الآية 54

قوله تعالى: ﴿وَمَكَرُواْ وَمَكَرَ اللّهُ وَاللّهُ خَيْرُ الْمَاكِرِينَ﴾

المعنى:

قيل في معنى الآية قولان:

أحدهما: قال السدي مكروا بالمسيح بالحيلة عليه، لقتله " ومكر الله بردهم " بالخيبة، لالقائه شبه المسيح على غيره.

الثاني: " مكروا " باضمار الكفر " ومكر الله " بمجازاتهم عليه بالعقوبة. والمكر، وإن كان قبيحا فإنما أضافه تعالى إلى نفسه لمزاوجة الكلام، كما قال: " فمن اعتدى عليكم فاعتدوا عليه بمثل ما اعتدى عليكم " (1) وليس باعتداء وإنما هو جزاء، وهذا أحد وجوه البلاغة، لأنه على أربعة أقسام:

أحدها: المزاوجة نحو " ومكروا ومكر الله ".

والثاني: المجانسة نحو قوله: " يخافون يوما تتقلب فيه القلوب والابصار " (2).

الثالث: المطابقة نحو قوله: " ماذا أنزل ربكم قالوا خيرا " (3) بالنصب على مطابقة الجواب للسؤال.

والرابع: المقابلة نحو قوله: " وجوه يومئذ ناضرة إلى ربها ناظرة ووجوه يومئذ باسرة تظن أن يفعل بها فاقرة " (4) قال الشاعر:

واعلم وأيقن ان ملكك زائل * واعلم بأن كما تدين تدان (5)

أي كما تجزي تجزى. والأول ليس بجزاء وأصل المكر الالتفاف، فمنه المكر ضروب من الشجر مثل الدعل ونحوه، لالتفافه. والممكورة من النساء الملتفة والمكر طين أحمر شبيه بالمغرة. وثوب ممكور إذا صبغ بذلك الطين. والمكر الاحتيال على العبد، لالتفاف المكروه عليه. وحد المكر: خب ء يختدع به العبد لايقاعه في الضر. والفرق بين المكر والحيلة أن الحيلة قد تكون، لاظهار ما تعسر من الفعل من غير قصد إلى الاضرار بالعبد. والمكر حيلة على العبد توقعه في مثل الرهق.


1- سورة البقرة آية: 194.

2- سورة النور آية: 37.

3- سورة النحل آية: 30.

4- سورة القيامة آية: 22 - 25.

5- اللسان (زنا)، (دان) وجمهرة الأمثال للعسكري: 169 وغيرها وقد نسبه في اللسان إلى خويلد بن نوفل الكلابي. وقيل: هو لبعض الكلابيين. وقيل: ليزيد بن الصعق الكلابي. وقد مر البيت في 1: 36 وروايته هناك (بأنك ما تدين تدان). وروايته اللسان: يا حار أيقن أن ملكك زائل * واعلم بأن كما تدين تدان وحار: ترخيم حارث. والمخاطب هنا الحارث بن أبي شمر الغساني وكان قد اغتصب ابنة الشاعر فخاطبه في قصيدة منها هذا البيت.