الآية 76

قوله تعالى: ﴿بَلَى مَنْ أَوْفَى بِعَهْدِهِ وَاتَّقَى فَإِنَّ اللّهَ يُحِبُّ الْمُتَّقِينَ﴾

الهاء في قوله: " بعهده " يحتمل أن تكون عائدة على اسم الله في قوله: " ويقولون على الله الكذب " ويحتمل أن تكون عائدة على (من) في قوله: " بلى من أوفى بعهده " لان العهد يضاف إلى الفاعل، والمفعول. تقول هذا عهد فلان الذي عهد إليه به، وهذا عهد فلان الذي عهده إلى غيره. ووفى وأوفى لغتان، فأهل الحجاز يقولون أوفيت وأهل نجد يقولون وفيت. وقوله: " بلى " يحتمل معنيين:

أحدهما: الاضراب عن الأول على وجه الانكار للأول وعلى هذا الوجه " من أوفى بعهده " تكون مكتفية، نحو قولك: ما قدم فلان، فتقول بلى أي بلى قد قدم. وقال الزجاج: بلى ههنا وقف تام لأنهم لما قالوا " ليس علينا في الأميين سبيل " قيل " بلى " أي بلى عليهم سبيل.

والثاني: الاضراب عن الأول والاعتماد على البيان الثاني وعلى هذا الوجه لا تكون مكتفية، نحوان تقول قد قدم زيد، حدسا لغوا من القول، بلى لو كان متيقنا لعمل على قوله. فكذلك الآية تدل على ما تقدم على ادعائهم خلاف الصواب في التقوى فقيل: " بلى " للاضراب عن الأول، والاعتماد على البيان الثاني. والفرق بين بلى ونعم أن بلى جواب النفي، نحو قوله. " ألست بربكم قالوا بلى " (1) فأما أزيد في الدار فجوابه، نعم، أو، لا. وإنما جاز إمالة بلى لمشابهتها الاسم من وجهين:

أحدهما: أنه يوقف عليها في الجواب، كما يوقف على الاسم نحو من رأيت من النساء، فيقول الحبلى، وكذلك إذا قال أليس زيد في الدار قلت بلى. ولأنها على ثلاثة أحرف وهي أصل العدة التي يكون عليها الاسم ولذلك خالفت (لا) في الإمالة. وإنما قال " فان الله يحب المتقين " ولم يقل فان الله يحبه فيرد العامل إلى اللفظ، لإبانة الصفة التي تجب بها محبة الله وإن كان فيه معنى فان الله يحبهم.


1- سورة الغاشية آية: 26.