الآيات 41-50

قوله تعالى: ﴿وَأَصْحَابُ الشِّمَالِ مَا أَصْحَابُ الشِّمَالِ، فِي سَمُومٍ وَحَمِيمٍ، وَظِلٍّ مِّن يَحْمُومٍ، لَّا بَارِدٍ وَلَا كَرِيمٍ، إِنَّهُمْ كَانُوا قَبْلَ ذَلِكَ مُتْرَفِينَ، وَكَانُوا يُصِرُّونَ عَلَى الْحِنثِ الْعَظِيمِ، وَكَانُوا يَقُولُونَ أَئِذَا مِتْنَا وَكُنَّا تُرَابًا وَعِظَامًا أَئِنَّا لَمَبْعُوثُونَ، أَوَ آبَاؤُنَا الْأَوَّلُونَ، قُلْ إِنَّ الْأَوَّلِينَ وَالْآخِرِينَ، لَمَجْمُوعُونَ إلى مِيقَاتِ يَوْمٍ مَّعْلُومٍ﴾

عشر آيات كوفي عند جميعهم. وإحدى عشر آية في المدني الأول. عد الكل " وأصحاب الشمال " ولم يعده الكوفيون. وعد الكل " في سموم وحميم " ولم يعده الكوفيون، وعد " المكنون " و " كانوا يقولون " ولم يعده الباقون. وعد الكل إلا إسماعيل والشاميين " الأولين والآخرين " وعد إسماعيل والشاميون " لمجموعون " ولم يعده الباقون. قيل في معنى قوله " وأصحاب الشمال " ثلاثة أقوال:

أحدها: إنهم الذين يؤخذ بهم ذات الشمال إلى جهنم

الثاني: هم الذين يأخذون كتبهم بشمالهم.

الثالث: الذين يلزمهم حال الشؤم والنكد. وكل هذا من أوصافهم. وقوله " ما أصحاب الشمال " معناه معنى قوله " وأصحاب المشأمة ما أصحاب المشئمة " وقد فسرناه. وقوله " في سموم وحميم " فالسموم الريح الحارة التي تدخل في مسام البدن، ومسام البدن خروقه، ومنه أخذ السم، لأنه يسري في المسام. والحميم الحار الشديد الحرارة من الماء، ومنه قوله " يصب من فوق رؤسهم الحميم " (1) وحم ذلك أي أدناه كأنه حرر أمره حتى دنا. وقيل: في سمون جهنم وحميمها. وقوله " وظل من يحموم " فاليحموم الأسود الشديد السواد باحتراق النار، وهو (يفعول) من الحم، وهو الشحم المسود باحتراق النار. وأسود يحموم أي شديد السواد " وظل من يحموم " أي دخان شديد السواد - في قول ابن عباس وأبي مالك ومجاهد وقتادة وابن زيد - وقوله " لا بارد ولا كريم " معناه لا بارد كبرد ظلال الشمس، لأنه دخان جهنم، ولا كريم، لان كل ما انتفى عنه الخير، فليس بكريم. وقال قتادة: لا بارد المنزل ولا كريم المنظر. وقوله " إنهم كانوا قبل ذلك مترفين " قال ابن عباس: معناه إنهم كانوا في الدنيا متنغمين. وقوله " وكانوا يصرون على الحنث العظيم " قال قتادة ومجاهد كانوا يقيمون على الذنب العظيم، ولا يتوبون منه، ولا يقلعون عنه. وقال الحسن والضحاك وابن زيد: كانوا يقيمون على الشرك العظيم. وقيل: اصرارهم على الحنث هو ما بينه الله تعالى في قوله " وأقسموا بالله جهد أيمانهم لا يبعث الله من يموت " (2) والاصرار الإقامة على الامر من جهة العزم على فعله، فالاصرار على الذنب نقيض التوبة منه، والحنث نقض العهد المؤكد بالحلف، فهؤلاء ينقضون العهود التي يلزمهم الوفاء بها، ويقمون على ذلك غير تائبين منه، ووصف الذنب بأنه عظيم أنه أكبر من غيره مما هو أصغر منه من الذنوب. وقوله " وكانوا يقولون أئذا متنا وكنا ترابا وعظاما أئنا لمبعوثون أو آباؤنا الأولون " ؟! حكاية من الله تعالى عما كان يقول هؤلاء الكفار من انكارهم البعث والنشور والثواب والعقاب وأنهم كانوا يقولون مستبعدين منكرين: أئذا متنا وخرجنا عن كوننا أحياء وصرنا ترابا وعظاما بالية أئنا لمبعوثون ؟! ولم يجمع ابن عامر بين الاستفهامين إلا ههنا، أو يبعث واحد من آبائنا الذين تقدموا قبلنا ويحشرون ويردون إلى كونهم أحياء إن هذا لبعيد. والواو في قوله (أو آباؤنا) متحركة، لأنها واو العطف دخل عليها ألف الاستفهام، فقال الله تعالى لنبيه صلى الله عليه وآله (قل إن الأولين والآخرين لمجموعون إلى ميقات يوم معلوم) أي قل لهم يا محمد إن تقدمكم من آبائكم أو غير آبائكم، والآخرين الذين يتأخرون عن زمانكم يجمعهم الله ويبعثهم ويحشرهم إلى وقت يوم معلوم عند الله، وهو يوم القيامة

1- سورة 22 الحج آية 19.

2- سورة 16 النحل آية 38.