سورة البقرة (تكملة)

وفي العلل والعياشي عنه (عليه السلام) أنه سئل عن رجل يقرء السجدة وهو على ظهر دابته قال يسجد حيث توجهت فان رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) كان يصلي على ناقته النافلة وهو مستقبل المدينة يقول فأينما تولوا فثم وجه الله إن الله واسع عليم.

وفي الفقيه عن الصادق (عليه السلام) أنه سئل عن رجل يقوم في الصلاة ثم ينظر بعدما فرغ فيرى أنه قد انحرف عن القبلة يمينا وشمالا فقال قد مضت صلاته وما بين المشرق والمغرب قبلة ونزلت هذه الآية في قبلة المتحير ولله المشرق والمغرب فأينما تولوا فثم وجه الله.

وفي التوحيد عن سلمان الفارسي (رض) في حديث الجاثليق الذي سأل أمير المؤمنين (عليه السلام) عن مسائل فأجابه عنها أن فيما سأله ان قال أخبرني عن وجه الرب تبارك وتعالى فدعا علي (عليه السلام) بنار وحطب فأضرمه فلما اشتعلت قال علي (عليه السلام): أين وجه هذه النار قال النصراني هي وجه من جميع حدودها قال علي (عليه السلام) هذه النار مدبرة مصنوعة لا يعرف وجهها وخالقها لا يشبهها ولله المشرق والمغرب فأينما تولوا فثم وجه الله لا تخفى على ربنا خافية وقريب منه ما رواه في الخصال عن أمير المؤمنين (عليه السلام) في أجوبة مسائل اليهودي.

وفي الاحتجاج عن أمير المؤمنين (عليه السلام) ان وجه الله هم الحجج الذين قرنهم الله بنفسه وبرسوله وفرض على العباد طاعتهم مثل الذي فرض عليهم منها لنفسه.

(116) وقالوا اتخذ الله ولدا قالت اليهود عزير ابن الله وقالت النصارى (1) المسيح ابن الله وقالت مشركوا العرب الملائكة بنات الله سبحانه تنزيه له عن ذلك فإنه يقتضي التشبيه والحاجة والفناء بل له ما في السماوات والأرض بل كله ملك له عزير والمسيح والملائكة وغيرهم كل له قانتون منقادون مقرون له بالعبودية طبعا وجبلة لا يمتنعون عن مشيئته وتكوينه فكيف يكونون مجانسين له ومن حق الولد أن يجانس والده.

(117) بديع السماوات والأرض في الكافي عن الباقر (عليه السلام) في تفسيره ابتدع الأشياء كلها بعلمه على غير مثال كان قبله فابتدع السماوات والأرض ولم يكن قبلهن سماوات ولا ارضون أما تسمع لقوله تعالى: ﴿وكان عرشه على الماء﴾ وإذا قضى أمرا أراد فعله وخلقه كما قال إنما أمره إذا أراد شيئا فإنما يقول له كن فيكون لا بصوت يقرع ولا بنداء يسمع وإنما كلامه سبحانه فعل منه انشاء ومثله لم يكن من قبل ذلك كائنا ولو كان قديما لكان إلها ثانيا كذا في نهج البلاغة قال يقول ولا يلفظ ويريد ولا يضمر.

وفي الكافي والتوحيد عن الكاظم: الإرادة من المخلوق الضمير وما يبدو له بعد ذلك من الفعل واما من الله تعالى فإرادته للفعل احداثه لا غير ذلك لأنه لا يروي ولا يهم (2) ولا يتفكر وهذه الصفات منفية عنه وهي من صفات الخلق فإرادة الله هي الفعل لا غير ذلك يقول له كن فيكون بلا لفظ ولا نطق بلسان ولا همة ولا تفكر ولا كيف لذلك كما أنه لا كيف له.

وفي رواية وكن منه صنع وما يكون منه المصنوع.

(118) وقال الذين لا يعلمون جهلة المشركين وغير العاملين بعلمهم من أهل الكتاب لولا يكلمنا الله أو تأتينا آية أقول: هذا كقوله سبحانه في المدثر يريد كل امرئ منهم أن يؤتى صحفا منشرة كذلك قال الذين من قبلهم من الأمم الماضية مثل قولهم فقالوا أرنا الله جهرة وهل يستطيع ربك أن ينزل علينا مائدة من السماء تشابهت قلوبهم قلوب هؤلاء ومن قبلهم في العمى والعناد قد بينا الآيات لقوم يوقنون الحقائق.

(119) إنا أرسلناك بالحق بشيرا ونذيرا فلا عليك ان أصروا أو كابروا ولا تسأل عن أصحب الجحيم.

في المجمع عن الباقر (عليه السلام) أنه على النهي كما قرئ.

(120) ولن ترضى عنك اليهود ولا النصارى حتى تتبع ملتهم مبالغة في اقناط الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) عن إسلامهم فإنهم إذا لم يرضوا منه حتى يتبع ملتهم فكيف يتبعون ملته كذا قيل قل إن هدى الله أي الاسلام هو الهدى إلى الحق لا ما تدعون إليه ولئن اتبعت أهواءهم آرائهم الزائفة (3) بعد الذي جاءك من العلم مالك من الله من ولي ولا نصير يدفع عنك عقابه وهذا من قبيل إياك أعني واسمعي يا (121) الذين آتيناهم الكتاب يتلونه حق تلاوته بالوقوف عند ذكر الجنة والنار يسأل في الأولى ويستعيذ في الأخرى كذا في المجمع عن والعياشي عن الصادق (عليه السلام.

وفي الكافي عنه هم الأئمة ورواه العياشي أيضا.

أولئك يؤمنون به ومن يكفر به فأولئك هم الخاسرون.

(122) يا بني إسرائيل اذكروا نعمتي التي أنعمت عليكم وأني فضلتكم على العلمين.

(123) واتقوا يوما لا تجزي نفس عن نفس شيئا ولا يقبل منها عدل ولا تنفعها شفاعة ولا هم ينصرون قد مضى تفسير الآيتين قيل لما صدر قصتهم بالأمر بذكر النعم والقيام بحقوقها والحذر من إضاعتها والخوف عن الساعة وأهوالها كرر ذلك وختم به الكلام معهم مبالغة في النصح وإيذانا بأنه فذلكة القصة والمقصود منها.

والعياشي عن الصادق (عليه السلام) ان العدل الفريضة وعن الباقر (عليه السلام) ان العدل الفداء.

(124) وإذ ابتلى إبراهيم ربه بكلمات فأتمهن قال إني جاعلك للناس إماما قال ومن ذريتي قال لا ينال عهدي الظالمين، القمي: هو ما ابتلاه به مما رآه في نومه من ذبح ولده فأتمها إبراهيم (عليه السلام) وعزم عليها وسلم فلما عزم قال تبارك وتعالى ثوابا لما صدق وسلم وعمل بما أمره الله اني جاعلك للناس إماما فقال إبراهيم ومن ذريتي قال جل جلاله لا ينال عهدي الظالمين أي لا يكون بعهدي إمام ظالم ثم أنزل عليه الحنيفية وهي الطهارة وهي عشرة أشياء خمسة في الرأس وخمسة في البدن فاما التي في الرأس فأخذ الشارب واعفاء اللحى وطم الشعر والسواك والخلال واما التي في البدن فحلق الشعر من البدن والختان وقلم الأظافر والغسل من الجنابة والطهور بالماء فهذه الحنيفية الطاهرة التي جاء بها إبراهيم (عليه السلام) فلم تنسخ ولا تنسخ إلى يوم القيامة.

وفي الخصال عن الصادق (عليه السلام): قال: هي الكلمات التي تلقاها آدم من ربه فتاب عليه وهو أنه قال يا رب أسألك بحق محمد وعلي وفاطمة والحسن والحسين صلوات الله عليهم الا تبت علي فتاب عليه إنه هو التواب الرحيم فقيل له يا بن رسول الله فما يعني بقوله عز وجل: فأتمهن قال يعني اتمهن إلى القائم اثني عشر إماما تسعة من ولد الحسين (عليهم السلام).

والعياشي مضمرا قال: اتمهن بمحمد وعلي والأئمة من ولد علي (عليهم السلام) قال وقال إبراهيم: يا رب فعجل بمحمد وعلي ما وعدتني فيهما وعجل نصرك لهما.

وفي الكافي عن الصادق (عليه السلام) قال إن الله تبارك وتعالى اتخذ إبراهيم عبدا قبل أن يتخذه نبيا وان الله اتخذه نبيا قبل أن يتخذه رسولا وان الله اتخذه رسولا قبل أن يتخذه خليلا وان الله اتخذه خليلا قبل أن يجعله إماما فلما جمع له الأشياء قال إني جاعلك للناس إماما قال فمن عظمها في عين إبراهيم قال ومن ذريتي قال لا ينال عهدي الظالمين قال لا يكون السفيه إمام التقي وعنه (عليه السلام) من عبد صنما أو وثنا لا يكون إماما.

أقول: وفيه تعريض بالثلاثة حيث عبدوا الأصنام قبل الاسلام.

في العيون عن الرضا (عليه السلام) في حديث طويل ان الإمامة خص الله عز وجل بها إبراهيم الخليل (عليه السلام) بعد النبوة والخلة مرتبة ثالثة وفضيلة شرفها بها وأشاد (4) بها ذكره فقال عز وجل إني جاعلك للناس إماما فقال الخليل (عليه السلام) سرورا بها ومن ذريتي قال الله عز وجل لا ينال عهدي الظالمين فأبطلت هذه الآية إمامة كل ظالم إلى يوم القيامة وصارت في الصفوة.

(125) وإذ جعلنا البيت الكعبة مثابة مرجعا ومحل عود للناس وأمنا.

في الكافي عن الصادق (عليه السلام) من دخل الحرم من الناس مستجيرا به فهو آمن من سخط الله عز وجل ومن دخله من الوحش والطير كان آمنا من أن يهاج أو يؤذى حتى يخرج من الحرم.

واتخذوا وقرئ بفتح الخاء من مقام إبراهيم مصلى هو الحجر الذي عليه أثر قدمه في التهذيب عن الصادق (عليه السلام) يعني بذلك ركعتي طواف الفريضة ومثله في الكافي والعياشي عن الباقر (عليه السلام) ما أعظم فرية أهل الشام على الله تعالى يزعمون أن الله تبارك وتعالى حيث صعد إلى السماء وضع قدمه على صخرة بيت المقدس ولقد وضع عبد من عباد الله قدمه على صخرة فأمرنا الله أن نتخذه مصلى الحديث.

وفي المجمع والعياشي عنه (عليه السلام) قال نزلت ثلاثة أحجار من الجنة مقام إبراهيم وحجر بني إسرائيل والحجر الأسود.

وعهدنا إلى إبراهيم وإسماعيل أن طهرا بيتي للطائفين والعاكفين والركع السجود القمي عن الصادق (عليه السلام) نحيا عنه المشركين وقال لما بنى إبراهيم البيت وحج الناس شكت الكعبة إلى الله تعالى ما تلقى من أنفاس المشركين فأوحى الله تعالى إليها قري كعبتي فاني أبعث في آخر الزمان قوما يتنظفون بقضبان (5) الشجر ويتخللون.

وفي العلل والعياشي عنه (عليه السلام) أنه سئل أيغتسلن النساء إذا أتين البيت قال نعم إن الله تعالى يقول طهرا بيتي للطائفين والعاكفين والركع السجود فينبغي للعبد أن لا يدخل إلا وهو طاهر قد غسل عنه العرق والأذى وتطهر ومثله في الكافي.

(126) وإذ قال إبراهيم رب اجعل هذا بلدا آمنا وارزق أهله من الثمرات في العلل عن الرضا (عليه السلام) لما دعا إبراهيم ربه أن يرزق أهله من الثمرات أمر بقطعة من الأردن (6) فسارت بثمارها حتى طافت بالبيت ثم أمرها أن تنصرف إلى هذا الموضع الذي سمي بالطائف ولذلك سمي طائفا.

والقمي عن الصادق (عليه السلام) يعني من ثمرات القلوب أي حببهم إلى الناس لينتابوا إليهم ويعودوا.

أقول: هذا تأويل وذاك تفسير وشاهد التأويل قوله في سورة إبراهيم واجعل أفئدة من الناس تهوي إليهم.

وفي العوالي حديث آخر يأتي هناك إنشاء الله.

من آمن منهم بالله واليوم الآخر العياشي عن السجاد (عليه السلام) قال: إيانا عني بذلك وأوليائه وشيعة وصيه قال قال الله ومن كفر ارزقه أيضا فأمتعه) وقرئ بالتخفيف قليلا ثم أضطره إلى عذاب النار وبئس المصير عذاب النار قال عنى بذلك من جحد وصيه ولم يتبعه من أمته كذلك والله هذه الأمة.

(127) وإذ يرفع إبراهيم القواعد من البيت وإسماعيل ربنا تقبل منا تقربنا إليك ببناء البيت إنك أنت السميع لدعائنا العليم بنياتنا.

القمي عن الصادق (عليه السلام) قال لما بلغ إسماعيل مبلغ الرجال أمر الله إبراهيم أن يبني البيت فقال: يا رب في أي بقعة قال في البقعة التي أنزلت بها على آدم القبة فأضاء لها الحرم فلم يدر إبراهيم في أي موضع يبنيه فان القبة التي أنزلها الله على آدم كانت قائمة إلى أيام الطوفان أيام نوح فلما غرقت الدنيا رفع الله تلك القبة وبقي موضعها لم يغرق ولهذا سمي البيت العتيق لأنه أعتق من الغرق فبعث الله جبرئيل فخط له موضع البيت فأنزل الله عليه القواعد من الجنة وكان الحجر لما أنزله الله على آدم أشد بياضا من الثلج فلما مسته أيدي الكفار اسود فبنى إبراهيم (عليه السلام) البيت ونقل إسماعيل الحجر من ذي طوى فرفعه في السماء تسعة أذرع ثم دله على موضع الحجر فاستخرجه إبراهيم ووضعه في موضعه الذي هو فيه الآن فلما بنى جعل له بابين بابا إلى المشرق وبابا إلى المغرب والباب الذي إلى المغرب يسمى المستجار ثم القى عليه الشجر والإذخر وعلقت هاجر على بابه كساء كان معه وكانوا يكنون تحته.

وفي الكافي عنه (عليه السلام) في حديث فلما اذن الله له في البناء قدم إبراهيم فقال يا بني قد أمر الله ببناء الكعبة وكشفا عنها فإذا هو حجر واحد احمر فأوحى الله تعالى إليه ضع بناءها عليه وانزل الله تعالى أربعة أملاك يجمعون إليه الحجارة والملائكة تناولهما حتى تمت اثنا عشر ذراعا وهيأ له بابين بابا يدخل منه وبابا يخرج منه ووضعا عليه عتبا وشرجا من حديد على أبوابه.

وعن أحدهما (عليهما السلام) قال إن الله تعالى أمر إبراهيم ببناء الكعبة وان يرفع قواعدها ويري الناس مناسكهم فبنى إبراهيم وإسماعيل البيت كل يوم ساقا (7) حتى انتهى إلى موضع الحجر الأسود.

وقال أبو جعفر (عليه السلام) فنادى أبو قبيس إبراهيم ان لك عندي وديعة فأعطاه الحجر فوضعه موضعه.

وفي العلل والعياشي عن الصادق (عليه السلام) قال إن الله عز وجل أنزل الحجر لآدم (عليه السلام) من الجنة وكان البيت درة بيضاء فرفعه الله إلى السماء وبقي اسه فهو بحيال هذا البيت يدخله كل يوم سبعون الف ملك لا يرجعون إليه أبدا فأمر الله إبراهيم وإسماعيل يبنيان البيت على القواعد.

وفي المجمع عن الباقر (عليه السلام) ان إسماعيل أول من شق لسانه بالعربية وكان أبوه يقول وهما يبنيان: هاي أي أعطني حجرا فيقول له إسماعيل بالعربية يا أبت هاك حجرا فإبراهيم يبني وإسماعيل يناوله.

(128) ربنا واجعلنا مسلمين منقادين مخلصين لك ومن ذريتنا واجعل بعض ذريتنا أمة جماعة يؤمون أي يقصدون ويقتدون ويقتدى بهم مسلمة لك وهم أهل البيت الذي اذهب الله عنهم الرجس وطهرهم تطهيرا كذا عن الصادق (عليه السلام) وفي رواية العياشي عنه (عليه السلام) أراد بالأمة بني هاشم خاصة وأرنا عرفنا وقرئ باسكان الراء حيث وقع مناسكنا متعبداتنا والنسك في الأصل العبادة وشاع في الحج لما فيه من الكلفة والبعد عن العادة وتب علينا عما لا ينبغي إنك أنت التواب الرحيم لمن تاب.

(129) ربنا وابعث فيهم في الأمة المسلمة رسولا منهم يعني من تلك الأمة كذلك عن الصادق (عليه السلام) رواه العياشي ولم يبعث من ذريتهما غير نبينا (صلى الله عليه وآله وسلم).

والقمي يعني ولد إسماعيل قال فلذلك قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) أنا دعوة أبي إبراهيم (عليه السلام) يتلوا عليهم آياتك يقرء عليهم ويبلغهم ما يوحى إليه من دلائل التوحيد والنبوة ويعلمهم الكتاب والحكمة ما تكمل به نفوسهم من المعارف والأحكام ويزكيهم عن الشرك والمعاصي إنك أنت العزيز الذي لا يقهر ولا يغلب على ما يريد الحكيم المحكم للأمر والصانع على وفق الحكمة.

(130) ومن يرغب عن ملة إبراهيم استبعاد وانكار يعني لا يرغب عن ملته إلا من سفه نفسه الا من استمهانها وأذلها واستخف بها قيل أصله سفه نفسه بالرفع نصب على التميز مثل غبن رأيه وقيل سفه بالكسر متعد وبالضم لازم ويشهد له ما جاء في الحديث الكبر ان تسفه الحق وتغمض الناس.

في المحاسن عن السجاد: ما أحد على ملة إبراهيم الا نحن وشيعتنا وسائر الناس منها برا.

وفي الكافي عن الصادق والكاظم (عليهما السلام) ما في معناه.

ولقد اصطفيناه في الدنيا وإنه في الآخرة لمن الصالحين حجة وبيان لذلك فان من كان بهذه الصفة فهو حقيق بأن يتبع لا يرغب عن اتباعه الا سفيه أو متسفه.

(131) إذ قال له ربه أسلم قال مبادرا إلى الاذعان واخلاص السر أسلمت لرب العالمين.

(132) ووصى بها أي بالملة أو بهذه الكلمة أي بكلمة أسلمت لرب العالمين وقرئ أوصى إبراهيم بنيه ويعقوب ووصى بها يعقوب أيضا بنيه يا بنى إن الله اصطفى لكم الدين دين الاسلام فلا تموتن إلا وأنتم مسلمون أمرهم بالثبات على الاسلام بحيث لا يتطرق إليه الزوال بحال.

(133) أم كنتم شهداء إذ حضر يعقوب الموت على لإنكار أي ما كنتم حاضرين، قيل إن اليهود قالوا لرسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) ألست تعلم أن يعقوب أوصى بنيه باليهودية يوم مات فنزلت إذ قال لبنيه ما تعبدون من بعدي أراد به تقريرهم على التوحيد والاسلام وأخذ ميثاقهم على الثبات عليهما قالوا نعبد إلهك وإله آبائك إبراهيم وإسماعيل وإسحق عد إسماعيل من آبائه لأن العرب تسمي العم أبا كما تسمي الجد أبا وذلك لوجوب تعظيمهما كتعظيمه، وفي الحديث عم الرجل صنو أبيه إلها وحدا تصريح بالتوحيد ونحن له مسلمون.

العياشي عن الباقر (عليه السلام) أنها جرت في القائم (عليه السلام.

أقول: لعل مراده (عليه السلام) أنها جارية في قائم آل محمد (عليهم السلام) فكل قائم منهم يقول حين الموت ذلك لبنيه ويجيبونه بما أجابوا به.

(134) تلك أمة قد خلت يعني إبراهيم ويعقوب وبنيهما لها ما كسبت ولكم ما كسبتم لكل أجر عمله.

أقول: يعني انتسابكم إليهم لا ينفعكم وإنما الانتفاع بالأعمال.

ولا تسألون عما كانوا يعملون لا تؤاخذون بسيئاتهم كما لا تثابون بحسناتهم.

(135) وقالوا كونوا هودا أو نصارى تهتدوا تهتدوا قالت اليهود كونوا هودا تهتدوا وقالت النصارى كونوا نصارى تهتدوا قل بل ملة إبراهيم بل نكون أهل ملة إبراهيم متبعين له حنيفا مائلا عن كل دين إلى دين الحق.

