الآيات 221-227

قوله تعالى: ﴿هَلْ أُنَبِّئُكُمْ عَلَى مَن تَنَزَّلُ الشَّيَاطِينُ، تَنَزَّلُ عَلَى كُلِّ أَفَّاكٍ أَثِيمٍ، يُلْقُونَ السَّمْعَ وَأَكْثَرُهُمْ كَاذِبُونَ، وَالشُّعَرَاء يَتَّبِعُهُمُ الْغَاوُونَ، أَلَمْ تَرَ أَنَّهُمْ فِي كُلِّ وَادٍ يَهِيمُونَ، وَأَنَّهُمْ يَقُولُونَ مَا لَا يَفْعَلُونَ، إِلاَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَذَكَرُوا اللَّهَ كَثِيرًا وَانتَصَرُوا مِن بَعْدِ مَا ظُلِمُوا وَسَيَعْلَمُ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَيَّ مُنقَلَبٍ يَنقَلِبُونَ﴾

لما اخبر الله تعالى أن القرآن ليس مما تنزل به الشياطين، وأنه وحي من الله تعالى على نبيه، نبه خلقه على من تنزل الشياطين عليه بقوله " هل أنبئكم " أي هل أخبركم " على من تنزل الشياطين تنزل على كل أفاك أثيم " أي كذاب أثيم، وقال مجاهد: الأفاك الكذاب. ومعناه الكثير الكذب، والقلب للخبر من جهة الصدق إلى الكذب، وأصله الانقلاب من المؤتفكات وهي المنقلبات. والانباء الاخبار بما فيه من الغيوب وعظم الشأن، ومنه قولهم: لهذا الامر نبأ ومنه اشتق وصف الرسول بأنه نبي بعظم شأن ما اتى به من الوحي من الله. والآثم الفاعل للقبيح: أثم يأثم إثما إذا ارتكب القبيح، وتأثم إذا ترك الاثم مثل تحوب إذا ترك الحوب، وأثمه تأثيما إذا نسبه إلى الاثم، ثم قال " يلقون لسمع، أي يلقون ما يسمعون باستراق السمع إلى كل أفاك أثيم - في قول مجاهد - ثم اخبر تعالى أن أكثرهم كاذبون فيما يلقونه إليهم. وقوله " والشعراء يتبعهم الغاوون " قال الحسن: هم الذين يسترقون السمع ويلقونه إلى الكهنة، وقال إنما يأخذون أخبارا عن الوحي " انهم عن السمع لمعزولون " أي عن سمع الوحي. وقيل: ان الشعراء المراد به القصاص الذين يكذبون في قصصهم ويقولون ما يخطر ببالهم. وقوله " ألم تر انهم في كل واد يهيمون " أي هم لما يغلب عليهم من الهوى كالهائم على وجهه في كل واد يعن له، وليس هذا من صفة من عليه السكينة والوقار ومن هو موصوف بالحلم والعقل. والمعنى أنهم يخوضون في كل فن من الكلام والمعاني التي يعن لهم ويريدونه. وقال ابن عباس وقتادة: معناه في كل لغو يخوضون: يمدحون ويذمون، يعنون الباطل. وقال الجبائي: معناه يصغون إلى ما يلقيه الشيطان إليهم على جهة الوسوسة لما يدعوهم إليه من الكفر والضلال. وقيل: إنما صار الأغلب على الشعراء الغي باتباع الهوى، لان الذي يتلو الشعر - في الأكثر - العشاق ولذلك يقبح التشبيب. مع أن الشاعر يمدح للصلة ويهجو على جهة الحمية فيدعوه ذلك إلى الكذب، ووصف الانسان بما ليس فيه من الفضائل والرذائل. وقرأ نافع " يتبعهم " بتخفيف التاء من تبعه إذا اقتفى أثره، يقال تبع فلانا إذا سار في أثره واتبعه لحقه. الباقون: بالتشديد من الاتباع، ومعناهما واحد. والآية قيل نزلت في الشعراء الذين هجوا رسول الله صلى الله عليه وآله والمؤمنين، وهي تتناول كل شاعر يكذب في شعره - ذكره الفراء - وقيل: انها نزلت في ابن الزبعري وأمثاله. ثم اخبر ان هؤلاء الشعراء يقولون ويحثون على أشياء لا يفعلونها هم، وينهون عن أشياء يرتكبونها، ثم استثنى من جملتهم الذين آمنوا منهم وعملوا الصالحات وذكروا الله كثيرا، فاجتنبوا معاصيه، وانتصروا - لنفوسهم في الدين - من الذين ظلموهم. وقيل: أراد الشعراء الذين ردوا على المشركين هجاءهم للمؤمنين، فانتصروا بذلك للنبي والمؤمنين، ثم هدد الظالمين، فقال " وسيعلم الذين ظلموا " نفوسهم " أي منقلب ينقلبون " أي أي منصرف ينصرفون إليه لان منصرفهم إلى النار، نعوذ بالله منها. وقيل أراد الذين ظلموا نفوسهم بقول الشعر الباطل من هجو النبي والمؤمنين، ومن يكذب في شعره. وقوله " أي منقلب ينقلبون " نصب (أي) ب? (ينقلبون) ولا يجوز أن أن يكون منصوبا ب? (سيعلم)، لان أيا لا يعمل فيها ما قبلها، لان الاستفهام له صدر الكلام حتى ينفصل من الخبر بذلك.