الآيات 11-15 من سورة الشمس

قوله تعالى: ﴿كَذَّبَتْ ثَمُودُ بِطَغْوَاهَا، إِذِ انبَعَثَ أَشْقَاهَا، فَقَالَ لَهُمْ رَسُولُ اللَّهِ نَاقَةَ اللَّهِ وَسُقْيَاهَا، فَكَذَّبُوهُ فَعَقَرُوهَا فَدَمْدَمَ عَلَيْهِمْ رَبُّهُم بِذَنبِهِمْ فَسَوَّاهَا، وَلَا يَخَافُ عُقْبَاهَا﴾

القراءة:

قرأ أهل المدينة وابن عامر (فلا يخاف) بالفاء وكذلك هي في مصاحف أهل المدينة وأهل الشام. الباقون بالواو، وكذلك في مصاحفهم. يقول الله تعالى مخبرا عن ثمود وهم قوم صالح (كذبت ثمود بطغواها) قال ابن عباس: يعني بعذابها أي بعذاب الطاغية فأتاها ما كذبت به. وقال مجاهد: بمعصيتها - وهو قول ابن زيد - وهو وجه التأويل، والطغوى والطغيان مجاوزة الحد في الفساد وبلوغ غايته، تقول: طغى يطغي إذا جاوز الحد، ومنه قوله (لما طغى الماء) (1) أي لما تجاوز المقدار على ما جرت به العادة وكثر. وقوله (إذا انبعث أشقاها) أي كان تكذيبها حين انبعث أشقى ثمود، وقيل اسمه قدار بن سالف. وقال قوم: عقر الناقة الناقة هو تكذيبهم. وقيل: لان، بل هو غيره. وقيل: كانوا أقروا بأن لها شربا ولهم شرب غير مصدقين بأنه حق. والشفاء شدة الحال في مقاساة الآلام، فالاشقا هو الأعظم شقاء، ونقيض الشقاء السعادة، ونقيض السعود النحوس يقال: شقي يشقى شقاء، فهو شقي نقيض سعيد، واشقاه الله اشقاء. وقوله (فقال لهم رسول الله) يعني صالحا، فإنه قال لهم: ناقة الله وتقديره فاحذروا، ناقة الله، فهو نصب على الاغراء كما تقول: الأسد الأسد، أي احذره (وسقياها) فالسقاء الحظ من الماء. وهو النصيب منه، كما قال تعالى (لها شرب ولكم شرب يوم معلوم) (2) والسقي التعريض للشرب. وقوله (فكذبوه) أي كذب قوم صالح صالحا ولم يلتفتوا إلى قوله (فعقروها) يعني الناقة. فالعقر قطع اللحم بما يسيل الدم عقره يعقره عقرا فهو عاقر، ومنه عقر الحوض وهو أصله، والعقر نقض الشئ عن أصل بنية الحيوان، وعاقر الناقة أحمر ثمود، وهم يروه وكلهم رضوا بفعله. فعمهم البلاء بأن عاقبهم الله تعالى لرضاهم بفعله. وقوله (فدمدم عليهم ربهم بذنبهم فسواها) معناه أهلكهم الله تعالى عقوبة على ذنوبهم من تكذيب صالح وعقر الناقة. وقيل: معنى دمدم عليهم دمر عليهم. وقيل: معناه أطبق عليهم بالعذاب يقال دمدمت على الشئ إذا ضيقت عليه، وناقة مدمدمة قد ألبسها الشحم، فإذا كررت الاطباق قلت دمدمت. وقيل (دمدم عليهم) أي غضب عليهم، فالدمدمة ترديد الحال المتكرهة، وهي مضاعفة ما فيه المشقة، فضاعف الله تعالى على ثمود العذاب بما ارتكبوا من الطغيان. وقوله (فسواها) أي جعل بعضها على مقدار بعض في الاندكاك واللصوق بالأرض، فالتسوية تصيير الشئ على مقدار غيره. وقوله (ولا يخاف عقابها) قال ابن عباس والحسن وقتادة ومجاهد: معناه لا يخاف الله تعالى تبعة الدمدمة. وقال الضحاك: معناه لم يخف الذي عقرها عقباها والعقبى والعاقبة واحد، وهو ما أدى إليه الحال الأولى، قال أبو علي: من قرأ بالفاء فللعطف على قوله (فكذبوه فعقروها) فلا يخاف كأنه تبع تكذيبهم عقرهم أي لم يخافوا. ومن قرأ (ولا) بالواو جعل الجملة في موضع الحال، وتقديره فسواها غير خائف عقباها أي غير خائف أن يتعقب عليه في شئ مما فعله.


1- سورة 69 الحاقة آية 11.

2- سورة 26 الشعراء آية 155.