العياشي عن الصادق (عليه السلام) قال الحنيفية هي الاسلام، وعن الباقر (عليه السلام) قال ما أبقت الحنيفية شيئا حتى أن منها قص الشارب وقلم الأظافر والختان وما كان إبراهيم من المشركين تعريض لأهل الكتابين فإنهم كانوا يدعون اتباع ملة إبراهيم وهم مع ذلك كانوا على الشرك.

(136) قولوا آمنا بالله.

في الكافي والعياشي عن الباقر (عليه السلام) إنما عنى بذلك عليا وفاطمة والحسن والحسين (عليهم السلام) وجرت في الأئمة (عليهم السلام) ثم يرجع القول من الله في الناس فقال فان آمنوا يعني الناس بما آمنتم به الآية والعياشي مضمرا وأما قوله قولوا فهم آل محمد (عليهم السلام.

وما أنزل إلينا يعني القرآن وما أنزل إلى إبراهيم وإسماعيل وإسحاق ويعقوب والأسباط يعني الصحف والأسباط حفدة يعقوب.

العياشي: عن الباقر (عليه السلام أنه سئل هل كان ولد يعقوب أنبياء قال: لا ولكنهم كانوا أسباطا أولاد الأنبياء ولم يكونوا فارقوا الدنيا الا سعداء تابوا وتذكروا ما صنعوا.

وما أوتي موسى وعيسى التوراة والإنجيل وما أوتي النبيون جملة المذكورون منهم وغير المذكورين من ربهم نزل عليهم من ربهم لا نفرق بين أحد منهم كاليهود يؤمن ببعض ويكفر ببعض، وأحد لوقوعه في سياق النفي عم فساغ أن يضاف إليه بين ونحن له لله مسلمون مذعنون مخلصون.

في الخصال فيما علم أمير المؤمنين (عليه السلام) أصحابه إذا قرأتم قولوا آمنا فقولوا آمنا إلى قوله مسلمون.

وفي الفقيه في وصاياه لابنه محمد بن الحنفية وفرض على اللسان الا قرار والتعبير عن القلب بما عقده عليه فقال عز وجل قولوا آمنا بالله وما انزل الينا الآية.

(137) فأن آمنوا أي سائر الناس بمثل ما آمنتم به بما آمنتم به والمثل مقحم في مثله كما في قوله تعالى وشهد شاهد من بني إسرائيل على مثله أي عليه وقرئ بحذفه فقد اهتدوا وإن تولوا أعرضوا فإنما هم في شقاق في كفر كذا في المجمع عن الصادق (عليه السلام) وأصله المخالفة والمناوأة فان كل واحد من المتخالفين في شق غير شق الآخر فسيكفيكهم الله تسلية وتسكين للمؤمنين ووعد لهم بالحفظ والنصر على من ناوأهم وهو السميع لأقوالكم العليم باخلاصكم.

(138) صبغة الله صبغنا الله صبغة وهي فطرة الله التي فطر الناس عليها وفسرها الصادق (عليه السلام) بالاسلام كما في الكافي ورواه العياشي وعنه هي صبغ المؤمنين بالولاية في الميثاق وقيل سمي صبغة لأنه ظهر عليهم أثره ظهور الصبغ على المصبوغ وتداخل قلوبهم تداخل الصبغ الثوب أو للمشاكة فان النصارى كانوا يغمسون أولادهم في ماء أصفر يسمونه المعمودية ويقولون هو تطهير لهم وبه تحقق نصرانيتهم ومن أحسن من الله صبغة لا صبغة أحسن من صبغته ونحن له عابدون تعريض بهم أي لا نشرك به كشرككم.

(139) قل أتحاجوننا أتجادلوننا في الله في شأنه واصطفائه نبيا من العرب قيل ان أهل الكتاب قالوا الأنبياء كلهم منا وديننا أقدم وكتابنا أسبق فلو كنت نبيا لكنت منا فنزلت وهو ربنا وربكم لا اختصاص له بقوم دون قوم يصيب برحمته من يشاء ولنا أعمالنا ولكم أعمالكم فلا يبعد أن يكرمنا بأعمالنا ونحن له مخلصون موحدون نخلصه بالايمان والطاعة دونكم.

(140) أم تقولون وقرئ بالياء إن إبراهيم وإسماعيل وإسحق ويعقوب والأسباط كانوا هودا أو نصارى قل أأنتم أعلم أم الله وقد نفى الله عز وجل عن إبراهيم اليهودية والنصرانية بقوله سبحانه ما كان إبراهيم يهوديا ولا نصرانيا ومن أظلم ممن كتم شهادة عنده من الله قيل يعني لا أحد أظلم من أهل الكتاب حيث كتموا شهادة الله لإبراهيم بالحنيفية والبراءة من اليهودية والنصرانية أو منا لو كتمنا هذه الشهادة وفيه تعريض بكتمانهم شهادة الله لمحمد (صلى الله عليه وآله وسلم) بالنبوة ولعلي (عليه السلام) بالوصاية في كتبهم وغيرها وما الله بغافل عما تعملون وقرئ بالياء وعيد لهم.

(141) تلك أمة قد خلت لها ما كسبت ولكم ما كسبتم ولا تسألون عما كانوا يعملون قيل التكرير للمبالغة في التحذير والزجر عما استحكم في الطبائع من الافتخار بالآباء والاتكال عليهم أو الخطاب فيما سبق لهم وفي هذه الآية لنا تحذير عن الاقتداء بهم أو المراد بالأمة في الأول الأنبياء وفي الثاني أسلاف اليهود والنصارى.

(142) سيقول السفهاء من الناس الذين خف أحلامهم أو استمهنوها بالتقليد والاعراض عن النظر يريد المنكرين لتغيير القبلة من المنافقين واليهود والمشركين وفائدة تقديم الأخبار به توطين النفس واعداد الجواب ما ولا هم ما صرفهم عن قبلتهم التي كانوا عليها يعني بيت المقدس قل لله المشرق والمغرب لا يختص به مكان دون مكان يهدي به من يشاء إلى صراط مستقيم وهو ما يقتضيه الحكمة والمصلحة من التوجه إلى بيت المقدس تارة وإلى الكعبة أخرى.

وفي تفسير الإمام (عليه السلام) عند قوله عز وجل ما ننسخ من آية أو ننسها.

وفي الاحتجاج أيضا عنه (عليه السلام) قال لما كان رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) بمكة أمره الله عز وجل أن يتوجه نحو بيت المقدس في صلواته ويجعل الكعبة بينه وبينها إذا أمكن وإذا لم يمكن استقبل بيت المقدس كيف كان وكان رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) يفعل ذلك طول مقامه بها ثلاث عشرة سنة فلما كان بالمدينة وكان متعبدا باستقبال بيت المقدس استقبله وانحرف عن الكعبة سبعة عشر شهرا وجعل قوم من مردة اليهود يقولون والله ما يدري محمد كيف صلى حتى صار يتوجه إلى قبلتنا ويأخذ في صلواته بهدانا ونسكنا فاشتد ذلك على رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) لما اتصل به عنهم وكره قبلتهم وأحب الكعبة فجاءه جبرائيل فقال له رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): يا جبرائيل لوددت لو صرفني الله عز وجل عن بيت المقدس إلى الكعبة فلقد تأذيت بما يتصل بي من قبل اليهود من قبلتهم فقال جبرائيل (عليه السلام): فسل ربك أن يحولك إليها فإنه لا يردك عن طلبتك ولا يخيبك عن بغيتك فلما استتم دعاؤه صعد جبرائيل ثم عاد من ساعته فقال اقرأ يا محمد قد نرى تقلب وجهك في السماء الآيات فقالت اليهود عند ذلك ما ولا هم عن قبلتهم التي كانوا عليها فأجابهم الله بأحسن جواب فقال قل لله المشرق والمغرب وهو يملكهما وتكليفه التحول إلى جانب كتحويله لكم إلى جانب آخر يهدي من يشاء إلى صراط مستقيم وهو مصلحهم ومؤديهم بطاعته إلى جنات النعيم قوم من اليهود إلى رسول الله (عليه وآله وسلم) فقالوا يا محمد هذه القبلة بيت المقدس قد صليت إليها اربع عشرة سنة ثم تركتها الآن فحقا كان ما كنت عليه فقد تركته إلى باطل فان ما يخالف الحق فهو باطل أو كان باطلا فقد كنت عليه طول هذه المدة فما يؤمننا أن تكون الآن على باطل فقال رسول الله (صلى الله عليه بل ذلك كان حقا وهذا حق يقول الله تعالى: ﴿قل لله المشرق والمغرب يهدي من يشاء إلى صراط مستقيم﴾ إذا عرف صلاحكم يا أيها العباد في استقبال المشرق أمركم به وإذا عرف صلاحكم في استقبال المغرب أمركم به فلا تنكروا تدبير الله تعالى في عباده وقصده إلى مصالحكم ثم قال لهم رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) لقد تركتم العمل يوم السبت ثم عملتم بعده في سائر الأيام ثم تركتموه في السبت ثم عملتم بعده أفتركتم الحق إلى الباطل أو الباطل إلى حق أو الباطل إلى باطل أو الحق إلى حق قولوا كيف شئتم فهو قول محمد (صلى الله عليه وآله وسلم) وجوابه لكم قالوا بل ترك العمل في السبت حق والعمل بعده حق فقال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) فكذلك قبلة بيت المقدس في وقته حق ثم قبلة الكعبة في وقتها حق فقالوا يا محمد (صلى الله عليه وآله وسلم) أفبدا لربك فيما كان أمرك به بزعمك من الصلاة إلى بيت المقدس حين نقلك إلى الكعبة فقال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) ما بدا له عن ذلك فإنه العالم بالعواقب والقادر على المصالح لا يستدرك على نفسه غلطا ولا يستحدث رأيا بخلاف المتقدم جل عن ذلك ولا يقع عليه أيضا مانع يمنعه من مراده وليس يبدو الا لمن كان هذا وصفه وهو جل وعز يتعالى عن هذه الصفات علوا كبيرا ثم قال لهم رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) أيها اليهود أخبروني عن الله أليس يمرض ثم يصح ويصح ثم يمرض أبدا له في ذلك أليس يحيي ويميت أبدا له في كل واحد من ذلك؟قالوا: لا، قال فكذلك الله يعبد نبيه محمدا (صلى الله عليه وآله وسلم) بالصلاة إلى الكعبة بعد أن كان يعبده بالصلاة إلى بيت المقدس وما بدا له في الأول قال أليس الله يأتي بالشتاء في أثر الصيف والصيف بعد الشتاء أبدا له في كل واحد من ذلك قالوا: لا قال: فكذلك لم يبد له في القبلة ثم قال أليس ألزمكم في الشتاء أن تحترزوا من البرد بالثياب الغليظة وألزمكم في الصيف أن تحترزوا من الحر فبدا له في الصيف حتى أمركم بخلاف ما كان أمركم به في الشتاء قالوا: لا، فقال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): فكذلكم الله في تعبدكم في وقت لصلاح يعلمه بشئ ثم تعبدكم في وقت آخر لصلاح آخر يعلمه بشئ آخر فإذا أطعتم الله في الحالين استحققتم ثوابه وأنزل الله ﴿ولله المشرق والمغرب فأينما تولوا فثم وجه الله﴾ إذا توجهتم بأمره فثم الوجه الذي تقصدون منه الله وتأملون ثوابه ثم قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) يا عباد الله أنتم كالمرضى والله رب العالمين كالطبيب وصلاح المريض فيما يعلمه الطبيب ويدبره لا فيما يشتهيه المريض ويقترحه الا فسلموا لله أمره تكونوا من الفائزين.

(143) وكذلك جعلناكم أمة القمي يعني أئمة وسطا قال أي عدلا وواسطة بين الرسول والناس.

أقول: فالخطاب للمعصومين (عليهم السلام) خاصة لتكونوا شهداء على الناس يعني يوم القيامة ويكون الرسول عليكم شهيدا في الكافي والعياشي عن الباقر (عليه السلام) نحن الأمة الوسط ونحن شهداء الله على خلقه وحججه في أرضه وسمائه وفي حديث ليلة القدر عنه (عليه السلام) وأيم الله لقد قضي الأمر أن لا يكون بين المؤمنين اختلاف ولذلك جعلهم شهداء على الناس ليشهد محمد (صلى الله عليه وآله وسلم) علينا ولنشهد على شيعتنا ولتشهد شيعتنا على الناس.

أقول: أراد بالشيعة خواص الشيعة الذين معهم وفي درجتهم كما قالوا شيعتنا معنا وفي درجتنا لئلا ينافي الخبر السابق والأخبار الآتية، وفي شواهد التنزيل عن أمير المؤمنين (عليه السلام) إيانا عني بقوله: لتكونوا شهداء على الناس فرسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) شاهد علينا ونحن شهداء الله على خلقه وحجته في أرضه ونحن الذين قال الله وكذلك جعلناكم أمة وسطا.

والعياشي عن الباقر (عليه السلام) نحن نمط الحجاز قيل وما نمط الحجاز قال أوسط الأنماط إن الله يقول وكذلك جعلناكم أمة وسطا قال إلينا يرجع الغالي وبنا يلحق المقصر.

وفي المناقب عنه (عليه السلام) إنما أنزل الله وكذلك جعلناكم أمة وسطا لتكونوا شهداء على الناس ويكون الرسول شهيدا عليكم قال ولا يكون شهداء على الناس إلا الأئمة والرسل فأما الأمة فإنه غير جائز ان يستشهدها الله وفيهم من لا تجوز شهادته في الدنيا على حزمة بقل.

أقول: لعل المراد بهذا المعنى أنزل الله وقد مضى في دعاء إبراهيم ومن ذريتنا أمة مسلمة لك وقد عرفت هناك أن الأمة بمعنى المقصود سميت بها الجماعة لأن الفرق تؤمها.

والعياشي عن الصادق (عليه السلام) قال ظننت أن الله عنى بهذه الآية جميع أهل القبلة من الموحدين أفترى أن من لا يجوز شهادته في الدنيا على صاع من تمر يطلب الله شهادته يوم القيامة ويقبلها منه بحضرة جميع الأمم الماضية كلا لم يعن الله مثل هذا من خلقه يعني الأمة التي وجبت لها دعوة إبراهيم كنتم خير أمة أخرجت للناس وهم الأئمة الوسطى وهم خير أمة أخرجت للناس.

أقول: لما كان الأنبياء والأوصياء معصومين من الكذب وجاز الوثوق بشهادتهم لله سبحانه على الأمم دون سائر الناس جعل الله تعالى في كل أمة منهم شهيدا ليشهد عليهم بأن الله أرسل رسوله إليهم وأتم حجته عليهم وبأن منهم من أطاعه ومنهم من عصاه لئلا ينكرونه غدا فالنبي يشهد لله على الأئمة بأن الله أرسله إليهم وأنهم أطاعوه والأئمة يشهدون لله على الأمم بأن الله أرسل النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) إليهم وللنبي (صلى الله عليه وآله وسلم) بأنه بلغهم وأن منهم من أطاعه ومنهم من عصاه وكذلك يشهد نبينا (صلى الله عليه وآله وسلم) لسائر النبيين على أممهم بأن النبيين بلغوا رسالات ربهم إلى أممهم، ويأتي تمام الكلام في هذا في سورة النساء إنشاء الله.

وما جعلنا القبلة التي كنت عليها يعني بيت المقدس إلا لنعلم من يتبع الرسول ممن ينقلب على عقبيه يرتد عن دينه ألفا بقبلة آبائه، في تفسير الامام وفي الاحتجاج عنه (عليه السلام) يعني الا لنعلم ذلك منه وجودا بعد أن علمناه سيوجد قال وذلك أن هوى أهل مكة كان في الكعبة فأراد الله أن يبين متبع محمد ممن خالفه باتباع القبلة التي كرهها ومحمد (صلى الله عليه وآله وسلم) يأمر بها ولما كان هوى أهل المدينة في بيت المقدس أمرهم بمخالفتها والتوجه إلى الكعبة ليتبين من يوافق محمدا (صلى الله عليه وآله وسلم) فيما يكرهه فهو مصدقه وموافقه وإن كانت الصلاة إلى بيت المقدس في ذلك الوقت لكبيرة إلا على الذين هدى الله وعرف ان الله يتعبد بخلاف ما يريده المرء ليبتلي طاعته في مخالفة هواه وما كان الله ليضيع إيمانكم يعني صلاتكم إن الله بالناس لرؤوف رحيم.

العياشي عن الصادق (عليه السلام) أنه سئل عن الايمان أقول هو وعمل أم قول بلا عمل فقال الايمان عمل كله والقول بعض ذلك العمل مفترض من الله مبين في كتابه واضح نوره ثابتة حجته يشهد له بها الكتاب ويدعو إليه ولما انصرف نبيه إلى الكعبة عن بيت المقدس قال المسلمون للنبي (صلى الله عليه وآله وسلم) أرأيت صلاتنا التي كنا نصلي إلى بيت المقدس ما حالنا فيها وحال من مضى من أمواتنا وهم يصلون إلى بيت المقدس فأنزل الله وما كان الله ليضيع إيمانكم فسمي الصلاة إيمانا فمن لقي الله حافظا لجوارحه موفيا كل جارحة من جوارحه ما فرض الله عليه لقي الله مستكملا لايمانه وهو من أهل الجنة ومن خان في شئ منها أو تعدى ما أمر الله فيها لقي الله ناقص الايمان.

(144) قد نرى تقلب وجهك في السماء أي تردد وجهك في جهة السماء تطلعا للوحي، وقيل كان رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) يقع في روعه ويتوقع من ربه أن يحوله إلى الكعبة لأنها كانت قبلة أبيه إبراهيم وأقدم القبلتين وادعى للعرب إلى الايمان ولمخالفة اليهود فلنولينك قبلة ترضاها تحبها وتتشوق إليها لمقاصد دينية وافقت مشية الله تعالى وحكمته فول وجهك اصرف وجهك شطر المسجد الحرام نحوه وإنما ذكر المسجد اكتفاء بمراعاة الجهة.

والقمي ان هذه الآية متقدمة على آية سيقول السفهاء.

وفي الفقيه أن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) صلى إلى بيت المقدس بعد النبوة ثلاث عشرة سنة بمكة وتسعة عشر شهرا بالمدينة ثم عيرته اليهود فقالوا له إنك تابع لقبلتنا فاغتم لذلك غما شديدا فلما كان في بعض الليل خرج (عليه السلام) يقلب وجهه في آفاق السماء فلما أصبح صلى الغداة فلما صلى من الظهر ركعتين جاء جبرائيل فقال له قد نرى تقلب وجهك في السماء فلنولينك قبلة ترضاها فول وجهك شطر المسجد الحرام الآية ثم أخذ بيد النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) فحول وجهه إلى الكعبة وحول من خلفه وجوههم حتى قام الرجال مقام النساء والنساء مقام الرجال فكان أول صلاته إلى البيت المقدس وآخرها إلى الكعبة وبلغ الخبر مسجدا بالمدينة وقد صلى أهله من العصر ركعتين فحولوا نحو القبلة فكانت أول صلاتهم إلى بيت المقدس وآخرها إلى الكعبة فسمي ذلك المسجد مسجد القبلتين.

والقمي ما يقرب منه قال: وكان النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) في مسجد بني سالم.

وحيث ما كنتم فولوا وجوهكم شطره خص الرسول بالخطاب تعظيما له وإيجابا لرغبته ثم عم تصريحا بعموم الحكم جميع الأمة وسائر الأمكنة وتأكيد الأمر القبلة وتخصيصا للأمة على المتابعة وإن الذين أوتوا الكتاب ليعلمون أنه الحق من ربهم لعلمهم بأن عادته تعالى تخصيص كل شريعة بقبلة ولتضمن كتبهم أنه يصلي إلى القبلتين وما الله بغافل عما يعملون وعد ووعيد للفريقين.

(145) ولئن أتيت الذين أوتوا الكتاب بكل آية برهان وحجة ما تبعوا قبلتك لأن المعاند لا تنفعه الدلالة وما أنت بتابع قبلتهم قطع لأطماعهم وما بعضهم بتابع قبلة بعض لتصلب كل حزب فيما هو فيه ولئن اتبعت أهواء هم من بعد ما جاءك من العلم على سبيل الفرض المحال أو المراد به غيره من أمته من قبيل إياك أعني واسمعي يا جارة إنك إذا لمن الظالمين أكد تهديده وبالغ فيه تعظيما للحق وتحريصا على اقتفائه وتحذيرا عن متابعة الهواء واستعظاما لصدور الذنب عن الأنبياء.

