الآية 85
قوله تعالى: ﴿قَالُواْ تَالله تَفْتَأُ تَذْكُرُ يُوسُفَ حَتَّى تَكُونَ حَرَضًا أَوْ تَكُونَ مِنَ الْهَالِكِينَ﴾
هذا حكاية ما قال بنو يعقوب لأبيهم حين رأوه حزينا " تالله تفتؤ تذكر " معناه لا تزال تذكر، في قول ابن عباس والحسن ومجاهد وقتادة والسدي، يقال فتئ يفتؤ فتئا وفتوءا، وقال أوس بن حجر:
فما فتئت خيل تثوب وتدعي * ويلحق منها لا حق وتقطع (1)
اي فما زالت، وحذفت (لا) من تفتأ، لأنه جواب القسم بمعنى نفي المستقبل، لأنه لو كان اثباتا لم يكن بد من اللام والنون، فجاز لما فيه من الايجاز من غير التباس، كما قال امرؤ القيس:
فقلت يمين الله أبرح قاعدا * ولو قطعوا رأسي لديك وأوصالي (2)
والحرض ذو المرض والبلى - في قول ابن عباس ومجاهد - وقال الحسن وقتادة: معناه حتى تكون ذا الهرم أو تكون من الميتين. واصل الحرض فساد الفعل والجسم للحزن والحب، قال العرجي:
اني امرؤ لج بي حب فاحرضني * حتى بليت وحتى شفني السقم (3)
ورجل محرض إذا كان مريضا قال امرؤ القيس:
أرى المرء ذا الاذواد يصبح محرضا * كإحراض بكر في الديار مريض (4)
ولا يثنى حرض ولا يجمع لأنه مصدر، يقال: حرضه على فلان اي أفسده عليه بما يغريه، وإنما قالوا هذا القول إشفاقا عليه وكفا له عن البكاء اي لا تزال تذكر يوسف بالحزن والبكاء عليه حتى تصير بذلك إلى مرض لا تنتفع بنفسك معه، لأنه كان قد أشفى على ذهاب بصره وفساد جسمه، أو تموت بالغم. والهلاك ذهاب الشئ بحيث لا يدري الطالب له أين هو، فالميت هالك لهذا المعنى.
1- ديوانه 58 ومجاز القرآن 1 / 316 وتفسير القرطبي 9 / 250.
2- ديوانه 161 وقد مر في 2 / 227، 3 / 216.
3- مجاز القرآن 1 / 16 وتفسير القرطبي 9 / 251 وتفسير الطبري (الطبعة الأولى) 13 / 25.
4- ديوانه 129 وتفسير القرطبي 9 / 251 والطبري 13 / 25.