبر ان على أن هدى الله بدل عن الهدى فيكون معنى أو يحاجوكم حتى يحاجوكم فيد حض حجتكم وقيل فيه أقوال والعلم عند الله (منه قده).

5- القمي هذه الآية مع الآية التي في سورة الأحزاب وإذ أخذنا من النبيين ميثاقهم ومنك ومن نوح والآية التي في سورة الأعراف وإذ أخذ ربك من بني آدم من ظهورهم ذريتهم وقد كتبت هذه الثلاث آيات في ثلاث سور (منه قدس سره).

6- وفي رواية الكافي كانت تسمى بكة لأنها تبك أعناق الباغين إذا بغوا فيها، والعياشي عن الصادق (ع) سميت بكة لأن الناس يبك بعضهم بعضا بالأيدي. وعن الباقر (ع) أن بكة موضع البيت ومكة جميع ما اكتنفه الحرم والبس بالموحدة الطم بالنون الطرد، ويروى بهما، والرحم بالضم الرحمة قال الله تعالى: * (وأقرب رحما) * وربما يحرك (منه ره).

7- عن ابن عباس انه قرء آية بينة مقام إبراهيم فجعل مقام إبراهيم وحده هو الآية وقال أثر قدميه في المقام آية بينة كذا في المجمع، وقيل المشاعر كلها آيات بينات لازدحام الناس عليها وتعظيمهم لها ويحكى أن الطواف بالبيت لا ينقطع ابدا ولانحراف الطير عن موازاة البيت ومخالطة الصيود في الحرم لضواري السباع واستيناسها بالناس ولانمحاق الجمار على كثرة الرماة فلولا أنه ترفع لكان يجتمع هناك من الحجارة مثل الجبال إلى غير ذلك (منه).

8- النسع بالكسر: سير ينسج عريضا ويشد به الرحال (منه قده).

9- لأن امتثال امر الله شكر لنعمته وترك المأمور به كفر لنعمته (مجمع).

10- استستر: استتر (ق).

11- التحريش الإغراء بين القوم والكلاب وتهييج بعضها على بعض (م).

12- بغاث: بالغين ويثلث: موضع بقرب المدينة ويومه معروف (ق).

13- فاما ينزغنك من الشيطان نزغ، النزغ: شبيه النخس وكان الشيطان ينخس الإنسان أي يحركه ويبعثه على بعض المعاصي ولا يكون النزغ الا في الشر (مجمع).

14- تقرء: تعبد وتنسك من النسك مثلثة وبضمتين العبادة وكل حق لله عز وجل وحد ثاء جمع حديث كسفهاء أي جدد وكان المراد أن طريقتهم حادثة مستحدثة ليست طريقة قدماء أصحابهم أو سبكهم سبك ما كان حدث السن لا سبك الكهول.

15- الرخص بالضم ضد الغلاء وقد رخص ككرم وبالفتح الشئ الناعم، والرخصة بالضم التسهيل والرخيص الناعم من الثياب (ق) ولعل الغرض أنهم يطلبون مهل؟الأمور ويعتذرون عن صعبها باصطناع المعاذير.

16- قوله ولا يكلمهم أي لا يجرحهم فيهما أي لا يضرهم في أنفسهم ولا في أموالهم.

17- ذاع الحديث ذيعا إذا انتشر وظهر وأذاعه غيره أفشاه وأظهره، ومنه الحديث من أذاع علينا حديثنا سلبه الله الايمان أي من أفشاه واظهره للعدو (مجمع).

18- وليجة الرجل: بطانته ودخلاؤه وخاصته وما يتخذه معتمدا عليه، والوليجة كل شئ أدخلته في شئ وليس منه والرجل يكون في القوم وليس منهم فهو وليجة فيهم (مجمع).

19- السكك: الزقاق.

20- عبأ المتاع والأمر كمنع هيأه والجيش جهزه كعبأته تعبئة وتعبيئا فيهما (ق).

21- الشعب بالكسر الطريق في الجبل ومسيل الماء في بطن ارض وما انفرج بين الجبلين (ق).

22- عانقت المرأة واعتنقتها وهو الضم والالتزام والجذماء مؤنث الأجذم وهو الشئ المقطوع والموصوف هنا اليد يعني ضم العبد الراية إلى صدره بيديه المقطوعتين.

23- حططت الرجل وغيره حطا من باب قتل: أنزلته من علو إلى سفل ومنه فانحط الرجل وهو قائم في صلاته (مجمع).

24- الهذ: سرعة القطع (م).

25- الجرف من كل شئ: طرفه (ق).

26- هززت الشئ هزا فاهتز أي حركته فتحرك (م).

27- الثنية بالضم: العانة (ق).

28- اللوك إدارة الشئ في الفم، لاكه يلوكه لوكا ولكت الشئ في فصي؟علكته (م).

29- انحاز عنه: عدل (م).

30- العفريت: النافذ القوي من خبث ودهاء.

31- دوس: قبيلة من الأزد قاله الجوهري.

32- الورك بالفتح والكسر: وككتف ما فوق الفخذ ج الجمع أوراك، والورك محركة عظمها (ق).

33- المسح بالكسر فالسكون واحد المسوح وهو كساء معروف (م).

34- البهلول من بالضم: المجنون.

35- قوله تعالى واقبلوا إليه يزفون أي يسرعون فقال جاء الرجل يزف من باب ضرب زفيف النعامة وهو أول عدوها وآخر مشيها (م).

36- القوص من الإبل الشابة والناقة الطويلة القوائم خاص بالإناث جمع قلائص وقلص جمع قلاص (ق).