(146) الذين آتيناهم الكتاب يعني علماءهم يعرفونه يعرفون محمدا (صلى الله عليه وآله وسلم) بنعته وصفته ومبعثه ومهاجره وصفة أصحابه في التوراة والإنجيل كما يعرفون أبناءهم في منازلهم وإن فريقا وهم المعاندون دون المؤمنين ليكتمون الحق وهم يعلمون.

(147) الحق من ربك إنك الرسول إليهم فلا تكونن من الممترين الشاكين.

(148) ولكل وجهة ولكل قوم قبلة وملة وشرعة ومنهاج يتوجهون إليها هو موليها الله موليها إياهم وقرئ مولا ها بالألف أي قد وليها فاستبقوا الخيرات الطاعات وفي الكافي عن الباقر (عليه السلام) الخيرات الولاية.

أين ما تكونوا يأت بكم الله جميعا قيل أينما متم في بلاد الله يأت بكم الله جميعا إلى المحشر يوم القيامة.

وفي اخبار أهل البيت أن المراد به أصحاب المهدي في آخر الزمان.

وفي المجمع والعياشي عن الرضا (عليه السلام) أن لو قام قائمنا لجمع الله جميع شيعتنا من جميع البلدان.

وفي الاكمال والعياشي عن الصادق (عليه السلام) لقد نزلت هذه الآية في أصحاب القائم وإنهم المفتقدون من فرشهم ليلا فيصبحون بمكة وبعضهم يسير في السحاب نهارا نعرف اسمه واسم أبيه وحليته ونسبه إن الله على كل شئ قدير على الإماتة والاحياء والجمع.

(149) ومن حيث خرجت للسفر في البلاد فول وجهك شطر المسجد الحرام إذا صليت وإنه للحق من ربك وإن التوجه إلى الكعبة للحق الثابت المأمور به من ربك وما الله بغافل عما تعملون وقرئ بالياء.

(150) ومن حيث خرجت فول وجهك شطر المسجد الحرام وحيث ما كنتم فولوا وجوهكم شطره قيل كرر الحكم لتعدد علله فإنه تعالى ذكر للتحويل ثلاث علل تعظيم الرسول ابتغاء لمرضاته وجري العادة الإلهية على أن يولي أهل كل ملة وصاحب دعوة جهة يستقبلها ويتميز بها ودفع حجج المخالفين كما يأتي وقرن بكل علة معلولها كما يقرن المدلول بكل واحد من دلائله تقريبا وتقريرا مع أن القبلة لها شأن والنسخ من مظان الفتنة والشبهة فبالحري أن يؤكد أمرها ويعاد ذكرها مرة بعد أخرى لئلا يكون للناس عليكم حجة علة لقوله تعالى فولوا، والمعنى أن التولية عن بيت المقدس إلى الكعبة يدفع احتجاج اليهود بأن المنعوت في التوراة قبلته الكعبة وان محمدا يجحد ديننا ويتبعنا في قبلتنا واحتجاج المشركين بأنه يدعي ملة إبراهيم ويخالف قبلته إلا الذين ظلموا منهم.

القمي: إلا هاهنا بمعنى ولا وليست استثناء يعني ولا الذين ظلموا منهم وقيل معناه إلا الحجة الداحضة من المعاندين بأن قالوا ما تحول إلى الكعبة إلا ميلا إلى دين قومه وحبا لبلده أو بدا له فرجع إلى قبلة آبائه ويوشك أن يرجع إلى دينهم.

فلا تخشوهم فان مطاعنهم لا تضركم واخشوني فلا تخالفوا ما أمرتكم به ولأتم نعمتي عليكم ولعلكم تهتدون عن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) تمام النعمة دخول الجنة وعن أمير المؤمنين (عليه السلام) تمام النعمة الموت على الاسلام.

أقول: لا تنافي بين الخبرين لتلازم الأمرين.

(151) كما أرسلنا فيكم رسولا منكم أي ولأتم نعمتي عليكم كما أتممتها بإرسال رسول منكم يتلوا عليكم آياتنا ويزكيكم يحملكم على ما تصيرون به أزكياء قدمه على التعليم باعتبار القصد وأخره في دعوة إبراهيم باعتبار الفعل ويعلمكم الكتاب والحكمة ويعلمكم ما لم تكونوا تعلمون بالفكر والنظر إذ لا طريق إلى معرفته سوى الوحي وكرر الفعل ليدل على أنه جنس آخر.

(152) فاذكروني بالطاعة أذكركم بالثواب واشكروا لي ما أنعمت به عليكم ولا تكفرون بجحد النعم وعصيان الأمر أراد بالكفر كفر النعم كذا في الكافي والعياشي عن الصادق، والقمي عن الباقر صلوات الله عليهما ذكر الله لأهل الطاعة أكبر من ذكرهم إياه ألا ترى أنه يقول اذكروني أذكركم.

وفي الخصال: عن أمير المؤمنين (عليه السلام) أذكروا الله في كل مكان فإنه معكم.

وفي الكافي عن الصادق (عليه السلام) قال قال الله عز وجل: ﴿يا بن آدم اذكرني في ملأ أذكرك في ملأ خير من ملئك﴾ وعنه (عليه السلام) في حديث عيسى يا عيسى اذكرني في نفسك أذكرك في نفسي واذكرني في ملئك أذكرك في ملأ خير من ملأ الآدميين.

وعنه (عليه السلام) ان الله لم يذكره أحد من عباده المؤمنين الا ذكره بخير فاعطوا الله من أنفسكم الاجتهاد في طاعته.

وفي المجمع والعياشي عن الباقر (عليه السلام) قال قال النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) ان الملك ينزل الصحيفة من أول النهار وأول الليل يكتب فيها عمل ابن آدم فأملوا في أولها خيرا وفي آخرها خيرا فان الله يغفر لكم ما بين ذلك انشاء الله فإنه يقول اذكروني أذكركم.

وفي الخصال عنه (عليه السلام) في البلاء من الله الصبر فريضة وفي القضاء من الله التسليم فريضة وفي النعمة من الله الشكر فريضة.

وعن السجاد: من قال الحمد لله فقد أدى شكر كل نعم الله.

وعن أمير المؤمنين (عليه السلام) شكر كل نعمة الورع عما حرم الله.

والعياشي عن الصادق (عليه السلام) أنه سئل هل للشكر حد إذا فعله الرجل كان شاكرا قال نعم قيل وما هو قال الحمد لله على كل نعمة أنعمها علي وإن كان له فيما أنعم عليه حق أداه ومنه قول الله: ﴿الحمد لله الذي سخر لنا هذا﴾ حتى عد آيات.

(153) يا أيها الذين آمنوا استعينوا بالصبر عن المعاصي وحظوظ النفس والصلاة التي هي أم العبادات ومعراج المؤمنين ومناجاة رب العالمين إن الله مع الصابرين بالنصر وإجابة الدعوة.

في مصباح الشريعة عن الصادق (عليه السلام) في كلام له قال فمن صبر كرها ولم يشك إلى الخلق ولم يجزع بهتك ستره فهو من العام ونصيبه ما قال الله وبشر الصابرين أي بالجنة ومن استقبل البلايا بالرحب وصبر على سكينة ووقار فهو من الخاص ونصيبه ما قال الله ان الله مع الصابرين.

(154) ولا تقولوا لمن يقتل في سبيل الله أموات أي هم أموات بل أحياء بل هم أحياء ولكن لا تشعرون ما حالهم.

في الكافي والتهذيب عن يونس بن ظبيان عن الصادق (عليه السلام) أنه قال له ما يقول الناس في أرواح المؤمنين قال يقولون في حواصل طيور خضر في قناديل تحت العرش فقال سبحان الله المؤمن أكرم على الله من أن يجعل روحه في حوصلة طير يا يونس إذا كان ذاك أتاه محمد وعلي وفاطمة والحسن والحسين صلوات الله عليهم والملائكة المقربون فإذا قبضه الله تعالى صير تلك الروح في قالب كقالبه في الدنيا فيأكلون ويشربون فإذا قدم عليهم القادم عرفوه بتلك الصورة التي كانت في الدنيا.

وفي التهذيب عنه (عليه السلام) أنه سئل عن أرواح المؤمنين فقال في الجنة على صور أبدانهم لو رأيته لقلت فلان.

(155) ولنبلونكم ولنصيبنكم إصابة المختبر هل تصبرون على البلاء وتستسلمون للقضاء بشئ من الخوف والجوع ونقص من الأموال والأنفس والثمرات وبشر الصابرين أي بالجنة كما مر.

وفي نهج البلاغة إن الله يبتلي عباده عند الأعمال السيئة بنقص الثمرات وحبس البركات وإغلاق خزائن الخيرات ليتوب تائب ويقلع مقلع ويتذكر متذكر ويزدجر مزدجر.

وفي الاكمال عن الصادق (عليه السلام) ان هذه علامات قيام القائم يكون من الله عز وجل للمؤمنين قال بشئ من الخوف من ملوك بني أمية في آخر سلطانهم والجوع بغلاء أسعارهم ونقص من الأموال فساد التجارات وقلة الفضل ونقص من الأنفس الموت الذريع ونقص من الثمرات بقلة ريع ما يزرع وبشر الصابرين عند ذلك بتعجيل خروج القائم (عليه السلام) ثم قال هذا تأويله ان الله عز وجل يقول وما يعلم تأويله الا الله والراسخون في العلم.

(156) الذين إذا أصابتهم مصيبة في الحديث كل شئ يؤذي المؤمن فهو له مصيبة قالوا إنا لله وإنا إليه راجعون.

في نهج البلاغة: إن قولنا انا لله إقرار على أنفسنا بالملك وقولنا انا إليه راجعون إقرار على أنفسنا بالهلك.

وفي المجمع: عن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) من استرجع عند المصيبة جبر الله مصيبته وأحسن عقباه وجعل له خلفا صالحا يرضاه وقال قال من أصيب بمصيبة فأحدث استرجاعا وان تقادم عهدها كتب الله له من الأجر مثل يوم أصيب.

وفي الكافي: عن الباقر (عليه السلام) ما من عبد يصاب بمصيبة فيسترجع عند ذكره المصيبة ويصبر حين تفجأه الا غفر الله له ما تقدم من ذنبه وكل ما ذكر مصيبته فاسترجع عند ذكره المصيبة غفر الله له كل ذنب فيما بينهما.

وعن الصادق (عليه السلام) من ذكر مصيبة ولو بعد حين فقال إنا لله وإنا إليه راجعون والحمد لله رب العالمين اللهم أجرني على مصيبتي واخلف علي أفضل منها كان له من الأجر مثل ما كان عند أول صدمته.

وفي الخصال والعياشي: عنه (عليه السلام) عن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) أربع خصال من كن فيه كان في نور الله الأعظم من كانت عصمة أمره شهادة أن لا إله إلا الله وأني رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) ومن إذا أصابته مصيبة قال: إنا لله وإنا إليه راجعون ومن إذا أصاب خيرا قال الحمد لله ومن إذا أصابته خطيئة قال استغفر الله وأتوب إليه.

(157) أولئك عليهم صلوات من ربهم ورحمة وأولئك هم المهتدون قيل الصلاة من الله التزكية والمغفرة والرحمة واللطف والاحسان.

وفي الخصال والعياشي عن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) قال الله تعالى إني جعلت الدنيا بين عبادي فيضا فمن أقرضني منها قرضا أعطيته بكل واحدة منها عشرا إلى سبعماءة ضعف وما شئت من ذلك ومن لم يقرضني منها قرضا فأخذت منه قسرا أعطيته ثلاث خصال لو أعطيت واحدة منهن لملائكتي لرضوا الصلاة والهداية والرحمة إن الله تعالى يقول الذين إذا أصابتهم مصيبة الآية.

(158) إن الصفا والمروة هما علما جبلين بمكة من شعائر الله من أعلام مناسكه جمع شعيرة وهي العلامة فمن حج البيت أو اعتمر الحج لغة القصد والاعتمار الزيارة فغلبا شرعا على قصد البيت وزيارته على الوجهين المخصوصين فلا جناح عليه أن يطوف بهما العياشي عن الباقر (عليه السلام) أي لا حرج عليه أن يطوف بهما.

وفي الكافي والعياشي عن الصادق (عليه السلام) أنه سئل عن السعي بين الصفا والمروة فريضة أم سنة فقال فريضة قيل أوليس قال الله عز وجل فلا جناح عليه أن يطوف بهما، قال كان ذلك في عمرة القضاء ان رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) شرط عليهم أن يرفعوا الأصنام من الصفا والمروة فتشاغل رجل عن السعي حتى انقضت الأيام وأعيدت الأصنام فجاؤوا إليه فقالوا يا رسول الله إن فلانا لم يسع بين الصفا والمروة وقد أعيدت الأصنام فأنزل الله تعالى: ﴿إن الصفا والمروة﴾ إلى قوله فلا جناح عليه أن يطوف بهما أي وعليهما الأصنام.

والقمي أن قريشا كانت وضعت أصنامهم بين الصفا والمروة ويتمسحون بها إذا سعوا فلما كان من أمر رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) في غزوة الحديبية ما كان وصدوه عن البيت وشرطوا له أن يخلوا له البيت في عام قابل حتى يقضي عمرته ثلاثة أيام ثم يخرج عنه فلما كانت عمرة القضاء في سنة سبع من الهجرة دخل مكة وقال لقريش ارفعوا أصنامكم حتى أسعى فرفعوها الحديث كما في الكافي بأدنى تفاوت.

وفي الكافي عن الصادق (عليه السلام) أن المسلمين كانوا يظنون أن السعي ما بين الصفا والمروة شي صنعه المشركون فأنزل الله هذه الآية، وعنه (عليه السلام) جعل السعي بين الصفا والمروة مذلة للجبارين ومن تطوع خيرا فأكثر الطواف أو فعل طاعة أخرى وقرئ بالياء وتشديد الطاء وجزم العين فإن الله شاكر عليم مثيب عليه لا يخفى عليه.

أقول: الآية الآتية وما بعدها إلى قوله سبحانه: كتب عليكم إذا حضر أحدكم الموت مما وجد من تفسير أبي محمد الزكي تفسيره ويكون بناء تفسيرنا فيها عليه كما كان فيما سبق فيما يوجد منه.

(159) إن الذين يكتمون ما أنزلنا من البينات كأحبار اليهود الكاتمين للآيات الشاهدة على أمر محمد وعلي (عليهما السلام) ونعتهما وحليتهما وكالنواصب الكاتمين لما نزل في فضل علي (عليه السلام) والهدى وكل ما يهدي إلى وجوب اتباعهما والايمان بهما من بعد ما بيناه للناس في الكتاب في التوراة وغيره أولئك يلعنهم الله ويلعنهم اللاعنون أي الذين يتأتى منهم اللعن عليهم من الملائكة والثقلين حتى أنفسهم فان الكافرين يقولون لعن الله الكافرين.

والعياشي: عن الصادق (عليه السلام) في قوله اللاعنون قال نحن هم وقد قالوا هوام الأرض.

وفي الاحتجاج وتفسير الإمام (عليه السلام): في غير هذا الموضع قال أبو محمد (عليه السلام) قيل لأمير المؤمنين (عليه السلام) من خير خلق الله بعد أئمة الهدى ومصابيح الدجى قال العلماء إذا صلحوا قيل فمن شر خلق الله بعد إبليس وفرعون وثمود وبعد المتسمين بأسمائكم والمتلقبين بألقابكم والآخذين لأمكنتكم والمتآمرين في ممالككم قال العلماء إذا فسدوا هم المظهرون للأباطيل الكاتمون للحقائق وفيهم قال الله عز وجل أولئك يلعنهم الله ويلعنهم اللاعنون.

وعن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) أنه قال من سئل عن علم يعلمه فكتمه الجم يوم القيامة بلجام من نار.

والقمي مرفوعا عن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) إذا ظهرت البدع في أمتي فليظهر العالم علمه ومن لم يفعل فعليه لعنة الله.

والعياشي عن الباقر (عليه السلام) أن رجلا أتى سلمان الفارسي رضي الله عنه فقال حدثني فسكت عنه ثم عاد فسكت ثم عاد فسكت فأدبر الرجل وهو يتلو هذه الآية: ﴿إن الذين يكتمون﴾ فقال له أقبل انا لو وجدنا أمينا لحدثناه الحديث.

(160) إلا الذين تابوا عن الكتمان وأصلحوا ما أفسدوا بالتدارك وبينوا ما ذكره الله من نعت محمد (صلى الله عليه وآله وسلم) وصفته وما ذكره رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) من فضل علي وولايته لتتم توبتهم فأولئك أتوب عليهم بالقبول والمغفرة وأنا التواب الرحيم المبالغ في قبول التوبة وإفاضة الرحمة.

(161) إن الذين كفروا في ردهم نبوة محمد (صلى الله عليه وآله وسلم) وولاية علي (عليه السلام) وماتوا وهم كفار أولئك عليهم لعنة الله والملائكة والناس أجمعين استقر عليهم البعد من الرحمة.

(162) خالدين فيها في اللعنة في نار جهنم لا يخفف عنهم العذاب يوما ولا ساعة ولا هم ينظرون يمهلون.

(163) وإلهكم إله واحد قيل أي المستحق منكم للعبادة واحد لا شريك له يصح أن يعبد أو يسمى إلها لا إله إلا هو تقرير للوحدانية وإزاحة لأن يتوهم ان في الوجود إلها ولكن لا يستحق منهم العبادة الرحمن الرحيم كالحجة عليها.

(164) إن في خلق السماوات والأرض بلا عمد من تحتها تمنعها من السقوط ولا علاقة من فوقها تحبسها من الوقوع عليكم وأنتم أيها العباد والإماء اسرائي في قبضتي الأرض من تحتكم لا منجى لكم منها أين هربتم والسماء من فوقكم لا محيص لكم عنها أين ذهبتم فان شئت أهلكتكم بهذه وإن شئت أهلكتكم بتلك ثم ما في السماوات من الشمس المنيرة في نهاركم لتنشروا في معايشكم ومن القمر المضئ في ليلكم لتبصروا في ظلمتها وألجأتكم بالاستراحة في الظلمة إلى ترك مواصلة الكد الذي ينهك أبدانكم واختلاف الليل والنهار المتتابعين الكارين عليكم بالعجائب التي يحدثها ربكم في عالمه من إسعاد واشقاء واعزاز واذلال وإغناء وإفقار وصيف وشتاء وخريف وربيع وخصب وقحط وخوف وأمن والفلك التي تجري في البحر بما ينفع الناس التي جعلها الله مطاياكم لا تهدأ ليلا ولا نهارا ولا تقتضيكم علفا ولا ماء وكفاكم بالرياح مؤونة تسييرها بقواكم التي كانت لا تقوم بها لو ركدت عنها الرياح لتمام مصالحكم ومنافعكم وبلوغكم الحوائج لأنفسكم وما أنزل الله من السما من ماء وابلا وهطلا ورذاذا لا ينزل عليكم دفعة واحدة فيغرقكم ويهلك معايشكم لكنه ينزل متفرقا من علاء حتى يعم الأوهاد والتلال والتلاع فأحيا به الأرض بعد موتها فيخرج نباتها وحبوبها وثمارها وبث فيها من كل دابة منها ما هي لأكلكم ومعايشكم ومنها سباع ضارية حافظة عليكم أنعامكم لئلا تشذ عليكم خوفا من افتراسها لها وتصريف الرياح المربية لحبوبكم المبلغة لثماركم النافية لركود الهواء والاقتار عنكم، وقرئ بتوحيد الريح والسحاب المسخر المذلل الواقف بين السماء والأرض يحمل أمطارها ويجري بإذن الله ويصبها حيث يؤمر لآيات دلائل واضحات لقوم يعقلون يتفكرون فيها بعقولهم.

(165) ومن الناس من يتخذ من دون الله أندادا من الأصنام ومن الرؤساء الذين يطيعونهم.

في الكافي عن الباقر (عليه السلام) والعياشي عن الصادق (عليه السلام) هم والله أولياء فلان وفلان اتخذوهم أئمة دون الامام الذي جعله الله للناس إماما فلذلك قال ولو يرى الذين ظلموا الآية ثم قال والله هم أئمة الظلم وأشياعهم يحبونهم كحب الله قيل أي يعظمونهم ويطيعونهم كتعظيمه والميل إلى طاعته أي يسوون بينهم وبينه في المحبة والطاعة والذين آمنوا أشد حبا لله من هؤلاء المتخذين الأنداد مع الله لأندادهم لأن المؤمنين يرون الربوبية والقدرة لله لا يشركون به شيئا فمحبتهم خالصة له.

