نفيه للتحريف مع روايته له

وقد روى الفيض الكاشاني أحاديث نقصان القرآن في كتابيه (الصافي في تفسير القرآن) و (الوافي) عن كتب المحدّثين المتقدّمين كالعياشي والقمي والكليني، فقال في (الصافي) بعد أن نقل وطرفاً منها: "المستفاد من جميع هذه الأخبار وغيرها من الروايات من طريق أهل البيت عليهم السّلام أن القرآن الذي بين أظهرنا ليس بتمامه كما انزل على محمد (صلّى الله عليه وآله وسلّم) "(1).

لكن هذا المحدّث الأخباري الصّلب - كما عبّر الفقيه الأخباري الشيخ يوسف البحراني - لم يأخذ بظواهر تلك الأحاديث ولم يسكت عنها، بل جعل يؤوّلها في كتابيه - كما تقدّم نقل بعض كلماته - فقال في (الوافي) في نهاية البحث: " وقد استوفينا الكلام في هذا المعنى وفيما يتعلق بالقرآن في كتابنا الموسوم ب- (علم اليقين) فمن أراده فليرجع إليه "(2).

وفي هذا الكتاب ذكر أن المستفاد من كثير من الروايات أنّ القرآن بين أظهرنا ليس بتمامه كما انزل، ثم ذكر كلام الشيخ علي بن إبراهيم، وروايتي الكليني عن ابن أبي نصر وسالم بن سلمة، ثم قال: " أقول: يرد على هذا كلّه إشكال وهو أنه على ذلك التقدير لم يبق لنا اعتماد على شيء من القرآن، إذ على هذا يحتمل كلّ آية منه أن تكون محرّفة ومغيّرة، ويكون على خلاف ما أنزله الله، فلم يبق في القرآن لنا حجّة أصلاً، فتنتفي فائدته وفائدة الأمر باتّباعه والوصية به، وأيضاً قال الله عزّ وجلّ (وإنّه لكتاب عزيز) وأيضاً قال الله عزّ وجلّ: (إنّا نحن نزّلنا الذكر) وأيضاً، قد استفاض عن النبي والأئمة حديث عرض الخبر المروي عنهم على كتاب الله ".

ثمّ قال: " ويخطر بالبال في دفع هذا الإشكال - والعلم عنه الله - أن مرادهم بالتحريف والتغيير والحذف إنما هو من حيث دون اللّفظ أي: حرّفوه وغيروه في تفسيره، وتأويله، أي: حملوه على خلاف ما هو عليه في نفس الأمر، فمعنى قولهم، كذا انزلت، أنّ المراد به ذلك لا ما يفهمه الناس من ظاهره، وليس مرادهم أنها نزلت كذلك في اللّفظ، فحذف ذلك إخفاءً للحق، وإطفاءً لنور الله.

ومما يدلّ على هذا ما رواه في الكافي بإسناده عن أبي جعفر أنه كتب في رسالته إلى سعد الخير: وكان من نبذهم الكتاب أن أقاموا حروفه وحرّفوا حدوده ".

ثمّ أجاب عن الروايتين وقال: " ويزيد ما قلناه تأكيداً ما رواه علي بن إبراهيم في تفسيره بإسناده عن مولانا الصادق قال: إنّ رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) قال لعلي: القرآن خلف فراشي في الصحف والحرير والقراطيس، فخذوه واجمعوه ولا تضيّعوه كما ضيّعت اليهود التوراة ".

ثمّ ذكر كلام الشيخ الصدوق في (الإعتقادات) بطوله ثم قال: " وأما تأويل أهل البيت أكثر الآيات القرآنية بفضائلهم ومثالب أعدائهم فلا إشكال فيه، إذ التأويل لا ينافي التفسير، وإرادة معنى لا تنافي إرادة معنى آخر، وسبب النزول لا يخصّص "(3).

ثمّ استشهد لذلك بخبر في الكافي عن الصادق (عليه السّلام). ولعلّنا نورد محل الحاجة من عبارته كاملة فيما بعد.


1- الصافي في تفسير القرآن 1: 44 ط لبنان.

2- الوافي 2: 478.

3- علم اليقين 1: 562 - 569.