الآية 14
قوله تعالى: ﴿قُلْ أَغَيْرَ اللّهِ أَتَّخِذُ وَلِيًّا فَاطِرِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَهُوَ يُطْعِمُ وَلاَ يُطْعَمُ قُلْ إِنِّيَ أُمِرْتُ أَنْ أَكُونَ أَوَّلَ مَنْ أَسْلَمَ وَلاَ تَكُونَنَّ مِنَ الْمُشْرِكَينَ﴾
أجمع القراء على ضم الياء وفتح العين من قوله " ولا يطعم " وقرئ في الشواذ بفتح الياء العين معا. فمن ضم الياء أراد أن غيره لا يطعمه في مقابلة قوله: " وهو يطعم ". ومن فتح الياء أراد أنه نفسه لا يطعم. والمعنى هو يرزق الخلق ولا يرزقه أحد. والطعمة والطعم والاطعام الرزق، قال امرؤ القيس:
مطعم للصيد ليس له * غيرها كسب على كبره (1)
وقال علقمة بن عدي:
ومطعم الغنم يوم الغنم مطعمة * أني توجه والمحروم محروم (2)
ألا ترى أنه وضع الحرمان في مقابلة الاطعام، كما يوضع أبدا مقابلا للرزق. وقيل: إنه ذكر الاطعام، لان حاجة العباد إليه أشد، ولان نفيه عن الله أدل على نفي شبهه بالمخلوقين، لان الاطعام لا يجوز الاعلى الأجسام. والاختيار في " فاطر " الخفض لأنه من صفة (الله). والرفع، والنصب جائزان على المدح. فمن رفع فعلى اضمار (هو)، وتقديره: هو فاطر السماوات والأرض، وهو يطعم ولا يطعم. ومن نصب فعلى معنى: اذكروا عني. ومعنى: " فاطر السماوات والأرض " خالقهما، كما قال: " ومالي لا أعبد الذي فطرني واليه ترجعون " (3) أي خلقني. قال ابن عباس: ما كنت أدري ما معنى (فاطر) حتى اختصم إلي أعرابيان في بئر، فقال أحدهما: أنا فطرتها أي ابتدأتها. وأصل الفطر الشق، ومنه قوله تعالى: " إذا السماء انفطرت " (4) أي انشقت. ومعني " فطر السماوات والأرض " خلقهما خلقا قاطعا. والانفطار، والفطور تقطع وتشقق وفي الآية دلالة وحجة على الكفار، لان من خلق السماوات والأرض وأنشأ ما فيها، وأحكم تدبيرهما، واطعم من فيهما هو الذي ليس كمثله شئ وان الخلق فقراء إليه وهو الغني القادر القاهر، فلا يجوز لمن عرف ذلك أو جعل له السبيل إلى معرفته ان يعبد غيره. وقوله " وأمرت أن أكون أول من أسلم " معناه أن أكون أول من خضع، وآمن وعرف الحق من قومي، وأن اترك ما هم عليه من الشرك. ومثله قوله " قل إن كان للرحمان ولد فأنا أول العابدين " (5) بأنه لم يكن للرحمان ولد، يعني من هذه الأمة، لأنه قد عبد الله النبيون والمؤمنون قبله، ومثله قوله " سبحانك تبت إليك وأنا أول المؤمنين " (6) ممن سألك أن تريه نفسك - بأنك لا ترى. وقول السحرة " إنا نطمع أن يغفر لنا ربنا خطايانا ان كنا أول المؤمنين (7) بأن هذا ليس بسحر، وأنه الحق، أي أول المؤمنين من السحرة، ومعنى الولي - هاهنا - الاله الذي أعبده ليتولاني، ويحفظني. وقوله: " وأمرت أن أكون أول من أسلم ولا تكونن من المشركين " أي أمرت بالامرين معا: أن أكون أول من أسلم من هذه الأمة، وألا أكون من المشركين. والمعنى أمرت بذلك ونهيت عن الشرك، لان الامر لا يتناول ألا يكون الشئ، لأنه لا يكون أمرا إلا بإرادة المأمور، والإرادة لا تتعلق بألا يكون الشئ. وإنما المراد ما قلناه: أنه كره مني الشرك.1- ديوانه: 104، واللسان (طعم).
2- اللسان: الألف اللينة تفسير (أنى).
3- سورة 36 يس آية 22.
4- سورة 82 الانفطار آية 1.
5- سورة 43 الزخرف آية 81.
6- سورة 7 الأعراف آية 142.
7- سورة 26 الشعراء آية 52.