الآيات 6-9 من سورة الصف
قوله تعالى: ﴿وَإِذْ قَالَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ يَا بَنِي إِسْرَائِيلَ إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُم مُّصَدِّقًا لِّمَا بَيْنَ يَدَيَّ مِنَ التَّوْرَاةِ وَمُبَشِّرًا بِرَسُولٍ يَأْتِي مِن بَعْدِي اسْمُهُ أَحْمَدُ فَلَمَّا جَاءهُم بِالْبَيِّنَاتِ قَالُوا هَذَا سِحْرٌ مُّبِينٌ، وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ وَهُوَ يُدْعَى إلى الْإِسْلَامِ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ، يُرِيدُونَ لِيُطْفِؤُوا نُورَ اللَّهِ بِأَفْوَاهِهِمْ وَاللَّهُ مُتِمُّ نُورِهِ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ، هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ﴾
القراءة:
قرأ ابن كثير وحمزة والكسائي وحفص عن عاصم وخلف " متم نوره " مضافا. وقرأ الباقون " متم نوره " منصوبا. والقراءتان متقاربتان إلا أن اسم الفاعل إذا كان لما مضى لا يعمل ولا يجوز إلا الإضافة، وإذا كان للحال والاستقبال جاز فيه التنوين والإضافة. يقول الله تعالى لنبيه صلى الله عليه وآله اذكر يا محمد " إذ قال عيسى بن مريم " لقومه الذين بعث إليهم " يا بني إسرائيل إني رسول الله إليكم مصدقا " نصب على الحال (لما بين يدي من التوراة) إنما سماه لما بين يديه وهو قد تقدمه وهو خلفه بمضيها لأنها متقدمة. وهو متوجه إليها بالاخذ بها، فلها جهتان: جهة المضي جهة التقدم (ومبشرا برسول) عطف على قوله (مصدقا) وهو أيضا نصب على الحال (يأتي من بعدي اسمه أحمد) يعنى نبينا محمد صلى الله عليه وآله. وقوله (اسمه أحمد) فأحمد عبارة عن الشخص. والاسم قول، والقول لا يكون الشخص. وخبر المبتدأ ينبغي أن يكون هو المبتدأ إذا كان مفردا. والوجه فيه ان يقدر فيه (قول) فكأنه قال اسمه قول أحمد، كما تقول: الليلة الهلال، وأنت تريد الليلة طلوع الهلال فتحذف المضاف وتقيم المضاف إليه مقامه. وقوله (فلما جاءهم بالبينات قالوا هذا سحر مبين) قيل فيه قولان:
أحدهما: إن محمدا لما جاء كفار قومه بالبينات أي المعجزات، قالوا هذا سحر واضح بين.
وقال قوم: معناه فلما جاء عيسى قومه بالبينات والمعجزات قالوا له هذا القول. ومن نسب الحق إلى السحر فقد جرى في ذلك مجرى الجحد لنعم الله في أنه قد كفر، فإن كان دون ذلك كان جاهلا وفاسقا، لو لم يكفر. والسحر حيلة توهم امرا ليس له حقيقة كايهام انقلاب الحبل حية. وقوله (ومن أظلم ممن افترى على الله الكذب وهو يدعى إلى الاسلام) صورته صورة الاستفهام والمراد به التبكيت. ومعناه لا أحد أظلم لنفسه ممن افترى على الله الكذب وخرص عليه، وهو يدعى إلى الاسلام يعني الاستسلام لامره والانقياد لطاعته، وهو متوجه إلى كفار قريش وسائر في جميع الكفار. ثم قال (والله لا يهدي القوم الظالمين) ومعناه لا يحكم بهداية القوم الظالمين الذين هم الكفار. وقيل: معناه لا يهدي الكفار إلى الثواب، لأنهم كفار ظالمون لأنفسهم بفعل الكفر والمعاصي التي يستحق بها العقاب، وكل كافر ظالم لأنه أضر نفسه بفعل معصية استحق بها العقاب من الله تعالى، فكفره ضرر قبيح. ثم وصف الكافرين الذين عناهم بالآية فقال (يريدون ليطفئوا نور الله بأفواههم) ومعناه إنهم يريدون إذهاب نور الاسلام والايمان بفاسد الكلام الذي يجرى مجرى تراكم الظلام. وقيل: معناه هم كمن أراد اطفاء نور الشمس بفيه. وقوله (والله متم نوره ولو كره الكافرون) معناه إن الله يتم نور الاسلام ويبلغ غايته وإن كره ذلك الكفار الجاحدون لنعم الله. ثم قال (هو الذي) يعني الله الذي اخبر عنه بأنه يتم نوره (أرسل رسوله) يعني محمد صلى الله عليه وآله (بالهدى ودين الحق) من التوحيد وإخلاص العبادة لله ودين الاسلام وما تعبد فيه الخلق (ليظهره على الدين كله) بالحجج القاهرة والدلائل الباهرة (ولو كره المشركون) ذلك. وفى الآية دلالة على صحة النبوة، لأنه تعالى قد أظهر دينه على الأديان كلها بالاستعلاء والقهر، كما وعد في حال القلة والضعف.