الآية 45

قوله تعالى: ﴿إِذْ قَالَتِ الْمَلآئِكَةُ يَا مَرْيَمُ إِنَّ اللّهَ يُبَشِّرُكِ بِكَلِمَةٍ مِّنْهُ اسْمُهُ الْمَسِيحُ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ وَجِيهًا فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ وَمِنَ الْمُقَرَّبِينَ﴾

العامل في (إذ) يحتمل أمرين:

أحدهما: وما كنت لديهم إذ قالت الملائكة.

الثاني: يختصمون " إذ قالت الملائكة ": " إن الله يبشرك " فالتبشير إخبار المرء بما يسر من الامر سمي بذلك لظهور السرور في بشرة وجهه عند إخباره بما يسره، لان أصله البشرة وهي ظاهر الجلد. وقوله: (بكلمة منه) هو المسيح سماه الله كلمة على قول ابن عباس وقتادة وذلك يحتمل ثلاثة أوجه:

الأول: سمي بذلك، لأنه كان بكلمة الله من غير والد وهو قوله: " كن فيكون " (1).

الثاني: لان الله تعالى بشربه في الكتب السالفة، كما تقول: الذي يخبرنا بأمر يكون (إذا خرج موافقا لامره) (2) قد جاء في قول لي وكلامي. فمن البشارة به في التوراة آتانا الله من سببنا، فأشرق من ساعير واستعلن من جبال فاران. وساعير هو الموضع الذي بعث منه المسيح (ع).

الثالث: لان الله يهدي به كما يهدي بكلمته. والقول الثاني مما قيل في الكلمة: أنها بمعنى البشارة كأنه قيل ببشارة منه: ولد اسمه المسيح والتأويل الأول أقوى، لقوله: " إنما المسيح عيسى ابن مريم رسول الله وكلمته ألقاها إلى مريم وروح منه " (3)، ولأنه معلوم من دين المسلمين أن كلمة الله المسيح (ع) وإنما ذكر الضمير في اسمه وهو عائد إلى الكلمة، لأنه واقع على مذكر، فإذا ذكر ذهب إلى المعنى، وإذا أنث ذهب إلى اللفظ. وقيل في تسمية المسيح مسيحا: قولان:

أحدهما: قال الحسن، وسعيد: لأنه مسح بالبركة.

وقال آخرون: لأنه مسح بالتطهر من الذنوب. وقال الجبائي سمي بذلك، لأنه مسح بدهن زيت بورك فيه. وكانت الأنبياء تتمسح به. فان قيل: يجب على ذلك أن يكون الأنبياء كلهم يسمون مسيحا؟قلنا: لا يمتنع أن يختص بذلك بعضهم، وإن كان المعنى في الجميع حاصلا، كما قالوا في إبراهيم خليل الله. وأصله ممسوح عدل عن مفعول إلى فعيل. وقوله: (وجيها) نصب على الحال. ومعنى الوجيه الكريم على من يسأله لأنه لا يرده لكرم وجهه عنده، خلاف من يبذل وجهه للمسألة فيرد، يقال منه وجه الرجل يوجه وجاهة، وله جاه عند الناس وجاهة أي منزلة رفيعة. قوله: " ومن المقربين " معناه إلى ثواب الله وكرامته، وكذلك التقرب إلى الله إنما هو التقرب إلى ثوابه وكرامته. وفي الآية دلالة على تكذيب اليهود في الفرية على أم المسيح وتكذيب النصارى في ادعاء إلهيته على ما ذكره محمد بن جعفر بن الزبير وغيره.


1- سورة البقرة آية: 118 وسورة آل عمران آية: 47 وسورة الانعام آية: 73 وسورة النحل: 40 وسورة مريم آية: 35 وسورة يس آية: 82 وسورة المؤمن آية: 68.

2- ما بين القوسين من مجمع البيان وكان في المطبوعة نقص في هذا الموضع كما أن الجملة التي بعدها لا تقرأ.

3- سورة آل عمران: 17.