الآية 19

قوله تعالى: ﴿قُلْ أَيُّ شَيْءٍ أَكْبَرُ شَهَادةً قُلِ اللّهِ شَهِيدٌ بِيْنِي وَبَيْنَكُمْ وَأُوحِيَ إِلَيَّ هَذَا الْقُرْآنُ لأُنذِرَكُم بِهِ وَمَن بَلَغَ أَئِنَّكُمْ لَتَشْهَدُونَ أَنَّ مَعَ اللّهِ آلِهَةً أُخْرَى قُل لاَّ أَشْهَدُ قُلْ إِنَّمَا هُوَ إِلَهٌ وَاحِدٌ وَإِنَّنِي بَرِيءٌ مِّمَّا تُشْرِكُونَ﴾

اختلفوا في الهمزتين إذا كانت الأولى مفتوحة، والثانية مكسورة من كلمة واحدة نحو (أئنك) و (أإذا) و (أإنا) و (أإفكا) فقرأ ابن عامر وأهل الكوفة وروح بتحقيق الهمزتين حيث وقع إلا في قوله " أئنكم لتشهدون " هاهنا. وفي الأعراف " أئنكم لتأتون الرجال " (1) و " أإن لنا لأجرا " (2) و (أإما) حيث وقع. و " أإنك لانت يوسف " (3) و " أإذا ما مت " (4) وفي العنكبوت " أإنكم لتأتون الفاحشة " (5) و " أإنا لمغرمون " (6) في الواقعة. والاستفهامين في الرعد. وبني إسرائيل. والمؤمن. والنحل. وسجدة لقمان. والصافات. والواقعة. والنازعات. وسنذكر الخلاف فيها في مواضعها. الباقون بتحقيق: الأولى وتليين الثانية. وفصل بينهما بألف أهل المدينة. الا ورشا، وأبو عمرو، والحلواني عن هشام، وافقهم الداجوني عن هشام على الفصل في قوله " أإنا لتاركوا آلهتنا ". و " أإذا متنا " في (ق). وأما قوله " أئنكم ". هاهنا فقرأه ابن عامر وأهل الكوفة الا الكسائي عن أبي بكر وروح بتحقيق الهمزتين إلا أن الحلواني عن هشام يفصل بينهما بألف الباقون بتحقيق الأولى وتليين الثانية. وفصل بينهما بألف أهل المدينة الا ورشا وأبو عمرو والكسائي عن أبي بكر. وقد روي عن الكسائي عن أبي بكر أنه لا يفصل. أمر الله تعالى نبيه صلى الله عليه وآله أن يقول لهؤلاء الكفار " أي شئ أكبر شهادة " لأنهم كانوا مقرين بأنه لا شئ أكبر شهادة من الله، وإذا أقروا بأنه الله حينئذ أمره أن يقول لهم هو الشهيد بيني وبينكم على ما بلغتكم ونصحتكم وقررت عندكم من أن إلهكم إله واحد، وعلى براءتي من شرككم. والوقوف على قوله " قل الله " وقف تام. وفي الآية دلالة على من قال: لا يوصف تعالى بأنه شئ. لأنه لو كان كما قال لما كان للآية معنى كما أنه لا يجوز أن يقول القائل: أي الناس أصدق؟ فيجاب ب? (جبرائيل) لما لم يكن من جملة الناس بل كان من الملائكة. فان قيل قوله " أي شئ أكبر شهادة " تمام، وقوله " قل الله " ابتداء، وليس بجواب، ولو كان جوابا كان ما بعده من قوله " شهيد بيني وبينكم " لا ابتداء له ولا معنى له ؟ ! قيل: لسنا ننكر ذلك - الا أن هذا وإن كان هكذا لولا أنه متقررا عند السائل والمسؤول - ان الله شهيد - ما كان للكلام معنى، ولكان قوله: " قل أي شئ أكبر شهادة " لغوا وحشوا، وذلك منزه عن كلامه تعالى. وقوله: " لا نذركم به ومن بلغ " وقف تام. أي من بلغه القرآن الذي أنذرتكم به، فقد أنذرته كما أنذرتكم، وهو قول الحسن رواه عن النبي صلى الله عليه وآله: أنه قال: (من بلغه أني أدعو إلى لا إله إلا الله، فقد بلغه). يعني بلغته الحجة، وقامت عليه. وقال مجاهد: لأنذركم به " يعني أهل مكة. " ومن بلغ " من أسلم من العجم وغيرهم. وقوله " آلهة أخرى " ولم يقل اخر، لان الآلهة جمع والجمع يقع على التأنيث، كما قال: " ولله الأسماء الحسنى " (7) و " قال فما بال القرون الأولى " (8) ولم يقل الأول. والشاهد: هو المبين لدعوى المدعي. قال الحسن: قال المشركون لرسول الله صلى الله عليه وآله: من يشهد لك؟ فنزلت هذه الآية. وهي قوله: " وأوحى إلى هذا القرآن لأنذركم به " أي اني أخوفكم به، لان الانذار هو الاعلام على وجه التخويف. " ومن بلغ " يعني القرآن و (من) في موضع نصب بالانذار. ثم قال موبخا " أئنكم لتشهدون ان مع الله آلهة أخرى " ثم قال لنبيه: قل أنت يا محمد: لا أشهد بمثل ذلك بل اشهد أنه إله واحد " واني برئ مما تشركون " بعبادته مع الله واتخاذه إلها.

1- سورة 7 الأعراف آية 80.

2- سورة 7 الأعراف آية 112.

3- سورة 12 يوسف آية 90.

4- سورة 19 مريم آية 66.

5- سورة 29 العنكبوت آية 28.

6- سورة 56 الواقعة آية 66.

7- سورة 7 الأعراف آية 179.

8- سورة 20 طه آية 51.