الآيات 41-45
قوله تعالى: ﴿إِنَّ اللَّهَ يُمْسِكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ أَن تَزُولَا وَلَئِن زَالَتَا إِنْ أَمْسَكَهُمَا مِنْ أَحَدٍ مِّن بَعْدِهِ إِنَّهُ كَانَ حَلِيمًا غَفُورًا، وَأَقْسَمُوا بِاللَّهِ جَهْدَ أَيْمَانِهِمْ لَئِن جَاءهُمْ نَذِيرٌ لَّيَكُونُنَّ أَهْدَى مِنْ إِحْدَى الْأُمَمِ فَلَمَّا جَاءهُمْ نَذِيرٌ مَّا زَادَهُمْ إِلاَّ نُفُورًا، اسْتِكْبَارًا فِي الْأَرْضِ وَمَكْرَ السَّيِّئِ وَلَا يَحِيقُ الْمَكْرُ السَّيِّئُ إِلاَّ بِأَهْلِهِ فَهَلْ يَنظُرُونَ إِلاَّ سُنَّتَ الْأَوَّلِينَ فَلَن تَجِدَ لِسُنَّتِ اللَّهِ تَبْدِيلًا وَلَن تَجِدَ لِسُنَّتِ اللَّهِ تَحْوِيلًا، أَوَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَيَنظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ وَكَانُوا أَشَدَّ مِنْهُمْ قُوَّةً وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُعْجِزَهُ مِن شَيْءٍ فِي السَّمَاوَاتِ وَلَا فِي الْأَرْضِ إِنَّهُ كَانَ عَلِيمًا قَدِيرًا، وَلَوْ يُؤَاخِذُ اللَّهُ النَّاسَ بِمَا كَسَبُوا مَا تَرَكَ عَلَى ظَهْرِهَا مِن دَابَّةٍ وَلَكِن يُؤَخِّرُهُمْ إلى أَجَلٍ مُّسَمًّى فَإِذَا جَاء أَجَلُهُمْ فَإِنَّ اللَّهَ كَانَ بِعِبَادِهِ بَصِيرًا﴾
القراءة:
خمس آيات كوفي ومكي ومدني الأول. وست شامي، وفي عدد إسماعيل. وسبع بصري. عد البصري والشامي وإسماعيل ﴿ تبديلا ﴾ وعد البصري قبله ﴿ تزولا ﴾ ولم يعد ذلك الباقون. لما بين الله تعالى أن الأصنام لا تقدر على شئ وأن ليس لها شرك في السماوات والأرض، أخبر عن عظيم قدرته وسعة سلطانه فقال ﴿ إن الله يمسك السماوات ﴾ بأن يسكنها حالا بعد حال، ولا يقدر على تسكينها غيره تعالى حال بعد حال، لأنه يسكنها بغير عمد، فالأرضون ساكنة بلا عمد والسماوات ساكنة باسكانه. وهي غير الأفلاك التي تجري فيها النجوم، قال عبد الله بن مسعود ان السماوات لا تدور، ولو كانت تدور لكانت قد زالت. ومنعهما بهذا التسكين من أن تزولا عن مواضعها أو تهوي أو تسقط، ومعنى ﴿ أن تزولا ﴾ كراهة أن تزولا. وقال الكوفيون: معناه ألا تزولا عن مراكزهما، فحذف (لا). ثم قال ﴿ ولئن زالتا ﴾ معنى (لئن) (لو) ويوضع كل واحد منهما مكان الآخر، لأنهما يجابان بجواب واحد. ومثله ﴿ ولئن أرسلنا ريحا فرأوه مصفرا ﴾ (1) ومعناه و (لو) ومعنى ﴿ ولئن زالتا ﴾ يعني عن مقرهما ﴿ إن أمسكهما من أحد من بعده ﴾ أي ليس يسكنها أحد ولا يقدر عليه أحد بعد الله تعالى ﴿ انه كان حليما ﴾ يعني القادر الذي لا يعاجل واحدا بالعقوبة، ولا يحلم إلا قادر، لان من ليس بقادر، لا يصح ان يعاقب، فلا يحلم وإنما حلمه أناة بمن استحق العقوبة ﴿ غفورا ﴾ أي ستارا لذنوبهم إذا تابوا لا يفضحهم بها على رؤس الاشهاد، و (الغفور) الكثير الغفران لذنوب عباده بالتوبة وبالتفضل لمن يشاء منهم. ثم حكى عن الكفار أنهم ﴿ أقسموا بالله ﴾ يعني حلفوا به ﴿ جهد أيمانهم ﴾ أي غاية وسعهم وطاقتهم ﴿ لئن جاءهم نذير ﴾ أي مخوف من جهة الله يخوفهم من معاصيه ﴿ ليكونن أهدى ﴾ إلى اتباعه والقبول منه ﴿ من احدى الأمم ﴾ الماضية وأسبق إلى اتباعه ﴿ فلما جاءهم نذير ﴾ أي محمد صلى الله عليه وآله جاءهم يخوفهم بالله " ما زادهم " مجيئه " إلا نفورا " أي ازدادوا عند مجيئه نفورا من عن الحق وهربا منه لا أن مجيئه زادهم ذلك. ثم بين تعالى انهم ينفرون عند مجئ النبي " استكبارا " أي طلبا للكبر والتجبر على غيرهم " في الأرض " من أن يقروا بالحق " ومكر السئ " أي وحيلة الافعال القبيحة والمعاصي لأنهم قصدوا بذلك الفرار من اتباع محمد والايمان به، والسئ الشرك - في قول قتادة - وأضيف إليه كما قال " لحق اليقين " (2) وفي قراءة عبد الله بن مسعود " ومكرا سيئا " وقد سكن حمزة وحده الهمزة. الباقون جروها بالإضافة. والتسكين لحن عندهم أعني البصريين، لا يجوز ان يقرأ به. وقيل الوجه في تسكين حمزة كثرة الحركات في الكلام، كما قال الشاعر: إذا اعوججن قلت صاحب قوم فسكن الباء لكثرة الحركات، والصحيح الأول، لان مثل هذا إنما يجوز في ضرورة الشعر، قال أبو علي النحوي: يجوز أن يكون أجراه في الوصل مجرى الوقف، وتقدير ومكررا المكر السئ، فأضيف المصدر إلى صفة المصدر، وتقديره ومكروا المكر السئ بدلالة قوله " ولا يحيق المكر السئ إلا بأهله " ومعناه لا ينزل بأحد جزاء المكر السئ إلا بمن فعله " فهل ينظرون " أي فهل ينتظرون " إلا سنة الأولين " من نزول العقاب بهم وحلول النقمة عليهم جزاء على كفرهم، فان كانوا ينتظرون ذلك " فلن تجد " يا محمد والمراد به الكفار " لسنة الله تبديلا " أي لا يغير الله عادته من عقوبة من جحد ربوبيته " ولن تجد لسنة الله تحويلا " ولا يبدلها بغيرها، فالتبديل تصير الشئ مكان غيره، والتحويل تصير الشئ في غير المكان الذي كان فيه، والتغيير تصيير الشئ على خلاف ما كان. ثم قال " أولم يسيروا في الأرض " يعني هؤلاء الكفار الذين أنكروا إهلاك الله الأمم الماضية. أما ساروا في الأرض " فينظروا كيف كان عاقبة الذين من قبلهم وكانوا " أولئك " أشد منهم " من هؤلاء " قوة وما كان الله ليعجزه من شئ " إذ لم يكن يفوته شئ " في السماوات ولا في الأرض انه كان عليما " عالما بجميع الأشياء ﴿ قديرا ﴾ قادرا على مالا نهاية له، ويقدر على أجناس لا يقدرون عليها. ثم اخبر تعالى ممننا على الناس بتأخير عقابهم بان قال ﴿ ولو يؤاخذ الله الناس بما كسبوا ﴾ أي جزاء على معاصيهم عاجلا ﴿ ما ترك على ظهرها ﴾ ظهر الأرض ﴿ من دابة ﴾ ندب على رجليها ﴿ ولكن يؤخرهم إلى أجل ﴾ يعني إلى الوقت المعلوم الذي قدره لتعذيبهم ﴿ فإذا جاء أجلهم ﴾ يعني الوقت المقدر المعلوم ﴿ فان الله ﴾ تعالى ﴿ كان بعباده بصيرا ﴾ أي عالما بأحوالهم لا يخفى عليه شئ منها فيجازي كل انسان على قدر فعله من طاعة أو معصية، والضمير في قوله ﴿ على ظهرها ﴾ عائد إلى الأرض وإن لم يجر لها ذكر لدلالة الكلام عليه، لأنه معلوم أنهم على ظهر الأرض دون غيرها، على أنه قد تقدم قوله ﴿ أو لم يسيروا في الأرض ﴾ وفي قوله ﴿ إن الله يمسك السماوات والأرض ﴾ فيجوز أن يرد الكناية إليها.
1- سورة 30 الروم آية 51.
2- سورة 69 الحاقة 51.