الآية 42
قوله تعالى: ﴿وَإِذْ قَالَتِ الْمَلاَئِكَةُ يَا مَرْيَمُ إِنَّ اللّهَ اصْطَفَاكِ وَطَهَّرَكِ وَاصْطَفَاكِ عَلَى نِسَاء الْعَالَمِينَ﴾
العامل في (إذ) يحتمل أن يكون أحد شيئين:
أحدهما: سميع عليم إذ قالت امرأة عمران. وإذ قالت الملائكة يكون؟على (إذ) الأولى.
الثاني: اذكر إذ قالت، لان المخاطب في حال تذكير وتعريف. وقوله: (اصطفاك على نساء العالمين) يحتمل وجهين:
الأول: قال الحسن وابن جريج على عالمي زمانها. وهو قول أبي جعفر (ع)، لان فاطمة سيدة نساء العالمين. وروي عن النبي صلى الله عليه وآله أنه قال: فضلت خديجة على نساء أمتي كما فضلت مريم على نساء العالمين. وقال أيضا (ع) حسبك من نساء العالمين بأربع مريم بنت عمران وآسية امرأة فرعون وخديجة بنت خويلد وفاطمة بنت محمد صلى الله عليه وآله.
الثاني: ما قاله الزجاج، واختاره الجبائي: إن معناه اختارك على نساء العالمين بحال جليلة من ولادة المسيح عيسى (ع). وقوله: (وطهرك) في معناه قولان:
أحدهما: قال الحسن، ومجاهد: طهرك من الكفر.
والثاني: ذكره الزجاج أن معناه طهرك من سائر الأدناس: الحيض، والنفاس، وغيرهما. وإنما كرر لفظ اصطفاك، لان:
معنى الأول: اصطفاك بالتفريغ لعبادته بما لطف لك حتى انقطعت إلى طاعته وصرت متوفرة على اتباع مرضاته ومعنى الثاني اصطفاك بالاختيار لولادة نبيه عيسى (ع) على قول الجبائي. وقال أبو جعفر (ع) اصطفاها أولا من ذرية الأنبياء وطهرها من السفاح.
والثاني: اصطفاها لولادة عيسى (ع) من غير فحل. وفي ظهور الملائكة لمريم قالوا قولين:
أحدهما: أن ذلك معجزة لزكريا (ع)، لان مريم لم تكن نبية، لقول الله تعالى " وما أرسلنا من قبلك إلا رجالا نوحي إليهم " (1).
والثاني: أن يكون ذلك برهانا لنبوة عيسى (ع) كما كان ظهور الشهب والغمامة وغير ذلك معجزة للنبي صلى الله عليه وآله قبل بعثة، فالأول قول الجبائي، والثاني قول ابن الاخشاد. ويجوز عندنا أن يكون ذلك معجزة لها وكرامة، وإن لم تكن نبية لان اظهار المعجزات - عندنا - تجوز على يد الأولياء، والصالحين، لأنها إنما تدل على صدق من ظهرت على يده سواء كان نبيا أو إماما أو صالحا، على أنه يحتمل أن يكون الله تعالى قال ذلك لمريم على لسان زكريا (ع). وقد يقال: قال الله لها، وإن كان بواسطة كما تقول: قال الله للخلق كذا وكذا وإن كان على لسان النبي صلى الله عليه وآله، ولا يحتاج مع ذلك إلى ما قالوه.
1- سورة يوسف آية: 109 وسورة النحل آية: 43 وسورة الأنبياء آية: 7.