والعياشي عن الباقر والصادق (عليهما السلام هم آل محمد (عليهم السلام).

أقول: يعني الذين آمنوا ويأتي تحقيق معنى محبة الله عز وجل في سورة آل عمران عند تفسير قوله تعالى قل إنكم كنتم تحبون الله انشاء الله.

ولو يرى الذين ظلموا باتخاذ الأصنام أندادا لله سبحانه والكفار والفجار مثالا لمحمد (صلى الله عليه وآله وسلم) وعلي (عليه السلام) وقرئ بالتاء إذ يرون العذاب حين يرون العذاب الواقع بهم لكفرهم وعنادهم وقرئ بضم الياء أن القوة لله يعلمون ان القوة لله جميعا يعذب من يشاء ويكرم من يشاء ولا قوة للكفار يمتنعون بها من عذابه وأن الله شديد العذاب ويعلمون أن الله شديد العذاب وقيل جواب لو محذوف أي لندموا أشد الندم.

(166) إذ تبرأ الذين اتبعوا أي لو يرى هؤلاء المتخذون الأنداد حين تبرأ الرؤساء من الذين اتبعوا الرعايا والاتباع ورأوا العذاب وتقطعت بهم الا سباب الوصلات التي كانت بينهم يتواصلون بها ففنيت حيلتهم ولا يقدرون على النجاة من عذاب الله بشئ.

(167) وقال الذين اتبعوا الاتباع لو أن لنا كرة يتمنون لو كان لهم رجعة إلى الدنيا فنتبرأ منهم هناك كما تبرءوا منا هنا كذ لك كما تبرى بعضهم من بعض يريهم الله أعمالهم حسرات عليهم وذلك إنهم عملوا في الدنيا لغير الله أو على غير الوجه الذي أمر الله فيرونها لا ثواب لها ويرون أعمال غيرهم التي كانت لله قد عظم الله ثواب أهلها.

وفي الكافي والفقيه والعياشي عن الصادق (عليه السلام) في قوله عز وجل يريهم الله أعملهم حسرات عليهم هو الرجل يدع ماله لا ينفقه في طاعة الله بخلا ثم يموت فيدعه لمن يعمل فيه بطاعة الله أو معصية الله فان عمل به في طاعة الله رآه في ميزان غيره فرآه حسرة وقد كان المال له وإن كان عمل به في معصية الله قواه بذلك المال حتى عمل به في معصية عز وجل وما هم بخارجين من النار كان عذابهم سرمدا دائما إذ كانت ذنوبهم كفرا لا تلحقهم شفاعة نبي ولا وصي ولا خير من خيار شيعتهم.

(168) يا أيها الناس كلوا مما في الأرض من أنواع ثمارها وأطعمتها حللا لا طيبا لكم إذا أطعتم ربكم في تعظيم من عظمه والاستخفاف لمن أهانه وصغره وقيل نزلت في قوم حرموا على أنفسهم رفيع الأطعمة والملابس ولا تتبعوا خطوات الشيطان ما يخطو بكم إليه ويغريكم به من مخالفة الله عز وجل.

العياشي عن الباقر (عليه السلام) كل يمين بغير الله فهو من خطوات الشيطان.

وفي المجمع عنهما (عليهما السلام) ما في معناه إنه لكم عدو مبين.

(169) إنما يأمركم بالسوء والفحشاء وأن تقولوا على الله ما لا تعلمون قيل كاتخاذ الأنداد وتحليل المحرمات وتحريم الطيبات.

أقول: فيه دلالة على المنع من اتباع الظن في المسائل الدينية رأسا.

وفي الكافي عن الصادق (عليه السلام) إياك وخصلتين ففيهما هلك من هلك إياك أن تفتي الناس برأيك وتدين بما لا تعلم.

وعن الباقر (عليه السلام) أنه سئل عن حق الله تعالى على العباد قال أن يقولوا ما يعلمون ويقفوا عندما لا يعلمون.

(170) وإذا قيل لهم اتبعوا ما أنزل الله في كتابه قيل الضمير للناس وعدل عن الخطاب عنهم للنداء على ضلالتهم كأنه التفت إلى العقلاء وقال لهم انظروا إلى هؤلاء الحمقى ماذا يجيبون قالوا بل نتبع ما ألفينا حسبنا ما وجدنا عليه آباءنا من الدين والمذهب أولو كان آباؤهم لا يعقلون شيئا ولا يهتدون) إلى الحق والصواب.

أقول: فيه دلالة على وجوب اعمال البصيرة ولو في معرفة من يقلده.

(171) ومثل الذين كفروا في عبادتهم الأصنام واتخاذهم الأنداد من دون محمد وعلي كمثل الذي ينعق يصوت بما لا يسمع منه إلا دعاء ونداء لا يفهم ما يراد منه فيغيث المستغيث ويعين من استعانه.

وفي المجمع عن الباقر أي مثلهم في دعائك إياهم إلى الأيمان كمثل الناعق في دعائه المنعوق به من البهائم التي لا تفهم وإنما تسمع الصوت.

أقول: يعني بذلك أن مثل داعيهم كمثل داعي البهائم فإنهم لانهماكهم في التقليد لا يلقون أذهانهم إلى ما يتلى عليهم ولا يتأملون فيما يقرر معهم فهم في ذلك كالبهائم التي ينعق عليها فتسمع الصوت ولا تعرف مغزاه وتحس النداء ولا تفهم معناه وهذا المعنى مع افتقاره إلى الاضمار أوضح من الأول لأن الأصنام لا تسمع دعاء ولا نداء كما انها لا تفهم ما يراد منها الا أن يجعل ذلك من باب التمثيل المركب أو يجعل اتخاذهم الأنداد في الحديث تفسيرا لعبادتهم الأصنام وأريد بالأنداد والأصنام جميعا أئمة الظلال.

صم بكم عمي عن الهدى فهم لا يعقلون) أمر الله سبحانه.

(172) يا أيها الذين آمنوا كلوا من طيبات ما رزقناكم واشكروا لله على ما رزقكم وأحل لكم إن كنتم إياه تعبدون.

أقول: يعني واشكروا له نعمه إن صح انكم تختصونه بالعبادة وتقرون انه مولى النعم فان عبادته لا تتم إلا بالشكر بأن تعتقدوا بأن النعمة من الله وتصرفوا النعم فيما خلقت له وتحمدوا الله بألسنتكم، وروي عن النبي (صلى عليه وآله وسلم) يقول الله تعالى إني والجن والإنس في نبأ عظيم أخلق ويعبد غيري وارزق ويشكر غيري.

(173) إنما حرم عليكم الميتة التي ماتت حتف أنفها بلا ذباحة من حيث اذن الله والدم ولحم الخنزير وما أهل به لغير الله ما ذكر اسم غير الله عليه من الذبائح وهي التي تتقرب بها الكفار بأسامي أندادهم التي اتخذوها من دون الله فمن اضطر إلى شئ من هذه المحرمات غير باغ ولا عاد وهو غير باغ عند الضرورة على إمام هدى ولا معتد قوال بالباطل في نبوة من ليس بنبي وإمامة من ليس بإمام.

وفي الكافي عن الصادق (عليه السلام) الباغي الذي يخرج على الامام والعادي الذي يقطع الطريق لا تحل لهما الميتة.

والعياشي عنه (عليه السلام) ما في معناه وفي رواية الباغي الظالم والعادي الغاصب.

وفي التهذيب والعياشي عنه (عليه السلام) الباغي باغي الصيد والعادي السارق ليس لهما أن يأكلا الميتة إذا اضطرا هي حرام عليهما ليس هي عليهما كما هي على المسلمين.

وفيه وفي الفقيه عن الجواد عن أبيه عن آبائه (عليهم السلام) سئل رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) فقيل له إنا نكون بأرض عراق فتصيبنا المخمصة فمتى تحل لنا الميتة قال ما لم تصطبحوا أو تغتبقوا أو تحتقبوا بقلا فشأنكم بهذا، قال عبد العظيم فقلت له يا ابن رسول الله (صلى الله عليه وآله) فما معنى قول الله عز وجل: ﴿فمن اضطر غير باغ ولا عاد﴾ فقال العادي السارق والباغي الذي يبغي الصيد بطرا ولهوا لا ليعود به على عياله ليس لهما أن يأكلا الميتة إذا اضطرا هي حرام عليهما في حال الاضطرار كما هي حرام عليهما في حال الاختيار وليس لهما أن يقصرا في صوم ولا صلاة في سفر، الحديث.

فلا إثم عليه في تناول هذه الأشياء إن الله غفور ستار لعيوبكم رحيم بكم حين أباح لكم في الضرورة ما حرمه في الرخاء.

في الفقيه عن الصادق (عليه السلام) من اضطر إلى الميتة والدم ولحم الخنزير فلم يأكل شيئا من ذلك حتى يموت فهو كافر.

(174) إن الذين يكتمون ما أنزل الله من الكتاب ويشترون به ثمنا قليلا عرضا من الدنيا يسيرا وينالون به في الدنيا عند الجهال رئاسة أولئك ما يأكلون في بطونهم قيل أي ملء بطونهم يقال أكل في بطنه وأكل في بعض بطنه وفي الحديث كلوا في بعض بطنكم تعفوا إلا النار بدلا من إصابتهم اليسير من الدنيا لكتمانهم الحق ولا يكلمهم الله يوم القيمة بكلام خير بل يلعنهم ويخزيهم وقيل هو كناية عن غضبه تعالى عليهم وتعريض لحرمانهم عن الزلفى من الله ولا يزكيهم من ذنوبهم قيل ولا يثني عليهم ولهم عذاب أليم موجع في النار.

(175) أولئك الذين اشتروا الضلالة بالهدى في الدنيا والعذاب بالمغفرة في الآخرة بكتمان الحق للأغراض الدنيوية فما أصبرهم على النار ما أجرأهم على عمل يوجب عليهم عذاب النار.

وفي الكافي والعياشي ما أصبرهم على فعل ما يعلمون أنه يصيرهم إلى النار.

والقمي ما أجرأهم على النار كلها عن الصادق (عليه السلام).

(176) ذلك العذاب بأن الله نزل الكتاب بالحق أي ما يوعدون به يصيبهم ولا يخطيهم وقيل نزل بالحق فرفضوا بالتكذيب والكتمان وإن الذين اختلفوا في الكتاب بأن قال بعضهم سحر وقال آخر إنه شعر وقال آخر انه كهانة إلى غير ذلك لفي شقاق خلاف بعيد عن الحق كان الحق في شق وهم في شق غيره يخالفه.

(175) ليس البر الفعل المرضي وقرئ بالنصب أن تولوا وجوهكم قبل المشرق والمغرب إلى الكعبة قيل رد على الذين أكثروا الخوض في أمر القبلة من أهل الكتاب حين حولت إلى الكعبة مدعيا كل طائفة أن البر هو التوجه إلى قبلتها والمشرق قبلة النصارى والمغرب قبلة اليهود.

وفي تفسير الامام عن السجاد (عليه السلام) قالت اليهود قد صلينا على قبلتنا هذه الصلاة الكثيرة وفينا من يحيي الليل صلاة إليها وهي قبلة موسى التي أمرنا بها وقالت النصارى قد صلينا على قبلتنا هذه الصلاة الكثيرة وفينا من يحيي الليل صلاة إليها وهي قبلة عيسى التي أمرنا بها وقال كل واحد من الفريقين أترى ربنا يبطل أعمالنا هذه الكثيرة وصلاتنا إلى قبلتنا لأنا لا نتبع محمدا (صلى الله عليه وآله وسلم) على هواه في نفسه وأخيه فأنزل الله يا محمد قل ليس البر الطاعة التي تنالون بها الجنان وتستحقون بها الغفران والرضوان ان تولوا وجوهكم بصلواتكم قبل المشرق يا أيها النصارى وقبل المغرب يا أيها اليهود وأنتم لأمر الله مخالفون وعلى ولي الله مغتاظون ولكن البر قرئ بتخفيف لكن ورفع البر من آمن قيل يعني البر الذي ينبغي أن يهتم به بر من آمن بالله واليوم الآخر والملائكة والكتاب والنبيين واتى المال على حبه اعطى في الله تعالى المستحقين من المؤمنين على حبه للمال وشدة حاجته إليه يأمل الحياة ويخشى الفقر لأنه صحيح شحيح ذوي القربى اعطى قرابة النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) الفقراء هدية وبرا لا صدقة لأن الله أجلهم عن الصدقة وأعطى قرابة نفسه صدقة وبرا واليتامى من بني هاشم الفقراء برا لا صدقة ويتامى غيرهم صدقة وصلة والمساكين) مساكين الناس وابن السبيل المجتاز المنقطع به لا نفقة معه والسائلين الذين يتكففون وفي الرقاب في تخليصها يعني المكاتبين يعينهم ليؤدوا حقوقهم فيعتقوا وأقام الصلاة بحدودها وآتى الزكاة الواجبة عليه لإخوانه المؤمنين والموفون بعهدهم إذا عاهدوا قيل عطف على من آمن يشمل عهد الله والناس والصابرين نصبه على المدح ولم يعطف لفضل الصبر على سائر الأعمال في البأساء يعني في محاربة الأعداء ولا عدو يحاربه أعدى من إبليس ومردته ويهتف به ويدفعه وإياهم بالصلاة على محمد وآله الطيبين والضراء الفقر والشدة ولا فقر أشد من فقر مؤمن يلجأ إلى التكفف من أعداء آل محمد (عليهم السلام) يصبر على ذلك ويرى ما يأخذه من مالهم مغنما يلعنهم به ويستعين بما يأخذ على تجديد ذكر ولاية الطيبين الطاهرين وحين البأس عند شدة القتال يذكر الله ويصلي على رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) وعلى علي ولي الله يوالي بقلبه ولسانه أولياء الله ويعادي كذلك أعداء الله أولئك الذين صدقوا في إيمانهم وصدقوا أقاويلهم بأفاعيلهم وأولئك هم المتقون لما أمروا باتقائه.

قيل الآية كما ترى جامعة للكمالات الانسانية بأسرها دالة عليها صريحا أو ضمنا فإنها بكثرتها وتشتتها منحصرة في ثلاثة أشياء صحة الاعتقاد وحسن المعاشرة وتهذيب النفس وقد أشير إلى الأول بقوله: ﴿من آمن إلى والنبيين وإلى الثاني﴾ بقوله: ﴿وآتى المال إلى وفي الرقاب﴾ وإلى الثالث بقوله وأقام الصلاة إلى آخرها ولذلك وصف المستجمع لها بالصدق نظرا إلى إيمانه واعتقاده وبالتقوى اعتبارا بمعاشرته للخلق ومعاملته مع الحق وإليه أشار النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) بقوله من عمل بهذه الآية فقد استكمل الايمان.

(178) يا أيها الذين آمنوا كتب عليكم قيل أي فرض وأوجب عليكم القصاص في القتلى يعني المساواة وان يسلك بالقاتل في طريق المقتول الذي سلكه به لما قتله الحر بالحر والعبد بالعبد والأنثى بالأنثى.

العياشي: عن الصادق (عليه السلام) هي لجماعة المسلمين ما هي للمؤمنين خاصة.

وفي التهذيب عنه (عليه السلام) لا يقتل حر بعبد ولكن يضرب ضربا شديدا ويغرم دية العبد ولا يقتل الرجل بالمرأة إلا إذا أدى أهلها إلى أهله نصف ديته.

والعياشي ما في معناه قيل كان بين حيين من أحياء العرب دماء وكان لأحدهما على الآخر طول فأقسموا ليقتلن الحر بالعبد والذكر بالأنثى والرجلين بالرجل فلما جاء الاسلام تحاكموا إلى رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) فنزلت فأمرهم أن يتكافؤوا فمن عفي له أي الجاني الذي عفي له من أخيه الذي هو ولي الدم قيل ذكر بلفظ الأخوة ليعطف أحدهما على صاحبه بذكر ما هو ثابت بينهما من أخوة الاسلام شئ من العفو وهو العفو من القصاص دون الدية فاتباع فليكن اتباع من العافي أي مطالبته بالدية بالمعروف وهي وصية للولي بأن يطلب الدية بالمعروف بأن لا يظلم الجاني بالزيادة ولا يعنفه وأداء إليه من الجاني إلى العافي بإحسان وصية للجاني بأن لا يماطله ولا يبخس حقه بل يشكره على عفوه.

في الكافي والعياشي عن الصادق (عليه السلام) ينبغي للذي له الحق أن لا يعسر أخاه إذا كان قد صالحه على دية وينبغي للذي عليه الحق أن لا يمطل أخاه إذا قدر على ما يعطيه ويؤدي إليه باحسان ذلك التخيير تخفيف من ربكم ورحمة لما فيه من التسهيل والنفع فإنه لو لم يكن إلا القتل أو العفو لقل ما طابت نفس ولي المقتول بالعفو بلا عوض يأخذه فكان قل ما يسلم القاتل من القتل، في العوالي: روي أن القصاص كان في شرع موسى حتما والدية كان حتما في شرع عيسى فجاءت الحنفية السمحة بتسويغ الأمرين معا قيل كتب على اليهود القصاص وحده وعلى النصارى العفو مطلقا، وخير هذه الأمة بينهما وبين الدية تيسيرا عليهم فمن اعتدى بعد ذلك بأن يقبل الدية أو يعفو أو يصالح ثم يجئ بعد فيمثل أو يقتل كذا في الكافي والعياشي عن الصادق فله عذاب أليم.

(179) ولكم يا أمة محمد في القصاص حياة لأن من هم بالقتل فعرف أنه يقتص منه فكف لذلك عن القتل كان حياة للذي هم بقتله وحياة لهذا الجاني الذي أراد أن يقتل وحياة لغيرهما من الناس إذا علموا أن القصاص واجب لا يجرؤ ون على القتل مخافة القصاص قيل هذا من أوجز الكلام وأفصحه.

وفي الأمالي عن أمير المؤمنين (عليه السلام) قال اربع قلت فأنزل الله تصديقي في كتابه وعد منها قلت القتل يقل القتل فأنزل الله تعالى ولكم في القصاص حياة يا أولي الا لباب أولي العقول قيل ناداهم للتأمل في حكمة القصاص من استبقاء الأرواح وحفظ النفوس لعلكم تتقون.

(180) كتب عليكم إذا حضر أحدكم الموت حضر أسبابه وظهر إماراته إن ترك خيرا مالا كثيرا.

في المجمع عن أمير المؤمنين (عليه السلام) أنه دخل على مولى له في مرضه وله سبع ماءة درهم أو ستماءة درهم فقال ألا أوصي قال لا إنما قال الله إن ترك خيرا وليس لك كثير مال الوصية للولدين والأقربين بالمعروف بالشئ الذي يعرف العقل أنه لا جور فيه ولا جنف حقا على المتقين.

العياشي: عن أحدهما هي منسوخة بآية المواريث وحملت على التقية لموافقتها مذهب العامة ومخالفتها القرآن ولما في الكافي والعياشي عن الباقر (عليه السلام) أنه سئل عن الوصية للوارث فقال تجوز ثم تلا هذه الآية وفي معناه أخبار أخر كثيرة.

أقول: نسخ الوجوب لا ينافي بقاء الجواز.

وفي المجمع والعياشي عن الصادق عن أبيه عن آبائه عن أمير المؤمنين (عليهم السلام) قال من لم يوص عند موته لذوي قرابته ممن لا يرث فقد ختم عمله بمعصية وفي الفقيه والعياشي عن الصادق (عليه السلام) أنه شئ جعله الله تعالى لصاحب هذا الأمر قيل هل لذلك حد قال أدنى ما يكون ثلث الثلث.

والعياشي عنه (عليه السلام) حق جعله الله في أموال الناس لصاحب هذا الأمر قيل لذلك حد محدود قال نعم قيل كم قال أدناه السدس وأكثره الثلث.

(181) فمن بدله بعد ما سمعه فإنما إثمه على الذين يبدلونه والله سميع عليم وعيد للمبدل بغير حق.

في الكافي عن أحدهما (عليهما السلام) والعياشي عن الباقر (عليه السلام) في رجل أوصى بماله في سبيل الله قال أعطه لمن أوصى به له وإن كان يهوديا أو نصرانيا إن الله يقول وتلا هذه الآية وفي معناه أخبار كثيرة وفي عدة منها أنه يغرمها إذا خالف.

(182) فمن خاف من موص وقرئ بفتح الواو وتشديد الصاد توقع وعلم جنفا أو إثما ميلا عن الحق بالخطأ أو التعمد كذا في المجمع عن الباقر (عليه السلام.

وفي العلل والعياشي عن الصادق يعني إذا اعتدى في الوصية.

