الآيات 8-9
قوله تعالى: ﴿وَقَالُواْ لَوْلا أُنزِلَ عَلَيْهِ مَلَكٌ وَلَوْ أَنزَلْنَا مَلَكًا لَّقُضِيَ الأمْرُ ثُمَّ لاَ يُنظَرُونَ، وَلَوْ جَعَلْنَاهُ مَلَكًا لَّجَعَلْنَاهُ رَجُلاً وَلَلَبَسْنَا عَلَيْهِم مَّا يَلْبِسُونَ﴾
اخبر الله تعالى في هذه الآية عن هؤلاء الكفار أنهم قالوا (لولا) ومعناه: هلا " أنزل عليه " يعنون على محمد " ملك " يشاهدونه فيصدقه. ثم أخبر عن عظم عنادهم انه لو أنزل عليهم الملك على ما اقترحوه لما آمنوا به، واقتضت الحكمة استئصالهم وألا ينظرهم ولا يمهلهم. وذلك بخلاف ما علم الله تعالى من المصلحة على ما بيناه. ومعنى " لقضى الامر " أي أتم إهلاكهم وقضي على ضروب كلها ترجع إلى معنى تمام الشئ وانقطاعه في قول الزجاج. فمنه " قضى أجلا وأجل مسمى عنده " (1) معناه ثم ختم بذلك وأتمه، ومنه الامر كقوله " وقضى ربك ألا تعبدوا إلا إياه " (2) الا أنه أمر قاطع ومنه الاعلام نحو قوله " وقضينا إلى بني إسرائيل " (3) أي أعلمناهم إعلاما قاطعا. ومنه الفصل في الحكم نحو قوله " ولولا كلمة سبقت من ربك إلى أجل مسمى لقضى بينهم " (4) أي لفصل الحكم بينهم. ومنه قولهم قضى القاضي. ومن ذلك قضى فلان دينه، أي قطع ما لغريمه عليه وأداه إليه وقطع ما بينه وبينه وكلما أحكم فقد قضي، تقول قضيت هذا الثوب وهذه الدار، أي عملتها وأحكمت عملها، قال أبو ذؤيب:
وعليهما مسرودتان قضاهما * داود أو صنع السوابغ تبع (5)
وقال مجاهد معنى " وقالوا لولا أنزل عليه ملك " يريدون في صورته. قال الله تعالى " ولو أنزلنا ملكا " في صورته " لقضي الامر " أي لقامت الساعة أو وجب استئصالهم ثم قال " ولو جعلناه ملكا لجعلناه " في صورة رجل، لان أبصار البشر لا تقدر على النظر إلى صورة ملك على هيئته للطف الملك وقلة شعاع أبصارنا وكذلك كان جبرائيل (ع) يأتي النبي صلى الله عليه وآله في صورة دحية الكلبي، وكذلك الملائكة الذين دخلوا على إبراهيم في صورة الأضياف حتى قدم إليهم عجلا جسدا، لأنه لم يعلم أنهم ملائكة، وكذلك لما تسور المحراب على داود الملكان كانا في صورة رجلين يختصمان إليه. وقال بعضهم: المعنى لو جعلنا مع النبي ملكا يشهد بتصديقه (لجعلناه رجلا) والأول أصح. وقوله " وللبسنا عليهم ما يلبسون " يقال: لبست الامر على القوم ألبسه إذا شبهته عليه، ولبست الثوب ألبسه، وكان رؤساء الكفار يلبسون على ضعفائهم أمر النبي (ع)، فيقولون: هو بشر مثلكم، فقال الله تعالى " ولو أنزلنا ملكا " فرأوا الملك رجلا ولم يعلمهم أنه ملك لكان يلحقهم من اللبس ما يلحق ضعفائهم منهم. واللبوس ما يلبس من الثياب واللباس الذي قد لبس واستعمل. فان قيل: قوله: انه لو جعل الملك رجلا للبس عليهم يدل على أن له أن يلبس بالاضلال والتلبيس؟ قلنا: ليس ذلك في ظاهره، لأنه لم يخبر أنه لبس عليهم وإنما قال لو جعلته ملكا للبست ولم يجعله ملكا فإذا ما لبس، كما قال تعالى " لو أراد الله أن يتخذ ولدا لاصطفى مما يخلق ما يشاء " (6) وليس يجوز عليه اتخاذ الولد ولا الاصطفاء له بحال، فسقط ما قالوه.1- سورة 6 الانعام آية 2.
2- سورة 17 الاسرى آية 23.
3- سورة 17 الاسرى آية 4.
4- سورة 42 الشورى آية 14.
5- مر تخريجه في 1 / 429.
6- سورة 39 الزمر آية 4.