ترجمته وشأن كتابه

لقد ترجم علماء الشيعة للكليني بكلّ ثناء وإطراء وتعظيم وتفخيم، فقد قال أبو العباس النجاشي: " شيخ أصحابنا في وقته بالري ووجههم، وكان أوثق الناس في الحديث وأثبتهم، صنّف الكتاب الكبير المعروف بالكليني، يسمى (الكافي) في عشرين سنة "(1) وقال الشيخ الطوسي: " عالم بالأخبار، له كتاب (الكافي) يشتمل على ثلاثين كتاباً "(2) وقال المامقاني: " أمر محمد بن يعقوب في العلم والفقه والحديث والثقة والورع وجلالة الشأن وعظيم القدر وعلوّ المنزلة وسموّ المرتبة أشهر من أن يحيط به قلم ويستوفيه رقم "(3).

وقال الشيخ بهاء الدين العاملي في (الوجيزة): " ولجلالة شأنه عدّه جماعة من علماء العامة كابن الأثير في كتاب جامع الاصول من المجددين لمذهب الإمامية على رأس المائة الثالثة، بعد ما ذكر أن سيدنا وإمامنا أبا الحسن علي بن موسى الرضا (عليه السلام) هو المجدّد لهذا المذهب على رأس المائة الثانية ".

أما كتابه " الكافي " فهو أهم كتب الشيعة الإثني عشرية وأجلّها وأعظمها في الاصول والفروع والمعارف الإسلامية، وإليه يرجع الفقيه في استنباطه للأحكام الشرعية، وعليه يعتمد المحدّث في نقله للأخبار والأحاديث الدينية، ومنه يأخذ الواعظ في ترهيبه وترغيبه.

إلاّ أنّه تقرر لدى علماء الطائفة - حتى جماعة من كبار الأخباريين - لزوم النظر في سند كلّ خبر يراد الأخذ به في الاصول والفروع، إذ ليست أخبار الكتب الأربعة - وأوّلها الكافي - مقطوعة الصدور عن المعصومين، بل في أسانيدها رجال ضعّفهم علماء الفن ولم يثقوا برواياتهم، ومن هنا قسّموا أخبار الكتب إلى الأقسام المعروفة، واتّفقوا على اعتبار " الصحيح " وذهب أكثرهم إلى حجّية " الموثّق " وتوقف بعضهم في العمل ب- " الحسن ". وأجمعوا على وجود الأخبار " الضعيفة " في الكتب الأربعة المعروفة، وقد ذكرنا هذه الحقيقة في الامور الأربعة ببعض التفصيل.

ونزيد تأكيداً هنا بذكر مثالين أحدهما: أنّ الكليني روى في " الكافي " أن يوم ولادة النبي (صلّى الله عليه وآله وسلّم) هو اليوم الثاني عشر من شهر ربيع الأوّل - ولذا نسب إليه القول بذلك - ولم يوافقه احد من علماء الشيعة عليه فيما نعلم، بل ذهبوا إلى أنّه اليوم السابع عشر منه. والثاني: أنّ الكليني روى في " الكافي " كتاب (الحسن بن العباس بن حريش) في فضل " إنّا أنزلناه في ليلة القدر " وقد ضعف الشيخ أبو العباس النجاشي والشيخ ابن الغضائري وغيرهما الرجل وذمّوا كتابه المذكور(4).

وسواء صح ما ذكروا أو لم يصح فإنّ الغرض من ذكر هذا المطلب هو التمثيل لما ذكرناه من رأي أكابر العلماء في روايات الكليني.

وعلى الجملة، فإنّه ليست أخبار " الكافي " كلها بصحيحةٍ عند الشيعة حتى يصح إطلاق عنوان " الصحيح " عليه، بل فيها الصحيح والضعيف وإن كان " الصحيح " قد لا يعمل به، و " الضعيف " قد يعتمد عليه، كما هو معلوم عند أهل العلم والتحقيق... وهذه هي نتيجة البحث في هذه الجهة.


1- رجال النجاشي: 266.

2- الفهرست للطوسي: 161.

3- معالم العلماء: 154.

4- انظر تنقيح المقال 1: 286.