وزاد العياشي وزاد على الثلث ويأتي له معنى آخر.

وفي الفقيه عن أمير المؤمنين (عليه السلام) ان الجنف في الوصية من الكبائر فأصلح بينهم بين الورثة والموصي لهم فلا إثم عليه في التبديل لأنه تبديل باطل إلى الحق إن الله غفور رحيم وعد للمصلح وذكر المغفرة لمطابقة ذكر الاثم.

وفي الكافي والعياشي عن الباقر (عليه السلام) أنه سئل عن قول الله تعالى فمن بدله قال نسختها الآية التي بعدها فمن خاف من موص جنفا أو إثما فأصلح بينهم فلا إثم عليه قال يعني الموصي إليه إن خاف جنفا من الموصي فيما أوصى به إليه فيما لا يرضى الله به من خلاف الحق فلا إثم على الموصى إليه أن يرده إلى الحق وإلى ما يرضى الله به من سبيل الخير.

وفي رواية في الكافي ان الله أطلق للموصى إليه أن يغير الوصية إذا لم تكن بالمعروف وكان فيها جنف ويردها إلى المعروف لقوله تعالى فمن خاف من موص جنفا أو إثما فأصلح بينهم فلا إثم عليه.

والقمي عن الصادق (عليه السلام) إذا أوصى الرجل بوصية فلا يحل للوصي أن يغير وصيته بل يمضيها على ما أوصى إلا أن يوصي بغير ما أمر الله فيعصي في الوصية ويظلم فالموصى إليه جائز له أن يردها إلى الحق مثل رجل يكون له ورثة فيجعل المال كله لبعض الورثة ويحرم بعضها فالوصي جائز له أن يردها إلى الحق وهو قوله تعالى جنفا أو إثما فالجنف الميل إلى بعض ورثتك دون بعض والاثم أن تأمر بعمارة بيوت النيران واتخاذ المسكر فيحل للوصي أن لا يعمل بشئ من ذلك.

(183) يا أيها الذين آمنوا كتب عليكم الصيام) العياشي عن الصادق (عليه السلام) إنه سئل عن هذه الآية وعن قوله سبحانه كتب عليكم القتال فقال هذه كلها يجمع الضلال والمنافقين وكل من أقر بالدعوة الظاهرة.

وفي المجمع عنه (عليه السلام) قال لذة النداء أزال تعب العبادة والعناء كما كتب على الذين من قبلكم من الأنبياء والأمم، وعن أمير المؤمنين (عليه السلام) أن أولهم آدم يعني أنه عبادة قديمة ما أخلى الله أمة من إيجابها عليهم لم يوجبها عليكم وحدكم وفيه ترغيب على الفعل وتطييب عن النفس لعلكم تتقون المعاصي فان الصيام يكسر الشهوة التي هي معظم أسبابها وفي الحديث من لم يستطع الباه فليصم فان الصوم له وجاء.

(184) أياما معدودات قيل أي قلائل فان القليل يعد عدا والكثير يهال هيلا أو موقتات بعدد معلوم فمن كان منكم مريضا مرضا يضره الصوم ويعسر كما يدل عليه قوله تعالى: ﴿ولا يريد بكم العسر﴾ أو على سفر راكب سفر فعدة من أيام أخر فعليه عدة من أيام أخر وهذا نص في وجوب الافطار على المريض والمسافر كما ورد عن أئمتنا (عليهم السلام) في أخبار كثيرة حتى قالوا الصائم في شهر رمضان في السفر كالمفطر فيه في الحضر رواه في الكافي والتهذيب والفقيه وفي الثلاثة في حديث الزهري عن السجاد من صام في السفر أو المرض فعليه القضاء لأن الله تعالى يقول فمن كان منكم مريضا أو على سفر فعدة من أيام أخر وعن الباقر (عليه السلام) قال سمى رسول الله (صلى الله عليه وآله) قوما صاموا حين أفطر وقصر عصاة قال وهم العصاة إلى يوم القيامة وإنا لنعرف أبناءهم وأبناء أبنائهم إلى يومنا هذا.

وعن الصادق (عليه السلام) أنه سئل عمن صام في السفر فقال إذا كان بلغه أن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) نهى عن ذلك فعليه القضاء وإن لم يكن بلغه فلا شئ عليه.

وفي رواية أخرى وإن صامه بجهالة لم يقض، وعنه (عليه السلام) أنه سئل ما حد المرض الذي يفطر فيه الرجل ويدع الصلاة من قيام قال بل الانسان على نفسه بصيرة وهو أعلم بما يطيقه.

وفي الكافي عنه (عليه السلام) هو مؤتمن عليه مفوض إليه فان وجد ضعفا فليفطر وإن وجد قوة فليصم كان المريض على ما كان.

وفيه أنه (عليه السلام) سئل عن حد المرض الذي يترك منه الصوم قال إذا لم يستطع أن يتسحر.

وفي الفقيه عنه (عليه السلام) الصائم إذا خاف على عينيه من الرمد أفطر، وعنه (عليه السلام) كلما أضر به الصوم فالافطار له واجب واما حد السفر الذي يفطر فيه فقصد ثمانية فراسخ فصاعدا ذهابا أو مع الإياب ما لم ينقطع سفره دونها بعزم إقامة عشرة أيام أو مضي ثلاثين يوما عليه مترددا في بلد أو بالوصول إلى بلد يكون له فيه منزل يقيم فيه ستة أشهر فان انقطع بأحدها فقد صار سفرين بينهما حضور وأن لا يكون السفر عمله إلا إذا جد به السير وشق عليه مشقة شديدة وأن يكون السفر جائزا له وأن يتوارى عن جدران البلد أو يخفى عليه أذانه هذا ما استفدناه من أخبار أئمتنا (عليهم السلام) في شرائط السفر الموجب للافطار في الصيام والتقصير في الصلاة وبيناه في كتابنا المسمى بالوافي من أراد الاطلاع عليه فليراجع إليه.

وعلى الذين يطيقونه إن أفطروا فدية طعام مسكين في الجوامع عن الباقر (عليه السلام) طعام مساكين وقرأ به قيل كان القادر على الصيام الذي لا عذر له مخيرا بينه وبين الفدية لكل يوم نصف صاع وقيل مد وكان ذلك في بدو الاسلام حين فرض عليهم الصيام ولم يتعودوا فرخص لهم في الافطار والفدية ثم نسخ ذلك بقوله عز وجل فمن شهد منكم الشهر فليصمه قيل إنه غير منسوخ بل المراد بذلك الحامل المقرب والمرضعة القليلة اللبن والشيخ والشيخة فإنه لما ذكر المرض المسقط للفرض وكان هناك أسباب اخر ليست بمرض عرفا لكن يشق معها الصوم وذكر حكمها فيكون تقديره وعلى الذين يطيقونه ثم عرض لهم ما يمنع الطاقة فدية وهذا هو المروي عن الصادق (عليه السلام) ويؤيده ما ورد في شواذ القراءة عن ابن عباس وعلى الذين يطوقونه أي يتكلفونه وعلى هذا يكون قوله وان تصوموا خير لكم كلاما مستأنفا لا تعلق له بما قبله وتقديره وإن صومكم خير عظيم لكم هذا ما قالوه في معنى الآية ويخطر بالبال أنه لا حاجة بنا إلى مثل هذه التكلفات البعيدة من القول بالنسخ تارة مع دلالة الأخبار المعصومية على خلافه والتزام الحذف والتقدير وفصل ما ظاهره الوصل أخرى مع عدم ثبوت تلك الروايات المشار إليها وذلك لأن الله سبحانه لا يكلف نفسا إلا وسعها كما قاله في محكم كتابه والوسع دون الطاقة كما ورد في تفسيره عن أهل.

البيت (عليهم السلام) فلا تكلف نفس بما هو على قدر طاقتها أي بما يشق عليها تحمله عادة ويعسر فالذين يطيقون الصوم يعني يكون الصوم بقدر طاقتهم ويكونون معه على مشقة وعلى عسر لم يكلفهم الله على سبيل الحتم كالشيخ والحامل ونحوهما بل خيرهم بينه وبين الفدية توسيعا منه ورحمة ثم جعل الصوم خيرا لهم من الفدية في الأجر والثواب إذا اختاروا المشقة على السعة ويؤيده القراءة الشاذة كما يؤيده ما ذكروه ويدل على هذا أيضا ما رواه في الكافي والعياشي عن الباقر (عليه السلام) في قوله تعالى: ﴿الذين يطيقونه﴾ قال الشيخ الكبير والذي يأخذه العطاش.

وفي رواية المرأة تخاف على ولدها والشيخ الكبير وقوله تعالى: ﴿وأن تصوموا خير لكم﴾ فإنه يدل على أن المطيق هو الذي يقدر على الصيام حدا في القدرة دون الحد الذي أوجب عليه التكليف.

وفي الكافي عن الصادق (عليه السلام) في رجل كبير ضعف عن صوم شهر رمضان قال يتصدق عن كل يوم بما يجزي من طعام مسكين وفي رواية لكل يوم مد فمن تطوع خيرا أي زاد في مقدار الفدية وقرئ يطوع كما في آية الحج فهو فالتطوع خير له وأن تصوموا أيها المطيقون خير لكم من الفدية وتطوع الخير إن كنتم تعلمون ما في الصيام من الفضيلة إن صمتم أو إن كنتم من أهل العلم علمتم ذلك.

(185) شهر رمضان أي الأيام المعدودات هي شهر رمضان.

وفي الفقيه عن الصادق (عليه السلام) إنما فرض الله صيام شهر رمضان على الأنبياء دون الأمم ففضل الله به هذه الأمة وجعل صيامه فرضا على رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) وعلى أمته الذي أنزل فيه القرآن أي بيانه وتأويله كما مضى تحقيقه في المقدمة التاسعة من هذا الكتاب وقرئ بغير الهمزة حيث وقع هدى للناس وبينات من الهدى والفرقان قد مضى تفسيره في تلك المقدمة فمن شهد منكم الشهر فمن حضر في الشهر ولم يكن مسافرا فليصمه في الكافي والفقيه والتهذيب عن الصادق (عليه السلام) ما أبينها من شهد فليصمه ومن سافر فلا يصمه.

وفي التهذيب عنه (عليه السلام) إذا دخل شهر رمضان فلله فيه شرط قال الله تعالى: ﴿فمن شهد منكم الشهر فليصمه﴾ فليس للرجل إذا دخل شهر رمضان أن يخرج إلا في حج أو عمرة أو مال يخاف تلفه أو أخ يخاف هلاكه وليس له أن يخرج في إتلاف مال أخيه فإذا مضت ليلة ثلاث وعشرين فليخرج حيث شاء ومن كان مريضا أو على سفر فعدة من أيام أخر كرر ذلك تأكيدا للأمر بالافطار وإنه عزيمة لا يجوز تركه يريد الله بكم اليسر ولا يريد بكم العسر يريد أن ييسر عليكم ولا يعسر فلذلك أمركم بالافطار في المرض والسفر.

في الكافي عن الصادق (عليه السلام) قال قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) إن الله تصدق على مرضى أمتي ومسافريها بالتقصير والافطار أيسر أحدكم إذا تصدق بصدقة أن ترد عليه.

وفي الخصال عن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) أن الله تبارك وتعالى أهدى إلي وإلى أمتي هدية لم يهدها إلى أحد من الأمم كرامة من الله لنا قالوا وما ذلك يا رسول الله قال الافطار في السفر والتقصير في الصلاة فمن لم يفعل ذلك فقد رد على الله هديته.

ولتكملوا العدة وشرع جملة ما ذكر لتكملوا عدة أيام الشهر، وقرئ لتكملوا مثقلا ولتكبروا الله على ما هديكم ولتعظموا الله وتمجدوه على هدايته إياكم ولعلكم تشكرون تسهيله الأمر لكم، في الفقيه عن الرضا (عليه السلام) وإنما جعل التكبير في صلاة العيد أكثر منه في غيرها من الصلوات لأن التكبير إنما هو تعظيم لله وتمجيد على ما هدى وعافى كما قال عز وعلا ولتكبروا الله على ما هديكم ولعلكم تشكرون.

وفي الكافي عن الصادق (عليه السلام) أما إن في الفطر تكبيرا ولكنه مسنون قال قلت وأين هو قال في ليلة الفطر في المغرب والعشاء الآخرة وفي صلاة الفجر وفي صلاة العيد ثم يقطع قال قلت كيف أقول قال تقول الله أكبر الله أكبر لا إله إلا الله والله أكبر ولله الحمد الله أكبر على ما هدانا وهو قول الله تعالى: ﴿ولتكملوا العدة﴾ يعني الصيام ولتكبروا الله على ما هداكم.

(186) وإذا سالك عبادي عني فإني قريب فقل لهم إني قريب روي أن اعرابيا قال لرسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) أقريب ربنا فنناجيه أم بعيد فنناديه فنزلت.

أقول: قربه تعالى عبارة عن معيته عز وجل كما قال سبحانه وهو معكم أينما كنتم فكما أن معيته للأشياء ليست بممازجة ومداخلة ومفارقته عنها ليست بمباينة ومزايلة فكذلك قربه ليس باجتماع وأين وبعده ليس بافتراق وبين بل بنحو آخر أقرب من هذا القرب وأبعد من هذا البعد ولهذا قال تعالى ونحن أقرب إليه من حبل الوريد وقال ونحن أقرب إليه منكم ولكن لا تبصرون، وفي مناجاة سيد الشهداء (عليه الصلاة والسلام) إلهي ما أقربك مني وأبعدني عنك وما أرأفك بي فما الذي يحجبني عنك وإنما يجد قربه من عبده كأنه يراه كما قال نبينا (صلى الله عليه وآله وسلم) أعبد الله كأنك تراه فإن لم تكن تراه فإنه يراك، إن قيل كيف يكون الشئ قريبا من الآخر ويكون ذلك الآخر بعيدا عنه، قلنا هذا كما يكون لك محبوب وهو حاضر عندك وأنت عنه في عمى لا تراه ولا تشعر بحضوره فإنه قريب منك وأنت بعيد عنه أجيب دعوة الداع إذا دعان تقرير للقرب ووعد للداعي بالإجابة فليستجيبوا لي إذا دعوتهم للايمان والطاعة كما أجبتهم إذا دعوني لمهامهم وليؤمنوا بي في المجمع عن الصادق (عليه السلام) أي وليتحققوا اني قادر على إعطائهم ما سألوه.

والعياشي ما في معناه لعلهم يرشدون قال أي لعلهم يصيبون الحق ويهتدون إليه.

وروي أن الصادق (عليه السلام) قرأ أمن يجيب المضطر إذا دعاه فسئل ما لنا ندعو ولا يستجاب لنا فقال لأنكم تدعون من لا تعرفون وتسألون ما لا تفهمون فالاضطرار عين الدين وكثرة الدعاء مع العمى عن الله من علامة الخذلان من لم يشهد ذلة نفسه وقلبه وسره تحت قدرة الله حكم على الله بالسؤال وظن أن سؤاله دعاء والحكم على الله من الجرأة على الله.

وفي الكافي عنه (عليه السلام) أنه قيل له في قوله سبحانه ادعوني استجب لكم ندعوه ولا نرى إجابة قال أفترى الله عز وجل أخلف وعده فال لا قال فمم ذلك قال لا أدري قال لكني أخبرك من أطاع الله عز وجل فيما أمره ثم دعاه من جهة الدعاء أجابه قيل وما جهة الدعاء قال تبدأ وتحمد الله وتذكر نعمه عندك ثم تشكره ثم تصلي على النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) ثم تذكر ذنوبك فتقر بها ثم تستعيذ منها فهذا جهة الدعاء.

وعنه (عليه السلام) أن العبد ليدعو فيقول الله للملكين قد استجبت له ولكن احبسوه بحاجته فاني أحب أن أسمع صوته وإن العبد ليدعو فيقول الله تبارك وتعالى عجلوا له حاجته فاني أبغض صوته.

والقمي عنه (عليه السلام) أنه قيل له إن الله تعالى يقول: ادعوني أستجب لكم وإنا ندعوه فلا يستجاب لنا فقال لأنكم لا توفون بعهده الله وان الله يقول: ﴿أوفوا بعهدي أوف بعهدكم﴾ والله لو وفيتم لله لوفى لكم.

وفي الكافي عنه (عليه السلام) أن من سره أن يستجاب دعوته فليطيب مكسبه.

وروي عنه (عليه السلام) إذا أراد أحدكم أن لا يسأل ربه شيئا إلا أعطاء فلييأس من الناس كلهم ولا يكون له رجاء إلا عند الله عز وجل فإذا علم الله ذلك من قلبه لم يسأله شيئا إلا أعطاه ويأتي حديث آخر في هذا الباب في سورة المؤمن انشاء الله.

(187) أحل لكم ليلة الصيام أي الليلة التي تصبح منها صائما الرفث إلى نسائكم كنى به عن الجماع لأنه قلما يخلو عن رفث وهو الا فصاح بما يجب أن يكنى عنه وعدى بالى لتضمنه معنى الإفضاء هن لباس لكم وأنتم لباس لهن استيناف يبين سبب الا حلال وهو قلة الصبر عنهن وصعوبة اجتنابهن لكثرة المخالثة وشدة الملابسة علم الله أنكم كنتم تختانون أنفسكم من الخيانة كالاكتساب من الكسب وهو أبلغ منها أي تظلمونها بتعريضها للعقاب وتنقيص حظها من الثواب فتاب عليكم لما تبتم ورخص لكم وأزال التشديد عنكم وعفا عنكم محى أثره عنكم فالآن باشروهن كنى بالمباشرة عن الجماع وهي الصاق البشرة بالبشرة وابتغوا ما كتب الله لكم وكلوا قيل يعني اطلبوا ما قدر لكم وأثبته في اللوح من الولد بالمباشرة أي لا تباشروا لقضاء الشهوة وحدها ولكن لابتغاء ما وضع الله النكاح له من التناسل وقيل وابتغوا ما كتب الله لكم من الإباحة بعد الحظر فان الله يحب أن يؤخذ برخصه كما يحب أن يؤخذ بعزائمه وكلوا واشربوا حتى يتبين لكم الخيط الأبيض من الخيط الأسود من الفجر شبه أول ما يبدو من الفجر المعترض في الأفق وما يمتد معه من ظلمة الليل بخيطين ابيض واسود واكتفى ببيان الخيط الأبيض بقوله من الفجر عن بيان الخيط الأسود لدلالته عليه.

وفي الكافي عن الصادق (عليه السلام) هو بياض النهار من سواد الليل.

وفي رواية: هو الفجر الذي لا شك فيه وفي أخرى ليس هو الأبيض صعداء إن الله لم يجعل خلقه في شبهة من هذا وتلا هذه الآية فقال المعترض.

وفي التهذيب عنه أنه سئل آكل في شهر رمضان بالليل حتى أشك قال كل حتى لا تشك.

وفيه وفي الكافي والعياشي عنه (عليه السلام) أنه سئل عن رجلين قاما في رمضان فقال أحدهما هذا الفجر وقال الآخر ما أرى شيئا قال ليأكل الذي لم يستيقن الفجر وقد حرم الاكل على الذي زعم أنه رأى الفجر لأن الله يقول: ﴿كلوا واشربوا حتى يتبين لكم﴾ الآية.

وفي الكافي والفقيه والعياشي عن الصادق (عليه السلام) أنها نزلت في خوات بن جبير الأنصاري وكان مع النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) في الخندق وهو صائم فأمسى وهو على تلك الحال وكانوا قبل أن تنزل هذه الآية إذا نام أحدهم حرم عليه الطعام والشراب فجاء خوات إلى أهله حين أمسى فقال هل عندكم طعام فقالوا لا تنم حتى نصلح لك طعاما فاتكى فنام فقالوا له قد فعلت فقال نعم فبات على تلك الحال فأصبح ثم غدا إلى الخندق فجعل يغشى عليه فمر به رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) فلما رأى الذي به أخبره كيف كان أمره فأنزل الله فيه الآية، وزاد القمي فيما زاد وكان النكاح حراما بالليل والنهار وفي شهر رمضان قال وكان قوم من الشبان ينكحون بالليل في شهر رمضان فأنزل الله، في الجوامع عن الصادق (عليه السلام) قال كان الأكل محرما في شهر رمضان بالليل بعد النوم وكان النكاح حراما بالليل والنهار وكان رجل من أصحاب رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) يقال له مطعم بن جبير نام قبل أن يفطر وحضر حفر الخندق فأغمي عليه وكان قوم من الشبان ينكحون بالليل سرا في شهر رمضان فنزلت الآية فأحل النكاح بالليل والأكل بعد النوم فذلك قوله وعفا عنكم.

