الآية 33
قوله تعالى: ﴿أَفَمَنْ هُوَ قَآئِمٌ عَلَى كُلِّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ وَجَعَلُواْ لِلّهِ شُرَكَاء قُلْ سَمُّوهُمْ أَمْ تُنَبِّئُونَهُ بِمَا لاَ يَعْلَمُ فِي الأَرْضِ أَم بِظَاهِرٍ مِّنَ الْقَوْلِ بَلْ زُيِّنَ لِلَّذِينَ كَفَرُواْ مَكْرُهُمْ وَصُدُّواْ عَنِ السَّبِيلِ وَمَن يُضْلِلِ اللّهُ فَمَا لَهُ مِنْ هَادٍ﴾
القراءة:
قرأ أهل الكوفة " وصدوا " بضم الصاد. الباقون بفتحها، قال أبو علي: قال أبو عمرو، عن أبي الحسن: صد وصددته مثل رجع ورجعته، قال الشاعر:
صدت كما صد عما لا يحل له * ساقي نصارى قبيل الفصح صوام (1)
فهذا صدت في نفسها، وقال الآخر: صددت الكأس عنا أم عمرو واما قوله " ان الذين كفروا ويصدون عن سبيل الله والمسجد الحرام " (2) فالمعنى يصدون المسلمين عن المسجد الحرام، فكان المفعول محذوفا. وقوله " رأيت المنافقين يصدون عنك صدودا " (3) يكون على يصدون عنك اي لا يبايعونك، كما يبايعك المسلمون، ويجوز ان يكونوا يصدون غيرهم عن الايمان، كما صدوا هم عنه، ويثبطون عنه. وحجة من اسند الفعل إلى الفاعل، قوله " الذين كفروا وصدوا عن سبيل الله " (4) وقوله " هم الذين كفروا وصدوكم عن المسجد الحرام " (5) فكما اسند الفعل إلى الفاعل في جميع هذه الآي كذلك اسند في قوله " وصدوا عن السبيل " وقيل: إن قوما جلسوا على الطريق، فصدوا الناس عن النبي صلى الله عليه وسلم ففيهم نزلت الآية. ومن بنى الفعل للمفعول به جعل فاعل الصد غواتهم والعتاة منهم في كفرهم، وقد يكون على نحو ما يقال: صد فلان عن الخير وصد عنه، يعنى انه لم يفعل خيرا، ولا يراد: ان مانعا منعه. فأما قوله " وكذلك زين لفرعون سوء عمله وصد عن السبيل " (6) فالفتح الوجه، لأنه لم يصده عن الايمان أحد، ولم يمنعه منه، والذي زين ذلك له الشيطان، كما قال " وزين لهم الشيطان أعمالهم فصدهم عن السبيل " (7) معنى قوله " أفمن هو قائم على كل نفس بما كسبت " من هو قائم بتدبيرها وجزائها على ما كسبت من خير أو شر، كمن ليس بهذه الصفة، وحذف الخبر لدلالة الكلام عليه. وقوله " وجعلوا لله شركاء " في العبادة، فعبدوا الأصنام، والأوثان. وقوله " قل سموهم " اي سموهم بما يستحقون من الأسماء التي هي صفات. ثم انظروا هل تدل صفاتهم على أنه يجوز أن يعبدوا أم لا؟وقوله " أم تنبئونه بما لا يعلم في الأرض أم بظهار من القول " معناه إلا أن يصفوهم بما لا يصح ان يعلم صحته، فيخرجوا بذلك إلى التجاهل أو يقتصروا على ظاهر القول من غير رجوع إلى حقيقة، وهو قول مجاهد وقتادة. وقال أبو علي: معنى " بظهار من القول " الذي أنزله الله على أنبيائه. وقوله " بل زين للذين كفروا مكرهم " اي زين ذلك لهم أنفسهم وغواتهم من شياطين الإنس والجن، ولا يجوز أن يكون المراد زين بالشهوة، ، لان المكر ليس مما يشتهى " وصدوا عن السبيل " اي منعوا عن طريق الحق بالاغواء والمنع. ويجوز أن يكون المراد واعرضوا عن طريق الجنة. وقوله " ومن يضلل الله فماله من هاد " قيل في معناه قولان:
أحدهما: من حكم الله عليه بأنه ضال على وجه الذم، فإنه لا ينفعه هداية أحد.
الآخر: ان من يضله الله عن طريق الجنة إلى النار، فلا هاد يهديه إليها، ولا يجوز أن يكون المراد من يضله عن الايمان، لان ذلك سفه لا يفعله الله تعالى.
1- مجمع البيان 3: 294.
2- سورة 22 الحج آية 25.
3- سورة 4 النساء آية 61.
4- سورة 4 النساء آية 166 وسورة النحل 16 آية 88 وسورة محمد 47 آية 1، 32، 34.
5- سورة 48 الفتح آية 25.
6- سورة المؤمن: (غافر) 40 آية 37.
7- سورة النمل 27 آية 24.