الآيات 1-13 من سورة الليل

مكية في قول ابن عباس والضحاك وهي إحدى عشرون آية بلا خلاف.

بسم الله الرحمن الرحيم

قوله تعالى: ﴿وَاللَّيْلِ إِذَا يَغْشَى، وَالنَّهَارِ إِذَا تَجَلَّى، وَمَا خَلَقَ الذَّكَرَ وَالْأُنثَى، إِنَّ سَعْيَكُمْ لَشَتَّى، فَأَمَّا مَن أَعْطَى وَاتَّقَى، وَصَدَّقَ بِالْحُسْنَى، فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْيُسْرَى، وَأَمَّا مَن بَخِلَ وَاسْتَغْنَى، وَكَذَّبَ بِالْحُسْنَى، فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْعُسْرَى، وَمَا يُغْنِي عَنْهُ مَالُهُ إِذَا تَرَدَّى، إِنَّ عَلَيْنَا لَلْهُدَى، وَإِنَّ لَنَا لَلْآخِرَةَ وَالْأُولَى﴾

هذا قسم من الله تعالى بالليل إذا غشية الظلام، فاظلم وادلهم وغشى الأنام لما في ذلك من الهول المحرك للنفس بالاستعظام. ثم اقسم بالنهار إذا تجلى، ومعناه إذا أنار وظهر للابصار لما في ذلك من الاعتبار. وقيل التقدير والليل إذا يغشى النهار، فيذهب بضوئه (والنهار إذا تجل) أي جلى الليل، فأذهب ظلمته، ذكره الحسن. والغشي إلباس الشئ ما يغمر ويستر جملته، وإنما كرر ذكرهما في السورتين لعظم شأنهما، وجلالة موقعهما في باب الدلالة على توحيد الله - ذكره قتادة -. وقوله (وما خلق الذكر والأنثى) للتناسل بينهما. ويحتمل أن يكون المراد ومن خلق الذكر والأنثى، وفى قراءة عبد الله (والذي خلق الذكر والأنثى) لان (ما) بمعني الذي، وهو الله، فيكون القسم بالله. وعلى الأول يكون القسم بخلق الله. وقيل: المراد بالذكر والأنثى آدم وحواء عليهما السلام. وقوله (إن سعيكم لشتى) جواب للقسم، ومعناه إن سعيكم لمختلف، فسعي المؤمن خلاف سعي الكافر. ومعنى (شتى) أي متفرق على تباعد ما بين الشيئين جدا، ومنه شتان أي بعد ما بينهما جدا كبعد ما بين الثرى والثريا. ويقال: تشتت أمر القوم وشتتهم ريب الزمان. وقوله (فاما من اعطى واتقى) معناه من أعطى حق الله واتقى محارم الله - ذكره قتادة - (وصدق بالحسنى) قال ابن عباس وعكرمة: وصدق بالخلف. وقال الضحاك: صدق بتوحيد الله، وقال مجاهد والحسن: يعني صدق بالجنة. وقال قتادة: بوعد الله، والحسنى النعمة العظمى بحسن موقعها عند صاحبها، وهذه صفة الجنة التي أعدها الله تعالى للمتقين وحرمها من كذب بها. وقوله (فسنيسره لليسرى) معناه يسهل عليه الامر، فالتيسير تصيير الامر سهلا. ومثله التسهيل والتخفيف، ونقيض التيسير والتعسير وهو تصير الامر صعبا. واليسير نقيض العسير، يقال: أيسر إذا كثر ماله ويوسر ايسارا. وتقديره فسنيسره للحال اليسرى، فلذلك أنث فحال اليسير اليسرى، وحال العسير العسرى والتيسير لليسرى يكون بأن يصيرهم إلى الجنة، والتيسير للعسرى بأن يصبرهم إلى النار. ويجوز أن يكون ا لمراد بالتمكين من سلوك طريق الجنة، والتمكين من سلوك طريق النار. ومعناه إنا لسنا نمنع المكلفين من سلوك أحد الطريقين ولا نضطرهم إليه، وإنما نمكنهم بالاقرار عليهما ورفع المنع، والترغيب في إحداهما، والتزهيد في الأخرى. فان أحسن الاختيار اختار ما يؤديه إلى الجنة. وإن أساء فاختار ما يؤد به إلى النار فمن قبل نفسه أتى. وقوله (وأما من بخل واستغنى) يعني به من منع حق الله الذي أوجب عليه من الزكاة والحقوق الواجبة في ماله، واستغنى بذلك وكثر ماله، فسنيسره للعسرى يعني طريق النار. وقد بينا كيفية تيسير الله لذلك من التمكين أو التصيير فلا حاجة لإعادته. والعسرى البلية العظمى بما تؤدي إليه، ونقيضها اليسرى، وهو مأخوذ من العسر واليسر، فحال العسر العسرى وحال اليسر اليسرى، ومذكره الأيسر، والامر الأعسر. وقال الفراء: المعنى فسنيسره للعود إلى الصالح من الاعمال ونيسره من الاعمال للعسرى على مزاوجة الكلام. والأولى أن تكون الآيتان على عمومهما في كل من يعطي حق الله، وكل من يمنع حقه، لأنه ليس - ههنا - دليل قاطع على أن المختص بها إنسان بعينه، وقد روي أنها نزلت في أبي الدحداح الأنصاري، وسمرة بن حبيب، ورووا في ذلك قصة معروفة. وروي في غيره وقوله (وما يغنى عنه ماله إذا تردى) معناه أي شئ يغني عن هذا الذي بخل بماله، ولم يخرج حق الله منه (إذا تردى) يعني في نار جهنم - في قول قتادة وأبي صالح - وهو المروي عن أبي جعفر عليه السلام. وقال مجاهد: معناه إذا مات. وقال قوم: معناه (إذا تردى) في القبر أي شئ يغنيه. وقيل (إذا تردى) في النار فما الذي يغنيه. وقوله (إن علينا للهدى قال قتادة: معناه إن علينا لبيان الطاعة من المعصية وقيل في قوله (إن علينا للهدى) دلالة على وجوب هدى المكلفين إلى الدين، وإنه لا يجوز إضلالهم منه. وقوله (وإن لنا للآخرة) معناه الاخبار من الله بأن له دار الآخرة والجزاء فيها على الاعمال، والأمر والنهي ليس لأحد سواه، لان دار الدنيا قد ملك فيها أقواما التصرف، وقوله (والأولى) معناه وإن لنا الأولى أيضا يعني دار الدنيا فإنه الذي خلق الخلق فيها، وهو الذي مكنهم من التصرف فيها وهو الذي ملكهم ما ملكهم، فهي أيضا ماله على كل حال.