الآية 49

قوله تعالى: ﴿ثُمَّ يَأْتِي مِن بَعْدِ ذَلِكَ عَامٌ فِيهِ يُغَاثُ النَّاسُ وَفِيهِ يَعْصِرُونَ﴾

القراءة:

قرأ حمزة والكسائي بالتاء (تعصرون) على الخطاب أي أنتم. الباقون بالياء على الرجوع إلى الناس، وهذا حكاية ما بشر به يوسف المستفتي له أنه يأتي بعد هذه السنين الصعبة سنة. والعام السنة مأخوذ من العوم، لما لأهله فيه من السبح الطويل. وقال الخليل: العام حول يأتي على شتوة وصيفة. والحول، والسنة مثل ذلك. وقوله " فيه يغاث الناس " فالغوث النفع الذي يأتي على شدة حاجة ينفي المضرة، والغيث المطر الذي يجئ في وقت الحاجة، غاثهم الله يغيثهم غيثا، وأصابهم غيث. والغيث الكلأ الذي ينبت من ماء السماء وجمعه غيوث. والغياث أصله من الواو، أغاثه الله إغاثة، وغوث تغويثا: إذا قال وا غوثاه من يغيثني، ويقول الواقع في بلية: أغثني أغاثك الله، و (يغاث) يحتمل أن يكون من الياء. ويحتمل أن يكون من الواو " ويعصرون " قيل فيه ثلاثة أقوال:

أحدها: قال ابن عباس ومجاهد وقتادة: يعصرون الثمار التي تعتصر في الخصب من العنب والزيتون والسمسم. وحكى بعضهم أنهم لم يعصروا - أربع عشرة سنة - زيتا ولا عنبا، فيكون المعنى تعصرون للخصب الذي أتاكم، كما كنتم تعصرون في أيام الخصب.

الثاني: في رواية أخرى عن ابن عباس تحلبون.

الثالث: قال أبو عبيدة والزجاج: تنجون نجاء المعتصر بالماء عند الغصص، كما قال عدي بن زيد:

لو بغير الماء حلقي شرق * كنت كالغصان بالماء اعتصاري (1)

وقال أبو زيد الطائي:

صاديا يستغيث غير مغاث * ولقد كان عصرة المنجود (2)

واصل العصر عصر العنب، ونحوه من الرطب المستخرج ماؤه وكذلك ما فيه الدهن ليستخرج دهنه، ومنه العصارة ما يخرج بالعصر، والاعتصار شرب الماء قليلا قليلا عند الغصص، والمعصر الكاعب، لأنه يجري فيها ماء الشباب، والمعصرات السحائب التي تنعصر بالمطر، والأعصار ريح تثير السحاب أو الغبار، لأنه كالمعتصر منها. والعصرة المنجاة كنجا الغصان باعتصار الماء، والعصرة الدنية في النسب، لأنه كالمعتصر من الرطب. وقرئ يعصرون بضم الياء، وفتح الصاد شاذا ومعناه يمطرون. وقال البلخي: وهذا التأويل من يوسف يدل على بطلان قول من يقول: ان الرؤيا على ما عبرت أولا، لأنهم كانوا قالوا هي أضغاث أحلام، فلو كان ما قالوه صحيحا لما كان يتأولها.


1- مر هذا البيت في 1: 412.

2- تفسير القرطبي 9: 204 ومجاز القرآن 1: 313 وتفسير القرطين 1: 226.