الإنسان يختار إنسانيته

والإسلام يريد لهذا الإنسان أن يستأنف سيره التكاملي، ويحصل على المزيد من المكاسب في هذا الاتجاه بواسطة الإيمان والعمل الصالح، وبالصبر على مكابدة ذلك. والذي لا يحضّ على طعام المسكين قد انتهت به الأمور إلى درجة أنه لم يعد يتفاعل مع الأشياء، ولا يتأثر بما تختزنه من حوافز. فبأي شيء يتكامل إذًا؟ وكيف يحصل على الميزات الإنسانية التي يريد الإسلام أن يوجدها فيه، فإن الله لا يجبر أحدًا على اختيار ميزاته الإنسانية، بل الإنسان هو الذي يبادر إلى الحصول عليها، بجهده وتعبه، وبملء إرادته. فهو يولد على الفطرة، وهي صفحة بيضاء نقيّة، كالمرآة، وقد تتعرض للتلوّث لسبب أو لآخر، ولكنها تلويثات تبقى قابلة للإزالة، ويتوجه التكليف إليه هو بالذات ليتولّى ذلك، وليصونها من أي طارئ آخر.

ثم أنه مما آتاه الله من عقل، وإرادة، واختيار، ومما زوّده به، أو وضعه تحت اختياره من إمكانات، يستفيد منها وفقًا للتكليف الشرعي، المنطلق من المعرفة، يصبح قادرًا، ومكلّفًا ببناء شخصيته، والحصول على خصائصه وميزاته الإنسانية بجهده، وعمله الدائب، وبإرادته، واختياره.

وبذلك يفترق الإنسان عن الحيوان الذي لا اختيار له في ما يرتبط بصفاته وميزاته الحيوانية، لأنّ الله قد خلقه كاملاً في ذلك، ويبقى كذلك.