المقدمة السابعة في نبذ مما جاء في أن القرآن تبيان كل شئ وتحقيق معناه

روى في الكافي بإسناده عن مرازم عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: إن الله تعالى أنزل في القرآن تبيان كل شئ حتى والله ما ترك الله شيئا يحتاج إليه العباد حتى لا يستطيع عبد يقول لو كان هذا أنزل في القرآن الا وقد أنزله الله فيه.

وبإسناده عن عمرو بن قيس عن أبي جعفر (عليه السلام) قال سمعته يقول إن الله تعالى لم يدع شيئا تحتاج إليه الأمة الا أنزله في كتابه وبينه لرسوله (صلى الله عليه وآله وسلم) وجعل لكل شئ حدا وجعل عليه دليلا يدل عليه وجعل على من تعدى ذلك حدا.

وبإسناده عن المعلى بن خنيس قال قال: أبو عبد الله (عليه السلام) ما من أمر يختلف فيه اثنان الا وله أصل في كتاب الله ولكن لا تبلغه عقول الرجال.

وبإسناده عن حماد (عمار خ ل) عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال سمعته يقول ما من شئ الا وفيه كتاب أو سنة.

وبإسناده عن سماعة عن أبي الحسن موسى (عليه السلام) قال: قلت له: أكل شئ في كتاب الله وسنة نبيه أو تقولون فيه، قال: بل كل شئ في كتاب الله وسنة نبيه.

وبإسناده عن أبي الجارود قال قال أبو جعفر (عليه السلام): إذا حدثتكم بشئ فاسألوني أين هو من كتاب الله تعالى.

ثم قال في بعض حديثه أن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) أنهى عن القيل والقال وفساد المال وكثرة السؤال فقيل له يا بن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) أين هذا من كتاب الله؟قال: إن الله تعالى يقول لا خير في كثير من نجواهم الا من أمر بصدقة أو معروف أو إصلاح بين الناس.

وقال: لا تؤتوا السفهاء أموالكم التي جعل الله لكم قياما وقال: لا تسئلوا عن أشياء إن تبد لكم تسؤكم.

قال بعض أهل المعرفة ما ملخصه: إن العلم بالشئ اما يستفاد من الحس برؤية أو تجربة أو سماع خبر أو شهادة أو اجتهاد أو نحو ذلك ومثل هذا العلم لا يكون الا متغيرا فاسدا محصورا متناهيا غير محيط لأنه إنما يتعلق بالشئ في زمان وجوده علم وقبل وجوده علم آخر وبعد وجوده علم ثالث وهكذا كعلوم أكثر الناس وأما ما يستفاد من مبادئه وأسبابه وغاياته علما واحدا كليا بسيطا على وجه عقلي غير متغير فإنه ما من شئ الا وله سبب ولسببه سبب.

وهذا إلى أن ينتهي إلى مسبب الأسباب وكل ما عرف سببه من حيث يقتضيه ويوجبه فلا بد أن يعرف ذلك الشئ علما ضروريا دائما فمن عرف الله تعالى بأوصافه الكمالية ونعوته الجلالية وعرف أنه مبدأ كل وجود وفاعل كل فيض وجود وعرف ملائكته المقربين ثم ملائكته المدبرين المسخرين للأغراض الكلية العقلية بالعبادات الدائمة والنسك المستمرة من غير فتور ولغوب الموجبة لأن يترشح عنها صور الكائنات كل ذلك على الترتيب السببي والمسببي فيحيط علمه بكل الأمور وأحوالها ولواحقها علما (بريئا خ ل) من التغيير والشك والغلط فيعلم من الأوائل الثواني ومن الكليات الجزئيات المترتبة عليها ومن البسائط المركبات، ويعلم حقيقة الانسان وأحواله وما يكملها ويزكيها ويسعدها ويصعدها إلى عالم القدس وما يدنسها ويرديها ويشقيها ويهويها إلى أسفل السافلين علما ثابتا غير قابل للتغيير ولا محتمل لتطرق الريب فيعلم الأمور الجزئية من حيث هي دائمة كلية ومن حيث لا كثرة فيه ولا تغيير وإن كانت هي كثيرة متغيرة في أنفسها وبقياس بعضها إلى بعض وهذا كعلم الله سبحانه بالأشياء وعلم ملائكته المقربين وعلوم الأنبياء والأوصياء (عليهم السلام) بأحوال الموجودات الماضية والمستقبلة وعلم ما كان وعلم ما سيكون (يكون خ ل) إلى يوم القيامة من هذا القبيل فإنه علم كلي ثابت غير متجدد بتجدد المعلومات ولا متكثر بتكثرها، ومن عرف كيفية هذا العلم عرف معنى قوله تعالى: ونزلنا عليك الكتب تبيانا لكل شئ.

ويصدق بأن جميع العلوم والمعاني في القرآن الكريم عرفانا حقيقيا وتصديقا يقينيا على بصيرة لا على وجه التقليد والسماع ونحوهما إذ ما من أمر من الأمور الا وهو مذكور في القرآن إما بنفسه أو بمقوماته وأسبابه ومبادئه وغاياته ولا يتمكن من فهم آيات القرآن وعجائب أسراره وما يلزمها من الأحكام والعلوم التي لا تتناهى الا من كان علمه بالأشياء من هذا القبيل.

انتهى كلامه أعلى الله مقامه، وينبه عليه لفظة الأصل في رواية المعلى.