الآيات 51-55
قوله تعالى: ﴿فَانظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ مَكْرِهِمْ أَنَّا دَمَّرْنَاهُمْ وَقَوْمَهُمْ أَجْمَعِينَ، فَتِلْكَ بُيُوتُهُمْ خَاوِيَةً بِمَا ظَلَمُوا إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَةً لِّقَوْمٍ يَعْلَمُونَ، وَأَنجَيْنَا الَّذِينَ آمَنُوا وَكَانُوا يَتَّقُونَ، وَلُوطًا إِذْ قَالَ لِقَوْمِهِ أَتَأْتُونَ الْفَاحِشَةَ وَأَنتُمْ تُبْصِرُونَ، أَئِنَّكُمْ لَتَأْتُونَ الرِّجَالَ شَهْوَةً مِّن دُونِ النِّسَاء بَلْ أَنتُمْ قَوْمٌ تَجْهَلُونَ﴾
القراءة:
قرأ أهل الكوفة ويعقوب " أنا دمرناهم " بفتح الألف. الباقون بكسرها ومن فتح احتمل وجهين:
أحدهما: النصب على البدل من (كيف) و (كيف) نصب ب? (انظر).
الثاني: أن يكون (كيف) في موضع الحال و (دمرنا) خبر (كان) وتلخيصه، فانظر كيف كان عاقبة مكرهم أي عاقبة أمرهم التدمير. وقيل: هو نصب بتقدير بأنا، فلما حذف الباء نصب، وقال الكسائي: هو في موضع الجر. ويحتمل الرفع أيضا على البدل من (عاقبة). ويحتمل أيضا على الجواب، كأنه قيل: ما كان عاقبة أمرهم؟فقيل: تدميرنا لهم. يقول الله تعالى لنبيه صلى الله عليه وآله " انظر " يا محمد وفكر " كيف كان عاقبة مكرهم " أي هؤلاء الكفار الذين كفروا ودمرناهم. والعاقبة الحال التي يؤدي إليها البادئ تقول: اعقبني هذا الدواء صحة. وأعقب هذا الطعام الردئ مرضا، وكذلك المعاصي تعقب النار. وقيل: ان بيوتهم هذه المذكورة بوادي القرى موضع بين الشام والمدينة. والمكر الاخذ بالحيلة للايقاع في بلية، فلما مكر أولئك الكفار بصالح (ع) ليقتلوه، ومن آمن ولم يتم مكرهم، وأدى مكرهم إلى هلاكهم وتدميرهم والتدمير التقطيع بالعذاب، فدمر الله قوم صالح بأن قطعهم بعذاب الاستئصال في الدنيا قبل الآخرة، فلم يبق لهم باقية. ثم اخبر تعالى ان بيوت أولئك الكفار " خاوية " أي خالية فارغة وكان رسمهم أن يكونوا فيها ويأوون إليها، فلما أهلكهم الله، صاروا عبرة لمن نظر إليها واعتبر بها. وقيل هذه البيوت المذكورة بوادي القرى. وقوله " وأنجينا الذين آمنوا وكانوا يتقون " اخبار منه تعالى انه أنجى وخلص المؤمنين من قوم صالح لأنهم كانوا يتقون معاصي الله، خوفا من عقابه، فالاتقاء الامتناع من البلاء بما يرد عن صاحبه ان ينزل به. والتقي هو العامل بما يتقي عنه العقاب. وقيل: ان الله تعالى دمر التسعة الرهط الذين يفسدون في الأرض وقومهم. وقوله " ولوطا إذ قال لقومه " يحتمل أمرين:
أحدهما: نصب (لوطا) بتقدير وأرسلنا لوطا.
الثاني: واذكر لوطا حين قال لقومه منكرا عليهم افعالهم " أتأتون الفاحشة " يعني الخصلة القبيحة الشنيعة، الظاهرة القبح، وهي اتيانهم الذكران في أدبارهم " وأنتم تبصرون " أي تعلمون أنها فاحشة. وقيل معناه: " وأنتم تبصرون " أي يرى بعضكم من بعض ان ذلك عتوا وتمردا. ثم بين الفاحشة التي كانوا يفعلونها بقوله " أئنكم لتأتون الرجال شهوة من دون النساء " التي خلقهن الله لكم. ثم اخبر تعالى عن لوط أنه قال لهم " بل أنتم قوم تجهلون " اي تفعلون أفعال الجهال لجهلكم بمواقع نعم الله سبحانه وتعالى عليكم.