وفي المجمع اختلفت العامة في اسم هذا الرجل ثم ذكر قصته عنهم بنحو آخر قال فقال عمر يا رسول الله اعتذر إليك من مثله رجعت إلى أهلي بعد ما صليت العشاء فأتيت امرأتي وقام رجال فاعترفوا بمثل الذي سمعوا فنزلت ثم أتموا الصيام إلى الليل بيان لآخر وقت الصيام ولا تباشروهن وأنتم عاكفون في المساجد معتكفون فيها والاعتكاف أن يحبس نفسه في المسجد الجامع للعبادة تلك أي الأحكام التي ذكرت.

حدود الله حرمات الله ومناهيه فلا تقربوها في الحديث النبوي الشريف أن لكل ملك حمى وان حمى الله محارمه فمن وقع حول الحمى يوشك أن يقع فيه كذلك مثل ذلك التبيين يبين الله آياته حججه ودلائله للناس على ما أمرهم به ونهاهم عنه لعلهم يتقون مخالفة أوامره ونواهيه.

(188) ولا تأكلوا أموالكم بينكم لا يأكل بعضكم مال بعض بالباطل بالوجه الذي لا يحل ولم يشرعه الله.

وفي المجمع عن الباقر يعني بالباطل اليمين الكاذبة تقتطع به الأموال.

وفي الفقيه والعياشي عن الصادق (عليه السلام) انه سئل الرجل منا يكون عنده الشئ يتبلغ به وعليه الدين أيطعمه عياله حتى يأتيه الله تعالى بميسرة فيقضي دينه أو يستقرض على ظهره في خبث الزمان وشدة المكاسبة أو يقبل الصدقة فقال يقضي بما عنده دينه ولا يأكل أموال الناس الا وعنده ما يؤدي إليهم ان الله عز وجل يقول ولا تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل وتدلوا بها إلى الحكام عطف على المنهي أو نصب باضمار ان، والادلاء الالقاء أي ولا تلقوا أمرها والحكومة فيها إلى الحكام لتأكلوا بالتحاكم فريقا طائفة من أموال الناس بالإثم بما يوجب إثما كشهادة الزور واليمين الكاذبة أو بالصلح مع العلم بأن المقضي له ظلم وأنتم تعلمون أنكم مبطلون.

في الكافي والعياشي عن الصادق (عليه السلام) في هذه الآية قال إن الله عز وجل قد علم أن في الأمة حكاما يجورون اما إنه لم يعن حكام أهل العدل ولكنه عنى حكام أهل الجور.

والقمي قال العالم (عليه السلام) قد علم الله أنه يكون حكام يحكمون بغير الحق فنهى أن يتحاكم إليهم لأنهم لا يحكمون بالحق فيبطل الأموال.

وفي التهذيب والعياشي عن الرضا (عليه السلام) أنه كتب في تفسيرها ان الحكام القضاة ثم كتب تحته وهو أن يعلم الرجل أنه ظالم فيحكم له القاضي فهو غير معذور في أخذه ذلك الذي حكم له إذا كان قد علم أنه ظالم.

وفي المجمع عن الصادق (عليه السلام) كانت قريش تقامر الرجل في أهله وماله فنهاهم الله.

أقول: الآية تعم الكل ولا تنافي بين الأخبار.

(189) يسألونك عن الأهلة عن أحوالها في زيادتها ونقصانها ووجه الحكمة في ذلك قل هي مواقيت للناس والحج أي معالم يوقت بها الناس عباداتهم ومزارعهم ومتاجرهم ومحال ديونهم وعدد نسائهم.

وفي التهذيب عن الصادق (عليه السلام) لصومهم وفطرهم وحجهم وليس البر بأن تأتوا البيوت وقرئ بكسر الباء حيث وقع من ظهورها في المجمع عن الباقر (عليه السلام) كانوا إذا أحرموا لم يدخلوا بيوتهم من أبوابها ولكنهم كانوا ينقبون في ظهور بيوتهم أي في مؤخرها نقبا يدخلون ويخرجون منه فنهوا عن التدين بها ولكن البر من اتقى ما حرم الله كذا عن الصادق (عليه السلام) وأتوا البيوت من أبوبها وفي المحاسن والمجمع والعياشي عن الباقر (عليه السلام) يعني أن يأتي الأمر من وجهه أي الأمور كان.

أقول: ومنه أخذ أحكام الدين عن أمير المؤمنين (عليه السلام) وعترته الطيبين لأنهم أبواب مدينة علم النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) أجمعين كما قال أنا مدينة العلم وعلي بابها ولا يؤتى المدينة إلا من بابها.

وفي الاحتجاج عن أمير المؤمنين (عليه السلام) قد جعل الله للعلم أهلا وفرض على العباد طاعتهم بقوله وأتوا البيوت من أبوابها والبيوت هي بيوت العلم الذي استودعته الأنبياء وأبوابها أوصياؤهم.

وعنه (عليه السلام) نحن البيوت التي أمر الله أن يؤتى أبوابها نحن باب الله وبيوته التي يؤتى منه فمن تابعنا وأقر بولايتنا فقد أتى البيوت من أبوابها ومن خالفنا وفضل علينا غيرنا فقد أتى البيوت من ظهورها إن الله عز وجل لو شاء عرف الناس نفسه حتى يعرفونه ويأتونه من بابه ولكن جعلنا أبوابه وصراطه وسبيله وبابه الذي يؤتى منه قال فمن عدل عن ولا يتنا وفضل علينا غيرنا فقد أتى البيوت من ظهورها وإنهم عن الصراط لناكبون.

وفي المجمع والعياشي عن الباقر (عليه السلام) آل محمد صلوات الله عليهم أبواب الله وسبله والدعاة إلى الجنة والقادة إليها والادلاء عليها إلى يوم القيامة واتقوا الله في تغيير أحكامه لعلكم تفلحون لكي تظفروا بالهدى والبر.

(190) وقاتلوا في سبيل الله جاهدوا لاعلاء كلمته واعزاز دينه الذين يقتلونكم هي ناسخة لقوله تعالى كفوا أيدكم كذا في المجمع عنهم (عليهم السلام) ولا تعتدوا بابتداء القتال والمفاجأة به من غير دعوة والمثلة وقتل من نهيتم عن قتله من النساء والصبيان والمشايخ والمعاهدين إن الله لا يحب المعتدين.

(191) واقتلوهم حيث ثقفتموهم وجدتموهم هي ناسخة لقوله عز وجل ولا تطع الكافرين والمنافقين ودع أذاهم كذا في المجمع عنهم (عليهم السلام) وأخرجوهم من حيث أخرجوكم منها أخرجوهم من مكة كما أخرجوكم منها وقد فعل ذلك يوم الفتح بمن لم يسلم منهم والفتنة أشد من القتل قيل معناه شركهم في الحرم وصدهم إياكم عنه أشد من قتلكم إياهم فيه ولا تقتلوهم عند المسجد الحرام حتى يقتلوكم فيه لا تفاتحوهم بالقتال وهتك حرمة الحرم فإن قاتلوكم فاقتلوهم فلا تبالوا بقتالهم ثمة فإنهم الذين هتكوا حرمته، وقرئ ولا تقتلوهم حتى يقتلوكم فان قتلوكم بدون الألف كذلك مثل ذلك جزاء الكافرين جزاؤهم يفعل بهم ما فعلوا.

(192) فإن انتهوا عن القتال والشرك فإن الله غفور رحيم يغفر لهم ما قد سلف.

(193) وقاتلوهم حتى لا تكون فتنة شرك كذا في المجمع عن الباقر (عليه السلام) ويكون الدين أي الطاعة والعبادة لله وحده خالصا ليس للشيطان فيه نصيب فإن انتهوا عن الشرك فلا عدوان إلا على الظالمين فلا تعتدوا على المنتهين سمي الجزاء باسم الاعتداء للمشاكلة وازدواج الكلام كما في قوله سبحانه: ﴿وجزاء سيئة سيئة مثلها﴾ ومثله فاعتدوا عليه كما يأتي.

والعياشي عن أحدهما (عليهما السلام) أي لا عدوان إلا على ذرية قتلة الحسين (عليه السلام).

وفي رواية لا يعتدي الله على أحد الا على نسل ولد قتلة الحسين (ع).

وفي العلل: عن الرضا (عليه السلام) أنه سئل يا بن رسول الله ما تقول في حديث روي عن الصادق (عليه السلام) أنه قال إذا خرج القائم قتل ذراري قتلة الحسين (عليه السلام) بفعال آبائهم فقال هو كذلك فقيل فقول الله عز وجل ولا تزر وازرة وزر أخرى ما معناه فقال صدق الله في جميع أقواله لكن ذراري قتلة الحسين (عليه السلام) يرضون بأفعال آبائهم كذلك ويفتخرون بها ومن رضي شيئا كان كمن أتاه ولو أن رجلا قتل في المشرق فرضي بقتله رجل في المغرب لكان الراضي عند الله شريك القاتل وإنما يقتلهم القائم (عليه السلام) إذا خرج لرضاهم بفعل ابائهم.

أقول: وذلك لأنهم إنما يكونون من سنخهم وحقيقتهم بحيث لو قدروا على ما قدر عليه أولئك فعلوا ما فعلوا كما حقق في المقدمة الثالثة.

(194) الشهر الحرام بالشهر الحرام قيل قاتلهم المشركون في عام الحديبية في ذي القعدة واتفق خروجهم لعمرة القضاء فيه فكر هوا أن يقاتلوهم فيه لحرمته فقيل لهم هذا الشهر بذلك وهتكه بهتكه فلا تبالوا به.

وفي المجمع روي مثله عن الباقر (عليه السلام) والحرمات قصاص أي كل حرمة وهي ما يجب أن يحافظ عليها يجري فيه القصاص فلما هتكوا حرمة شهركم فافعلوا بهم مثله.

في التهذيب والعياشي مضمرا أنه سئل عن المشركين أيبتدؤهم المسلمون بالقتال في الشهر الحرام فقال إذا كان المشركون ابتداؤهم باستحلالهم ثم رأى المسلمون أنهم يظهرون عليهم فيه وذلك قول سبحانه: الشهر الحرام بالشهر الحرام والحرمات قصاص فمن اعتدى عليكم فاعتدوا عليه بمثل ما اعتدى عليكم فذلكة وتأكيد لما سبق في التهذيب عن الصادق (عليه السلام) في رجل قتل رجلا في الحرم وسرق في الحرم فقال يقام عليه الحد وصغار له لأنه لم ير حرمة للحرم وقد قال الله تعالى: ﴿فمن اعتدى عليكم فاعتدوا عليه بمثل ما اعتدى عليكم﴾ يعني في الحرم وقال فلا عدوان إلا على الظالمين واتقوا الله في الانتصار فلا تعتدوا إلى ما لم يرخص لكم واعلموا أن الله مع المتقين فيحرسهم ويصلح شأنهم.

(195) وأنفقوا في سبيل الله في الجهاد وسائر أبواب البر ولا تلقوا بأيديكم إلى التهلكة بالإسراف وتضييع وجه المعاش وبكل ما يؤدي إلى الهلاك، في المجالس عن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) قال طاعة السلطان واجبة ومن ترك طاعة السلطان فقد ترك طاعة الله ودخل في نهيه ان الله يقول: ﴿ولا تلقوا بأيديكم إلى التهلكة﴾ وأحسنوا إن الله يحب المحسنين.

في الكافي والعياشي عن الصادق (عليه السلام) قال لو أن رجلا أنفق ما في يديه في سبيل من سبل الله ما كان أحسن ولا وفق للخير أليس يقول الله: ﴿ولا تلقوا بأيديكم إلى التهلكة وأحسنوا إن الله يحب المحسنين﴾ يعني المقتصدين.

وفي المحاسن عنه (عليه السلام) قال إذا أحسن المؤمن عمله ضاعف الله عمله بكل حسنة سبعماءة وذلك قول الله سبحانه: ﴿يضاعف لمن يشاء﴾ فأحسنوا أعمالكم التي تعملونها لثواب الله فقيل له وما الاحسان فقال إذا صليت فأحسن ركوعك وسجودك وإذا صمت فتوق كل ما فيه فساد صومك وإذا حججت فتوق ما يحرم عليك في حجك وعمرتك قال وكل عمل تعمله لله فليكن نقيا من الدنس.

(196) وأتموا الحج والعمرة ائتوا بهما تامين كاملين بشرائطهما وأركانهما ومناسكهما لله لوجه الله خالصا وهو نص في وجوب العمرة كوجوب الحج.

في الكافي والعياشي سئل الصادق (عليه السلام) عن هذه الآية فقال هما مفروضان.

وفيه وفي العلل والعياشي عنه (عليه السلام) قال العمرة واجبة على الخلق بمنزلة الحج على من استطاع لأن الله يقول وأتموا الحج والعمرة لله قيل فمن تمتع بالعمرة إلى الحج أيجزي ذلك عنه قال: نعم.

وفي رواية قال يعني بتمامهما أداؤهما واتقاء ما يتقي المحرم فيهما.

وفي المجمع عن أمير المؤمنين والسجاد صلوات الله عليهما يعني أقيموهما إلى آخر ما فيهما.

وفي الخصال والعيون عنه (عليه السلام) تمامهما اجتناب الرفث والفسوق والجدال في الحج.

والعياشي عنهما ما في معناه.

وفي الكافي عنه (عليه السلام) قال إذا أحرمت فعليك بتقوى الله وذكر الله كثيرا وقلة الكلام الا بخير فان من تمام الحج والعمرة أن يحفظ المرء لسانه الا من خير كما قال الله تعالى: ﴿فمن فرض فيهن الحج فلا رفث ولا فسوق ولا جدال في الحج﴾.

وفيه عن الباقر (عليه السلام) قال تمام الحج لقاء الامام.

وعن الصادق (عليه السلام) إذا حج أحدكم فليختم حجه بزيارتنا لأن ذلك من تمام الحج.

أقول: وفي هذا الزمان زيارة قبورهم تنوب مناب زيارتهم ولقائهم كما يستفاد من اخبار أخر ولا منافاة بين هذه الأخبار لأن ذلك كله من تمام الحج فإن أحصرتم منعكم خوف أو عدو أو مرض عن المضي إليه وأنتم محرمون بحج أو عمرة فامتنعتم لذلك كذا عنهم (عليهم السلام) رواه في المجمع.

وفي الكافي عن الصادق (عليه السلام) المحصور غير المصدود والمحصور المريض والمصدود الذي يرده المشركون كما ردوا رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) والصحابة ليس من مرض والمصدود تحل له النساء والمحصور لا تحل له النساء فما استيسر من الهدي فعليكم إذا أردتم التحلل من الاحرام ما تيسر من الهدى من بعير أو بقرة أو شاة.

وفي العيون عن الرضا (عليه السلام يعني شاة وضع على أدنى القوم قوة ليسع القوي والضعيف.

والعياشي عن الصادق (عليه السلام) يجزيه شاة والبدنة والبقرة أفضل.

وفي الكافي عن الباقر (عليه السلام) المصدود يذبح حيث صد ويرجع صاحبه فيأتي النساء والمحصور يبعث بهديه ويعدهم يوما فإذا بلغ الهدي أحل هذا في مكانه وعنه (عليه السلام) إذا أحصر الرجل بعث بهديه فإذا أفاق ووجد من نفسه خفة فليمض إن ظن أنه يدرك الناس فان قدم مكة قبل أن ينحر الهدي فليقم على إحرامه حتى يفرغ من جميع المناسك ولينحر هديه ولا شئ عليه وإن قدم من مكة وقد نحر هديه فان عليه الحج من قابل أو العمرة قيل فان مات وهو محرم قبل أن ينتهي إلى مكة قال يحج عنه إن كانت حجة الاسلام ويعتمر إنما هو شئ عليه ولا تحلقوا رؤوسكم لا تحلوا حتى يبلغ الهدي محله مكانه الذي يجب أن ينحر فيه فمن كان منكم مريضا مرضا يحوجه إلى الحلق أو به أذى من رأسه كجراحة أو قمل ففدية فعليه فدية إن حلق من صيام أو صدقة أو نسك في الكافي: عن الصادق (عليه السلام) إذا احصر الرجل بعث بهديه فان أذاه رأسه قبل أن ينحر هديه فإنه يذبح شاة في المكان الذي احصر فيه أو يصوم أو يتصدق والصوم ثلاثة أيام والصدقة على ستة مساكين نصف صاع لكل مسكين.

وفيه والعياشي عنه (عليه السلام) قال مر رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) على كعب بن عجرة والقمل يتناثر من رأسه وهو محرم فقال له أتؤذيك هوامك فقال نعم فأنزلت هذه الآية فأمره رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) أن يحلق وجعل الصيام ثلاثة أيام والصدقة على ستة مساكين لكل مسكين مدين والنسك شاة، قال أبو عبد الله (عليه السلام) وكل شئ في القرآن أو فصاحبه بالخيار يختار ما شاء وكل شئ في القرآن فمن لم يجد كذا فعليه كذا فالأول الخيار.

أقول: فالأول الخيار أي الخير والحري بالاختيار فإذا أمنتم الموانع يعني إذا كنتم غير محصرين وفي حال امن وسعة فمن تمتع بالعمرة استمتع وانتفع بعد التحلل من عمرته باستباحة ما كان محرما عليه إلى الحج إلى أن يحرم بالحج فما استيسر من الهدي فعليه دم استيسره.

وفي الكافي عن الصادق (عليه السلام) شاة فمن لم يجد الهدي فصيام ثلاثة أيام في الحج في وقت الحج وأيام الاشتغال به والأفضل أن يصوم سابع ذي الحجة وثامنه وتاسعه.

وفي الكافي أيضا عن الصادق (عليه السلام) في المتمتع لا يجد الهدي قال يصوم قبل التروية بيوم ويوم التروية ويوم عرفة قيل فإنه قد قدم يوم التروية قال يصوم ثلاثة أيام بعد التشريق قيل لم يقم عليه جماله قال يصوم يوم الحصبة وبعده يومين قيل وما الحصبة قال يوم نفره قيل يصوم وهو مسافر قال نعم أليس هو يوم عرفة مسافرا إنا أهل بيت نقول ذلك بقول الله تعالى فصيام ثلاثة أيام في الحج يقول في ذي الحجة وسبعة إذا رجعتم إلى أهاليكم فان بدا له الإقامة بمكة نظر مقدم أهل بلاده فإذا ظن أنهم قد دخلوا فليصم السبعة الأيام كذا في الكافي عنهم (عليهم السلام) تلك عشرة كاملة لا تنقص عن الأضحية الكاملة.

في التهذيب عن الصادق (عليه السلام) أنه سئل عن سفيان الثوري أي شئ يعني بكاملة قال سبعة وثلاثة قال (عليه السلام) ويختل ذا على ذي حجى إن سبعة وثلاثة عشرة قال فأي شئ هو أصلحك الله قال انظر قال لا علم لي فأي شئ هو أصلحك الله قال الكاملة كمالها كمال الأضحية سواء أتيت بها أو لم تأت ذلك أي التمتع لمن لم يكن أهله حاضري المسجد الحرام في الكافي عن الصادق في هذه الآية من كان منزله على ثمانية عشر ميلا من بين يديها وثمانية عشر ميلا عن خلفها وثمانية عشر ميلا عن يمينها وثمانية عشر ميلا عن يسارها فلا متعة له مثل مر (8) وأشباهها، وفيه عن الباقر (عليه السلام) سئل عن هذه الآية قال ذلك أهل مكة ليس لهم متعة ولا عليهم عمرة قيل فما حد ذلك قال ثمانية وأربعون ميلا من جميع نواحي مكة دون عسفان وذات عرق واتقوا الله في المحافظة على أوامره ونواهيه خصوصا في الحج واعلموا أن الله شديد العقاب لمن لم يتقه وخالف أمره وتعدى حدوده.

