خاتمة الباب الأول

لقد استعرضنا في الباب الأول كلّ ما يتعلق بـ " الشيعة والتحريف "، حيث ذكرنا كلمات أعلام الشيعة في نفي التحريف، وأدلّتهم على ما ذهبوا إليه من الكتاب والسنّة والإجماع وغيرها، وأجوبتهم عن الروايات الواردة في كتبهم المفيدة بظاهرها لنقصان القرآن، وعن الشبهات التي قد تثار حوله على ضوء تلك الروايات.

ولقد لا حظنا أنّ الروايات الموهمة للتحريف منقسمة إلى ما دلّ على اختلاف قراءة أهل البيت مع القرّاء في قراءة بعض الآيات، وما دلّ على تأويلات لهم لبعضٍ آخر، وما دلّ على سقوط كذا آية من السورة وكذا آية من تلك.

أمّا القسم الأوّل فلا ينكر أنّ الأئمة عليهم السلام يختلفون مع القرّاء في قراءة كثير من الآيات والكلمات، غير أنّهم أمروا شيعتهم بأن قرأوا كما يقرأ الناس، وهذا القسم خارج عن بحثنا.

وأما القسم الثاني فإنّه راجع إلى التأويل، ولا ريب في أن أهل البيت عليهم السّلام أدرى بحقائق القرآن، معاني آياته من كلّ أحد، والأدلة على ذلك لا تحصى، وقد روي عن أبي الطفيل أنّه قال: " شهدت علياً يقول: سلوني، والله لا تسألوني إلاّ أخبرتكم، سلوني عن كتاب الله، فوالله ما من آية إلاّ وأنا أعلم بليل نزلت أم بنهار، أم في سهل أم في جبل "(1).

وعن ابن سعد: " سمعت علياً يقول: والله ما نزلت آية إلاّ وقد علمت فيما نزلت وأين نزلت وعلى من نزلت، إنّ ربي وهب لي قلباً عقولاً ولساناً ناطقاً "(2).

ولذا رووا عن ابن مسعود أنّه قال: " ما من حرف إلاّ وله ظهر وبطن، وإنّ علياً عنده من الظاهر والباطن "(3).

وروى ابن المغازلي: أنّ الذي عنده علم الكتاب هو علي بن أبي طالب (عليه السلام)(4).

ومتى وردت رواية معتبرة تحكي تأويلاً أو تفسيراً عنهم لآية وجب الآخذ بها، إمتثالاً لأمر النبي (صلّى الله عليه وآله وسلّم) في الأحاديث المتواترة بين المسلمين بالرجوع إليهم والإنقياد لهم والأخذ عنهم والتعلّم منهم.

وأما القسم الثالث فإنّ ما تمّ منه سنداً نادر جداً، على أنّ أهل السنّة يشاركون الشيعة في نقل مثل هذه الروايات كما سنرى.

ومن هنا لا حظنا أنّ أكثر من 90% من علماء الشيعة - الذين عليهم الإعتماد وإليهم الإستناد في اصولهم وفروعهم - ينفون النقصان عن القرآن نفياً قاطعاً ولم يقل بنقصانه إلاّ أقل من ال- 5% منهم... وهي آراء شخصيّة لا تمثل رأي الطائفة.

وتلخّص: أنّ مذهب الشيعة عدم تحريف القرآن بمعنى النقيصة في ألفاظه، وقد اعترف بذلك الشيخ عبدالعزيز الدهلوي(5) والشيخ رحمة الله الهندي(6) وغيرهما من أعلام أهل السنّة، وهذا هو الذي ينسب إلى أئمتنا عليهم السّلام وعلى رأسهم أمير المؤمنين الذي قال: " إنا لم نحكّم الرجال وإنّما حكّمنا القرآن، وهذا القرآن إنما هو خط مسطور بين الدفتين، لا ينطق بلسان ولا بدّ له من ترجمان ".

فلننظر ما هو رأي غيره (عليه السلام) من الصحابة، وما رأي شيعتهم المنعكس في صحامهم ومسانيدهم وكتبهم المعتبرة، في الباب الثاني.


1- طبقات ابن سعد 2: 238، الاصابة 4: 503، المستدرك 2: 466، الصواعق 1: 127، كنز العمال 6: 405، فيض القدير 3: 46، الرياض النضرة 2: 188.

2- طبقات ابن سعد 2: 228، كنز العمال 6: 396، الصواعق: 12.

3- حلية الأولياء 1: 65.

4- المناقب: 314.

5- التحفة الاثنا عشرية: 139.

6- إظهار الحق 2: 89.