الآيات 11-15

قوله تعالى: ﴿أَلَمْ تَر إلى الَّذِينَ نَافَقُوا يَقُولُونَ لِإِخْوَانِهِمُ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ لَئِنْ أُخْرِجْتُمْ لَنَخْرُجَنَّ مَعَكُمْ وَلَا نُطِيعُ فِيكُمْ أَحَدًا أَبَدًا وَإِن قُوتِلْتُمْ لَنَنصُرَنَّكُمْ وَاللَّهُ يَشْهَدُ إِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ، لَئِنْ أُخْرِجُوا لَا يَخْرُجُونَ مَعَهُمْ وَلَئِن قُوتِلُوا لَا يَنصُرُونَهُمْ وَلَئِن نَّصَرُوهُمْ لَيُوَلُّنَّ الْأَدْبَارَ ثُمَّ لَا يُنصَرُونَ، لَأَنتُمْ أَشَدُّ رَهْبَةً فِي صُدُورِهِم مِّنَ اللَّهِ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لَّا يَفْقَهُونَ، لَا يُقَاتِلُونَكُمْ جَمِيعًا إِلاَّ فِي قُرًى مُّحَصَّنَةٍ أَوْ مِن وَرَاء جُدُرٍ بَأْسُهُمْ بَيْنَهُمْ شَدِيدٌ تَحْسَبُهُمْ جَمِيعًا وَقُلُوبُهُمْ شَتَّى ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لَّا يَعْقِلُونَ، كَمَثَلِ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ قَرِيبًا ذَاقُوا وَبَالَ أَمْرِهِمْ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ﴾

القراءة:

قرأ ابن كثير وأبو عمرو " من وراء جدار " على التوحيد. الباقون " جدر " على الجمع. لما وصف الله تعالى المهاجرين الذين هاجروا من مكة وما لهم من الفضل، وذكر الأنصار ومالهم من جزيل الثواب، وذكر التابعين باحسان وما يستحقونه من النعيم في الجنان، ذكر المنافقين وما يستحقونه وما هم عليه من الأوصاف. فقال " ألم تر " يا محمد " إلى الذين نافقوا " فأظهروا الايمان وأبطنوا الكفر " يقولون لاخوانهم " في الكفر وهم " الذين كفروا من أهل الكتاب " يعني يهود بني النضير (لئن أخرجتم) من بلادكم (لنخرجن معكم) مساعدين لكم (ولا نطيع فيكم أحدا ابدا) يعني في قتالكم ومخاصمتكم (ولئن قوتلتم) معاشر بني النضير (لننصرنكم) ولندفعن عنكم. فقال الله تعالى (والله يشهد انهم لكاذبون) فيما يقولونه في مساعدتهم والخروج معهم والدفاع عنهم. وظاهره يدل على أنهم لم يخبروا عن ظنهم، لأنهم لو أخبروا عن ظنهم وعن نيتهم لما كانوا كاذبين. ويحتمل: ان يكونوا كاذبين في العزم أيضا بأن يقولوا إنهم عازمون ولا يكونوا كذلك. ثم قال تعالى (لئن أخرجوا) يعني بني النضير (لا يخرجون معهم) يعني المنافقون الذين قالوا لهم إنا نخرج معكم (ولئن قوتلوا لا ينصرونهم ولئن نصروهم ليولن الادبار) أي ينهزمون ويسلمونهم (ثم لا ينصرون) الجميع، وقال الزجاج: فيه وجهان:

أحدهما: إنهم لو تعاطوا نصرهم

الثاني: ولئن نصرهم من بقي منهم لولوا الادبار، فعلى هذا لا ينافي قوله (لا ينصرونهم) قوله (ولئن نصروهم). ثم خاطب المؤمنين، فقال (لأنهم أشد رهبة في صدورهم من الله) أي أنتم أشد خوفا في قلوب هؤلاء المنافقين يخافونكم مالا يخافون الله (ذلك بأنهم قوم لا يفقهون) أي لأنهم قوم لا يفقهون الحق ولا يعرفونه ولا يعرفون معاني صفات الله، فالفقه العلم بمفهوم الكلام في ظاهره ومتضمنه عند إدراكه، ويتفاضل أحوال الناس فيه. وقيل: إن المنافقين الذين نزلت فيهم هذه الآية عبد الله بن أبي سلول وجماعة معه بعثوا إلى بني النضير بهذه الرسالة - ذكره ابن عباس ومجاهد - ثم عاد تعالى إلى ذكر الخبر عن أحوال بني النضير، فقال (لا يقاتلونكم) معاشر المؤمنين (إلا في قرى محصنة) يعني ممتنعة جعل عليها حصون (أو من وراء جدر) أي من وراء الحيطان، فالجدار الحائط. فمن قرأ على التوحيد فلانه اسم جنس يقع على القليل والكثير، ومن قرأ على الجمع، فلاختلاف الجدران. ثم قال (بأسهم بينهم شديد تحسبهم جميعا وقلوبهم شتى) معناه عداوة بعض هؤلاء اليهود لبعض شديدة وقلوبهم شتى بمعاداة بعضهم لبعض أي ظاهرهم على كلمة واحدة وهم متفرقون في الباطن (ذلك بأنهم قوم لا يعقلون) يعنى ما فيه الرشد مما فيه الغي. وقال مجاهد (وقلوبهم شتى) يعني المنافقين وأهل الكتاب، وإنما كان قلوب من يعمل بخلاف العقل شتى لاختلاف دواعيهم وأهوائهم، وداعي الحق واحد، وهو داعي العقل الذي يدعو إلى طاعة الله والاحسان في الفعل. وقوله (كمثل الذين من قبلهم قريبا) معناه مثل هؤلاء كمثل الذين من قبلهم يعني بني قنيقاع - في قول ابن عباس - وقال مجاهد: هم مشركوا قريش ببدر - (ذاقوا وبال أمرهم) من الشرك والكفر بالله فان عاقبة أمرهم كان القتل أو الجلاء وفي الآية دلالة على النبوة من جهة علم الغيب الذي لا يعلمه إلا الله تعالى وقوله (ولئن نصروهم ليولن الادبار) جاء على تقدير المستقبل كما يجيئ في الماضي ب? (لو) لتبين خورهم وضعف قلوبهم، واللام في قوله (لئن اخرجوا) و (لئن قوتلوا) و (لئن نصروهم) كلها لام القسم. واللام في قوله (ليولن الادبار) جواب القسم.