37- هجم عليه هجوما انتهى إليه بغتة أو دخل بغير اذن (ق).

38- الجز القطع والخرم الشق (ق).

39- ومض البرق يمض ومضا وميضا لمع خفيفا (ق).

40- أي لا يبقى شئ من جسمه الا بلغه جراحة.

41- أرجفت الأرض: زلزلت، والقوم تهيأوا للقتال.

42- الرشق بالفتح فالسكون الرمي ورشقه يرشقه من باب قتل رشقا إذا رماه بالسهام والرشق بالكسر عدد الرمي الذي يتفقان عليه (مجمع).

43- دالت الأيام: أي دارت والله يداولها بين الناس أي يديرها وتداولته الأيدي: أخذته هذه مرة وهذه مرة إلى أن قال يقال أديل لنا على أعدائنا أي نصرنا عليهم (مجمع).

44- من المخاطرة وهي ارتكاب خطر (م).

45- لعل المراد من قوله (ع) يشير علي: أي سله يظهر لي ما عنده من مصلحتي في أمر كذا ويتخير لنفسه أي يتخير لي تخيرا كتخيره لنفسه كما هو شأن الأخ المحب المحبوب الذي يخشى الله تعالى.

46- تخلية الكفار تركهم وعدم هلاكهم.

47- الدغل بالتحريك: الفساد مثل الدخل يقال قد أدغل في الأمر إذا أدخل فيه ما يخالفه ويفسده.

48- الرخصة: هي كغرفة وقد تضم الخاء للاتباع التسهيل في الأمر ودفع التشديد فيه يقال رخص لنا الشارع في كذا ترخيصا وأرخص ارخاصا إذا يسره وسهله (مجمع).

49- الأود العوج واود الشئ بالكسر يأود اودا أي أعوج وتأود تعوج (م).

50- قوله (ع) ان الله فرض: أقول قد نقل في مجمع البيان هذه الرواية بلفظ التحمل في مكان التمحل في المواضع الثلاثة منها ولا يخفى أنه أنسب.

51- التمحل الاحتيال والمراد هنا أن تصرف وجهك وجه أخيك لما بينك وبينه من الكدرة وضيق خلقك عنه، ثم تذكرت أمر الله ووصيته فصرفت وجهك إليه بيشر؟وفرح وبهجة وتحية ابتغاء لمرضاته تعالى وقد يكون سبب الإعراض غير هذا كهم وغم وألم وشغل أهم أو مصلحة دينية أو دنيوية.

52- الحوصلة بالتخفيف والتشديد واحدة حواصل الطير وهي ما يجتمع فيها الحب وغيره من المأكول وهو للطير كالمعدة للانسان (مجمع).

53- حمراء الأسد: موضع على ثمانية أميال من المدينة (ق).

54- الروحاء: موضع بين الحرمين على ثلاثين أو أربعين ميلا من المدينة (ق).

55- من الا غارة بمعنى الغارة (منه).

56- السراة أعلى كل شئ والكبش سيد القوم (منه).

57- وحبشي بالضم جبل بأسفل مكة يقال منه سمي أحابيش قريش وذلك أن بني المصطلق وبني الهون بن خزيمة

اجتمعوا عنده فحالفوا قريشا وتحالفوا بالله إنا ليد على غيرنا ما سجى ليل ووضح نهار وما أرسى حبشي مكانه فسموا أحابيش قريش باسم الجبل (صحاح).

58- المجنة: الأرض الكثيرة الجن وموضع قرب مكة وقد تكسر ميمها (ق).

59- بطن مر ويقال له مر الظهران موضع على مرحلة من مكة (قاموس).

60- ثبطة: عوقة (ق).

61- الشريد: الطريد (ص).

62- التفلت والافلات التخلص يقال أفلت الطائر وغيره افلاتا تخلص وفلت الطائر فلتا من باب ضرب لغة (مجمع).

63- نهشته الحية من بابي ضرب ونفع لسعته وعضته (مجمع).

64- ولقد احضروا الكتاب كملا مشتملا على التأويل والتنزيل والمحكم والمتشابه والناسخ والمنسوخ ولم يسقط حرف الف ولا لام فلما وقفوا على ما بينه الله من أسماء أهل الحق والباطل وان ذلك ان ظهر نقض ما عقدوه قالوا لا حاجة فيه نحن مستغنون عنه بما عندنا ولذلك قال نبذوه وراء ظهورهم واشتروا به ثمنا قليلا فبئس ما يشترون ثم دفعهم الاضطرار بورود المسائل عليهم عمالا يعلمون إلى جمعه وتأليفه وتضمينه من تلقائهم ما يقيمون به دعائم كفرهم فصرخ مناديهم من كان عنده شئ من القرآن فليأتنا به ووكلوا تأليفه ونظمه إلى بعض من وافقهم على معاداة أولياء الله والفه على اختيارهم وتركوا منه ما قد رأوا أنه لهم وهو عليهم ورأوا ما ظهر تناكره وتنافره وانكشف لأهل الاستعباد عوارهم وافتراؤهم.

65- حاصل سؤالها أنه أي فرق بين الرجال والنساء في ثبوت الهجرة لهم دونهن وحاصل الجواب بالآية أن للهجرة لوازم واحكام لا يليق بالنساء ويمكن أن يكون المراد ثبوتها لهن أيضا إما اختصاصا بالفواطم أو عاما لغيرهن أيضا بشرط المساواة لهن في الكيفية والسبب.