الآية 100

قوله تعالى: ﴿وَرَفَعَ أَبَوَيْهِ عَلَى الْعَرْشِ وَخَرُّواْ لَهُ سُجَّدًا وَقَالَ يَا أَبَتِ هَذَا تَأْوِيلُ رُؤْيَايَ مِن قَبْلُ قَدْ جَعَلَهَا رَبِّي حَقًّا وَقَدْ أَحْسَنَ بَي إِذْ أَخْرَجَنِي مِنَ السِّجْنِ وَجَاء بِكُم مِّنَ الْبَدْوِ مِن بَعْدِ أَن نَّزغَ الشَّيْطَانُ بَيْنِي وَبَيْنَ إِخْوَتِي إِنَّ رَبِّي لَطِيفٌ لِّمَا يَشَاء إِنَّهُ هُوَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ﴾

اخبر لله تعالى عن يوسف انه حين حضر عنده أبواه وأخوته، ورفع أبويه على العرش، والرفع النقل إلى جهة العلو. ومثله الاعلاء والاصعاد، وضده الوضع، والعرش السرير الرفيع وأصله الرفع من قوله " خاوية على عروشها " (1) اي على ما ارتفع من أبنيتها، وعرش الكرم إذا رفعه، وعمل عريشا إذا عمل مجلسا رفيعا. وقال ابن عباس والحسن ومجاهد وقتادة: العرش السرير. وقوله " وخروا له سجدا " معناه انحطوا على وجوههم والخر الانحطاط على الوجه، ومنه " خر من السماء فتخطفه الطير " (2) والسجود في الشرع خضوع بوضع الوجه على الأرض وأصله الذل، كما قال الشاعر: ترى الاكم فيها سجدا للحوافر (3) وقيل في وجه سجودهم قولان: قال قوم: إن الهاء في قوله " له " راجعة إلى الله، فكأنه قال فخروا لله سجدا شكرا على ما أنعم به عليهم من الاجتماع. الثاني انهم سجدوا إلى جهة يوسف على وجه القربة إلى الله، كما يسجد إلى الكعبة على وجه القربة إلى الله. وقيل إنه كانت تحية الملوك السجود، قال أعشى بني ثعلبة:

فلما اتانا بعيد الكرى * سجدنا له ورفعنا العمارا (4)

وقوله " يا أبت هذا تأويل رؤياي من قبل " حكاية ما قال يوسف لأبيه بأن هذا تفسير رؤياي من قبل وما تؤول إليه، وهو ما ذكره في أول السورة " اني رأيت أحد عشر كوكبا " يعني أخوته " والشمس والقمر " يعني أبويه سجدوا له، كما رآه في المنام. والرؤيا تصور ما يتوهم انه يرى لغمور النوم، ومتى قيل إذا كانت رؤيا الأنبياء لا تكون الا صادقة، فهلا تسلى يعقوب بأن تأويل الرؤيا سيكون؟قلنا عنه جوابان:

أحدهما: انه قيل: انه رآها وهو صبي فلذلك لم يثق بها.

الآخر: ان طول الغيبة مع شدة المحنة يوجب الحزن كما يوجبه مع الثقة بالالتقاء في الآخرة. " وقد أحسن بي إذ أخرجني من السجن " بأن لطف وسهل إلي الخروج منه " وجاء بكم من البدو " اي اتي بكم من أرض فلسطين، لان مسكن يعقوب وولده فيما ذكر كان هناك. والبدو: البرية العظيمة مأخوذ من بدا يبدوا بدوا. ويقال: بدو، وحضر. وقوله " من بعد ان نزغ الشيطان بيني وبين اخوتي " والنزغ التحريش بين الاثنين، وهو مس بسوء يغضب، ومنه قوله " واما ينزغنك من الشيطان نزغ فاستعذ بالله " (5) وقوله " ان ربي لطيف لما يشاء " معنا لطيف التدبير، واللطف ما يدعو إلي فعل الواجب ويصرف عن القبيح. وقال الحسن: كان بين الرؤيا وتأويلها ثمانين سنة. وقال سلمان، وعبد الله بن سداد: كانت أربعين سنة. وقال ابن إسحاق: ثماني عشرة سنة. وقوله " انه هو العليم الحكيم " معناه إنه تعالى عالم بأحوال الخلق، وما يصلحهم وما يفسدهم " حكيم " في افعاله لا يضع الشئ الا في موضعه. وقال بعضهم: غاب يوسف عن أبيه وله سبع عشرة سنة، وبقي بعد الاجتماع معهم في الملك ثلاثا وعشرين سنة، ومات، وله مئة وعشرون سنة.


1- سورة البقرة آية 259 والكهف 43 والحج 45.

2- سورة الحج آية 31.

3- مر هذا البيت في 1: 8: 1، 163، 311 و 4: 233. 383.

4- ديوانه 83 (دار بيروت) وروايته (عمارا).

5- سورة الأعراف آية 199 وحم السجدة آية 36.