الآيات 11-20 من سورة الغاشية

قوله تعالى: ﴿لَّا تَسْمَعُ فِيهَا لَاغِيَةً، فِيهَا عَيْنٌ جَارِيَةٌ، فِيهَا سُرُرٌ مَّرْفُوعَةٌ، وَأَكْوَابٌ مَّوْضُوعَةٌ، وَنَمَارِقُ مَصْفُوفَةٌ، وَزَرَابِيُّ مَبْثُوثَةٌ، أَفَلَا يَنظُرُونَ إلى الْإِبِلِ كَيْفَ خُلِقَتْ، وَإِلَى السَّمَاء كَيْفَ رُفِعَتْ، وَإِلَى الْجِبَالِ كَيْفَ نُصِبَتْ، وَإِلَى الْأَرْضِ كَيْفَ سُطِحَتْ﴾

القراءة:

قرأ (لا يسمع) بالياء المضمومة (فيها لاغية) رفعا على ما لم يسم فاعله لان التأنيث ليس بحقيقي وقد فصل بينهما ب? (فيها) ابن كثير وأب وعمرو وريس. وقرأ نافع وحده (لا تسمع) بالتاء مضمومة (لاغية) مرفوعة، لان اللفظ لفظ التأنيث. الباقون بفتح التاء على الخطاب (لاغية) منصوبة، لأنها مفعول بها. لما ذكر الله تعالى ان المؤمنين يحصلون في جنة عالية في الشرف والمكان بين انه (لا يسمع فيها) في تلك الجنة (لاغية) وهي كلمة لا فائدة فيها قال الشاعر: عن اللغا ورفث التكلم (1) واللغو واللغا بمنزلة واحدة، ولغي يلغي، ولغا يلغو، والغاه ألغاه. وقيل (لاغية) بمعنى ذات لغو، كقولهم نابل ودارع أي ذو نبل ودرع، وتامر ذو تمر قال الحطيئة:

وغررتني وزعمت إنك * لابن باليضف تأمر (2)

وقيل: إنها المصدر مثل العاقية. ويجوز أن يكون نعتا، وتقديره لا يسمع فيها كلمة لاغية والأول أصح، لقوله (لا لغو فيها ولا تأثيم) (3) وإنما نفي اللاغية عن الجنة، لان في سماع ما لا فائدة فيه ثقلا على النفس، ثم بين أن فيها أيضا أي في تلك الجنة عينا من الماء جارية، لان في العين الجارية متعة ليس في الواقف. وقوله (فيها سرر مرفوعة) ليرى المؤمن بجلوسه عليها جميع ما حوله من الملك. وقوله (وأكواب موضوعة) أي على حافة العين الجارية، كلما أراد شربها وجدها مملوءة، فالأكواب جمع كوب، وهي الأباريق التي ليس لها خراطيم، فهي للشراب من الذهب والفضة والجوهر يتمتعون بالنظر إليها بين أيديهم ويشربون بها ما يشتهون من لذيذ الشراب، وهي كأفخر الأكواز التي توضع بين يدي الملوك. وقيل: الأكواب كالأباريق لا عرى لها ولا خراطيم وهي آنية تتخذ للشراب فاخرة حسنة الصورة. وقوله (ونمارق مصفوفة) قال قتادة: النمارق الوسائد واحدها نمرقة وهي الوسادة، وهي تصلح للراحة، ورفع المنزلة. وقوله (وزرابي مبثوثة) فالزرابي البسط الفاخرة واحد هما زربية. وقيل قد سمع (نمرقة) بضم النون والراء وكسرهما ثم نبه تعالى على الأدلة التي يستدل بها على توحيده ووجوب إخلاص العبادة له فقال (أفلا ينظرون) أي أفلا يتفكرون بنظرهم (إلى الإبل كيف خلقت) ويعتبرون بما خلقه الله عليه من عجيب الخلق، ومع عظمه وقوته يذلله الصبي الصغير فينقاد له بتسخير الله ويبركه ويحمل عليه ثم يقوم، وليس ذلك في شئ من الحيوان، بتسخير الله لعباده ونعمته به على خلقه (وإلى السماء) أي وينظرون إلى السماء (كيف رفعت) رفعها فوق الأرض وجعل بينهما هذا الفضاء الذي به قوام الخلق وحياتهم. ثم ما خلقه فيه من عجائب الخلق من النجوم والشمس والقمر والليل والنهار الذي بجميع ذلك ينتفع الخلق وبه يتم عيشهم ونفعهم (والى الجبال كيف نصبت) أي ويفكرون في خلق الله تعالى الجبال أوتاد الأرض ومسكه لها ولولاها لمادت الأرض بأهلها، ولما صح من الخلق التصرف عليها (وإلى الأرض كيف سطحت) أي وينظرون إلى الأرض كيف بسطها الله وسطحها ووسعها ولولا ذلك لما صح الانتفاع بها والاستقرار عليها، وهذه نعم من الله تعالى على خلقه لا يوازيها نعمة منعم، ولا يقاربها إحسان محسن فيجب أن يقابل ذلك بأعظم الشكر.


1- مر في 2 / 132، 164، 230 و 7 / 38 و 8 / 193 و 9 / 120.

2- مر في 8 / 468.

3- سورة 52 الطور آية 23.