الآيات 55-60
قوله تعالى: ﴿هَذَا وَإِنَّ لِلطَّاغِينَ لَشَرَّ مَآبٍ، جَهَنَّمَ يَصْلَوْنَهَا فَبِئْسَ الْمِهَادُ، هَذَا فَلْيَذُوقُوهُ حَمِيمٌ وَغَسَّاقٌ، وَآخَرُ مِن شَكْلِهِ أَزْوَاجٌ، هَذَا فَوْجٌ مُّقْتَحِمٌ مَّعَكُمْ لَا مَرْحَبًا بِهِمْ إِنَّهُمْ صَالُوا النَّارِ، قَالُوا بَلْ أَنتُمْ لَا مَرْحَبًا بِكُمْ أَنتُمْ قَدَّمْتُمُوهُ لَنَا فَبِئْسَ الْقَرَارُ﴾
لما وصف الله تعالى أهل الجنة وما أعده لهم من أنواع النعيم فيها وصف ما أعده لأهل النار والعصاة من أنواع العقاب، فقال ﴿ هذا ﴾ يعني هذا ما ذكرنا لأهل الجنة. ثم ابتدأ فقال ﴿ وإن للطاغين ﴾ وهم الذين طغوا في معاصي الله ﴿ لشر مآب ﴾ يعني شر مرجع. ثم بين ذلك المرجع فقال ﴿ جهنم يصلونها فبئس المهاد ﴾ وإنما وصف جهنم بأنها مهاد لما كانت عوضا لهم عن المهاد، فسميت باسمه، كما قال ﴿ فبشرهم بعذاب اليم ﴾ (1) وقال قوم: هو على تقدير بئس موضع المهاد، والمهاد الفراش الموطأة تقول: مهدت له تمهيدا كقولك وطأت له توطئة، ومه مهد الصبي، لأنه يوطأ له. ثم قال ﴿ هذا فليذوقوه حميم وغساق ﴾ وتقديره هذا عذاب جهنم فليذوقوه حميم وغساق. ويجوز أن تجعله مستأنفا كأنك قلت هذا فليذوقوه. ثم قلت منه حميم وغساق. أمرهم الله بذواق الحميم، لان الذواق ابتداء إدراك الطعم على طلبه بالفم، ولذلك يقال: ذقته فلم أجد له طعما لما فيه من طلب ادراك الطعم بالفم. ومن طلب إدراك الشئ كان أشد احساسا به. والحميم الحار الشديد الحرارة، ومنه الحمى لشدة حرارتها وحم الشئ إذا دنا وأحمه لهذا أي أدناه قال الشاعر:
احم الله ذلك من لقاء * آحاد آحاد في الشهر الحلال (2)
والغساق ما يسيل من صديد أهل النار. وقال ابن عمر: هو القيح الذي يسيل منهم يجمع فيسقونه، وقال كعب الأحبار: الغساق عين في جهنم يسيل إليها سم كل ذات حمة من عقرب وحية. وقيل: هو قيح شديد التن، يقال: غسقت القرحة تغسق غسوقا. والتشديد والتخفيف لغتان. وقيل: الغساق الزمهرير - في قول ابن مسعود - فلبرده يحرق كما تحرق النار. ثم قال ﴿ وآخر من شكله أزواج ﴾ معناه أنواع أخر من شكل العذاب أزواج اي أمثال. وقال الحسن: ذكر السلاسل والاغلال ونحوه، ثم قال ﴿ وآخر من شكله ﴾ مما لم ير في الدنيا. والشكل - بفتح الشين - الضرب المشابه. والشكل - بكسر الشين - النظير في الحسن، ومن قرأ ﴿ وآخر ﴾ أراد الواحد. ومن قرأ ﴿ وأخر ﴾ أراد الجمع ﴿ أزواج ﴾ معناه اشكال. ثم قال ﴿ هذا فوج مقتحم معكم ﴾ قال الحسن يعني به بني إبليس، والآخر بنو آدم يقتحمون معكم النار وعذابها ﴿ لا مرحبا بهم ﴾ أي لا اتسعت لهم أماكنهم ﴿ إنهم صالوا النار ﴾ أي لازموها. قال الفراء: هي الأمة بعد الأمة تدخل النار. وقوله ﴿ لا مرحبا بهم ﴾ من قول أهل النار، كما قال ﴿ كلما دخلت أمة لعنت أختها ﴾ (3) وقيل هم اتباع الرؤساء في الضلالة قيل لهم لا مرحبا بهم، وهو نصب على المصدر ﴿ قالوا بل أنتم لا مرحبا بكم أنتم قدمتموه لنا فبئس القرار ﴾ حكاية ما يردون عليهم من الجواب فإنهم يقولون: بل أنتم لا اتسعت عليكم أماكنكم قدمتموه لنا فبئس القرار الذي استقررنا عليه، وهو مثل قوله " ربنا إنا أطعنا سادتنا وكبراءنا فأضلونا السبيلا ربنا آتهم ضعفين من العذاب والعنهم لعنا كبيرا " (4) وقرأ حمزة والكسائي وخلف (غساق) - بالتشديد - الباقون بالتخفيف وهما لغتان. وقرأ أبو عمرو وابن كثير ﴿ واخر ﴾ مضمومة الألف على الجمع. الباقون ﴿ وآخر ﴾ بفتح الألف ممدودة على التوحيد. ومن قرأ على الجمع، فلقوله ﴿ أزواج ﴾ وهما لا ينصرفان، لان (آخر) وزنه افعل واما أخر فلانه معدول عن الألف والام، لأنه لا يستعمل في الجارية الكبرى والمرأة الأخرى إلا بالألف واللام، فلما عدلوه وعرفوه تركوا صرفه مثل (سحر) إذا أردت سحر يوم بعينه تركت صرفه لأنه معدول عن الألف واللام في السحر.
1- سورة آل عمران آية 21.
2- اللسان * (حمم) *.
3- سورة 7 الأعراف آية 37.
4- سورة 33 الأحزاب آية 68.