(197) الحج يعني وقت إحرامه ومناسكه أشهر معلومات وهي شوال وذو القعدة وذو الحجة كذا عن الباقر والصادق (عليهما الصلاة والسلام) في عدة أخبار قالا (عليهما السلام) ليس لأحد أن يحج فيما سواهن ومن أحرم الحج في غير أشهر الحج فلا حج له فمن فرض فيهن الحج في الكافي والعياشي قال الصادق (عليه السلام) الفرض التلبية والاشعار والتقليد فأي ذلك فعل فقد فرض الحج فلا رفث ولا فسوق وقرئ بالرفع والتنوين فيهما ولا جدال في الحج في أيامه، في الكافي والعياشي عن الصادق (عليه السلام) الرفث الجماع والفسوق الكذب والسباب والجدال قول الرجل لا والله وبلى والله، وزاد في الكافي وقال في الجدال شاة وفي الفسوق بقرة والرفث فساد الحج وما تفعلوا من خير يعلمه الله حث على البر وتزودوا لمعادكم التقوى فإن خير الزاد التقوى قيل كانوا يحجون من غير زاد فيكونون كلا على الناس واتقون يا أولي الألباب فان مقتضى اللب خشية الله عقب الحث على التقوى بأن يكون المقصود بها هو الله سبحانه والتبري عما سواه (198) ليس عليكم جناح أن تبتغوا في أن تطلبوا فضلا من ربكم كانوا يتأثمون بالتجارة في الحج فرفع عنهم الجناح في ذلك كذا في المجمع عنهم (عليهم السلام) وفي رواية فضلا أي مغفرة.

والعياشي عن الصادق (ع) فضلا من ربكم يعني الرزق إذا حل الرجل من إحرامه وقضى نسكه فليشتر وليبع في الموسم فإذا أفضتم دفعتم أنفسكم بكثرة من أفاض الماء إذا صبه بكثرة من عرفات في تفسير الامام ومضيتم إلى المزدلفة فاذكروا الله عند المشعر الحرام قال بنمائه وآلائه والصلاة على سيد أنبيائه وعلى علي سيد أصفيائه واذكروه كما هديكم لدينه والايمان برسوله وقيل أي أذكروه ذكرا حسنا كما هداكم هداية حسنة وقيل أي ذكرا يوازي هدايتكم إياه.

أقول: ليس المراد بالكاف في مثل هذا الكلام التشبيه بل المراد به تعليل الطلب بوجود ما يقتضيه وأن المطلوب ليس بغريب بل إن وقع فهو في موضعه والمعنى اذكروه بإزاء هدايته إياكم فإنه هداكم فبالحري أن تذكروه وله نظائر كثيرة في الكلام ولكنه اشتبه على كثير من الأعلام وإن كنتم من قبله من قبل الهدى لمن الضالين الجاهلين لا تعرفون كيف تذكرونه وتعبدونه.

وفي تفسير الامام: الضالين عن دينه قبل أن يهديكم لدينه.

(199) ثم أفيضوا ثم لتكن إفاضتكم من حيث أفاض الناس قيل أي من عرفات.

وفي المجمع عن الباقر (ع) كانت قريش وحلفاؤهم من الحمس لا يقفون مع الناس بعرفات ولا يفيضون منها ويقولون نحن أهل حرم الله تعالى فلا نخرج من الحرم فيقفون بالمشعر ويفيضون منه فأمرهم الله أن يقفوا بعرفات ويفيضوا منه.

والعياشي عن الصادق (عليه السلام) مثله في عدة أخبار.

وعنه (عليه السلام) يعني بالناس إبراهيم وإسماعيل وإسحاق ومن بعدهم ممن أفاض من عرفات.

وفي الكافي عن الحسين نحن الناس، وعن الصادق (عليه السلام) في حديث حج النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) قال ثم غدا والناس معه وكانت قريش تفيض من المزدلفة وهي جمع ويمنعون الناس أن يفيضوا منها فأقبل رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) وقريش ترجو أن تكون افاضته من حيث كانوا يفيضون فأنزل الله تعالى: ثم أفيضوا من حيث أفاض الناس واستغفروا الله يعني إبراهيم وإسماعيل وإسحاق فإفاضتهم منها ومن كان من بعدهم.

أقول: وعلى هذه الأخبار فمعنى ثم الترتيب في الرتبة لتفاوت ما بين الإفاضتين كما في قولك أحسن إلى الناس ثم لا تحسن إلى غير الكريم.

وأورد في المجمع سؤالا وهو ان ثم للترتيب فما معنى الترتيب هاهنا وأجاب بأن أصحابنا رووا ان هاهنا تقديما وتأخيرا تقديره ليس عليكم جناح ان تبتغوا فضلا من ربكم ثم أفيضوا من حيث أفاض الناس فإذا أفضتم من عرفات فاذكروا الله عند المشعر الحرام واستغفروا الله وذكر تفسيرا آخر وهو أن يكون المراد الإفاضة من المزدلفة إلى منى يوم النحر قبل طلوع الشمس قال والآية تدل عليه لأن قوله ثم أفيضوا يدل على أنها إفاضة ثانية.

أقول: وهو مخالف للأخبار الواردة في سبب نزول الآية من طرق الخاصة والعامة كما مر الا ما في تفسير الامام فان فيه ثم أفيضوا من حيث أفاض الناس اي ارجعوا من المشعر الحرام من حيث رجع الناس من جمع قال والناس في هذا الموضع الحاج غير الحمس فان الحمس كانوا لا يفيضون من جمع وهو كما ترى والعلم عند الله.

واستغفروا الله واطلبوا المغفرة من الله من جاهليتكم في تغيير المناسك إن الله غفور رحيم يغفر ذنب المستغفر ويرحم عليه.

(200) فإذا قضيتم مناسككم فرغتم من افعال الحج فاذكروا الله كذكركم آباءكم أو أشد ذكرا فاذكروا ذكر الله بآلائه لديكم وإحسانه إليكم وبالغوا فيه كما تفعلونه في ذكر آبائكم بأفعالهم ومآثرهم وأبلغ منه.

في تفسير الامام خيرهم بين ذلك ولم يلزمهم أن يكونوا أشد ذكرا له منهم لآبائهم وإن كانت نعم الله عليهم أكثر وأعظم من نعم آبائهم.

وفي المجمع عن الباقر (عليه السلام) كانوا إذا فرغوا من الحج يجتمعون هناك يعدون مفاخر آبائهم ومآثرهم ويذكرون أيامهم القديمة وأياديهم الجسيمة فأمرهم الله سبحانه أن يذكروه مكان ذكر آبائهم في هذا الموضع أو أشد ذكرا أو يزيدوا على ذلك بأن يذكروا نعم الله سبحانه ويعدوا آلاءه ويشكروا نعمائه لأن آبائهم وإن كانت لهم عليهم أياد ونعم فنعم الله سبحانه عليهم أعظم أياديه عندهم وأفخم ولأنه سبحانه المنعم عليهم بتلك المآثر والمفاخر على آبائهم وعليهم فمن الناس من يقول فان الناس من بين مقل لا يطلب بذكره الا الدنيا ومكثر يطلب به خير الدارين فيكونوا من المكثرين ربنا آتنا اجعل إيتاءنا ومنحتنا في الدنيا خاصة وما له في الآخرة من خلاق نصيب وحظ لأن همه مقصور على الدنيا لا يعمل للآخرة عملا ولا يطلب منها خيرا.

(201) ومنهم من يقول ربنا آتنا في الدنيا حسنة كالصحة والأمن والكفاف وتوفيق الخير وفي الآخرة حسنة كالرحمة والزلفة وقنا عذاب النار بالمغفرة والعفو.

في الكافي والعياشي عن الصادق (عليه السلام) قال رضوان الله والجنة في الآخرة والسعة في المعاش وحسن الخلق في الدنيا.

وعن أمير المؤمنين (عليه السلام) في الدنيا المرأة الصالحة وفي الآخرة الحوراء وعذاب النار المرأة السوء وقيل الحسنة في الدنيا العلم والعبادة وفي الآخرة الجنة، وعذاب النار الشهوات والذنوب المؤدية إليها.

أقول: كل ذلك أمثلة للمراد بها فلا تنافي بينها.

(202) أولئك في تفسير الامام أولئك الداعون بهذا الدعاء على هذا الوصف لهم نصيب مما كسبوا قال من ثواب ما كسبوا في الدنيا والآخرة.

أقول: وإنما قيل ما كسبوا لأن الأعمال أنفسها تتصور بصور حسنة يتنعم بها صاحبها أو بصور قبيحة يتعذب بها صاحبها كما ورد في أخبار كثيرة عن أهل العصمة وفي الحديث النبوي إنما (هي أعمالكم ترد إليكم) والله سريع الحساب يحاسب الخلائق كلهم على كثرتهم وكثرة أعمالهم في مقدار لمح البصر كما ورد في الخبر.

وفي المجمع عن أمير المؤمنين (عليه السلام) أنه قال معناه انه يحاسب الخلائق دفعة كما يرزقهم دفعة.

وعنه أنه سئل كيف يحاسب الله سبحانه الخلق ولا يرونه قال كما يرزقهم الله ولا يرونه.

وفي تفسير الامام لأنه لا يشغله شأن عن شأن ولا محاسبة عن محاسبة فإذا حاسب واحدا فهو في تلك الحال محاسب للكل يتم حساب الكل بتمام حساب الواحد وهو كقوله: (ما خلقكم ولا بعثكم الا كنفس واحدة) ويأتي في سورة الأنعام ما يقرب منه.

أقول: ولسرعة الحساب معنى آخر يجتمع مع هذا المعنى ويؤيده وهو ان الله يحاسب العبد في الدنيا في كل آن ولحظة ويجزيه على عمله في كل حركة وسكون ويكافئ طاعاته بالتوفيقات ومعاصيه بالخذلانات فالخير يجر الخير والشر يدعو إلى الشر ومن حاسب نفسه في الدنيا عرف هذا المعنى ولهذا ورد حاسبوا أنفسكم قبل أن تحاسبوا وهذا من الأسرار التي لا يمسها الا المطهرون.

(203) واذكروا الله في أيام معدودات يعني أيام التشريق وذكر الله فيها التكبير في أعقاب الصلوات من ظهر يوم النحر إلى صلاة الفجر من اليوم الثالث لمن كان بمنى وفي الأمصار إلى عشر صلوات والتكبير الله أكبر الله أكبر لا إله إلا الله والله أكبر الله أكبر ولله الحمد الله أكبر على ما هدانا الله أكبر على ما رزقنا من بهيمة الأنعام كذا عنهم (عليهم السلام).

في الكافي والعياشي وغيرهما فمن تعجل استعجل النفر من منى في يومين بعد يوم النحر إذا فرغ من رمي الجمار فلا إثم عليه ومن تأخر حتى رمى في اليوم الثالث فلا إثم عليه قيل معنى نفي الإثم بالتعجل والتأخر التخيير بينهما والرد على أهل الجاهلية فان منهم من اثم المتعجل ومنهم من اثم المتأخر.

وفي الفقيه سئل الصادق (عليه السلام) عن هذه الآية فقال ليس هو على أن ذلك واسع إن شاء صنع ذا وإن شاء صنع ذا لكنه يرجع مغفورا له لا إثم عليه ولا ذنب له.

والعياشي عنه قال يرجع مغفورا له لا ذنب له.

لمن اتقى في الفقيه عن الباقر لمن اتقى الله عز وجل قال وروي أنه يخرج من الذنوب كيوم ولدته أمه.

وفي التهذيب عن الصادق (عليه السلام) قال لمن اتقى الصيد يعني في احرامه فان اصابه لم يكن له أن ينفر في النفر الأول.

والعياشي ما في معناه.

وفي الفقيه عنه (عليه السلام) لمن اتقى الصيد حتى ينفر أهل منى في النفر الأخير.

والعياشي عن الباقر (عليه السلام) لمن اتقى منهم الصيد واتقى الرفث والفسوق والجدال وما حرم الله عليه في إحرامه.

وفي تفسير الامام فمن تعجل في يومين من أيام التشريق فانصرف من حجه إلى بلاده التي خرج منها فلا إثم عليه ومن تأخر إلى تمام اليوم الثالث فلا إثم عليه أي لا إثم عليه من ذنوبه السالفة لأنها قد غفرت له كلها بحجته هذه المقارنة لندمه عليها وتوقيه منها لمن اتقى ان يواقع الموبقات بعدها فإنه ان واقعها كان عليه إثمها ولم يغفر له تلك الذنوب السالفة بتوبة قد أبطلها بموبقاته بعدها وإنما يغفر بتوبة يجددها.

أقول: وذلك لأن الذنوب السالفة هي التي حملت صاحبها على المعاودة إذ الباعث عليها بعد التوبة إنما هو العادة.

وفي الكافي والفقيه عن الصادق (عليه السلام) يعني من مات قبل أن يمضي إلى أهله فلا اثم عليه ومن تأخر فلا اثم عليه لمن اتقى الكبائر.

وعن الباقر (عليه السلام) اتقى الكبر وهو أن يجهل الحق ويطعن على أهله.

وعن الصادق (عليه السلام) إنما هي لكم والناس سواد وأنتم الحاج.

أقول: أراد ان نفي الاثم في الصورتين مختص بأصحاب التقوى وهم الشيعة ليس الا.

والعياشي عن الباقر (عليه السلام) أنه سئل عن هذه الآية فقال أنتم والله هم ان رسول الله قال: لا يثبت على ولاية علي صلوات الله عليه الا المتقون واتقوا الله في مجامع أموركم.

وفي تفسير الامام واتقوا الله أيها الحاج المغفور لهم سالف ذنوبهم بحجهم المقرون بتوبتهم فلا تعاودوا الموبقات فتعود إليكم أثقالها ويثقلكم احتمالها فلا تغفر لكم الا بتوبة بعدها واعلموا أنكم إليه تحشرون فيجازيكم بما تعملون والحشر الجمع وضم المتفرق.

(204) ومن الناس من يعجبك قوله يروقك ويعظم في قلبك في الحياة الدنيا باظهاره لك الدين والاسلام وتزينه بحضرتك بالورع والاحسان ويشهد الله على ما في قلبه بأن يحلف لك بأنه مؤمن مخلص مصدق قوله بعمله وهو ألد الخصام شديد العداوة والجدال للمسلمين.

القمي نزلت في الثاني وقيل في معاوية.

والعياشي عن الصادق (عليه السلام) فلان وفلان.

أقول: تشمل عامة المنافقين وإن نزلت خاصة.

(205) وإذا تولى ادبر وانصرف عنك وقيل ملك الأمر وصار واليا سعى في الأرض ليفسد فيها يعني بالكفر المخالف لما اظهر والظلم المباين لما وعد ويهلك الحرث الزرع بأن يحرقه أو يفسده والنسل الذرية بأن يقتل الحيوان فيقطع نسله.

وفي المجمع والقمي عن الصادق (عليه السلام) الحرث في هذا الموضع الدين والنسل الناس.

وفي الكافي والعياشي عن أمير المؤمنين (عليه السلام) يهلك الحرث والنسل بظلمه وسوء سيرته.

أقول: ومنه ان يمنع الله بشؤم ظلمه المطر فيهلك الحرث والنسل إلى غير ذلك من نتائج الظلم والله لا يحب الفساد لا يرتضيه ولا يترك العقوبة عليه.

(206) وإذا قيل له اتق الله ودع سوء صنيعتك أخذته العزة بالإثم حملته الانفة وحمية الجاهلية على الاثم الذي يؤمر باتقائه وألزمته ارتكابه لجاجا من قولك أخذته بكذا إذا حملته عليه وألزمته إياه فيزداد إلى شره شرا ويضيف إلى ظلمه ظلما فحسبه جهنم كفته جزاء وعذابا على سوء فعله ولبئس المهاد أي الفراش يمهدها ويكون دائما فيها كذا فسرت الآيات الثلاث.

(207) ومن الناس من يشرى يبيع نفسه يبذلها لله ابتغاء مرضات الله طلبا لرضاه فيعمل بطاعته ويأمر الناس بها روت العامة عن جماعة من الصحابة والتابعين.

والعياشي وعدة من أصحابنا عن أئمتنا في عدة أخبار انها نزلت في أمير المؤمنين (عليه السلام) حين بات على فراش النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) إلى الغار.

وفي المجمع عن أمير المؤمنين ان المراد بالآية الرجل يقتل على الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.

أقول: يعني هي عامة وإن نزلت خاصة.

وفي تفسير الإمام (عليه السلام) هؤلاء خيار أصحاب رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) عذبهم أهل مكة ليفتنوهم عن دينهم فمنهم بلال وصهيب وخباب وعمار بن ياسر وأبواه والله رؤوف بالعباد روي أنه لما نام على فراشه قام جبرئيل عند رأسه وميكائيل عند رجليه وجبرائيل ينادي بخ بخ من مثلك يا علي بن أبي طالب يباهي الله الملائكة بك.

وفي تفسير الإمام (عليه السلام) اما الطالبون لرضاء ربهم فيبلغهم أقصى أمانيهم ويزيدهم عليها ما لم يبلغه آمالهم واما الفاجرون فيرفق بهم في دعوتهم إلى طاعته ولا يقطع ممن علم أنه سيتوب عن ذنبه عظيم كرامته.

(208) يا أيها الذين آمنوا ادخلوا في السلم في الاستسلام والطاعة وقرئ بالفتح وهو بمعناه.

وفي الكافي والعياشي عن الباقر (عليه السلام) ولايتنا.

والعياشي عن الصادق (عليه السلام) في ولاية علي (عليه السلام) وعنهما أمروا بطاعتنا ومعرفتنا كافة جميعا ولا تتبعوا خطوت الشيطان بالتفرق والتفريق.

والعياشي عن الصادق (عليه السلام) السلم ولاية علي والأئمة (عليهم السلام) والأوصياء من بعده وخطوات الشيطان ولاية فلان وفلان وفي رواية ولاية الثاني والأول.

وفي تفسير الامام السلم في والمسالمة إلى دين الاسلام كافة جماعة ادخلوا فيه وأدخلوا جميع الاسلام فتقبلوه واعملوا به ولا تكونوا ممن يقبل بعضه ويعمل به ويأبى بعضه ويهجره قال ومنه الدخول في قبول ولاية علي فإنه كالدخول في قبول نبوة رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) فإنه لا يكون مسلما من قال إن محمدا (صلى الله عليه وآله وسلم) رسول الله فاعترف به ولم يعترف بأن عليا وصيه وخليفته وخير أمته وقال خطوات الشيطان ما يتخطى بكم إليه من طرق الغي والضلالة ويأمركم من ارتكاب الآثام الموبقات إنه لكم عدو مبين ظاهر العداوة.

(209) فإن زللتم عن الدخول في السلم من بعد ما جاءتكم البينات الحجج والشواهد على أن ما دعيتم إليه حق فاعلموا أن الله عزيز غالب لا يعجزه الانتقام منكم حكيم لا ينتقم الا بالحق.

(210) هل ينظرون إلا أن يأتيهم الله أي يأتيهم أمر الله أو بأسه في ظلل جمع ظلة وهي ما أظلك من الغمام من السحاب الأبيض الذي هو مظنة الرحمة فإذا جاء منه العذاب كان أصعب والملائكة ويأتي الملائكة إن قرئ بالرفع ان قرئ بالجر.

وفي العيون والتوحيد عن الرضا (عليه السلام) الا أن يأتيهم الله بالملائكة في ظلل من الغمام قال وهكذا نزلت وقضي الأمر وأتم أمر اهلاكهم وفرغ منه وإلى الله ترجع الا مور وقرئ بفتح التاء وكسر الجيم حيث وقع.

وفي تفسير الإمام (عليه السلام) أي هل ينظر هؤلاء المكذبون بعد إيضاحنا لهم الآيات وقطعنا معاذيرهم بالمعجزات الا أن يأتيهم الله في ظلل من الغمام وتأتيهم الملائكة كما كانوا اقترحوا عليك اقتراحهم المحال في الدنيا في إتيان الله الذي لا يجوز عليه الاتيان واقتراحهم الباطل في إتيان الملائكة الذين لا يأتون الا مع زوال هذا التعبد لأنه وقت مجيئ الأملاك بالإهلاك فهم في اقتراحهم مجيئ الأملاك جاهلون وقضي الأمر أي هل ينظرون مجيئ الملائكة فإذا جاؤوا وكان ذلك قضي الأمر بهلاكهم.

القمي عن الباقر (عليه السلام) قال إن الله إذا بدا له أن يبين خلقه ويجمعهم لما لا بد منه أمر مناديا ينادي فاجتمع الإنس والجن في اسرع من طرفة العين ثم اذن للسماء الدنيا فتنزل وكان من وراء الناس واذن للسماء الثانية فتنزل وهي ضعف التي تليها فإذا رآها أهل السماء الدنيا قالوا جاء ربنا قالوا لا وهو آت يعني امره حتى تنزل كل سماء تكون كل واحدة منها من وراء الأخرى وهي ضعف التي تليها ثم ينزل امر الله في ظلل من الغمام والملائكة وقضي الأمر وإلى ربكم ترجع الأمور ثم يأمر مناديا ينادي يا معشر الجن والإنس ان استطعتم أن تنفذوا من أقطار السماوات والأرض فانفذوا لا تنفذون الا بسلطان.

والعياشي: عنه (عليه السلام) في هذه الآية قال ينزل في سبع قباب من نور ولا يعلم في أيها هو حين ينزل في ظهر الكوفة فهذا حين ينزل، وفي رواية أخرى عنه (علية السلام) قال كأني بقائم أهل بيتي قد علا نجفكم نشر راية رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) فإذا نشرها انحطت عليه ملائكة بدر، وقال إنه نازل في قباب من نور حين ينزل بظهر الكوفة على الفاروق فهذا حين ينزل واما قضي الأمر فهو الوسم على الخرطوم يوم يوسم الكافر.

أقول: لعل المراد انه ينزل على أمر يفرق به بين المؤمن والكافر وان المعني بقضاء الأمر امتياز أحدهما عن الآخر بوسمه على خرطوم الكافر وذلك في الرجعة.

(211) سل بني إسرائيل كم اتيناهم من آية بينة معجزة ظاهرة على أيدي أنبيائهم أو آية في التوراة شاهدة على صحة نبوة محمد.

في الكافي عن الصادق (عليه السلام) انه كان يقرأ كم آتيناهم من آية بينة فمنهم من آمن ومنهم من جحد ومنهم من أقر ومنهم من بدل.

والعياشي لم يذكر القراءة وإنما روى الزيادة كأنها تفسير وأورد انكر مكان بدل ومن يبدل نعمة الله آياته التي هي سبب الهدى والنجاة الذين هما من أجل النعم يجعلها سبب الضلالة وازدياد الرجس من بعد ما جاءته من بعد ما عرفها أو تمكن من معرفتها فإن الله شديد العقاب فيعاقبه أشد عقوبة لأنه ارتكب أشد جريمة.

(212) زين للذين كفروا الحياة الدنيا حسنت في أعينهم وأشربت محبتها في قلوبهم حتى تهالكوا عليها ويسخرون من الذين آمنوا من فقراء المؤمنين الذين لاحظ لهم منها والذين اتقوا من المؤمنين فوقهم يوم القيمة لأنهم في عليين وفي الكرامة وهم في سجين وفي الندامة والله يرزق من يشاء في الدارين بغير حساب بغير تقدير فيوسع في الدنيا استدراجا تارة وابتلاء أخرى ويعطي أهل الجنة ما لا يحصى.

(213) كان الناس أمة واحدة العياشي عن الصادق (عليه السلام) قال كان هذا قبل بعث نوح كانوا أمة واحدة فبدا لله فأرسل الرسل قبل نوح (عليه السلام) قيل أعلى هدى كانوا أم على ضلالة قال بل كانوا ضلالا لا مؤمنين ولا كافرين ولا مشركين.

وفي رواية أخرى له عنه قال وذلك أنه لما انقرض آدم وصالح ذريته بقي شيث وصيه لا يقدر على اظهار دين الله الذي كان عليه آدم وصالح ذريته وذلك أن قابيل توعده بالقتل كما قتل أخاه هابيل فسار فيهم بالتقية والكتمان فازدادوا كل يوم ضلالا حتى لحق الوصي بجزيرة في البحر يعبد الله فبدا لله تبارك وتعالى أن يبعث الرسل ولو سئل هؤلاء الجهال لقالوا قد فرغ من الأمر وكذبوا إنما هي شئ يحكم به الله في كل عام ثم قرأ فيها يفرق كل امر حكيم فيحكم الله تبارك وتعالى ما يكون في تلك السنة من شدة أو رخاء أو مطر أو غير ذلك قيل أفضلا لا كانوا قبل النبيين أم على هدى قال لم يكونوا على هدى كانوا على فطرة الله التي فطر الناس عليها لا تبديل لخلق الله ولم يكونوا ليهتدوا حتى يهديهم الله اما تسمع يقول إبراهيم لئن لم يهدني ربى لأكونن من القوم الضالين أي ناسيا للميثاق.

وفي الكافي عنه (عليه السلام) قال كان قبل نوح أمة ضلال فبدا لله فبعث المرسلين وليس كما يقولون لم يزل وكذبوا يفرق في ليلة القدر ما كان من شدة أو رخاء أو مطر بقدر ما يشاء أن يقدر إلى مثلها.

وفي المجمع عن الباقر (عليه السلام) كانوا قبل نوح أمة واحدة على فطرة الله لا مهتدين ولا ضلالا فبعث الله النبيين.

أقول: أريد بالضلال المنفي في هذا الحديث التدين بالشرك والكفر وبالمثبت في الحديث السابق الخلو عن الدين فلا منافاة بينهما.

والقمي: كان الناس أمة واحدة قبل نوح على مذهب واحد فاختلفوا فبعث الله النبيين قيل وإنما حذف لدلالة قوله فيما اختلفوا فيه عليه.

أقول: لا دلالة فيه على وقوع الاختلاف قبل البعث بل الظاهر أ ن المراد بالاختلاف في الآية اختلافهم في الدين بعد البعث على أن ظاهر الأخبار السابقة يدل على أنه لم يكن قبل البعث اختلاف وقيل بل اختلفوا بعد البعث على الرسل.

فبعث الله النبيين مبشرين ومنذرين ليتخذ عليهم الحجة كذا في الكافي عن الصادق (عليه السلام) وأنزل معهم الكتاب بالحق ليحكم بين الناس فيما اختلفوا فيه وما اختلف فيه إلا الذين أوتوه جعلوا نزول الكتاب الذي أنزل لإزالة الخلاف سببا في شدة الاختلاف من بعد ما جاء تهم البينات بغيا حسدا وظلما بينهم لحرصهم على الدنيا فهدى الله الذين آمنوا لما اختلفوا فيه من الحق من بيان لما بإذنه والله يهدى من يشاء إلى صراط مستقيم.

(214) أم حسبتم أن تدخلوا الجنة قيل أحسبتم استبعاد للحسبان وتشجيع للنبي (صلى الله عليه وآله وسلم) والمؤمنين على الصبر والثبات مع الذين اختلفوا عليه وعداوتهم له ولما يأتكم متوقع إتيانه منتظر مثل الذين خلوا من قبلكم حالهم التي هي مثل في الشدة مستهم بيان للمثل البأساء والضراء القتل والخروج عن الأهل والمال وزلزلوا وأزعجوا ازعاجا شديدا بما أصابهم من الشدائد.

وفي الكافي: عن الصادق (عليه السلام) أنه كان يقرأ وزلزلوا ثم زلزلوا حتى يقول وقرئ بالرفع الرسول والذين آمنوا معه لتناهي الشدة واستطالة المدة بحيث تقطعت حبال الصبر متى نصر الله استبطاء له لتأخره ألا إن نصر الله قريب فقيل ذلك لهم إسعافا لهم إلى طلبتهم من عاجل النصر قيل فيه إشارة إلى أن الوصول إلى الله تعالى والفوز بالكرامة عنده برفض الهوى واللذات ومكابدة الشدائد والرياضات كما قال (عليه الصلام) حفت الجنة بالمكاره وحفت النار بالشهوات.

وفي الخرائج عن السجاد (عليه السلام) قال فما تمدون أعينكم ألستم آمنين لقد كان من قبلكم ممن هو على ما أنتم عليه يؤخذ فيقطع يده ورجله ويصلب ثم تلا هذه الآية.

(215) يسألونك ماذا ينفقون أي شئ ينفق قل ما أنفقتم من خير من مال فللوالدين والأقربين واليتامى والمساكين وابن السبيل سئل عن المنفق فأجيب ببيان المصرف لأنه أهم إذ النفقة لا تعتد بها إذا وقعت موقعها قيل وكان السؤال متضمنا للمصرف أيضا وإن لم يكن مذكورا في الآية على ما روي أن عمرو بن الجموح الأنصاري كان هما ذا مال عظيم فقال يا رسول الله ماذا ننفق من أموالنا وأين نضعها فنزلت وما تفعلوا من خير فإن الله به عليم ان تفعلوا خيرا فالله يعلم كنهه ويوفي ثوابه.

(216) كتب عليكم القتال وهو كره لكم شاق عليكم مكروه طبعا وعسى أن تكرهوا شيئا في الحال وهو خير لكم في العاقبة وهكذا أكثر ما كلفوا به فان الطبع يكرهه وهو مناط صلاحهم وسبب فلاحهم وعسى أن تحبوا شيئا في الحال وهو شر لكم في العاقبة وهكذا أكثر ما نهوا عنه فان النفس تحبه وتهواه وهو يفضي بها إلى الردى وإنما ذكر عسى لأن النفس إذا ارتاضت ينعكس الأمر عليها والله يعلم ما هو خير لكم وأنتم لا تعلمون ذلك.

(217) يسألونك عن الشهر الحرام قتال فيه قيل بعث النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) عبد الرحمن بن جحش ابن عمته على سرية في جمادى الاخر قبل قتال بدر بشهرين ليترصد عيرا لقريش فيهم عمرو بن عبد الله الحضرمي وثلاثة معه فقتلوه وأسروا اثنين واستاقوا العير وفيها تجارة الطائف وكان ذلك في غرة رجب وهم يظنونه من جمادى الأخرى فقالت قريش قد استحل محمد (صلى الله عليه وآله وسلم) الشهر الحرام شهرا يأمن فيه الخائف ويذعر فيه الناس إلى معايشهم وشق على أصحاب السرية وقالوا ما نبرح حتى تنزل توبتنا ورد رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) مال العير والأسارى فنزلت.

والقمي ما يقرب منه مع زيادات وفي آخره فكتب قريش إلى النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) إنك استحللت الشهر الحرام وسفكت فيه الدم وأخذت المال وكثر القول في هذا قال الصحابة يا رسول الله أيحل القتل في الشهر الحرام فنزلت قل قتال فيه كبير عظيم تم الكلام هاهنا ثم ابتدأ وقال وصد عن سبيل الله يعني ولكن ما فعلوه من صدهم عن سبيل الله أي الإسلام وكفر به وكفرهم بالله والمسجد الحرام وبالمسجد الحرام على بتقدير الباء وصدهم عن المسجد الحرام على أن يكون الكفر بالله عين الصد عن سبيل الله فلا يكون أجنبيا بين المعطوفين أو يكون تقديمه مع أن حقه التأخير لفرط العناية به كما في قوله تعالى ولم يكن له كفوا أحد وإخراج أهله وإخراج أهل المسجد الحرام وهم رسول الله والمؤمنون منه أكبر أعظم وزرا عند الله من القتل الذي وقع في الشهر الحرام والفتنة أكبر من القتل وما ارتكبوه من الاخراج والشرك أقطع مما وقع من القتل ولا يزالون يقتلونكم حتى يردوكم عن دينكم لكي يردوكم عنه اخبار عن دوام عداوة الكفار لهم وأنهم لا ينفكون عنها حتى يردوهم عن دينهم هذا إن استطاعوا استبعاد لاستطاعتهم وإيذان بأنهم لا يردونهم ومن يرتدد منكم عن دينه يرجع عنه فيمت وهو كافر أي على الردة فأولئك حبطت أعمالهم في الدنيا لما يفوتهم من ثمرات الاسلام والآخرة لما يفوتهم من الثواب وأولئك أصحاب النار هم فيها خالدون كسائر الكفار.

(218) إن الذين آمنوا والذين هاجروا وجاهدوا في سبيل الله أولئك يرجون رحمت الله قيل نزلت في قصة ابن جحش وأصحابه وقتلهم الحضرمي في رجب حين ظن قوم أنهم ان سلموا من الإثم فليس لهم أجر والله غفور لما فعلوه خطأ وقلة احتياط رحيم باجزال الأجر والثواب.

(219) يسألونك عن الخمر والميسر أي عن تعاطيهما قل فيهما في تعاطيهما إثم كبير لأنهما مفتاح كل شئ وقرئ بالثاء المثلثة ومنافع للناس من الطرب وكسب المال وغيرهما وإثمهما أكبر من نفعهما أي المفاسد التي تنشأ منها أعظم من المنافع المتوقعة منها.

وفي الكافي عن الصادق (عليه السلام) أنه قال إن الخمر رأس كل إثم ومفتاح كل شر وقال إن الله جعل للشر أقفالا فجعل مفاتيحها الشراب، وقال ما عصي الله بشئ أشد من شرب المسكر ان أحدهم ليدع الصلاة الفريضة ويثب على أمه وأخته وبنته وهو لا يعقل وقال إنه أشر من ترك الصلاة لأنه يصير في حال لا يعرف معها ربه وقال يغفر الله في شهر رمضان لكل أحد الا لثلاثة صاحب مسكر أو صاحب شاهين أو مشاحن، وقال كلما قومر عليه فهو ميسر، وفسر المشاحن بصاحب البدعة المفارق للجماعة.

وعن الباقر (عليه السلام) قال: ما بعث الله نبيا قط الا وفي علم الله تعالى أنه إذا أكمل له دينه كان فيه تحريم الخمر ولم يزل الخمر حراما وإنما ينقلون من خصلة ثم خصلة ولو حمل ذلك عليهم جملة لقطع بهم دون الدين قال ليس أحد أرفق من الله تعالى فمن رفقه تبارك وتعالى انه ينقلهم من خصلة إلى خصلة ولو حمل عليهم جملة لهلكوا، وعنهم (عليهم السلام) أن أول ما نزل في تحريم الخمر قوله تعالى: ﴿يسألونك عن الخمر والميسر قل فيهما إثم كبير ومنافع للناس وإثمهما أكبر من نفعهما﴾ فلما نزلت هذه الآية أحس القوم بتحريمها وعلموا أن الاثم مما ينبغي اجتنابه ولا يحمل الله تعالى عليهم من كل طريق لأنه قال ومنافع للناس ثم أنزل الله آية أخرى إنما الخمر والميسر والأنصاب والأز لام رجس من عمل الشيطان فاجتنبوه لعلكم تفلحون فكانت هذه الآية أشد من الأولى واغلظ في التحريم ثم ثلث بآية أخرى فكانت أغلظ من الآية الأولى والثانية وأشد فقال ﴿إنما يريد الشيطان أن يوقع بينكم العداوة والبغضاء في الخمر والميسر ويصدكم عن ذكر الله وعن الصلاة فهل أنتم منتهون﴾ فأمر تعالى باجتنابها وفسر عللها التي لها ومن أجلها حرمها ثم بين الله تعالى تحريمها وكشفه في الآية الرابعة مع ما دل عليه في هذه الآية المذكورة المتقدمة بقوله تعالى: قل إنما حرم ربي الفواحش ما ظهر منها وما بطن والا ثم والبغي بغير الحق، وقال عز وجل في الآية الأولى يسألونك عن الخمر والميسر قل فيهما إثم كبير ومنافع للناس ثم قال في الآية الرابعة قل إنما حرم ربي الفواحش ما ظهر منها وما بطن والا ثم، فخبر عز وجل ان الاثم في الخمر وغيرها وأنه حرام وذلك أن الله تعالى إذا أراد أن يفترض فريضة أنزلها شيئا بعد شئ حتى يوطن الناس أنفسهم عليها ويسكنوا إلى أمر الله ونهيه فيها وكان ذلك من أمر الله تعالى على وجه التدبير فيهم أصوب وأقرب لهم إلى الأخذ بها وأقل لنفارهم عنها، وعن علي بن يقطين قال سأل المهدي (9) أبا الحسن (عليه السلام) عن الخمر هل هي محرمة في كتاب الله تعالى فان الناس إنما يعرفون النهي عنها ولا يعرفون التحريم لها فقال له أبو الحسن (عليه السلام) بل هي محرمة في كتاب الله يا أمير المؤمنين فقال له في أي موضع هي محرمة في كتاب الله عز وجل يا أبا الحسن فقال قول الله تعالى: ﴿قل إنما حرم ربى الفواحش ما ظهر منها وما بطن والاثم والبغي بغير الحق﴾ إلى أن قال واما الإثم فإنها الخمر بعينها وقد قال الله في موضع آخر ﴿يسألونك عن الخمر والميسر قل فيهما إثم كبير ومنافع للناس﴾ فأما الاثم في كتاب الله فهي الخمر والميسر وإثمهما أكبر كما قال الله تعالى فقال المهدي يا علي بن يقطين وهذه فتوى هاشمية قال قلت له صدقت والله يا أمير المؤمنين الحمد لله الذي لم يخرج هذا العلم منكم أهل البيت قال فوالله ما صبر المهدي أن قال لي صدقت يا رافضي ويأتي ما طويناه من هذا الحديث في سورة الأعراف انشاء الله تعالى.

ويسألونك ماذا ينفقون قيل سأله أيضا ابن الجموح سأل أولا عن المنفق والمصرف ثم سأل عن كيفية الأنفال وقدره قل العفو وقرئ بالرفع والعفو نقيض الجهد وهو أن ينفق ما تيسر له بذله ولا يبلغ منه الجهد واستفراغ الوسع قال خذي العفو مني تستديمي مودتي، وروي عن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) يأتي أحدكم بماله كله يتصدق به ويجلس يتكفف الناس إنما الصدقة عن ظهر غنى.

وفي الكافي والعياشي عن الصادق (عليه السلام) العفو الوسط.

وفي المجمع عنه (عليه السلام) والقمي قال لا اقتار ولا اسراف.

وفي التبيان والمجمع عن الباقر (عليه السلام) أن العفو ما يفضل عن قوت السنة.

وفي المجمع عنه نسخ ذلك بآية الزكاة.

كذلك مثل ما بين أن العفو أصلح من الجهد يبين الله لكم الآيات لعلكم تتفكرون.

(220) في الدنيا والآخرة في أمور الدارين فتأخذون بالأصلح والأنفع ويسألونك عن اليتامى القمي عن الصادق (عليه السلام) لما نزلت إن الذين يأكلون أموال اليتامى ظلما أخرج كل من كان عنده يتيم وسألوا رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) في اخراجهم فنزلت.

وفي المجمع عنه وعن أبيه (عليهما السلام) لما نزلت واتوا اليتامى أموالهم كرهوا مخالطة اليتامى فشق ذلك عليهم فشكوا إلى رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) فنزلت قل إصلاح لهم خير مداخلتهم لا صلاحهم خير من مجانبتهم وإن تخالطوهم تعاشروهم وتشاركوهم فإخوانكم فإنهم اخوانكم في الدين ومن حق الأخ أن يخالط الأخ.

وفي الكافي عن الصادق (عليه السلام) والعياشي عن الباقر (عليه السلام) قال تخرج من أموالهم قدر ما يكفيهم وتخرج من مالك قدر ما يكفيك ثم تنفقه قلت أرأيت ان كانوا يتامى صغارا وكبارا وبعضهم أعلى كسوة من بعض وبعضهم آكل من بعض ومالهم جميعا فقال أما الكسوة فعلى كل انسان منهم ثمن كسوته واما الطعام فاجعلوه جميعا فان الصغير يوشك أن يأكل مثل الكبير.

وفي رواية: ولا يرزأن (10) من أموالهم شيئا إنما هي النار.

والله يعلم المفسد من المصلح لا يخفى عليه من داخلهم لا صلاح أو إفساد فيجازيهم على حسب مداخلتهم.


1- في هود ثلاثة أقوال أحدها أنه جمع هائد كعائد وعود وعائط وعوط وهو جمع للمؤنث والمذكر على لفظ واحد والهائد التائب الراجع إلى الحق وثانيها أن يكون مصدرا يصلح للواحد والجمع كما يقال رجل فطر وقوم فطر رجل صوم وقوم صوم وثالثها أن يكون معناه الا من كان يهودا فحذفت الياء الزائدة (مجمع).

2- قيل أن السبب في هذه الضلالة ان أرباب الشرائع المتقدمة كانوا يطلقون الأب على الله باعتبار أنه السبب الأول حتى قالوا إن الأب هو الأب الأصغر والله سبحانه هو الأب الأكبر ثم ظنت الجهلة منهم أن المراد به معنى الولادة فاعتقدوا ذلك تقليدا (منه) (ه).

3- الهم حديث النفس بفعله يقال هم بالأمر يهم هما وجمعه هموم واهمة الأمر إذا عنى به يحدث به نفسه والفرق بين الهم بالشئ قبل أن يريده ويقصده بأنه يحدث نفسه به وهو مع ذلك مقبل على فعله (مجمع).

4- الزيغ الشك والجور عن الحق (ص).

5- الإشادة رفع الصوت بالشئ وأشاد بذكره إذا رفع من قدره (ص).

6- القضيب واحد القضبان وهي الأغصان (ص).

7- الأردن كالأحمر ضرب من الخز وبضمتين وشد الدال النعاس وكورة بالشام (ق).

8- الساق كل عرق من الحائط.

9- بطن مر ويقال له مر الظهران موضع على مر حلة من مكة (ق).

10- وهو أبو عبد الله منصور الدوانيقي والد الرشيد.